كالعادة... وكما هو متوقع... اثار تصريح جديد لسياسي عراقي حول
الوضع في العراق جدلا كبيرا بين الكتل والتيارات السياسية التي يترصد
ويترقب كل منهم تصريح مثير ممن يختلف معه في الرؤية لكي ينتقده ويُزايد
عليه في اسواق و" مولات" السياسة العراقية التي تغرق بجدارة في بضاعة
كاسدة " وسخة " استوردها تُجار يرتدون اقنعة سياسية ما فتئت تتعرى
وتنكشف لدى مواطنيهم الذين عضوا اصابع الندم على انتخابهم.
" ان السنة في العراق يشعرون أنهم مواطنون من الدرجة الثانية،
واتوقع أن يطالبوا بإنشاء أقاليم جغرافية"... عبارة لرئيس مجلس النواب
السيد أسامة النجيفي أطلق عنانها في لقاء مع قناة "بي بي سي"
البريطانية اثناء الزيارة التي يقوم بها حاليا إلى العاصمة البريطانية
لندن... أشعلت هذه المرة اوار البيانات والتصريحات السياسية المضادة.
هذه العبارة التي ادلى بها النجيفي جاءت هذه المرة مُخففة عن
نظيرتها السابقة التي قالها في حزيران الماضي حينما زار الولايات
المتحدة حينما تحدث عن اقليم سني لكن هذه المرة تحدث عن اقليم جغرافي
والعطف عليها بجملة ان السنة يدعمون وحدة العراق، كما اشار الى ذلك
الباحث النرويجي ريدر فيزر في تحليله لموقف النجيفي الاخير.
صدق السيد اسامة النجيفي، بصراحة، ولم يكذب أبدا في عبارته.. فقد
قال الحقيقية لا من حيث كون الاخيرة هي مطابقة الفكر للواقع (أي فكر
النجيفي وواقع السنة في العراق)(كما يُعرّف ذلك الحقيقة اهل المنطق) بل
من حيث تساوقها وتناسبها وعلاقتها بحقيقة التراتبية التي تتحكم بدرجات
المواطنة في العراق الجديد الذي لايزال يرزح تحت وقر ارث " صدامي" لعين...
وادارة خاطئة للبلاد يلتف حول رقبتها اخطبوط المحاصصة والفساد الإداري
والمالي والارهاب الاعمى الذي يحاول تعطيل مسيرة بناء وتطوير الدولة
بأساليب رخيصة ومجرمة.
نعم صدق النجيفي... فالسنة في العراق درجة ثانية... وليسوا درجة
اولى.. لان الدرجة الاولى يحتل مرتبتها السياسيون العراقيون من " السنة
والشيعة " ممن تناسوا اختلافاتهم الطائفية وتركوا تنازعاتهم الفكرية
واتحدوا لا من اجل تحقيق مصالح الشعب ومواطني بلدهم بل بهدف اكتساب
الامتيازات والمؤهلات التي جعلتهم في العراق مواطنين من الدرجة الاولى
بامتياز ولا احد ينافسهم في هذه المرتبة.
من المتوقع ان يقفز لذهن القارئ سؤال حول مواطني الدرجة الثالثة في
العراق الذين تسنموا هذا المنصب بجدارة بعد السياسيين في العراق والسنة...
وهؤلاء هم الشيعة البسطاء في وسط وجنوب العراق ممن لاينتمون لاي حزب
سياسي او ليس لهم صلة قرابة او عشائرية مع مسؤول عراقي في الحكومات
التي تشكلت بعد عام 2003.
الشيعة المساكين في العراق ممن ليست لهم ناقة ولاجمل في الحكومة هم
المواطنون الذين يحملون بطاقة الدرجة الثالثة... فهم من يرقد النفط تحت
محافظاتهم ويموتون جوعا وبؤسا... وهم من يشق نهري دجلة والفرات اراضيهم
ويشربون من ماء لايصلح حتى للحيوانات.. وهم من يعيشون تحت خط الفقر وفي
محافظاتهم اكبر ثروات الطبيعة.
