السينما الإيرانية... ومضة أمل تتسلل من قبضة السلطة

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: عل الرغم من تشديد الخناق المستمر على صناعة الأفلام الذي تمارسه السلطة في ايران، الا ان المنجز على هذا الصعيد يبعث عن الاحترام والتقدير للقائمين والعاملين في هذا القطاع الاجتماعي الحيوي هناك.

فطبيعة صناعة الأفلام الإيرانية التي باتت تواجه الكثير من التشدد والتضييق من قبل السلطات شيء فشيء، كانت محط إعجاب لمعظم المتابعين والمراقبين للحركة السينمائية الدولية، خصوصا بعد نجاح النخبة الفنية هناك بإنتاج سلسلة من الأعمال التي تعكس طبيعة الأوضاع الاجتماعية والسياسية وما تمر به بعض أطياف الشعب الإيراني دون رتوش.

وتحتل السينما الايرانية مستوى مرموق في التصنيفات الدولية، ومكانة إقليمية معتبرة، سيما بعد نجاح القائمين عليها نجحوا خلال السنوات الماضية في إنتاج العديد من الأعمال المبدعة التي نالت استحسان محلي واقليمي ودولي.

إنفصال نادر وسيمين

فالنجاح المنقطع النظير الذي يحققه في فرنسا فيلم المخرج الإيراني أصغر فرهادي "إنفصال نادر وسيمين"، يعود إلى موضوعاته التي تحاكي يوميات الناس وكذلك إلى التشويق الذي يتضمنه والجدير بأفضل الأفلام البوليسية بالإضافة إلى تصوير دقيق للعواطف والانفاعلات، بحسب ما ترى ليلى حاتمي إحدى بطلتي الفيلم.

وفي حديث على هامش مهرجان "دوفيل" للسينما الأميركية، تقول النجمة الإيرانية "لا أرغب في أي حال من الأحوال أن أنتقص من قيمة عمل ما. لكن هذا الفيلم يشبه +دا فينشي كود+ وإنما مع فن أدبي رفيع المستوى. هو مزيج عظيم. ليس هناك من شيء أفضل يقدم لجمهور ما".

ومن المتوقع أن يتجاوز عدد مشاهدي فيلم "إنفصال نادر وسيمين" 900 ألف مشاهد في فرنسا مساء الثلاثاء المقبل على أبعد تقدير، وهو مستوى لم يبلغه فيلم وودي آلن ما قبل الأخير ولا حتى أفلام عباس كياروستامي.

و"إنفصال نادر وسيمين" لأصغر فرهادي الذي نال جائزة الدب الذهبي لأفضل فيلم في مهرجان برلين للأفلام بالإضافة إلى جائزتي دب فضي لمجموع ممثليه، يروي قصة زوجين مأزومين وتخبطهما في مسألة قضائية متشابكة بعد إجهاض عفوي تتعرض له الممرضة التي كانت تهتم بالجد المصاب بالألزهايمر في منزلهما. بحسب فرانس برس.

هل يتحمل الزوجان الميسوران والمنفصلان عن بعضهما البعض مسؤولية إجهاض مستخدمتهما التي كانت تعتني بالجد؟ وهل الممرضة مسؤولة عن تغيبها؟ فتقول الشابة وهي ابنة مخرج ومنتج سينمائي تلعب دور امرأة تنفصل عن زوجها، "نشاهد النزاعات اليومية وعلاقة الإنسان بضميره. قد يكون الأمر مملا، لكن مع التشويق" الذي يتضمنه الفيلم هو ليس كذلك.

وتتابع الممثلة أن أصغر فرهادي عرف كيف يصور مشاعر شخصياته من دون أن يلعب على تلك الخاصة بالمشاهدين. فالمخرج "يروي كل ذلك بالشكل المطلوب والمناسب.. ما من زيادة وما من نقصان".

النساء في الفيلم محجبات لكن الفيلم اكتسب بعدا عالميا، بحسب الممثلة التي تضع وشاحا ينسدل على كتفيها وترتدي ثيابا واسعة خلال المقابلات وعندما تتواجد بين الناس.

بالنسبة إلى ليلى حاتمي التي استقرت في سويسرا على مدى خمسة أعوام للدراسة بعدما كانت قد تابعت دراستها في إيران باللغة الفرنسية، فقد سمحت جودة هذا الفيلم الطويل على تخطي حواجز الرقابة.

وعلى الرغم من الخوف الذي خيم خلال تصوير الفيلم من منع العمل و"الحيل" التي لجأ إليها فرهادي لتخطي العراقيل والصعوبات، تقول الممثلة أن "الأشخاص الذي يقومون بفعل الرقابة هم من ضمن مؤسسة ثقافية. بالنسبة إليهم أناس مثل فرهادي ينتجون فنا. وهم يقدرون أيضا" هذا الفن.

