مصير ألقذافي وهاجس حفرة صدام

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: كثيراً ما يتناهى إلى المسامع قصص من بطون التأريخ عن أبطال العرب ممن قاوموا المحتل أو حرروا شعوبهم من الظلم والاستبداد، والتي تحول معظمها جزء من الفلكلور أو التراث الخاص بالشعوب العربية، من دون بروز أي قائد أو فاتح أو بطل عربي في عصرنا الحالي، ويبدوا ان هوس البطولة قد تملك شعور ألقذافي الذي بات عازماً على صنع مثال عن هذا القائد الذي رفض الاستسلام وقاوم المحتل حتى اللحظة الأخيرة وهو يبحث عن النصر أو الشهادة، خصوصاً وان الإعلام قد سلط أضوائه على تشبيه مصير ألقذافي بصدام بعد تزايد نقاط التقارب بينهما في الانهيار المفاجئ لنظام حكمهما والهروب السريع وتزعم المقاومة، بينما لم تبقى سوى الحفرة أو...، والتي سيحددها قادم الأيام بالنسبة للقذافي والتي ربما ستكون غريبة أو مضحكة كما كان يمتاز بها حكمه.

القذافي وتفادي مصير صدام

ففي حين يفكر الزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي من مخبأه في مكان ما في ليبيا في مستقبله سيتذكر على الارجح مصير حاكم شمولي اخر جرت الإطاحة به هو الديكتاتور العراقي الراحل صدام حسين الذي عثر عليه في حفرة تحت الارض، ويقول بعض من يعرفونه جيدا ان وجود هذه السابقة في ذهن القذافي سيجعله يصمم على أمرين أولهما انه لن يتخلى عن القتال ضد حكام ليبيا الجدد وثانيهما أنه اذا جاءت النهاية فانه لن يسمح لنفسه بأن يعتقل حي، ويقول فتحي بن شتوان الذي كان وزيرا للطاقة والصناعة تحت حكم الزعيم المخلوع حتى خمس سنوات مضت ان القذافي لن يتوقف عن القتال وأنه لن يتوقف "الا إذا أوقف"، ومن شبه المؤكد أن المجلس الوطني الانتقالي بمساعدة أجهزة المخابرات الغربية بدأ حملة للبحث عن القذافي تركز على الصحراء قرب الحدود مع النيجر والجزائر، وتتوقف نتيجة البحث عن القذافي ايضا ولو جزئيا على الحالة الذهنية للضحية وما يختار أن يفعله في ظل تضاؤل الخيارات المتاحة أمامه، وفي الوقت الحالي تشير جميع المؤشرات الى أن على الرغم من أن الظروف ليست في صالحه فانه لايزال يعتقد أن بوسعه استعادة الحكم، وفي اخر مرة سمع فيها العالم الخارجي صوته في كلمة بثتها قناة تلفزيونية مقرها سوريا في 20 سبتمبر ايلول قال ان نظام حكمه قائم على ارادة الشعب وان "هذا النظام من المستحيل الإطاحة به"، وليست هذه الثقة مفاجأة من رجل حكم ليبيا لمدة 42 عاما وسحق عدة محاولات للانقلاب وانتفاضات لكن ايا منها لم يكن على نطاق هذه الانتفاضة. بحسب رويترز.

وقال البغدادي علي المحمودي الذي كان رئيسا لوزراء القذافي حتى بضعة أسابيع مضت ويقيم الان في تونس ان الزعيم المخلوع لن يستسلم ولن يلقي سلاحه حتى النهاية، وتشاركه في وجهة النظر هذه سعاد سالم الكاتبة الليبية التي قالت ان القذافي سيظل مصدقا لوهم أنه لايزال في الحكم ويستطيع هزيمة قوات المجلس الوطني مشيرة الى أنه لن يعترف قط بأنه فقد السلطة، وترجع سالم السبب في هذا الى أنه "مجنون" على حد قوله، وعلى الرغم من غرابة أطوار القذافي فانه براجماتي، وربما يعتقد أنه وجد طريقة للعودة الى الحكم هي شن حملة مسلحة تقوض الحكومة الجديدة بضربها في أضعف نقطة به، وتعتمد ليبيا في دخلها على صادرات خام النفط ويحتاج هذا بدوره الى ان يعمل في الحقول مسؤولون تنفيذيون ومهندسون أجانب بقطاع النفط، ومن شأن بضع عمليات خطف أو تفجيرات مختارة بعناية أن تبعد الاجانب وتضر بإنتاج النفط، أنها استراتيجية لا تتطلب السيطرة على أراض أو موارد عسكرية كبيرة لا شيء سوى المال الذي يعتقد أن القذافي يملك الكثير منه وقدر من الاسلحة وبعض التنظيم، ويقول الان فريزر المحلل المتخصص في شؤون الشرق الاوسط بشركة (ايه.كيه.اي) لاستشارات الامن والمخاطر "هذا أمر ضروري للمجلس الوطني، انهم بحاجة الى متخصصين أجانب"، احدى الوسائل حتى يمنع الموالون للقذافي حدوث هذا هو شن بضع هجمات، الامر يتعلق بالدعاية التي سيحققها لهم هذا بما يحول دون عودة الشركات الاجنبية"، وأضاف "أنا واثق أن عناصر موالية للقذافي ستراوغ حتى لا يتم القاء القبض عليها وتحاول تعطيل التنمية خاصة في قطاع النفط."

