لا لتقمص الفضائل

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

عبد الكريم العامري

 

شبكة النبأ: في كتاب (العلم النافع سبيل النجاة) لسماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) طرح لأفكار المرجعية الرشيدة من منطلق العمل بالقرآن الكريم والأحاديث الشريفة الداعية الى الاستفادة من مجالس العلماء لتغذية الروح الإنسانية، القلب، بالفضائل لنيل الدرجات الحسنى في الدنيا والآخرة، والابتعاد عن معصية الله سبحانه، أسال الله تعالى أن يمن علينا بتسهيل الطريق لنتحلى بالفضائل ونتجنب الرذائل.

يستهل السيد المرجع حديثه العلمي الشيق بالقول: إن التخلي عن الرذائل طريق الى التحلي بالفضائل، والتحلي بالفضائل طريق الى الإمدادات والفيوضات الإلهية.

قد يحمل الإنسان نفسه قسرا على تقمص الفضائل، لكنه في الوقت نفسه تجده قد احتوته الرذائل، حتى لا تجد تلكم الفضائل لها مكانا في القلب إلا لوقت محدود وسرعان ما تزول. يقول علماء الأخلاق: إن على الإنسان أن يصلح نفسه أولا باقتلاع جذور السيئات والرذائل المتعلقة بقلبه لتحل بعد ذلك محلها الحسنات والصالحات.

هناك العديد من الأحاديث التي تشير الى هذا المعنى إجمالا؛ منها ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (لولا أن الشياطين يحومون حول قلب ابن آدم، لنظر الى الملكوت).

فالإنسان لا يرى الملائكة ـ مثلا ـ ولا يسمع أصواتها، كما لا يرى كل آثار رضي الله وغضبه، شأنه في ذلك شأن عجزه عن الإحساس بحدوث مقدمات الزلزلة قبل وقوعها، في حين إن الله تعالى قد زود بعض الحيوانات قابلية الإحساس بقرب وقوع الزلزلة، بحيث تراها تصرخ قبل وقوعها. تسعى لمغادرة المكان، لعلها تهجره قبل يوم أو يومين من حدوث الزلزال، فهي إذا تدرك أمرا يعجز الإنسان رغم فكره وعقله عن توقعه أو تحسسه.

فمن كانت الشياطين تحوم حول قلبه لتغمره بالأمراض الروحية والمساوئ النفسية، كما يشير السيد صادق الشيرازي، يعجز عن النظر الى ملكوت السماوات والأرض، وعن معرفة الحكمة، ولا يعي أهمية العقل والفضيلة، بالتالي ينجر الى حيث تسوقه شياطينه المحيطة بقلبه.

القلب

مكان الشرور التي يجب محاربتها بقوة الله سبحانه هو القلب. وحسب رأي السيد المرجع الشيرازي (دام ظله)، ان لكل شيء في الحياة آثار يدركها الإنسان إذا توفر شرط الإيمان وشرط العلم، فالنظر الى ملكوت السماوات والأرض، ليس بحاجة الى معجزة ليتحقق، بل أمره متوقف على توفر جملة من العوامل، في مقدمتها إصلاح القلب.

مثل الناظر الى ملكوت السماوات والأرض مثل المهندس المعماري الذي يحدد عمر هذه البناية أو تلك من أول نظرة إليها، ومثل الطبيب الحاذق الذي يستطيع تشخيص المرض بمجرد أن يلقي نظرة على المريض؛ لما يراه من آثار في وجهه وغير ذلك، مثل الخبير في علم اللغة والخطابة الذي يستطيع معرفة الخطيب المفوه من أول جملة يتفوه بها هذا الخطيب أو ذلك.

إذا فما حازه أولئك من علوم وفنون حتى صاروا يعرفون ضمن إطار تخصصهم، إنما حصل بفعل إعمالهم العقل والعناية، فهكذا الحال لمن يريد الوصول الى معرفة الملكوت يجب عليه إعمال القلب وتهيئته للتوسم بآيات الله سبحانه وتعالى: (إن في ذلك لآيات للمتوسمين) الحجرات/ 75.

