معركة عزل ايران وتحشيد الرأي العام العالمي

شبكة النبأ: تثير المؤامرة الايرانية المزعومة في محاولة قتل السفير السعودي في واشنطن الكثير من التساؤلات حول حقيقتها وتوقيتها في الظروف التي يمر بها الشرق الاوسط، مع احتدام الربيع العربي وحالة الهلع التي يمر بها النظام السعودي حيث يخسر الكثير من قواعده التقليدية ويحس باقتراب نار الثورة الى معقله، خصوصا مع انحسار النفوذ الامريكي في المنطقة وتزايد النفوذ الايراني بالاخص في العراق حيث تقترب ساعة الانسحاب الامريكي من الصفر دون وجود اي اتفاق حقيقي. ويبدو ان الهجوم الامريكي السعودي على ايران يمثل احد اهم معارك الحرب الباردة لكسب النزاع في الشرق الاوسط، عبر الضغط الدولي وتحشيد الرأي العام لعزل ايران واسقاط اهم حلفائها وهو النظام السوري، فهل سينجح هذا السيناريو في تحقيق اهدافه وكسب اهم المعارك في هذه الحرب الاستنزافية الطويلة.

رد امريكي على مؤامرة ايرانية

في الوقت الذي توحد فيه الرئيس الامريكي باراك اوباما وكبار معاونيه الاسبوع الماضي في تحذيرهم الشديد اللهجة بشأن مؤامرة اغتيال ايرانية مزعومة يعبر بعض المسؤولين الحكوميين الامريكيين سرا عن قلقهم من ان الخطة الغريبة تسببت في انطلاق دعوات امريكية للقيام بعمل قوي ضد ايران.

وفي حين لا يشكك هؤلاء المسؤولون في حقائق كثيرة عن القضية يقولون ان المؤامرة تكشف ضعفا في وكالات الامن الايرانية وحالة متزايدة من التشظي في صفوف الحكومة الايرانية بينما تواجه ضغطا دوليا مكثفا.

كما شككوا في الحكمة وراء استراتيجية البيت الابيض في استخدام القضية للاسراع بالضغط لفرض عقوبات اشد على طهران مما يزيد من التوتر الاقليمي.

وقال مسؤول "كثير من الناس يشعرون من حيث المبدأ بشك حقيقي حيال هذا" مشككا في دافع البيت الابيض وراء "تصعيد هذا الامر بهذه السرعة." بحسب رويترز.

واصر هذا المسؤول شأنه شأن اخرين على عدم الافصاح عن هويته لانه ليس مخولا بالتحدث علنا.

وقال مسؤول امريكي ثان انه يشعر بهذه المخاوف ايضا مشككا فيما اذا كانت العقوبات الجديدة خاصة العقوبات الامريكية الاحادية سيكون لها اكثر من مجرد اثر صوري على البلد المثقل بالعقوبات بالفعل.

ووجهة النظر التي تحظى بتوافق الاراء داخل الادارة هي ان الزعيم الايراني الاعلى اية الله علي خامنئي ربما كان يعلم بالمؤامرة التي تستهدف اغتيال السفير السعودي بواشنطن بينما لا يعلمها الرئيس محمود احمدي نجاد.

لكن المسؤولين المتشككين قالوا انه ليس لديهم من دليل دامغ على ان خامنئي عرف بالخطة او وافق عليها.

وكشفت شكوى جنائية الاسبوع الماضي عن اتهامات للامريكي من اصل ايراني منصور ارباب سيار وهو محتجز حاليا وغلام شاكوري العضو البارز بقوة القدس السرية في ايران بالتامر لقتل السفير عادل الجبير.

واثارت الحقائق الغريبة عن القضية دهشة المتخصصين في الشأن الايراني ومن هذه الحقائق تلعثم ارباب سيار وقربه ممن كان يفترض أنه أحدى الشخصيات البارزة بعصابات المخدرات بالمكسيك والذي تبين انه عميل اتحادي امريكي.

وقال بعض المسؤولين الامريكيين الاسبوع الماضي انهم كانوا متشككين في بادئ الامر في المؤامرة المزعومة لكنهم في النهاية اقتنعوا بالدليل الذي يربط بينها وبين ايران وقوة القدس ذراع العمليات السرية للحرس الثوري الايراني.