الشيعة في العراق هم من يُحاسبون في مطارات بعض الدول العربية اذا
ما تم التعرف عليهم بانهم شيعة... وهم من يدفعون فاتورة الاخطاء
السياسية في العراق حينما تذبحهم حراب وسيوف تنظيم القاعدة والمجاميع
المتطرفة من الذين يُحاسبون هؤلاء المساكين والضعفاء بذنب لم يقترفونه
ولم يكونوا يوما من الايام مسؤولين عن وزره ابدا.
لهذا اقول صدق النجيفي في تشخيصه للتراتبية والدرجات التي يمكن بها
تأطير خريطة مشهد المواطنة في العراق والتي اصبحت مفردتها" اي المواطنة"
ذات دلالات وايحاءات ومعاني سلبية بل اقرب الى الاستهزاء والتندر حينما
تحاول بها ان تتحدث امام مواطن عراقي سحقته آلة الحرب والفساد والارهاب
وسوء الخدمات.
نعم صدق النجيفي ولن اهتم بما قاله السياسيون الذين انتقدوا النجيفي
حول تصريحه، ولن انساق وراء غبار التصريحات المضادة له كما رأينا كيف
تم الاحتفاء بها وعلى الطريقة العراقية عبر اصدار البيانات التي تشجب
وتندد وتستنكر تصريح النجيفي مثل العراقية البيضاء التي قالت " ان
تصريحات النجيفي تمثل خروجا عن المادة "واحد" من الدستور وانها تخدم
اجندات سياسية خارجية ولاتصب في مصلحة وحدة العراق أرضا وشعبا، او
ماقاله النائب عن كتلة المواطن حبيب الطرفي الذي وصف تصريحات النجيفي
بالــ "المخدشة للوحدة"، وكتلة الاحرار التي صرّح عضوها حسين الشريفي
بأن "تصريحات اسامة النجيفي في قناة البي بي سي غير صحيحة ومنافية
للواقع كما انها مثيرة للفتنة الطائفية".. مبينا ان "نائب رئيس
الجمهورية ونائب رئيس الوزراء والنجيفي نفسه رئيسا للبرلمان وهناك اكثر
من 10 وزراء في الحكومة من المذهب السني لذا فان هذه المناصب منحت لهم
على اساس التوازن فالكلام عن التهميش لسنة العراق غير واقعي".
كما انني لن اقتنع برد دولة القانون التي قال احد اعضائها، وهو سامي
العسكري، أن النجيفي يرتدي ثوبا وطنيا داخل العراق وطائفيا خارجه،.. أو
تصريح عضو اخر منها وهو عبد المهدي الخفاجي، الذي قال أن " النجيفي لا
يمثل البرلمان العراقي ذات الأغلبية الشيعية وإنما مجلس نواب السنة".
نعم لن اقتنع بذلك لأن ماقاله النجيفي فيما يتعلق بالاقاليم دستوري
ونصت عليه مادة واضحة في دستور العراق وهي المادة 119 منه التي اعطت
لكل محافظة الحق لتشكيل اقليم وضمن الوحدة الادارية والجغرافية وليس
وفق الاسس القومية والمذهبية والسياسية.
ولذا وجدت ، وبكل وموضوعية، ان موقف رئيس برلمان كردستان العراق
السيد كمال كركوكي هو الاكثر هدوءً ورصانة، اذ أعلن ان عن دعمه
لتصريحات رئيس مجلس النواب العراقي اسامة النجيفي التي تحدثت عن احتمال
تأسيس فيدراليات على اساس جغرافي، مؤكداً على ان برلمان كردستان العراق
سيضع خبرته في خدمة اية فيدرالية تتشكل حديثا في العراق.
[email protected] |