
شبكة النبأ: جهدت الدوائر الامريكية
في مسعى يثير الريبة والشك الى تأجيج ملف يصعد من الأزمة الدولية التي
تعيشها ايران بالتزامن مع الرغبة المتبادلة بين طهران وواشنطن في توسيع
قنوات الاتصال والانفراجة التي لاحت في الأفق المتمثلة في تأمين خط
ساخن بين العاصمتين المتخاصمتين منذ أكثر من ثلاثة عقود، حيث اعتبرت
تلك السابقة انعطافة مهمة في تاريخ العلاقات بين البلدين وبادرة قد
تسهم في تقريب وجهات النظر المتقاطعة.
الا ان ذلك لم يرق بحسب المراقبين لبعض الدول الخليجية الى جانب
الاستخبارات الأمريكية، الحليف القديم والقوي للأنظمة الديكتاتورية
ومشايخ البترول في بعض الدول العربية، والتي قد تكون وراء هذه الفبركة
السياسية لقطع الطريق على أي تفاهمات مستقبلية بين البلدين.
فالسعودية الغريم الوهابي ألد عداء النظام الايراني الشيعي، كانت
ولا تزال تسعى الى جانب أسرائيل في أكثر من مناسبة لوأد أي تقارب بين
أمريكا وايران منذ سقوط الشاه، وجهدت بالتنسيق مع اصدقائها من صناع
القرار في الكونغرس، بالإضافة الى اللوبي الصهيوني في التحريض المستمر
ضد ايران، وهو ما نجحت في تحقيق نتائجه طيلة الفترة الماضية.
وذات الحال ينسحب كما يرى البعض على افتعال ما أشيع عن مسعى أيراني
لاغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة، الذي كان مدعاة سخرية
للكثيرين، نظرا لعقم وسخافة إقدام النظام الإيراني على تنفيذ مثل تلك
العملية المجنونة.
شكوك حول المحاولة المزعومة
فقد ألمح كاتب الغارديان جوليان برغر إلى التشكيك بالمحاولة
الايرانية المزعومة لاغتيال السفير السعودي باستشارة عميل السي أي إي
السابق روبرت باير حول ضلوع قاسم سليماني "مسؤول "فيلق القدس" في "الحرس
الثوري في مؤامرة مزعومة لاغتيال السفير السعودي قائلا إن تفاصيل الخطة
لا تتماتشى مع أسلوب فيلق القدس الذي لا يعمل بتلك الطريقة- الحديث
المكشوف عبر الهاتف عن الاغتيال! التي أعلن عنها البنتاغون في بيان
صحفي مع وزارة العدل الأمريكية عن خطة مزعومة لاستهداف مطعم يتردد
السفير السعودي عليه في واشنطن.
وتشير الغارديان إلى أن إعلان واشنطن عن وجود عميل سري ساهم في كشف
محاولة الاغتيال سيثير الشكوك من أن الإدارة الأمريكية قامت بفبركة
القضية من أساسها، كما أنها قد تبدو محاولة لفك هيمنة الربيع العربي
على عناوين الإعلام العالمي والعربي والاحتجاجات ضد أسواق المال- باسم
"احتلال وول ستريت" التي بدأت تنتشر في بعض المدن الأمريكية. أسعد أبو
خليل المفكر اللبناني اليساري، شكك بدوره على مدونته (العربي الغاضب)
بما يدور في واشنطن ملمحا إلى أن هذه الخطة المزعومة مفبركة في سبيل
إعادة انتخاب أوباما.
وحددت الشكوى الجنائية التي كشف النقاب عنها في المحكمة الاتحادية
في نيويورك اسم الشخصين الضالعين في المؤامرة وهما منصور أربابسيار
وغلام شكوري وكلاهما من إيران أصلاً.