ووفقا لما هو معروف حتى الان لا يوجد انقسام بين اقرب مستشاري اوباما بشأن الدليل على المؤامرة او التهديد الذي تمثله.

ويدافع البيت الابيض بقوة عن تعامله مع القضية واستراتيجيته الدبلوماسية في الايام القليلة الماضية.

وقال مستشار الامن القومي التابع للبيت الابيض بن رودس "لديكم قضية واضحة عن مؤامرة اغتيال دبلوماسي في الولايات المتحدة لها صلة بالمستويات العليا في قوة القدس الايرانية لذلك فان الحقائق نفسها تظهر جدية القضية."لم نتجاوز بأي شكل هذه الحقائق."

وسئل عن طريقة اعلان الادارة عن المؤامرة المزعومة بما في ذلك المؤتمر الصحفي لوزير العدل اريك هولدر فقال رودس ان البيت الابيض اتبع "نظاما راسخا" لمثل هذه الحالات يشمل تقديم المشتبه به في المحكمة ورفع وثيقة اتهام عامة وعقد مؤتمر صحفي في وزارة العدل.

وقال رودس "تعاملنا مع هذا كما كنا سنتعامل مع واقعة بارزة ذات اثار دولية واضحة."

لكن بول بيلار وهو محلل كبير بوكالة المخابرات المركزية الامريكية قال ان الكلمات القوية لاوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون تعكس ايضا الانتخابات المقبلة.

وقال بيلار الذي يعمل حاليا استاذا بجامعة جورجتاون "هما في اجواء الترشح لفترة ولاية ثانية ويتأكدان من ان يظهرا بمظهر المتشدد ازاء ايران. انه سيعطي ذخيرة اضافية لمن يودون دفعنا الى مزيد من المواجهة خاصة في استخدام القوة العسكرية."

ولم يلمح البيت الابيض الى انه سيرد بالقوة العسكرية. وربما ترجع بعض الشكوك في المؤامرة الايرانية الى المبرر الذي قدمه الرئيس الامريكي جورج بوش لشن الحرب على العراق في 2003 والذي استند الى اسلحة العراق للدمار الشامل التي لم يعثر عليها مطلقا.

والخلافات بشأن النظر الى القضية مثال نادر على الانقسام داخل ادارة تفخر بوحدتها.

وقال مسؤولون ان معرفة المؤامرة كانت مقصورة داخل الحكومة الامريكية الى ان صدرت الشكوى يوم الثلاثاء.

ومنذ ذلك الحين يشرف البيت الابيض على استراتيجية دبلوماسية قوية لمواجهة ايران منها ارسال فرق لاطلاع الحلفاء على القضية والمطالبة بفرض مزيد من العقوبات على ايران.

وقال اوباما يوم الخميس ان الولايات المتحدة ستضغط من اجل فرض "اشد العقوبات" الممكنة على ايران. وقال مسؤول ان احد اهداف هذه العقوبات هو قطاع النقل الايراني الخاضع لعقوبات مشددة.

ومع ذلك اعترفت كلينتون في مقابلة مع رويترز يوم الثلاثاء ان ايران واقعة بالفعل تحت تأثير مجموعة من العقوبات منها عقوبات الامم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي. واشارت الى ان واشنطن تأمل ان تضطر دول اخرى الان الى تطبيق العقوبات القائمة بصرامة اكبر.

واقوى دليل على وقوف قوة القدس وراء المؤامرة ضبط حوالة مصرفية قيمتها نحو 100 الف دولار مما سهل على ارباب سيار تحويلها الى حساب مصرفي سري للحكومة الامريكية.

وبينما لا تزال التفاصيل سرية قال مسؤول ان الحوالة المصرفية عليها دمغة توضح ان اللواء قاسم سليماني قائد قوة القدس وافق عليها.

