الخريف الطائفي أم الربيع الحسيني؟

محمد علي جواد تقي

الوقت يمر بسرعة فائقة على أهل الحكم في السعودية، فلم تبق سوى أسابيع يحسبونها ساعات على حلول موسم  عاشوراء الامام الحسين عليه السلام، ليكون ربيع الثورات على مقربة من عامه الاول، لذا نجد الشطّار فيهم، (يجمعون أمرهم وشركائهم حتى لا يكون أمرهم عليهم غمّة)، فيتحدثون عن الأمن الاجتماعي و سلامة الوطن، ليضعوا – حسب ظنهم- جداراً فاصلاً بين ما يجري في البلاد العربية، وبين المسيرة الحسينية المتواصلة مع الزمن للاصلاح والتغيير.

 ولهجة التخوين و (شقّ عصا الطاعة) هذه، ليست جديدة على الحكام منذ الحكم الاموي وحتى حكام اليوم المتعددين، فالشعب والانسان ليس من حقه الكلام والاعتراض، إنما الكلمة للأقوى، فتارةً يكون العسكر وتارةً الاحزاب المدعومة من الخارج، وتاريخنا حافل بالانقلابات العسكرية الناجحة، بالمقابل هو حافل بالثورات الجماهيرية المقموعة بالحديد والنار.

هم يعلمون جيداً أنهم اذا فسحوا المجال للشعوب سلتجأ تلقائياً الى جذورها التاريخية والثقافية وتستقي منها شعاراتها واهدافها وايضاً برامجها ومناهجها. وهذا لا يتوافق ونهجهم ولا يروق لمصالحهم.

وما جرى في مدينة العوامية شرق السعودية مؤخراً يعد مثالاً على تلك (الشطارة)، وإلا ماذا جنت سلطات الامن السعودية من اعتقال رجلين كبيرين في السن من قارعة الطريق ليس لجرم ارتكبوه سوى انهما أبوان لاثنين من المطلوبين؟ وبمجرد انفجار ردود الفعل الجماهيرية المتوقعة اطلق سراح الاثنين من مراكز الاحتجاز، لتبقى آثار ردود الفعل في الشارع بين تجمهر للشباب ليلاً وتبادل للرشق بين الحجارة والرصاص.

 لا علينا بالتفاصيل، لكن المثير حقاً اسعجال الامور واحراق المراحل للوصول الى الغاية الاساس، فتحركت الاقلام الصحفية الحكومية بالكتابة تحت عناوين: (الفئة الضالة .. الشيعية) و(حتى لا يستغل شرقنا) و (رغم أنف المتربصين.. الوطن ليس للبيع) و(وحدة الوطن والارتكاس في الفتنة) وغيرها من عناوين خرجت على مدى أيام في الصحافة  السعودية، هذا فضلاً عن الدور المفروغ منه من قبل مشايخ الحكومة بالحديث عن (الفتنة) وما أشبهها...

علماً ان واقع الحال يقول: ان الشارع لم يكن فيه سوى شباب غاضب او مستفز، وليس هنالك احزاب وتنظيمات وشخصيات تصنع الحدث وتوجهه كما حصل في البحرين.

لكنها (الشطارة)...! فموسم الحج على الابواب والمملكة السعودية يتعين عليها استقبال الملايين من المسلمين لأداء هذه الشعيرة العبادية والحضارية، كما تعيد الممثليات المرجعية الشيعية فتح ابوابها في مكة المكرمة والمدينة المنورة أمام الحجاج من كل مكان، ولنا أن نسأل والحال كذلك، هل اعتباطاً يأتي اتهام الصحافة الحكومية السعودية لمرجع دين شيعي بانه يهدد بنقل أحداث (العوامية) الى العاصمة الرياض؟

بهذه الفقاعة الاعلامية يريد أهل الحل والعقد في الرياض عدم تكرار تجربة (اخوانهم) في المنامة – البحرين، فقد داهم آية الله السيد هادي المدرسي على حين غفلة حكام المنامة بصوته وصورته وهو يدعوهم للرحيل، لذا يريد حكام الرياض قلب المعادلة تماماً مع شقيقه الاكبر المرجع الديني آية الله السيد محمد تقي المدرسي، بأن يضربوا ظلاً كثيفاً من الناحية النفسية على الاقل على تحركه الديني والثقافي خلال موسم الحج.

هم يتصورون أنهم بهذه التصرفات والاجراءات الاحترازية يقدمون للعالم الاسلامي صورة نموذجية للبلد الذي لايشبه أي بلد آخر شهد الاطاحة بالاصنام الحاكمة منذ عقود، وبعبارة؛ فلا مكان في السعودية  لـ (الربيع العربي)، لكن يبدو ان هذا التصور انقلب عليهم، وكما يُقال (غلطة الشاطر مرتين)، فقد هربوا من (الربيع العربي) القاتل، وسقطوا في (الخريف الطائفي)، فالشعوب الاسلامية باجمعها تبحث اليوم عن الثقافة والفكر والحضارة وعن كل خيمة كبيرة تجمع لا تفرق وتمزق.

وهذا ما يبشر به ربيع كربلاء، فعندما ينتهي موسم الحج وتعود قوافل الحجيج بسلام الى ديارها، ستنطلق قوافل أخرى نحو مدينة الشهادة والإباء والعطاء، تحمل نفس الأهداف السامية التي حملها الامام الحسين عليه السلام في الاصلاح والتغيير منذ سنة 60 للهجرة، أي قبل ألف وثلاثمائة وثمان وستون عاماً بالتحديد، فهل يتكرر يزيد مع الحكام المتساقطين، كما تكرر الحسين مع الثوار المصلحين الصاعدين؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 13/تشرين الأول/2011 - 15/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م