ومن الاسئلة المهمة ما اذا كان القذافي المولود عام 1942 يتمتع بالقوة النفسية والبدنية اللازمة ليظل هاربا لفترة طويلة، واذا حوصر فقد يختار في النهاية الاستسلام في هدوء، ولدى سؤاله عن حالته الذهنية قال عقيد سابق في جهاز الامن الخارجي وهو جهاز المخابرات الخارجية في عهد القذافي أجاب قائلا "سيخاف"، وأضاف العقيد الذي طلب عدم نشر اسمه "في الحقيقة كان دائما يعتريه قدر من الخوف، انه لا يثق في أهله، انظر الى الانفاق التي أقامها تحت بلادنا ومدينتنا (طرابلس)، قام بهذا حتى يستطيع الهرب والاختباء"، غير أن القذافي على أرض مألوفة بالنسبة له، لقد قضى سنوات عديدة من عمره يعيش حياة بدوية في خيام بالصحراء، حتى حين كان في الحكم تمسك بنمط حياة مختلف فكان يفضل نصب خيمة حين يزور العواصم الاجنبية على الاقامة في فندق او في السفارة الليبية، وقال بن شتوان وزير الطاقة السابق ان القذافي معتاد على الحياة في ظروف صعبة فقد تعود منذ طفولته على الحياة في مناطق حارة ومناطق باردة وعلى الجوع وأنه قادر على أن يظل مختبئا الا اذ اكتشف أمره، ولكن ماذا سيفعل القذافي اذا استمر ملاحقوه في تضييق الخناق عليه في غياب اي احتمال لمواصلة القتال؟، فالفرار الى دولة مجاورة ليس خيارا جذابا بالنسبة له، وفر الساعدي أحد ابنائه عبر الحدود الى النيجر حيث قالت السلطات انها تضعه تحت المراقبة.

وربما لان الساعدي توقع ما سيحدث له وكل نيك كوفمان محاميا عنه، وكوفمان متخصص في قضايا المحكمة الجنائية الدولية ومن بين موكليه السابقين قائد سجن من جماعة الخمير الحمر الكمبودية وزعيم رواندي لجماعة اتهمت بالقتل والاغتصاب الجماعي، وقال اوليفر مايلز وهو سفير بريطاني سابق في ليبيا ان القذافي لن يختار هذا المصير وانه يفضل ان يترك الساحة بشروطه، وأضاف "يبدو لي أن ما حدث لصدام واضح في ذهنه للغاية فقد اعتقل من حفرة وهو يرتدي قميصا قطنيا متسخا"، وبعد العثور على صدام في حفرة تحت الارض في مزرعة بشمال العراق عام 2003 حوكم وأعدم شنق، ويقول مايلز "لدي حدس شخصي "اذا أردت أن تسميه هكذا وهو لا يتجاوز هذا" هو أن أفضل طريقة للحفاظ على ارثه (القذافي) هو أن يختفي وحسب"، وأضاف أن القذافي يستطيع ان يفعل هذا من خلال التخفي والهروب الى دولة مجاورة ليختبيء لبقية حياته، غير أن خطر رصده سيكون كبير، ومضى يقول "هناك أسلوب اخر هو اللجوء الى خندق للجيش وتفجير نفسه".

ينتظر الشهادة!