مشرعون أمريكيون يؤديون السيناريو

بدوره قال رئيسا لجنتي المخابرات في مجلسي الكونجرس الامريكي يوم الاحد ان المؤامرة الايرانية التي زعم تدبيرها لاغتيال السفير السعودي ينبغي أن تؤخذ مأخذ الجد وحذرت رئيسة لجنة مجلس الشيوخ من ان الولايات المتحدة وايران قد تكونان في "مسار تصادم".

وسئل رئيس لجنة المخابرات في مجلس النواب مايك روجرز ما اذا كانت المؤامرة جدية ونالت موافقة كبار المسؤولين الايرانيين فقال انها لم تبد وكأنها من أعمال الهواة الا أن الولايات المتحدة تمكنت من احباطها في مراحل التخطيط المبكرة.

وأضاف لمحطة (ايه.بي.سي) "كنا محظوظين للغاية... اكتشفنا هذا نحن الحكومة الامريكية اكتشفنا هذا من البداية." وقال روجرز ورئيسة لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ ديان فينستاين ان الولايات المتحدة يجب ان ترد بقوة لكنهما لم يدعوا الى القيام بعمل عسكري ضد ايران وانما الى تشديد العقوبات الاقتصادية. بحسب رويترز.

وقالت فينستاين انها كانت متشككة في باديء الامر عندما جرى اطلاعها للمرة الاولى بشأن المؤامرة المزعومة في اوائل سبتمبر ايلول لكنها تعتقد الان "انها حقيقية تماما".

وقالت فينستاين لمحطة فوكس نيوز "يجب ألا تتطلع بلادنا لخوض حرب... يجب ان نتطلع لوقف السلوك السيء دون حرب."

وقالت فينستاين وروجرز ان الولايات المتحدة يجب ان تضغط على روسيا والصين كي تؤيدا العقوبات وقالا ان هاتين القوتين احبطتا جهودا سابقة لاتخاذ اجراءات مشددة ضد ايران بسبب طموحاتها النووية.

وقال روجرز "فلنضغط على الصينيين والروس ونقول لهم اسمعوا.. اما أن تقفوا مع دولة تمارس ارهاب الدولة واما أن تقفوا مع بقية المجتمع الدولي."

وسئل روجرز بشأن الرد العسكري فقال انه يجب عدم استبعاد هذا الخيار "من على الطاولة".

وأضاف "اعتقد ان هناك كثيرا من الاشياء التي يجب ان نفعلها لضمان ان يفهموا ان هذا غير مقبول."

وقالت فينستاين ان ايران "تسرع الخطى" في برامجها للتطوير النووي وان مؤامرة الاغتيال سبب اضافي للتحرك الان كي يتضح لطهران ان عليها ان تغير سياستها.

واضافت "في غياب ذلك سنكون في وقت أو اخر في مسار تصادم اذا نظرتم لعدد من السنوات القادمة."

ايران ترد عبر زعيمها

وجاء الرد الايراني عندما نقل التلفزيون الايراني عن الزعيم الاعلى اية الله علي خامنئي قوله يوم السبت ان الاتهامات الامريكية بأن اثنين من الايرانيين خططا لاغتيال السفير السعودي لدى واشنطن "لا معنى لها". وتابع خامنئي أمام حشد في اقليم كرمانشاه "وجه اتهام لا معنى له ومحض هراء لبعض الايرانيين في أمريكا والذي استخدم كمبرر لتصوير الجمهورية الاسلامية كداعم للارهاب."

واضاف "لم ينجح ولن ينجح". وقال خامنئي الذي يقوم بزيارة للاقليم تستمر تسعة ايام ان الغرب وجه مرارا اتهامات بلا اساس لايران. واستطرد "يشرعون في مثل هذه المؤامرات على اساس دوري... لكن دون جدوى. "يقولون اننا نريد ان نعزل ايران (لكنهم) يعزلون انفسهم."

ونقلت قناة (برس تي.في) التلفزيونية الايرانية الناطقة بالانجليزية عن المتحدث باسم وزارة الخارجية رامين مهمان باراست قوله ان المزاعم الامريكية "غير صحيحة ولا اساس لها".

وقال "انه عرض فكاهي اختلقته امريكا" مضيفا ان العلاقات بين ايران والسعودية مبنية على "الاحترام المشترك" ولا يمكن ان تتأثر "باختلاق مثل هذه المزاعم التي لا اساس لها".

