الشباب بين مأساة الحاضر وخطر المستقبل

رؤى من فكر الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: لا تزال شريحة الشباب المسلم، هي الشغل الشاغل للمصلحين والمفكرين والمعنيين، لسببين مهمين:

الاول: أن الشباب هم المعيار الاهم، الذي تقاس عليه حيوية المجتمع، أو كسله وخموله وتراجعه في العلم والعمل والانتاجية عموما.

الثاني: هم الشريحة الاكثر تعرضا للتشويه والانحراف، من خلال بث الموجات المتلاحقة لثقافات وافدة لاسيما الغربية منها، بمعنى اوضح، ان الشباب هم الوسط المستهدَف بالتشويه أولا، بسبب تأثيرهم على عموم المجتمع.

لهذا نجد أن المأساة التي يعيشها الشباب كبيرة ومتواصلة، بسبب الجهد الكبير والمتواصل التي تبذله الدوائر المعادية، فتضخ ملايين المعلومات والمنظومات السلوكية المشوهة، من اجل السيطرة على عقول الشباب، من خلال خلق منظومات سلوكية لا علاقة لها بواقع وثقافة الاسلام، التي تعتمد الشباب كأساس في ترصين البنية الاجتماعية والاخلاقية معا.

الشباب ورؤية الامام الشيرازي

في كتابه الثمين الموسوم بـ (الشباب) يطرح الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)، جمله من المؤشرات والملاحظات والحلول ايضا، فيؤكد قائلا في هذا الصدد:

ان (مأساة الشباب في هذا القرن من أكبر المآسي.. حيث لم يعرفها التاريخ المكتوب فيما سبق.. وذلك لأن الشباب قديماً لم يكونوا طبقة مستقلة لا تستشير الكبار ولا تأخذ بنصحهم.. وإنما هم تبع لآبائهم الناضجين.. فكانوا يوردونهم الحياة تدريجياً بنضج لابأس به).

إذن يكاد دور الآباء أن يضمحل، إن لم يكن قد غّيّب تماما، بفعل الضخ الهائل للثقافات الدخيلة التي لا تنسجم مع تعاليمنا الاسلامية الانسانية الراقية، التي تؤكد على التوازن التام في البنى الاجتماعية وغيرها، لاسيما ما يتعلق بالعلاقة بين الآباء والابناء، والدور الكبير الذي يقع على عاتق الآباء، في التربية والتنوير ونقل التجارب الواقعية المتنوعة للابناء، من اجل بناء الشخصية السليمة القادرة على الانتاج الفكري العملي الامثل، بيد أن هذه العلاقة كانت هدفا للتشويه من لدن الاطراف المعادية، فأخذت تعمل بجد لتدمير العلاقة المتوازنة بين الاب والابن، حتى وصلت الى مستويات خطيرة من السوء والتدني، وأكد الامام الشيرازي قائلا في كتابه نفسه بهذا الخصوص:

إن (مشاكل اليوم تجاوزت حدها الطبيعي بكثير.. فالمناهج العالمية في هذا القرن أوجدت فاصلا حديدياً بين طبقة الآباء وطبقة الأبناء ، وذلك بسبب الجوّ الذي هيأوه للأبناء من المدارس والنوادي والجرائد والمجلات والإذاعة والتلفاز والفيديو والسينما ومختلف المنظمات والتجمعات غير الصحيحة.. كما اتهمت الآباء بالخرافة والرجعية وعدم الفهم وما أشبه ممّا سبّب عزوف الأبناء عن الآباء وهذا أول الوهن).

القطيعة بين الاجيال

وقد دأبت الجهات المعادية للاسلام، على بث حالات الانفلات بين الشباب، لاسيما ان وسائل النشر والعرض والتوصيل، باتت متاحة على نحو غير منضبط، فأضعفت هذه الاساليب رقابة الشاب لذاته، مع ضعف في دور الآباء لمراقبة ومتابعة وارشاد الابناء، الامر الذي ساعد على نحو كبير في انتشار السلوكيات الشائنة بين الشباب المسلم، وهذا هو الهدف المطلوب تحقيقه، في ظل ضعف او غياب الدور الابوي والرسمي والنخبوي التوجيهي عموما، لذا يؤشر الامام الشيرازي في الكتاب نفسه، تلك المحاولات المستميتة التي تعمل على تشويه نفوس الشباب واراداتهم، قائلا في هذا المجال:

(بالإضافة إلى إبعاد الشباب ـ بمختلف الوسائل ـ عن الله واليوم الآخر.. فلا رقابة ذاتية ولا أبوية ولا غيرها من الأسباب، وبذلك أصبحوا في واقع الحياة قبل أن تعركهم التجارب، فأصبح الكثير من القرارات التي اتخذوها لأنفسهم خاطئة).

