
شبكة النبأ: تضاربت التحليلات حول
حقيقة ما جرى مؤخرا في مصر، وخلفية الاقتتال غير المسبوق الذي اندلع في
القاهرة بين الاقباط من جهة والقوات العسكرية تساندها بعض المجاميع
المدنية من جهة أخرى، خصوصا في هذا الفترة الحرجة من تاريخ الدولة
المصرية التي لا تزال تعاني ارهاصات الثورة وجراحاتها المكلفة على أكثر
من صعيد.
فالتوترات الدينية كانت ولا تزال احد ابرز أشكال الانقسام الاجتماعي
بين مواطني تلك الدولة، ويعزى بحسب المراقبين الى السياسات الاستبدادية
التي مورست بحق الأقليات والطوائف طيلة منذ بداية تأسيس مصر الحديثة،
وتحديدا الجمهوريات العسكرية منتصف القرن الماضي.
الا ان تلك الاحتكاكات التي كانت تقع بين الفينة والأخرى لم تكن
بحجم ما حدث مؤخرا، سيما انها كانت محدودة ويتم احتوائها على الدوام
امنيا او اجتماعيا في السابق، على العكس مما حدث مؤخرا، وهو ما جعل من
الصراع الديني يقفز بشدة الى وسط المشهد السياسي والدولة المصرية على
أعتاب مرحلة التأسيس الديمقراطي.
ويرجح البعض أكثر من سيناريو لحقيقة التأزيم المفتعل، خصوصا ان ما
حدث جاء بعد سويعات من تراجع المجلس العسكري القابض على السلطة بعد ضغط
جماهيري متواصل عن إحدى ابرز فقرات الدستور المتعلقة بتنظيم الانتخابات
الذي اعتبره رواد الثورة انتصار لهم، الى جانب رضوخ المجلس المذكور الى
مطالب المحتجين بخصوص المحاكم العسكرية بحق المدنيين، والتي بسطت
للعسكر يد تطال كل من يعترض على سياسته أثناء إدارته للفترة الانتقالية
وتنظيم الانتخابات.
الا ان ما لفت في الامر هو طبيعة تداول الاعلام المحلي والعربي
لانتفاضة الاقباط المطالبة بحقوقهم، خصوصا تلك القنوات التي تهيمن على
المشهد الداخلي وتستقطب العدد الاكبر من المتابعين لنشراتها الاخبارية،
حيث تم نقل ما يحدث من وجهة نظر واحدة ومتحيزة، بشكل لا يخفى عن العديد
من المحللين الذي اعتبروا صيغة نقل الانباء تخللتها الكثير من اساليب
التحريض بشكل غير مباشر، وصورة مجتزئة من حقيقة الامور.
كل ذلك جاء ليشرع الابواب عن حقيقة ما يراد بالتجربة الديمقراطية
المصرية، بعد ان حاولت العديد من الجهات تغييب منطق العقل لحساب منطق
القوة، وتشوية صورة الثورة بشكل وآخر، فيما كان لاندلاع الفوضى في تونس
بالتزامن مع الاحداث المصرية سببا لاأكثر من علامة استفهام لحقيقة ما
يدور ويفتعل.
الحرب الأهلية
فقد ذكرت ''لا ريبوبليكا'' الإيطالية في تعليقها على الاشتباكات
الدموية التي وقعت بين متظاهرين أقباط وقوات الأمن في العاصمة المصرية
القاهرة أن هناك مخاوف متنامية في مصر من وقوع حرب أهلية.
وكتبت الصحيفة الليبرالية-اليسارية: 'لم تنجح القيادة العسكرية
والحكومة المؤقتة خلال الأشهر الماضية في رسم ملامح طريق سياسي ومؤسسي
واضح للتحول المأمول للنظام'. وذكرت الصحيفة أنه في ظل مخاطر اندلاع
اشتباكات دينية جديدة 'يلوح في الأفق الآن شبح زعزعة مخططة للاستقرار'.
ورأت الصحيفة أن الحكومة و فقدان الثقة المستمر بين الذين انتظروا
الكثير من الثورة لهما دور في ذلك. وكتبت الصحيفة: 'المرحلة الانتقالية
معرضة بذلك لخطر الانحراف عن الطريق السليم'.
وصب مسيحيون مصريون جام غضبهم على الجيش بعد مقتل 25 شخصا على الاقل
عندما سحقت قواته احتجاجا بأسلوب عمق شكوك المواطنين بشأن قدرة المجلس
العسكري على قيادة مصر بسلام نحو الديمقراطية.
وفي أسوأ أحداث عنف منذ الاطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك تقدمت
حاملات جند مدرعة بسرعة وسط حشود في وقت متأخر مساء الاحد لفض احتجاج
قرب مبنى التلفزيون الحكومي. وأظهرت لقطات مصورة على الانترنت جثثا
مشوهة. وقال نشطاء ان قتلى سقطوا نتيجة دهس مدرعات للمتظاهرين.