وقالت الوثائق إن شكوري أقر خطة محاولة اغتيال السفير السعودي خلال
اتصالات هاتفية مع أربابسيار. وأفادت الوثائق القضائية بأنه في يوليو/تموز
وأغسطس/آب دفع أربابسيار مبلغ 100 ألف دولار إلى مرشد في إدارة مكافحة
المخدرات الأمريكية مقابل قتل السفير السعودي عادل الجبير.
مخطط الاغتيال المفترض
وكانت الولايات المتحدة اتهمت ايران بدعم مخطط لاغتيال السفير
السعودي في واشنطن مما يصعد التوترات مع طهران ويثير عش دبابير في
منطقة الخليج حيث تتنافس السعودية وايران على النفوذ.
وقالت السلطات الامريكية انها أحبطت مخططا لرجلين لهما صلة بأجهزة
أمنية ايرانية لاغتيال السفير السعودي عادل الجبير. وألقي القبض على
أحدهما الشهر الماضي في حين يعتقد أن الاخر في ايران. ونفت ايران
الاتهامات وعبرت عن غضبها.
ووصف الرئيس الامريكي باراك أوباما المخطط المزعوم بأنه "انتهاك
صارخ للقانون الامريكي والقانون الدولي." وقالت السعودية انه "انتهاك
دنيء". وقالت الولايات المتحدة انه يجب محاسبة ايران وعبرت وزيرة
الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون عن أملها في أن تقدم الدول التي
ترددت في تطبيق العقوبات القائمة على ايران على تحقيق هذا الهدف.
وأصدرت وزارة الخارجية تحذيرا من السفر للمواطنين الامريكيين على
مستوى العالم مدته ثلاثة اشهر حذرت فيه من احتمال القيام بأعمال مناهضة
للولايات المتحدة وربما تحدث داخل اراضيها.
وقالت في بيان "تؤكد الحكومة الامريكية ان هذا المخطط المدعوم من
ايران لاغتيال السفير السعودي قد يشير الى تركيز أكثر عدوانية من جانب
الحكومة الايرانية على النشاط الارهابي ضد دبلوماسيين من دول بعينها
ليتضمن هجمات محتملة في الولايات المتحدة."
وفي مؤتمر صحفي قال رئيس مكتب التحقيقات الاتحادي روبرت مولر ان
المخطط المعقد الذي انطوى على مراقبة مكالمات هاتفية دولية وأموال
مخدرات مكسيكية ومحاولة لاستهداف السفير بانفجار في مطعم بواشنطن ربما
استوحي من أحد أفلام هوليوود.
وزعم وزير العدل الامريكي ايريك هولدر أن المخطط من عمل الحرس
الثوري الايراني وقوة القدس ذراعه السرية التنفيذية. وأضاف في مؤتمر
صحفي "أعتقد أنه ينبغي أن يشعر المرء بالقلق بسبب طبيعة ما حاولت
الحكومة الايرانية القيام به هنا وهو الامر الذي تقشعر له الابدان."
وجاءت الادلة الاولية التي تربط الحكومة الايرانية بمخطط اغتيال
الجبير على لسان أحد المخططين المزعومين الذي قال لضباط انفاذ القانون
الامريكيين بعد اعتقاله ان رجالا فهم أنهم مسؤولون كبار بقوة القدس هم
الذين جندوه ووجهوه.
وقالت ديان فينستاين رئيسة لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ الامريكي
التي ذكرت أنها تلقت ملخصا لمعلومات المخابرات المتعلقة بهذا المخطط
المشتبه به ان قوة القدس والحرس الثوري الايراني هما المسؤولان فيما
يبدو. ولم يعرف عن قوة القدس من قبل التركيز على أهداف داخل الولايات
المتحدة.
ولا تربط علاقات دبلوماسية رسمية بين ايران والولايات المتحدة التي
تتهم طهران بدعم الارهاب والسعي للتسلح النووي وهو اتهام تنفيه ايران.