من هذا الحديث الشريف وأمثاله قال علماء النفس والأخلاق أن على الإنسان لكي ينظر الى الملكوت أن يصلح قلبه أولا، وذلك عبر انتزاع الرذائل منه، ثم بعد ذلك يحاول زرع الفضائل مكانها. هذا يلزم قلع جذور السوء من قلبه أولا، فإن استطاع، فبمقدار ما استطاع وبنفس النسبة يكون تسديد الله سبحانه، إليه وشمول رحمته له.

امتلاك الحواس

روي عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: (إن من أحب عباد الله إليه، عبدا أعانه الله على نفسه، فاستشعر الحزن، وتجلبب الخوف، فزهر مصباح الهدى في قلبه).

مما ينبغي الإشارة إليه أن الحواس الظاهرة أسهل في الامتلاك من القلب. فلعل من السهل على الفرد أن يحاول امتلاك لسانه إذا تعرض للسب والإهانة، أو أن يسيطر على يده إذا تعرض للضرب، فيشبك أصابعه لئلا ينفلت منه زمامها ولكن من الصعب أن يملك المرء قلبه. فالجبان مثلا ـ حتى إذا خاض بجسمه في الأمر المهول، إلا أنه يعجز عن امتلاك قلبه وأن يتحكم بدقات القلب فيحول دون اشتدادها.

فامتلاك الجوارح أسهل على الإنسان بكثير من امتلاكه قلبه وباطنه، لا سيما في اللحظات الحرجة والحساسة، كلحظات الغضب والطمع والحسد. هذه حالة موجودة في القلب ولكن إذا غذاها الإنسان اشتدت وزادت، أما إذا أنبها وحاول إزالتها تقل الحالة وتضعف.

وما ورد في هذه الرواية من قوله (عليه السلام): (فاستشعر الحزن) يفيد أن الحزن لا يكون إلا من النفس؛ فيصيب قلب الإنسان فتور في الانقباض والانبساط فتظهر آثاره على البدن والوجه، المراد هنا الحزن على ما فرط وارتكب من الذنوب وعلى ما قد ينتظره من مستقبل غير معلوم من هذه الجهات. لذا فإن من أعانه الله على نفسه لابد أن يكون كثير التأكيد والتركيز على نقاط الضعف الكثيرة والمتأصلة في قلبه والتي عادة ما يكون استسلام الإنسان لشهواته مسببا عنها.

وسائل التطهير

للتطهير والإصلاح وسائل، يحاول المرجع الديني السيد الشيرازي تسهيل أمر تقديمها للمستمع والقارئ، هذه الوسائل سلسلة متصلة الحلقات، لا تنفك منها:

أولا: الإخلاص لله سبحانه وتعالى، والذي يتأتى بالإرادة والممارسة. ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله): (من أخلص لله أربعين صباحا تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه).

فالقلب كالمرآة كما أن الإنسان لا يستطيع أن يرى نفسه جيدا في المرآة التي تراكم الغبار عليها، كذلك إذا علا قلبه الرذائل، لا يستطيع أن ينظر الى ملكوت الله؛ قال عز وجل:(الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون) الأنفال / 2.

فلم توجل قلوب هؤلاء عند ذكر الله تعالى؟ الجواب: لأن قلوبهم عامرة في الأساس، فعندما يسمعون أسم الله تعالى، يستذكرون أشواط حياتهم ويستعيدونها ويتوقفون عند مساوئهم ويستغفرون الله من المعاصي، والإخلاص مهمة صعبة إلا أنها ممكنة.

ثانيا: ويتلو الإخلاص لله تعالى، مهمة الاستمرار في محاسبة النفس.

ثالثا: كما يعتبر التوكل على الله سبحانه وتعالى وطلب المعونة منه من وسائل الإمدادات الإلهية في تطهير القلب من الرذائل، وتعويضها بالفضائل.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15/تشرين الأول/2011 - 17/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م