ويتصاعد التوتر بين المسلمين والمسيحيين على مدى سنوات لكنه ازداد
حدة منذ الاطاحة بحسني مبارك مما اتاح ظهور السلفيين والجماعات
الاسلامية المتشددة الاخرى التي قمعها الرئيس السابق.
لكن الجزء الاكبر من الغضب من أحداث يوم الاحد استهدف المجلس الاعلى
للقوات المسلحة الذي اتهمه سياسيون من كل الاتجاهات بالتسبب في تفاقم
التوترات الاجتماعية من خلال الرد بشكل غير ملائم على العنف وعدم طرح
جدول زمني واضح لتسليم السلطة الى المدنيين.
ويوم الاثنين قام الاف الاشخاص بمسيرة من الكاتدرائية الرئيسية بوسط
القاهرة الى المستشفى القبطي حيث يعالج معظم الجرحى وطالبوا بالوحدة
الوطنية واسقاط رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة المشير محمد حسين
طنطاوي.
وقال الفريد يونان وهو قبطي كان يتحدث قرب المستشفى القبطي حيث نقل
الكثير من القتلى "لماذا لم يفعلوا هذا مع السلفيين أو الاخوان
المسلمين عندما ينظمون احتجاجات.. لم يعد هذا البلد بلدي." بحسب رويترز.
ودعا قادة الكنيسة الى الصيام لمدة ثلاثة ايام أملا في عودة السلام.
وذكر التلفزيون المصري ان المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون
البلاد دعا الحكومة المصرية الى سرعة التحقيق في الاشتباكات وقال انه
سيتخذ الاجراءات الضرورية للحفاظ على الامن.
من جانبه التلفزيون الرسمي أن قوات الشرطة العسكرية والأمن تعرضت
لإطلاق رصاص وهجمات بالقنابل الحارقة ورشق بالحجارة. وفي المقابل قالت
ناشطة تدعى لبنى درويش إن قوات الأمن المركزي بادرت بإطلاق نار على
المتظاهرين وإن مدرعات الجيش أسرعت باتجاه المتظاهرين لمحاولة دهسهم.
وقال عمرو موسى المرشح المحتمل للرئاسة في مؤتمر صحفي عن أعمال
العنف حضره عدد من كبار الساسة "هذه أزمة ضخمة ممكن تنتهي بصراع أهلي.
ممكن تنتهي بما لا يحمد عقباه. لا بد من لجنة تحقيق فورية وبنتائج
فورية."
وخيمت الاشتباكات بظلالها على أول انتخابات برلمانية منذ سقوط مبارك.
ومن المقرر أن تبدأ الانتخابات يوم 28 نوفمبر تشرين الثاني. وقال
دبلوماسي غربي كبير "احدى المشكلات الكبيرة التي تواجهها مصر الان على
نحو متزايد تتمثل في عدم وجود شخص في السلطة لديه السلطات والمصداقية
لتهدئة الوضع." وأضاف "بعد احداث (الاحد) هناك خطر متزايد من ان يدخل
الجيش في صراع مع الشعب. سلطة رئيس الوزراء تتاكل بشكل خطير. لا يوجد
احد من المرشحين للرئاسة لديه نفوذ."
وانطلق المسيحيون الذين يمثلون عشرة في المئة الى الشوارع بعد القاء
اللوم على مسلمين متشددين في هدم جزئي لكنيسة في محافظة أسوان الاسبوع
الماضي. وطالبوا أيضا باقالة محافظ أسوان لعدم توفير الحماية للمبنى.
واحتشد مشيعون يوم الاثنين في كاتدرائية العباسية حيث صلى البابا
شنودة الثالث على نعوش القتلى. وأجهش كثيرون بالبكاء ورددوا هتافات
تطالب باسقاط طنطاوي. وانتحبت الجموع عندما رفع البعض قمصانا وسراويل
ملطخة بالدماء. ورددوا هتافات تقول "بالروح بالدم نفديك يا صليب."
وقال بعض المحتجين ان مثيري شغب وصفوهم بانهم بلطجية اثاروا العنف
الذي دفع الجيش للرد بعنف. وقالت وزارة الصحة ان 25 شخصا قتلوا وأصيب
329 منهم اكثر من 250 نقلوا الى المستشفيات.
وقال طبيب يدعى مينا مجدي في المستشفى القبطي ان المستشفى استقبل 17
قتيلا منهم 14 لاقوا حتفهم بسبب جروح ناجمة عن اعيرة نارية وثلاثة
قتلوا عندما دهستهم المركبات.
وتم رفع الركام من الشوارع الواقعة قرب مبنى التلفزيون الحكومي
بصورة كبيرة لكن ما زالت هناك سيارات محطمة ومحترقة في المنطقة الواقعة
قرب المستشفى القبطي الذي شهد أيضا أحداث عنف ليل الاحد.
ويشكو المسيحيون من التمييز مستندين الى وجود قيود على بناء الكنائس
بينما يسهل بناء مساجد. واندلعت احتجاجات في اماكن اخرى في مصر منها
مدينة الاسكندرية ثاني كبرى المدن. ويقول الاقباط ان الحكام الجدد
تجاهلوا وعودا بتبديد مخاوفهم وتوفير الحماية لهم.