الصيادون في الماء العكر

إن إشاعة الميوعة والاباحية هدف لا يتخلى عنه المتصيدون في الماء العكر، فهم يتعاملون مع الشباب على اساس جس ومعرفة نقاط الضعف لديهم، لاسيما في ظل غياب الحماية والارشاد الابوي او سواه، وكلنا يعرف مدى حساسية وخطورة مرحلة الشباب جنسيا، إذا لم تكن هناك منظومة ارشاد ابوية متينة، تحمي الابناء من الانزلاق في مهاوي الرذيلة، لهذا يحاول ضعاف النفوس والاعداء عموما، أن يستغلوا هذه المرحلة الحساسة من حياة الشباب، خاصة أن وسائل التوصيل متاحة على نحو واسع، يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد بكتابه نفسه:

(لقد استغل جماعة من الصيادين ومن طلاّب المال والشهوات قدرة الشباب واخذوا بأزمتهم فأوردوهم موارد الاستعمار ومناهل الفساد والانحلال، وتبعاً لذلك جاءت المشاكل التي منها العنوسة والعزوبة. فملئوا بهم المباغي والملاهي والمراقص والنوادي الفاسدة.. وبذلك امتلأت بهم السجون ونصبت لهم المشانق).

الحكام الطغاة والشباب

ومن المآسي المؤلمة حقا في هذا المجال، حالة التآزر والمساندة بين الطغاة من جهة واعداء الشباب من جهة اخرى، ففي الوقت الذي يتعرض الشباب الى حملات تشويه متواصلة واغراءات منحرفة من لدن الجهات المعادية، نلاحظ أساليب الحكام القاهرة في التعامل مع الشباب، وهم بذلك يتعاونون –قصدوا ذلك أم لم يقصدوه- مع الجهات التي تهدف الى تحويل الشباب عن جادة الاسلام الى جادة الانحراف والشذوذ وغيرها من سبل الانحطاط المعروفة، لذا يتحدث لنا الامام الشيرازي عن هذا الموضوع قائلا:

(إن كثيراً من الشباب الواعين وقعوا تحت مختلف أنواع التعذيب في الدول الدكتاتورية ـ وما أكثرها في العالم ـ وملئت بهم القبور.. بالإضافة إلى المشاكل الأخرى التي غطت حياة الشباب، من البطالة والفقر والمرض والتسيّب والقلق وغير ذلك.. ممّا لم يفرق في ذلك شرقاً عن غرب.. وغرباً عن شرق.. ومسلماً عن غير مسلم.. وبنين عن بنات.. فالكل فيه سواء).

النساء والعبء الاكبر

وعندما نتحدث عن مأساة الشباب، فإن الامر لايتعلق فقط بالذكور منهم، بل هناك استهداف واضح وكبير للنساء، لاسيما في جانب الجنس، حيث تم استغلالهن ابشع استغلال من لدن طلاب الهوى والشهوات، وهذا دليل قاطع على عدم الاخذ بالتعاليم الاسلامية في كثير من البلدان التي تضع الاسلام دينا رسميا لها، لكنها تبتعد عنه في التطبيق، وهنا تبرز حالات التقصير الحكومي عن دعم النساء والشباب عموما، يقول الامام الشيرازي في كتابه المذكور:

(لقد وقع العبء الأكبر على النساء.. حيث حرمن ـ على الأكثر ـ من دفء العائلة، وصرن سلعة رخيصة بيد طلاب الهوى والشهوات، أو وسيلة من أرخص الوسائل لترويج البضائع وجلب الزبائن في واجهة الإعلانات أو ما أشبه. وحيث إن المرأة أكثر عاطفة ورقة من الرجل كانت آلامها أكثر وأكبر، لسرعة تأثرها.. وأمامي عشرات التقارير حول مأساة المرأة بصورة خاصة).

دور المعنيين في معالجة واقع الشباب

وهكذا تبدو الصورة واضحة وجلية وهي تقدم لنا حال الشباب مفصلا، وتبيّن لنا مأساتهم، من هنا لابد من التحرك الجاد والمنهجي لمعالجات كبرى ومتواصلة لاوضاع الشباب عموما، وهذا ما ينبغي أن تضطلع به جهات عديدة، منها حكومية ملزمة، ومنها أهلية كالمفكرين والمثقفين وغيرهم من المعنيين بتحصين الشباب وحمايتهم، ناهيك عن الدور الابوي الهام جدا، حيث تبدأ المتابعة والحماية والمراقبة والتحصين من البيت أولا، حيث دور الاب والام يتصدر الادوار الاخرى، التي ينبغي ان تقوم هي الاخرى بمسؤولياتها ازاء الشباب، من دون تقصير او تردد حماية لهذه الشريحة الحيوية والهامة في التكوين المجتمعي.

لذا يؤكد الامام الشيرازي بهذا الخصوص قائلا:

(من الضروري على العقلاء من العلماء وغيرهم أن يهتموا بمسألة الشباب ومشاكلهم فيأخذوا بالشباب في تنظيمات صحيحة حتى لا ينخرطوا في أحزاب الغرب والشرق أو جماعات الفساد).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/تشرين الأول/2011 - 19/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م