اجتماع امريكي ايراني مزعوم ايضا

من جهتها قالت وزارة الخارجية الامريكية يوم الجمعة ان الولايات المتحدة اجرت اتصالات مباشرة نادرة مع ايران بشأن مزاعم بأن طهران وراء مؤامرة لاغتيال السفير السعودي على الاراضي الامريكية رافضة النفي الايراني لعقد أي اجتماعات.

وقالت فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم الوزارة "سأؤكد مرة أخرى اننا اجتمعنا مع الايرانيين... هم يعرفون هذا جيدا وأي جهود من جانبهم لنفي ذلك تثبت مجددا الى أي مدى هم غير صادقين بشأن أي من هذه القضايا."

وكانت نولاند قد اشارت في البداية الى ان الاجتماع عقد يوم الاربعاء لكن مسؤولين امريكيين اوضحوا لاحقا انه كان يوم الثلاثاء.

ورفضت المتحدثة باسم الوزارة الافصاح عن هوية المشاركين في الاجتماع او مكانه.

وقالت نولاند "الهدف الاساسي من جانبنا كان أن نوضح بشدة أننا نعتبر هذا التصرف انتهاكا للقانون الامريكي وانتهاكا للقانون الدولي وغير مقبول واننا ننوي محاسبتهم."

وكانت وكالة مهر شبه الرسمية للانباء قالت في وقت سابق يوم الجمعة ان مسؤولا في بعثة ايران بالامم المتحدة نفى يوم الجمعة وجود اتصالات مباشرة بين طهران وواشنطن بشأن تلك المزاعم.

وقال علي رضا مير يوسفي المسؤول الاعلامي في بعثة ايران للوكالة "لم تجر اتصالات مباشرة بين الدولتين."

تشكيك في الادلة

 بعض المحللين المتخصصين في شؤون الشرق الاوسط يشككون في الادلة وتوقيت الاعلان الامريكي. ويقول محمد المصري الباحث بمركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية ان هناك حربا سرية بين السعوديين والايرانيين وأضاف أنه ليس مندهشا من أن تكون الولايات المتحدة احدى ساحات القتال بسبب الدور الكبير الذي تلعبه في تشكيل السياسة تجاه المنطقة.

ومضى يقول ان الامريكيين عادة لا يلفقون التقارير من هذا النوع مشيرا الى أنه يشتبه في أن كل هذا مرتبط بسوريا. وقال ان ايران تعتبر أن السعوديين يلعبون دورا نشطا في محاولة تغيير النظام السوري.

وقبل اندلاع الانتفاضات الشعبية التي اجتاحت العالم العربي وعرفت اعلاميا باسم "الربيع العربي" أذكت المخاوف السعودية من البرنامج النووي لايران ونفوذها في العراق بعد سقوط الرئيس الراحل صدام حسين العداء بين الدولتين اللتين تتنافسان على النفوذ في منطقة الخليج المنتجة للنفط.

واتضح عداء الرياض تجاه ايران في برقيات أمريكية مسربة نقلت عن الجبير قوله لدبلوماسيين أمريكيين منذ أربعة أعوام ان الوقت قد حان "للتصدي لايران."

وفي عام 2008 نقل الجبير عن العاهل السعودي الملك عبد الله قوله لواشنطن أن "تقطع رأس الافعى."

لكن على الرغم من هوة انعدام الثقة بين السعودية وايران يتساءل محللون عما اذا كانت طهران أقدمت بالفعل على خطوة اغتيال دبلوماسي كبير على أرض الولايات المتحدة.

ويقول محمد قدري سعيد الخبير الاستراتيجي في مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية انه غير مقتنع بأن تحاول ايران اغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة مشيرا الى أن هذا ليس له مغزى سياسي.

ويقول ميشال نوفل مدير القسم الخارجي بصحيفة المستقبل اللبنانية انه متشكك في توقيت توجيه الاتهامات اذا كانت الولايات المتحدة تعلم بالمخطط منذ عدة اشهر.

