أمانة الله ورسوله... عن الثقة في المجتمع العراقي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: يكثر المسلم من ترديد بعض العبارات في حديثه مثل (ان شاء الله – الحمد لله – اذا اراد الله – وكلام الله) وغيرها من كلمات في معرض حديثه مع الآخرين. تستند هذه الكثرة من العبارات الى مرجعية دينية فاعلة في لا وعيه ووعيه على حد سواء، او على معتقدات شعبية قد تشكل مفارقة صارخة مع تلك المرجعية المعتمدة.

من هذه العبارات ما تكون توصيفا او تعقيبا على حالة او حادثة معينة ومنها ما تكون بموضع القسم لتوكيد قول او فعل.. (ولله العظيم – وحق جلال المعبود – الله شاهد) الى آخره من عبارات يشعر كثير من المتكلمين بالحماسة وهم يؤكدون كلامهم بين جملة وأخرى بقسم معين. بالمقابل لا يتردد كثير من المستمعين في تصديق ما يقوله المتكلم على اعتبار انه لايكذب مع كل تلك الايمان المغلّظة.

شخصيا أتردد كثيرا في تصديق من يستعمل القسم في كلامه في معرض التهديد او الترغيب او التاكيد بسبب من النهي عن جعل الله عرضة لايماننا كما يحذر القران الكريم... وهناك من يلجأ الى قسم من نوع اخر كأن يكون (برأس ابي – وداعتي – وداعة اطفالي – وعمري – وعيوني) وغيرها من عبارات وكلمات تستدرج السامع الى دائرة الصدق التي يتوخاها المتكلم بغض النظر عن صدقية كلامه.

انها عادة منتشرة في جميع مجتمعاتنا العربية والمسلمة لأسباب عديدة يجمعها عنوان واحد هو انعدام الثقة في التعامل بين الفاعلات الاجتماعية لتلك المجتمعات، انعدام الثقة يولد الكثير من صور الاحتيال والالتفاف على الاخرين رغم عادات القسم في كل صغيرة وكبيرة.. اقول عادات وهي من التعود الذي يصبح بمرو الوقت لا يعني شيئا بالنسبة للمتحدث والمستمع على حد سواء..لان التعود يفقد الاشياء قيمتها ويجعلها مبتذلة وعرضة للاستخفاف واللامبالاة.

في احد الافلام ويتحدث عن الاحياء الهامشية في أمريكا وسكانه من أصل لاتيني والزنوج حيث يمتهن اغلبهم تجارة المخدرات يخاطبون بعضهم بعبارة (باركك الرب) رغم علم الجميع بتلك الاعمال غير المشروعة، يذكرني هذا بصورة او بمفارقة صارخة بمجتمعاتنا حين تجد الكثير من الناس يكتبون على منازلهم او محلات عملهم عبارة (هذا من فضل ربي) ولا ادري كيف تفضّل الرب على عبده من السحت الحرام، رشوة او احتيالا او مواد غذائية فاسدة او بضاعة صينية رديئة.

مما جعل العراقيين يحولونها الى نكتة ساخرة، تقول النكتة : وجدوا إبليس على الحدود العراقية يريد الخروج من العراق.. سألوه لماذا تريد ان تغادر؟ أجابهم: فعلت كل شيء يمكن تخيله الا أني لم استطع فهم ان يكتب الحرامي على باب بيته (هذا من فضل ربي).

يقال ان (الثقة تكتسب) ومن منظور علم النفس كما يرى كرامر رودريك وكارين كوك، تعد الثقة جزءا لا يتجزأ من فكرة التأثير الاجتماعي: فمن السهل التأثير في شخص يثق بك وإقناعه بما تريد عن ذلك الذي لا توجد بينه وبينك ثقة. كما يتعلق مفهوم الثقة بتوقع قبول سلوكيات الآخرين كأفراد ومؤسسات (كالهيئات الحكومية) والأشياء (كالسلع والمنتجات). يقدم الكتاب رؤية شاملة تحليلية للثقة القوة والخيانة وهو موجه لكل من يريد فهم أساسيات الثقة في العلاقات بين الناس وفي المؤسسات على اختلاف أنواعها.

و يعتمد الأداء الفعال في المجتمع الديمقراطي، الذي يشمل التفاعلات الاجتماعية والتجارية والسياسية، بصورة كبيرة على الثقة. إلا أن الثقة تظل موردا حساسا وغامضا في العديد من المؤسسات التي تشكل الوحدات الأساسية التي يقوم عليها المجتمع.

ويرى فرانسيس فوكوياما أن الثقة (Trust) هي كلمة السر في انتقال المجتمعات من حال إلى حال وتطور الدول من وضعية إلى وضعية مغايرة وهو في كتابه (الثقة: الفضائل الاجتماعية وتحقيق الازدهار): يعبر فوكوياما عن الثقة بـرأس المال الاجتماعي ويعني هذا المفهوم مكونات رأس المال البشري التي تسمح لأعضاء مجتمع ما بالتعامل المشترك في ظل منظومة أخلاقية قوامها الثقة المتبادلة.

هذه الثقة المتبادلة تكاد ان تنعدم في تعاملات الاخرين فيما بينهم وهي انسحبت الى انعدام الثقة المتبادلة مابين الحاكم والمحكوم... لا احد يثق بوعود الحكومة او بكلام السياسيين الا من ارتضى ان يكون طبلا أجوف يردد ما يسمعه وكأنه الصدق لا كذب فيه.

احسب انه فقدان للثقة متبادل بين الطرفين.. مجتمع تنحدر مستويات الثقة بين افراده الى الحضيض، لا يمكن له ان يفرز طبقة سياسية تتمتع بالثقة في تعاملها مع الاخرين او تمنح الثقة في اقوالها وسلوكها لافراد المجتمع... سنبقى لوقت طويل في دوامة الارتهان لسلوكيات نافرة تفرضها علينا انعدام الثقة بين الاخرين.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15/تشرين الأول/2011 - 17/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م