وتوضح ليلى حاتمي "لا نعرف تماما ما هو الممنوع وما هو المسموح به. كل شيء مرتبط بتأويل وبحسن نية هؤلاء الذين يسمحون لنا بالمضي قدما بالفيلم أو يمنعوننا من ذلك".

وكانت عمليات الرقابة قد ساهمت بما اكتسبته السينما الإيرانية من هالة على الصعيد العالمي، خصوصا بالنسبة إلى المخرجين الأقل شأنا. ففي ما يتعلق ب"عبقري مثل عباس كياروستامي" أو سينمائي "نبيه جدا" مثل فرهادي، "يفضل عدم كبحهما. لكن عندما يكون الشخص أقل مهارة، قد يؤدي الأمر خدمة له أحيانا"، بحسب ما تعتقد الممثلة.

وتختم قائلة "الأمر ليس جميلا بحق، لكنني أعتقد أن هذا هو الواقع في الحقيقة. فأنا عشت في بلد لم نكن نستطيع أن نختار فيه ملابسنا ولا بلاطات المنزل. هذا النوع من الإكراه يدفعنا أحيانا للقيام بأمور أفضل" مقارنة مع ما كنا سننجزه من دونه.

كما اختير فيلم "انفصال" لتمثيل ايران في فئة افضل فيلم اجنبي في جوائز الاوسكار "بعد مواجهة استمرت عدة اسابيع" على ما قالت الشركة الموزعة للفيلم في فرنسا "ميمينتو فيلم".

واوضحت الشركة في بيان "بعد مواجهة استمرت عدة اسابيع بين السلطات (الايرانية) والاوساط السينمائية استقر الرأي في نهاية المطاف على ان يمثل فيلم +انفصال+ ايران في الحفل الرابع والثمانين لجوائز اوسكار" مشيرا الى ان الاعلان "تم في طهران من قبل مؤسسة الفرابي".

وسيبدأ الموزع الاميركي "سوني بيكتشرز كلاسيكس" عرض الفيلم في الصالات الاميركية في 30 كانون الاول/ديسمبر 2011 "للتمكن من ترشيحه في فئتي افضل مخرج وافضل سيناريو" على ما اوضح الموزع.

وكان فيلم "انفصال" حاز جائزة الدب الذهبي لافضل فيلم في مهرجان برلين في شباط/فبراير وجائزتي الدب الفضي لافضل مجموعة ممثلين وممثلات.

الاغلاق بسبب الازمة المالية

من جانب آخر هدد أصحاب دور السينما في إيران باغلاقها احتجاجا على ارتفاع التكاليف منذ تخفيض دعم الطاقة العام الماضي ليبعثوا برسالة معارضة واضحة للسياسة الاقتصادية للحكومة. ورغم القيود المفروضة على الافلام الاجنبية التي تحظر في كثير من الاحيان لاسباب أخلاقية فان ارتياد دور السينما يحظى بشعبية كبيرة في ايران التي تمتلك صناعة سينما محلية قوية لكن أصحاب دور السينما يقولون ان ارتفاع التكاليف يدفعهم لترك المجال.

وقال حبيب كاوش المتحدث باسم نقابة السينما الايرانية لصحيفة الشرق الاصلاحية "بعد تنفيذ خطة (الدعم) ارتفعت أسعار الكهرباء والمياه والغاز بمقدار 10 الى 15 ضعفا في حين لم يزد دخل السينما."

وقال كاوش "أعلن أصحاب دور السينما أنه اذا اضطرت دار سينما الى الاغلاق بسبب فواتير المياه والكهرباء فسيغلق الاخرون جميعا." وأكد مسؤول باتحاد أصحاب دور السينما موقف الصناعة. بحسب رويترز.

ومن المرجح أن تضرب الشكوى على وتر حساس بالنسبة للايرانيين الذين شاهدوا فواتير الخدمات ترتفع بعدما بدأت الحكومة في ديسمبر كانون الاول خفض 100 مليار دولار من الدعم السنوي الذي أبقى أسعار الوقود والغذاء منخفضة بشكل مصطنع لعقود.

وارتفعت أسعار البنزين بمقدار سبعة أضعاف بين عشية وضحاها وقفزت اسعار المواد الغذائية الاساسية وزاد سعر الخبز أكثر من الضعفين.

ورحب صندوق النقد الدولي بالاصلاح الذي وصفه الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد بانه "أكبر خطة اقتصادية في الخمسين عاما الماضية."