وتساءل لماذا الان على الرغم من أن الرئيس الامريكي باراك أوباما علم بالامر في يونيو حزيران وقال انه لا يعتقد أن الايرانيين لديهم القدرات اللازمة لتنفيذ عملية من هذا النوع في واشنطن.

والادلة المبدئية التي تربط ايران بالمخطط المزعوم فيما يبدو هي أن المشتبه به الذي ألقي القبض عليه في الولايات المتحدة أبلغ ضباط انفاذ القانون الامريكيين أن رجالا فهم أنهم مسؤولون كبار في قوة القدس وهي فرع سري للحرس الثوري الايراني جندوه ووجهوه.

ويقول المحلل اللبناني نبيل بومنصف ان الادلة ضعيفة.

وقال المصري من الجامعة الاردنية انه اذا صحت هذه التقارير فانها تظهر يأسا ايرانيا. وأضاف أن هذا يظهر أن طهران بدأت تشعر بأثر التطورات الاقليمية والسياسة السعودية الاكثر حزما تجاه سوريا.

لكن الكثير من العرب مازالوا متشككين في دوافع الولايات المتحدة في منطقة لم ينس معظم من يعيشون فيها الاسباب الواهية التي قدمتها واشنطن لتبرر غزو العراق عام 2003 .

وتساءل وليد مبارك استاذ العلوم السياسية بالجامعة اللبنانية الامريكية عن السبب في أن تثير الولايات المتحدة هذه القضية الان وما اذا كانت الولايات المتحدة بحاجة الى ذريعة لاتخاذ اجراء ضد ايران.

ثغرات في المخطط

هذا واعترف عدة مسؤولين كبار في الحكومة الامريكية بأن المخطط يفتقر الى الحرفية المطلوبة بشكل غير معتاد.

وقال مسؤول "كنا ننتظر أن تخفي قوة القدس اثارها بشكل اكثر فعالية." وقال اخر ان التخطيط لشن هجوم عنيف داخل الولايات المتحدة "لا يتفق بشدة مع نمط" أنشطة قوة القدس في الاونة الاخيرة.

وقال كينيث كاتزمان المتخصص في الشأن الايراني في خدمة الكونجرس للابحاث وهي مؤسسة بحثية ان هناك عناصر غير منطقية في المؤامرة المزعومة.

وأضاف "فكرة الاستعانة ببائع سيارات في تكساس ليس عضوا في قوة القدس ويقيم في الولايات المتحدة منذ عدة سنوات هذا غير معقول."

وأضاف "ربما كان هناك نوع من الاتصال بهذا الشأن مع قوة القدس لكن فكرة أن هذا مخطط تم توجيهه وفحصه والتفكير فيه مليا والموافقة عليه على أعلى مستويات القيادة بطهران في اعتقادي لا تصدق." بحسب رويترز.

وقال المسؤولون الامريكيون ان عمليات قوة القدس حتى الان انطوت في الاساس على توفير دعم ايراني سري للمتشددين والمتمردين المناهضين للولايات المتحدة واسرائيل في الشرق الاوسط وجنوب اسيا.

السعودية في مجلس الامن

بدورها اتخذت المملكة العربية السعودية الخطوة الاولى في مسألة احالة ايران الى مجلس الامن الدولي وهو ما قد يؤدي الى فرض عقوبات جديدة عليها فيما يتصل بمؤامرة مزعومة لاغتيال سفير السعودية في واشنطن.

ونقلت صحيفة الشرق الاوسط عن بيان للبعثة السعودية في الامم المتحدة القول انها "طلبت رسميا من الامين العام للامم المتحدة أن يحيط مجلس الامن بشأن المؤامرة البشعة لاغتيال سفير المملكة العربية السعودية لدى الولايات المتحدة."

وقال وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل يوم الاربعاء في فيينا ان ايران "مسؤولة" عن المؤامرة المزعومة وأكد أن المملكة ستتخذ "ردا محسوبا".

وتصاعد التوتر بين ايران والسعودية في الاشهر القليلة الماضية بعد أن غيرت انتفاضات الربيع العربي من ميزان القوى في الشرق الاوسط.