وتواجه ايران عقوبات اقتصادية وسياسية وفرضت واشنطن عقوبات اضافية على
خمسة ايرانيين بينهم أربعة من كبار اعضاء قوة القدس.
وايران والسعودية على خلاف منذ وقت طويل. وتشعر السعودية السنية
بالقلق مما تعتبره ميولا توسعية من جانب ايران ذات الاغلبية الشيعية.
ورفض مندوب ايران في الامم المتحدة الاتهامات في رسالة وجهها للامين
العام للمنظمة الدولية بان جي مون وعبر عن غضبه واشتكى من أن الولايات
المتحدة "داعية حرب".
وقال مندوب ايران محمد خزاعي في الرسالة "أكتب اليكم للتعبير عن
استيائنا فيما يتعلق بالاتهامات التي وجهها مسؤولو الولايات المتحدة
الي الجمهورية الاسلامية الايرانية بتورط بلادي في مؤامرة اغتيال
تستهدف دبلوماسيا أجنبيا في واشنطن." وأضاف "من الواضح ان الاتهام الذي
وجهته الولايات المتحدة هو تحرك ذو دوافع سياسية يكشف عن عدائها
المستمر منذ وقت طويل تجاه الامة الايرانية." وقال خزاعي ان طهران "تدين
بشكل قاطع وبأقوى العبارات هذا الاتهام الفاضح."
وصرح مسؤولون أمريكيون بأن المخططين المزعومين هما غلام شكوري عضو
قوة القدس ومنصور اربابسيار الذي ألقي القبض عليه في 29 سبتمبر ايلول
لدى وصوله الى مطار جون اف كنيدي الدولي قادما من المكسيك. وتعاون
اربابسيار (56 عاما) وهو مواطن أمريكي يحمل الجنسية الايرانية مع
السلطات بعد اعتقاله. وجاء في وثائق محكمة انه أجرى اتصالات مع شكوري
بعد اعتقاله وتصرف وكأن المخطط سيسير كما هو. ومثل اربابسيار امام
محكمة في مانهاتن يوم الثلاثاء وصدر أمر باحتجازه. وعين له محام عام.
وقال مسؤولون ان السفير السعودي المقرب من العاهل السعودي الملك عبد
الله بن عبد العزيز ويشغل هذا المنصب منذ عام 2007 لم يكن في خطر قط.
وتم اطلاع أوباما على المخطط المزعوم في يونيو حزيران.
وجاء في وثائق محكمة أن المخطط بدأ يتكشف في مايو ايار 2011 حين
اتصل اربابسيار بشخص في المكسيك ادعى أنه يعمل مع عصابة للمخدرات وطلب
مساعدته. واتضح أن هذا الشخص مرشد يعمل لحساب ادارة مكافحة المخدرات
الامريكية.
وأبلغ المرشد الذي لم يتم الكشف عن هويته ضباط انفاذ القانون على
الفور وفقا لما ورد في الشكوى الجنائية. ودفع اربابسيار 100 الف دولار
للمرشد في يوليو تموز واغسطس اب كدفعة مقدمة للمبلغ المطلوب وهو 1.5
مليون دولار. ووافق شكوري على خطة اغتيال السفير في مكالمة هاتفية مع
اربابسيار طبقا للشكوى.
وفي اطار المخطط تحدث المرشد مع اربابسيار عن محاولة قتل السفير في
مطعم بواشنطن العاصمة يتردد عليه لكنه حذره من أن هذا قد يؤدي الى قتل
عشرات اخرين بينهم أعضاء في الكونجرس الامريكي.
وذكرت الشكوى الجنائية أن اربابسيار رد قائلا "لا توجد مشكلة...
ليست مشكلة كبيرة." وقال هولدر وزير العدل انه بعد اعتقال اربابسيار في
نيويورك أمد السلطات الامريكية بمزيد من التفاصيل عن ضلوع الحكومة
الايرانية المزعوم.