الى ذلك اكد الزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي انه لا زال موجودا في ليبيا وينتظر "الشهادة" فيها خلال تصديه "للغرب وعملائه التافهين"، بحسب ما نقل عنه موقع قناة الليبية التابعة للنظام السابق، وقال القذافي في كلمة وجهها عبر اذاعة مدينة بني وليد احد اخر معاقله، ونشر نصها موقع الليبية، "كان الصمود وكان الاستشهاد للابطال ونحن بانتظار الشهادة مصداقا لقوله تعالى (ومنهم من ينتظر) فلا تحزنوا ولا تهنوا انما النصر صبر ساعة"، واضاف موجها حديثه لانصاره من ابناء قبائل ورفلة الذين يتصدون لمقاتلي المجلس الانتقالي الليبي في بني وليد وسرت "انتم تعيدون سيرة اجدادكم بجهادكم هذا وانا معكم في الميدان، يكذبون ويقولون القذافي في فنزويلا ومن ثم النيجر، لا يعلم هؤلاء العملاء الشراذم انني بين ابناء شعبي وستصدمهم الايام بما لم يتوقعوا"، وتابع القذافي الذي تواري عن الانظار منذ سقوط طرابلس "خالوا ان ليبيا ستنصاع عند اول غارة تقوم بها طائرات واساطيل اكبر حلف في العالم والتاريخ ولكنهم غفلوا ان ليبيا هي التاريخ وان هذا الشعب هو اعظم شعوب الارض في تصديه وصموده وتحديه للعدوان"، كما اكد ان "ليبيا لن تكون للخونة بل ستكون محرقة لهم وستكون جحيما ووبالا على الغرب وعملائه التافهين"، واتهم القذافي مجددا حلف شمال الاطلس بشن حملته العسكرية على ليييا من اجل السيطرة على نفطه، وقال "لم يكن هناك اسهل من ان اقول لهذه القوى الاستعمارية منذ البداية تعالوا وخذوا بترول هذا الشعب وكان سيتوقف العدوان، لكن دماء اجدادي وابي وابنائي واحفادي وكل شاب ليبي وطفل ليبي وامرأه ليبية وشيخ ليبي استشهد بقصف العدوان كان يدفع بنا لطريق الممانعة والرفض للاستعمار"، واضاف "قلنا ولا زلنا نقول هذا بترول الشعب الليبي وليس بترول فرنسا او بريطانيا هذا قوت يوم ابناء شعبي وليس ملكا لي". بحسب فرانس برس.

فقير وامين

في سياق متصل قال المتحدث باسم معمر القذافي ان الزعيم الليبي المخلوع واسرته لم يستغلوا ثروة ليبيا النفطية وانهم كانوا من افقر المواطنين، وقال موسى ابراهيم متحدثا عبر الهاتف من مكان مجهول انه لم يتمكن احد من اثبات ان القذافي واسرته يمتلكون اصولا او حسابات، وقال ابراهيم الذي يمثل اتصال القذافي عادة مع وسائل الاعلام الدولية ان هذا دليل اكثر على امانة وشفافية هذه الاسرة وانها اسرة ليبية عادية، والقذافي مختبىء منذ ان استولى المقاتلون الذين يحاولون انهاء حكمه المستمر منذ 42 عاما على العاصمة، ومن المعروف على نطاق واسع ان عائلة القذافي عاشت حياة فيها بذخ، وكشفت المغنية نيللي فرتادو انها حصلت على مليون دولار مقابل الغناء لمدة 45 دقيقة في حفل خاص لافراد اسرة القذافي في ايطاليا فيما تم الاتفاق مع ماريا كاري وبيونسي نولز للغناء في مناسبات عائلية اخرى، وقالت سويسرا في مايو ايار انها وجدت 360 مليون فرانك سويسري (8 ر415 مليون دولار امريكي) من اصول غير قانونية محتملة ذات صلة بالقذافي ودائرته مخبأة في سويسر، وذكرت صحف بريطانية ان سيف الاسلام ابن القذافي يمتلك منزلا في لندن قيمته 19 مليون دولار امريكي يضم تسع غرف نوم وحوض سباحة وسينم، وقال ابراهيم ان زعيم الثورة واسرته من بين افقر المواطنين وان جميع ثروة ليبيا تعود الى شركات ومؤسسات عاملة، وغالبا ما كان القذافي يصدر تعليمات الى ابراهيم في الماضي لاصدار بيانات لوسائل الاعلام الدولية. بحسب رويترز.