وألقت السعودية في وقت سابق من الشهر الجاري باللوم على ايران دون أن تذكرها بالاسم في التحريض على اشتباكات بين أفراد من الاقلية الشيعية في المملكة وقوات الامن في الثالث من اكتوبر تشرين الاول والتي أصيب فيها 14 شخصا. بحسب رويترز.

التلاعب بالامم المتحدة لحشد الرأي العام

يمكن للولايات المتحدة كسب تأييد مجلس الامن التابع للامم المتحدة في قضية المؤامرة الايرانية المزعومة لاغتيال السفير السعودي في واشنطن اذا كان لدى واشنطن أدلة ولعبت بالاوراق التي في يدها بشكل سليم. فقد قدمت سوزان رايس سفيرة واشنطن في الامم المتحدة تفاصيل القضية الى بان وقالت له ان ما فعلته ايران يمثل "تهديدا خطيرا للامن والسلام الدوليين." وأضافت أن واشنطن تتحدث مع الدول الاعضاء في مجلس الامن الدولي كما طلبت من بان تقديم تفاصيل القضية الى الجمعية العامة.

ولم يتوصل وفد الولايات المتحدة في المنظمة الدولية بعد الى قرار رفع القضية الى مجلس الامن الدولي لكن دبلوماسيين يقولون ان واشنطن تبحث هذا الامر. بحسب رويترز.

وقال سفير بالمجلس لرويترز "لم يضعوا خطة اللعب بعد.. انهم يدرسون كل الخيارات.. مزيد من العقوبات واستصدار قرار والادانة .. كلها أمور ممكنة."

واذا سارت الولايات المتحدة على نهج ادارات أمريكية سابقة وقدمت القضية خلال اجتماع علني لمجلس الامن المكون من 15 دولة فانها قد تستطيع حشد الدعم في مواجهة المتشككين والمنتقدين الذين قالوا ان الاتهامات الجديدة الموجهة لايران منافية للعقل.

كان هذا هو ما حدث عام 1962 في أزمة الصواريخ الكوبية عندما كشف سفير الولايات المتحدة في الامم المتحدة انذاك ادلاي ستيفنسون خلال اجتماع علني للمجلس نقله التلفزيون عن صور التقطتها طائرات تجسس من طراز يو تو لصواريخ سوفيتية ومنصات اطلاق في كوبا وواجه السفير السوفيتي في الامم المتحدة فاليريان زورين بالاتهامات.

وقال ستيفنسون "هل تنكر أيها السفير زورين أن الاتحاد السوفيتي وضع ويضع صواريخ متوسطة المدى ومواقع صواريخ في كوبا؟ نعم أم لا؟"

ورفض المندوب السوفيتي الرد باجابة محددة وقال لستيفنسون "أنا لست أمام محكمة أمريكية."

ورد ستيفنسون قائلا "أنت أمام محكمة الرأي العالمي الان ويمكنك أن تجيب بنعم أم بلا." ولم يرد زورين باجابة واضحة قط لكن تمتع السوفيت بحق النقض (الفيتو) جعل من المستحيل اتخاذ أي اجراء رسمي ضدهم في مجلس الامن.

لكن واشنطن كسبت فعلا القضية في "محكمة الرأي العالمي." ففي نفس اليوم وهو 23 أكتوبر تشرين الاول عام 1962 أيدت منظمة الدول الامريكية بالاجماع خطة أمريكية لفرض حصار بحري على كوبا لمنع ارسال المزيد من شحنات الصواريخ.

وفي عام 1983 قامت السفيرة الامريكية في الامم المتحدة جين كيركباتريك بتشغيل تسجيل صوتي لطيار طائرة اعتراض سوفيتية كان ضالعا في اسقاط طائرة الخطوط الجوية الكورية رقم 007 فوق بحر اليابان مما أسفر عن مقتل 269 من الركاب وأفراد الطاقم وكان من المستحيل على السوفيت أن ينفوا ضلوعهم في الامر بعد ذلك.

لكن التاريخ الحديث يظهر أيضا أنه عندما يكون الدليل ضعيفا فان أصوات المتشككين في مجلس الامن الدولي ستعلو ولن تتمكن واشنطن من اسكاتها. والمجلس هو الكيان الوحيد التابع للامم المتحدة الذي يملك سلطة فرض العقوبات أو السماح باستخدام القوة العسكرية.