منع مخرج من مغادرة ايران

الى ذلك اعلنت المتحدثة باسم المخرج الايراني مجتبى ميرطهماسب الذي اخرج مع جعفر بناهي فيلمه الاخير، انه "منع" من مغادرة ايران عندما كان يستعد للتوجه الى باريس ومنها الى مهرجان تورونتو للفيلم.

واوضح المصدر ذاته "تمت مصادرة جواز سفر مجتبي ميرطهماسب عندما كان يستعد للسفر مع زوجته ونجله" للترويج في فرنسا لبدء عرض فيلمه "هذا ليس فيلما" الذي اخرجه مع جعفر بناهي الخاضع للاقامة الجبرية في طهران.

وكان المخرج تمكن من التوجه الى مهرجان كان في ايار/مايو الماضي "لكنه بات ممنوعا الان من مغادرة الاراضي الايرانية وقد صادرت السلطات الايرانية كذلك مقتنيات شخصية له (جهاز الكمبيوتر المحمول ودفاتر) على ما اضافت ملحقته الاعلامية في باريس. واوضحت "سمح فقط لزوجته ونجله بالسفر".

ولدى مشاركته في مهرجان كان حيث عرض فيلمه الاخير خارج اطار المسابقة تحدث المخرج عن "وضع يزداد توترا" للمخرجين ي ايران. وقال ان فيلم "هذا ليس فيلما" يشكل "شهادة على ما يمكن القيام به في مجال السينما في بلد يمنع فيه مزاولة السينما".

وحكم على جعفر بناهي في كانون الاول/ديسمبر الماضي بالسجن ست سنوات ومنع من العمل في مجال السينما لمدة عشرين عاما. وقد استأنف الحكم ولا يزال ينتظر منذ كانون الثاني/يناير قرار القضاء وهو خاضع للاقامة الجبرية في طهران. ويعرض هذا الفيلم في مهرجان تورونتو للفيلم الذي افتتح الخميس وفي مهرجان لندن للفيلم.

90 جلدة لممثلة كشفت

في السياق ذاته حثت السلطات الاسترالية طهران على احترام حقوق الانسان على خلفية الحكم على ممثلة إيرانية بالجلد 90 جلد لظهورها في فيلم استرالي مكشوفة الرأس وحليقة الشعر. واعرب وزير الخارجية الاسترالي كيفين رود عن قلق عميق من التقارير التي ذكرت أن الممثلة مرضية فافامهير قد حكم عليها بالسجن عاما والجلد 90 جلدة لدورها في فيلم طهران مدينتي للبيع.

ونقلت وكالة الانباء الفرنسية عن متحدث باسم رود قوله تدين الحكومة الاسترالية تطبيق العقوبات والمعاملة القاسية وغير الإنسانية والمهينة وهي قلقة جدا من التقارير التي تحدثت عن أن فافامهير قد حكم عليها بالسجن سنة واحدة و90 جلدة لدورها في فيلم من انتاج استرالي. وأضاف البيان تحث الحكومة الاسترالية إيران على كفالة حقوق كل الإيرانيين والأجانب.

وكان موقع إيراني معارض نشر الأحد تقريرا بشأن العقوبة التي تواجهها فافامهير. وأشار الموقع المعارض إلى أن محامي فافامهير يسعى لاستئناف الحكم.

وذكرت وكالة أنباء فارس إن السلطات الإيرانية لم توافق على توزيع الفيلم داخل أراضيها وأنه تم توزيعه بصورة غير قانونية.

ويروي الفيلم، الذي صور بالكامل في طهران، قصة ممثلة صغيرة السن حظرت السلطات عملها الذي تقوم به. يذكر أن الفيلم الذي انتج عام 2008 من أعمال المخرج الاسترالي إيراني الأصل غراناز موسوي. وقالت الشركة الاسترالية المنتجة للفيلم إن الفيلم لم يكن مقصود منه أن يوزع في إيران. وأضافت الشركة أن تسرب الفيلم إلى السوق السوداء الإيراني كان خارج سيطرتها تماما.

وقالت كيت كروسر وجوليا ريان المسؤولتان في الشركة في بيان نود أن نعرب عن صدمتنا العميقة وحزننا بشأن هذا الحكم.

وأعربتا عن دعمهما للمثلة وعائلتها باحترام رغيتهم في جعل القضية والاستئناف يتبعان القنوات القضائية المناسبة. وشددتا على أن دور فافامهير قد اقتصر على تجسيد الشخصية وأنها لم تكن مشتركة في خطوات صنع الفيلم للشاشة على أي نحو.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 13/تشرين الأول/2011 - 15/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م