أفريقيا منقسمة

من جهة اخرى وقبل أشهر قليلة كان العقيد الليبي معمر القذافي ملكاً على ملوك أفريقيا، وكان أحد أبرز اللاعبين على مسرح القارة والمهندس الفعلي للكثير من الأحداث فيها، ولكن بعد الإطاحة بنظامه يحاول الجميع النظر إلى الإرث الذي تركه في دولها، وسط انقسام بين من يضعه في مصاف الملائكة، ومن يصنفه في خانة المجانين، فقد كانت طرابلس لسنوات أحد أكبر المستثمرين في دول جنوبي الصحراء، من خلال مليارات من الدولارات التي كانت تخصصها لبناء الطرقات والمرافق العامة والفنادق، ويقول ريتشارد دوين، المدير التنفيذي للجمعية الملكية الأفريقية في لندن، وهي منظمة معنية بتوفير فهم أفضل للقارة "لقد عُرف عن القذافي دفع مبالغ مالية ضخمة كلما حاول الحصول على صداقة طرف ما"، وأضاف دوين "لقد تمكن القذافي من شراء الولاء عبر المال، وهذه طريقة متبعة في أفريقيا، إذ يقول البعض إن القذافي قد ساعدنا، وعلينا أن نساعده بالمقابل"، ففي النيجر المجاورة لليبيا، والتي رفضت حكومتها تسليم الساعدي القذافي، نجل العقيد الفار، يبرز مسجد هائل الحجم في وسط العاصمة نيامي، حيث يحتشد الآلاف للصلاة كل يوم مستفيدين من الأموال الليبية التي استخدمت لإقامته، وفي مالي، أقام القذافي مسجداً كبيراً في العاصمة باماكو، كما قدم الأموال الضرورية لبناء المجمّع الحكومي الذي ما زال قيد الإنشاء، كما قامت طرابلس باستثمار الكثير من الأموال في مشاريع بتشاد وبوركينا فاسو. بحسب سي ان ان.

وقال أيو جونسون، مدير مؤسسة "فيوبوينت أفريقيا" المتخصصة في توفير معلومات حول القارة السمراء "كل من يقوم ببناء البنية التحتية وتوفير منتجات رخيصة في الأسواق وتأمين القروض للحكومات سيحصل على نفوذ واسع في أفريقيا"، ولكن جونسون لفت إلى وجود اعتبار إضافي دفع العديد من قادة أفريقيا إلى مواصلة دعمهم للقذافي، ويتمثل في قلقهم من احتمال وصول الدور إليهم وبروز خطر الإطاحة بهم دون وجود حليف يستندون إليه، غير أن نفوذ القذافي لم ينبع من أمواله فحسب، بل إن البعض في القارة تأثر فعلاً بأفكاره وطروحاته الشعبوية، وخاصة خلال الفترة التي تولى فيها رئاسة الاتحاد الأفريقي ودعا لإنشاء "الولايات المتحدة الأفريقية"، وهي دعوة كان القادة الأفارقة يدركون بأنها غير واقعية، ولكنهم استغلوها لإظهار القذافي وكأنه أحد كبار قادة القارة، وفي هذا الإطار، قال ريتشارد دوين "لقد عزف القذافي كثيراً على وتر الوحدة الأفريقية، وجلب هذا الأمر له الكثير من الرضا"، أما جونسون، فقال إن من بين الأمور التي اعتمد عليها القذافي لبناء شعبيته إظهاره العداء للغرب، بحيث بات يعتبر الرجل القادر على الوقوف بوجه العالم، إلى جانب رئيس زيمبابوي، روبرت موغابي، ويرى الخبراء أن القذافي اعتمد أيضاً أسلوب إذكاء النزاعات في أفريقيا والمناطق المجاورة لإبقاء نفوذه في مختلف القضايا، وقام بتمويل ميليشيات في إقليم دارفور السوداني، وقدم المساعدة لتنظيمات شكلها الطوارق في النيجر، كما قدم الأموال والمساعدات للكثير من التنظيمات والحركات المسلحة، ولكن هذا النوع من المساعدة هو سبب شعبيته في بعض الحالات، فمن المعروف أن القذافي كان يموّل "المؤتمر الوطني الأفريقي" في صراعه لإنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقي، وفي هذا السياق، قال جونسون "كل من يحاول كتابة الفصل الأخير في حياة القذافي سيكون أمام خيارات صعبة لتقييم تصرفات رجل لديه علاقات فصامية مع العالم."

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11/تشرين الأول/2011 - 13/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م