كان هذا ما حدث مع كلمة وزير الخارجية الامريكية الاسبق كولن باول في فبراير شباط 2003 أمام مجلس الامن عندما قدم معلومات مخابرات أمريكية عن مزاعم بوجود برامج للاسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية لدى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.

وربما كان باول يحاول السير على نهج ستيفنسون وكيركباتريك فاستخدم وسائل مساعدة بصرية وعرض صورا وشغل تسجيلات صوتية بل أنه عرض زجاجة بها مسحوق أبيض بدا كمسحوق الجمرة الخبيثة الفتاك.

ولم تحقق هذه الكلمة التي استندت الى أدلة تبين الان أنها خاطئة أي نجاح في الحصول على تأييد الفرنسيين والروس والالمان المتشككين والذين أجبروا الولايات المتحدة وبريطانيا في نهاية المطاف على التخلي عن جهودهما للحصول على الضوء الاخضر من الامم المتحدة للقيام بغزو العراق في مارس اذار عام 2003 .

وقال ديفيد بوسكو وهو أستاذ في الجامعة الامريكية بواشنطن ان استخدام المجلس قد يكون "مسرحا عاما" جيدا لكنه قد لا يقنع الاعضاء المتشككين فيه.

وأضاف "الخطب الدرامية عادة ما تكون فعالة في استمالة الرأي العام في الداخل أكثر من استمالة الدول الاخرى."

وقال "خطاب باول لم يغير الحركة الديناميكية في المجلس فيما يتعلق بدعم الحرب لكن كان له تأثير كبير في الداخل."

وقال دبلوماسيون في الامم المتحدة ان واشنطن بدأت بالفعل في بذل جهود أولية لاقناع الدول الاعضاء في مجلس الامن بقوة القضية التي أثار عدد من المحللين شكوكا حولها.

ويرى بعض المحللين أنهم يجدون صعوبة في تصديق أن قوة القدس ستتصرف بهذا الشكل الاحمق الذي تشير اليه أوراق القضية.

وقال مبعوثون ان فريقا من خبراء وكالة المخابرات المركزية الامريكية ومكتب التحقيقات الاتحادي وادارة مكافحة المخدرات ووزارتي الخارجية والعدل الامريكيتين انضموا الى رايس ونظيرها السعودي يوم الاربعاء لابلاغ الدول الاعضاء في المجلس بتفاصيل المؤامرة المزعومة.

وتركت المزاعم الموجهة لايران انطباعا قويا لدى بعض الدبلوماسيين لكنها لم تنجح في كسب تأييدهم جميعا.

ووصف السفير الفرنسي في المنظمة الدولية جيرار ارو المزاعم بأنها "قابلة للتصديق ومقنعة للغاية" وقال ان فرنسا "ستدعم كثيرا" أي مبادرة أمريكية في المجلس.

وقال السفير الروسي في الامم المتحدة فيتالي تشوركين ان موسكو "ستبحث الامر بجدية شديدة للغاية" وأضاف المبعوث الصيني لي باو دونغ أنه نقل تفاصيل القضية الى بكين.

وقال دبلوماسيون في المجلس ان واشنطن أرسلت فرق خبراء من وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الاتحادي وادارة مكافحة المخدرات الى روسيا والصين وهما من أكثر الدول المتشككة في المجلس ولهما حق النقض (الفيتو).

وبدا أن ماريا لويزا ريبيرو فيوتي السفيرة البرازيلية في الامم المتحدة ليست مقتنعة تماما وقالت للصحفيين ان الاجراءات القضائية الامريكية يجب أن تأخذ مجراها أولا.

ويقول مبعوثون في المجلس ان كسب تأييد الهند وجنوب افريقيا وهما العضوان الاخران في دول مجموعة (بريكس) للاقتصادات الناشئة الى جانب البرازيل وروسيا والصين قد يكون صعبا على واشنطن. وكانت المجموعة قد رفضت جهودا غربية للتحرك ضد سوريا وغيرها من القضايا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/تشرين الأول/2011 - 19/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م