وتظهر أوراق المحكمة أن شكوري أكد في مكالمة هاتفية مع اربابسيار
أنه يجب تنفيذ المخطط في أقرب وقت ممكن قائلا "نفذ بسرعة. تأخرنا
بالفعل."
ووجه للرجلين الاتهام بالتامر لاغتيال مسؤول أجنبي وتهمتي السفر
للخارج واستخدام منشات للسفر بين الولايات وللخارج للاستعانة بقاتل
مأجور كما وجهت لكل منهما تهمة التامر لاستخدام سلاح للدمار الشامل
والتخطيط لتنفيذ عمل ارهابي.
وذكرت وثائق محكمة ان السلطات الامريكية أحبطت مؤامرة مزعومة لتفجير
سفارتي اسرائيل والسعودية في واشنطن واغتيال السفير السعودي.
كما أصدرت وزارة الخارجية الامريكية تحذيرا الي المواطنين
الامريكيين المسافرين في شتى انحاء العالم من هجمات انتقامية محتملة.
إجراءات سعودية
الى ذلك قال مسؤول سعودي إن الشعب السعودي سيتوقع من المملكة "اتخاذ
إجراءات" بعد أن كشفت السلطات الأمريكية مؤامرة دبرها رجلان على صلة
بالحكومة الإيرانية لاغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة.
وقال عبد الله الشمري وهو مسؤول حكومي في الرياض إنه كثيرين في
المملكة سيتوقعون بعد الحادث أن تتخذ المملكة إجراءات اقلها سحب السفير
السعودي من إيران. وأضاف أنه في رأي صناع القرار السعوديين لن يمر هذا
الأمر بسهولة.
ومضى قائلاً إنه كانت هناك دائماً مشاكل بين إيران والسعودية لكن
الجديد الآن هو ضلوع أمريكا. مضيفاً أن حقيقة أن السفير السعودي كان هو
الهدف في الولايات المتحدة ستؤدي إلى أن تتخذ السعودية والولايات
المتحدة معاً قراراً مشتركاً. وأردف أن استهداف سفير من مستوى عادل
جبير الذي كان مستشاراً للملك استفزاز كبير للسعودية ومن ثم يتوقع أن
تتخذ المملكة خطوات في هذا الصدد.
الملك يجري عملية جراحية
من جهة أخرى ذكرت وكالة الانباء السعودية ان العاهل السعودي الملك
عبد الله الذي خضع لجراحة العام الماضي لعلاج مشاكل في الظهر سيجري
عملية جراحية خلال الايام القادمة. وتعتبر صحة العاهل السعودي أمرا
مهما في ظل تقدمه في السن الذي يعتقد انه في الثامنة والثمانين وتركيز
السلطة في أيدي افراد الاسرة الحاكمة في السعودية.
ونقلت وكالة الانباء السعودية عن بيان من القصر الملكي قوله "استمرار
للفحوصات الطبية المجدولة التي يجريها الملك عبد الله بن عبد العزيز ال
سعود... قرر الاطباء ضرورة اجراء عملية جراحية له في الايام القادمة في
الرياض." ولم يتم الكشف عن تفاصيل العملية المزمعة.
وغاب الملك عبد الله لمدة ثلاثة أشهر أواخر عام 2010 عندما خضع
للعلاج من الام في فقرة تسببت في حدوث تجمع دموي حول العمود الفقري.
وأجرى العاهل السعودي جراحة في نيويورك وأمضى فترة النقاهة في المغرب
تاركا المسؤولية لولي عهده الامير سلطان بن عبد العزيز.
وكشف الملك عبد الله الشهر الماضي عن تمثيل أكبر للمرأة في السعودي
ومنحهن الحق في الترشح والتصويت في الانتخابات البلدية . ولا يسمح
للنساء في السعودية بقيادة السيارة ويتطلب خروجهن للعمل أو السفر
للخارج موافقة من أحد أقاربها الذكور. |