وقال يوسف سيدهم رئيس تحرير صحيفة وطني التابعة للاقباط الارثوذوكس
"الظهور الجديد لجماعات السلفيين والاسلاميين أشاع الفوضى منذ ثورة
يناير... المشكلة هي التردد الشديد للحكومة والسلطات في تطبيق حكم
القانون وحماية الاقباط. كان الطلب الرئيسي للمتظاهرين (أمس) ضرورة
قيام السلطات باعتقال المجرمين."
دعوة إلى الوحدة
من جهته دعا رئيس الوزراء المصري عصام شرف الشعب المصري بكل طوائفه،
الى التماسك والوحدة والتصدي لما وصفها بالمؤامرات الدنيئة. وقد عقد
عصام شرف اجتماعا وزاريا طارئا ناقش تطورات الموقف، ثم وجه شرف كلمة
عبر التلفزيون الرسمي عقب تفقده لمنطقة ماسبيرو قال فيها إن مصر تتعرض
إلى مؤامرة خبيثة وما شهدته البلاد مؤخرا من أحداث يؤكد أنها مؤامرة .
وأضاف أن هناك اصابع خفية داخلية وخارجية تقف وراء احداث العنف في وسط
القاهرة لمنع اقرار نظام ديمقراطي في مصر على حد قوله.
وقال إن الأحداث المؤسفة التى شهدتها منطقة ماسبيرو مساء الأحد،
أعادتنا خطوات كبيرة إلى الوراء بدل أن تاخذنا الى الامام لبناء دولة
عصرية على قواعد ديمقراطية سليمة. كما اكد أن أخطر ما يهدد الامن
المصري هو التلاعب بمسألة الوحدة الوطنية وزرع التفرقة بين المسيحيين
والمسلمين وبين الشعب والجيش. كما اعتبر أن مناخ اليوم يتيح الفرصة
لإشاعة الفتنة والفتات بين كل من الشعب والجيش من أبناء الوطن ، ومن
الصعب أن نحكم أن ما حدث هو فتنه طائفية .
حماية الاقليات
من جهتهم أبدى وزراء الاتحاد الاوروبي قلقهم وقالوا ان السلطات من
واجبها حماية الاقليات الدينية. وقال وزير الخارجية البريطاني وليام
هيج انه "قلق للغاية" وقال وزير الخارجية الالماني جيدو فسترفيله ان
العنف ضد الاقليات الدينية "غير مقبول".
وقال هيج للصحفيين قبل اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الاوروبي في
لوكسمبورج "أعتقد أن من المهم للغاية أن تعيد السلطات المصرية وكل
الاطراف المعنية التأكيد على حرية العبادة في مصر وأن تتراجع كل
الاطراف عن العنف."
وطالب وزير خارجية الدنمرك فيلي سوفندال بادانة قوية للعنف. وأضاف "ليس
هناك مبرر في العالم يعطي الناس حق الدخول في صراع ديني. وأعتقد أن
الاقتراب الى تلك النقطة في مصر مخيف نوعا ما."
ووصف أوري روزنتال وزير الخارجية الهولندي العنف بأنه "مثار قلق
شديد" وقالت كاثرين اشتون مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي
ان الاحداث في مصر والعنف في تونس -حيث استخدمت الشرطة الغاز المسيل
للدموع ضد محتجين اسلاميين يوم الإثنين- ستكون محور مباحثات الوزراء في
لوكسمبورج.
وأضافت "نتوقع حقا ان تتحرك مصر نحو الانتخابات مدفوعة برغبة في
رؤية مشاركة جميع الاطياف في تلك الانتخابات وحماية الناس أيا كانت
انتماءاتهم وأيا كانت جذورهم وأيا كانت معتقداتهم ودياناتهم."
وأضافت اشتون "تحتاج مصر للتحرك قدما سياسيا واقتصاديا في ظل ادراك
أن ما حدث في الربيع العربي في حاجة الى أن يتحول الان الى ديمقراطية
حقيقية في بلد يمكن فيه للناس... أن يدركوا ان حقوق الانسان الخاصة بهم
تلقى احتراما." بحسب رويترز.
وقال وزير الخارجية السويدي كارل بيلت انه "قلق لغاية" وان "مسؤولية
السلطات حماية الجميع.. وكذلك حقهم في التعبير عن ارائهم. لذلك فان
الحدث مؤسف للغاية."
من جهتها دعت الولايات المتحدة الى ضبط النفس في مصر وقال جاي كارني
المتحدث باسم البيت الابيض ان الولايات المتحدة "تقف مع الشعب المصري"
وتعتقد انه يتعين احترام حقوق الاقليات بما في ذلك الاقباط في الوقت
الذي تتجه في مصر نحو الديمقراطية. وقال كارني في بيان "هذه الاحداث
المأساوية ينبغي ألا تقف في سبيل اجراء الانتخابات في موعدها واستمرار
عملية الانتقال الى الديمقراطية بطريقة سلمية وعادلة وتشمل الجميع." |