
شبكة النبأ: توقع الكثير من المحتجين
الذين يملئون الساحات العامة والطرق في اليمن ان الرئيس صالح ابعد ما
يكون صادقا ادعاءاته بترك السلطة سلميا، خصوصا بعد عودته من السعودية
اثر الفترة التي قضاها في العلاج بعد ان تعافى من آثار محاولة الاغتيال
الفاشلة التي ألمت به قبل شهور.
ويماطل صالح يوما بعد يوم للتمسك بالحكم، على الرغم من التدهور
الكبير والمستمر في مرافق الدولة اليمنية واستمرار الاحتجاجات الشعبية
الضخمة، فيما لم تلقى الدعوات الدولية لتنحيه إذنا صاغية حتى الآن.
وشهدت اليمن خلال الشهور الثمان الماضية انفلات امني ملحوظ،
واشتباكات عنيفة متقطعة بين المناوئين لحكمه والمؤيدين له، أسفرت عن
خسائر جسمية في الأرواح والممتلكات الى جانب تدهور الأوضاع الاقتصادية
والاجتماعية.
اليمنيون في حيرة
فقد قال الرئيس اليمني علي عبد الله صالح انه سيتخلى عن السلطة خلال
ايام وهو وعد اعلنه ثلاث مرات بالفعل هذا العام وقال محللون انه مع ذلك
فان هذه خطة اخرى للمماطلة. وقال مسؤول حكومي ان صالح كان يشير فقط الى
استعداده للتوصل الى صفقة لانهاء اشهر من الاضطرابات.
ويخضع صالح الذي تولى السلطة في 1978 لضغط من حلفاء دوليين ونشطاء
في الشارع وخصوم مسلحين واحزاب معارضة ليفي بوعوده بتسليم السلطة
وانهاء ازمة اثارت شبح دولة عربية فاشلة يديرها متشددون.
وكان التخبط بشأن نوايا صالح امرا معتادا في صراع طال امده منذ
يناير كانون الثاني عندما خرج المحتجون لاول مرة الى الشوارع للمطالبة
بالاصلاح وبانهاء استحواذ صالح وعائلته على السلطة الممتدة منذ 33 عاما.
وقال صالح في كلمة اذاعها التلفزيون اليمني "أنا أرفض السلطة..
وسأرفضها في الايام الجاية (القادمة).. سأتخلى عنها." وتراجع صالح
بالفعل ثلاث مرات عن التوقيع على مبادرة السلام الخليجية التي كان من
شأنها تشكيل حكومة تتزعمها المعارضة ثم نقل السلطة لنائبه قبل انتخابات
برلمانية ورئاسية مبكرة.
وكثيرا ما قال مسؤولون خلال قضائه فترة نقاهة في الرياض بعد محاولة
اغتيال في يونيو حزيران انه سيعود "في غضون ايام" او "قريبا". وعاد
صالح بشكل مفاجىء في اواخر سبتمبر ايلول.
وقال عبده الجندي نائب وزير الاعلام اليمني لرويترز ان صالح قال ان
هذا يظهر التزامه بالخطة لكن لا توجد نيه للاستقالة او نقل الصلاحيات
قبل الموافقة على اتفاق والتوقيع عليه حتى لا تسقط البلاد في حالة من
الفوضى او حتى الحرب. بحسب رويترز.
وقال ان الرئيس اليمني "مستعد لترك السلطة خلال ايام لكن هل سيحدث
هذا في الايام او الاشهر القادمة .. هذا سيعتمد على نجاح المفاوضات في
التوصل الى اتفاق." وأدت الاحتجاجات ضد صالح الى اصابة اليمن بالشلل
واضعاف سيطرة الحكومة على قطاعات من اراضي اليمن واثارت مخاوف من ان
يستغل جناح تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الاضطرابات لتوسيع نطاق نفوذه
قرب طرق شحن النفط عبر البحر الاحمر.
وربما استهدفت تصريحات صالح اجهاض الصعوبات التي قد تعترض طريقه
نتيجة اجتماع مجلس الامن الدولي في نيويورك. ويقول دبلوماسيون انهم
اوشكوا على الحصول على اجماع دولي لاصدار قرار في مجلس الامن ربما يأتي
يطالب الحكومة بتنفيذ الخطة الخليجية التي تدعمها الولايات المتحدة.
وغادر جمال بن عمر مبعوث الامم المتحدة اليمن لاطلاع المجلس على
نتائج مباحثاته الاسبوع الماضي بعد اسبوعين غير مثمرين حاول فيهما
التوسط بين حكومة صالح والمعارضة.
وفي كلمته كرر صالح شرطه انه لن يتخلى عن السلطة لمنافسيه من احزاب
المعارضة منذ فترة طويلة الذين يقول انهم اختطفوا احتجاج نشطاء الشباب
ويهدفون الى هدم العملية الدستورية.
وتنتهي فترة صالح الرئاسية في 2013 وقال انه لن يخوض انتخابات
الرئاسة مجددا لكن محللين يشكون في انه يريد ان يطيل الازمة حتى ذلك
الحين.
وقال محمد الصبري المتحدث باسم ائتلاف المعارضة اليمنية ان هذه
دعاية جديد من صالح قبل مناقشة اليمن في مجلس الامن. واضاف ان اربعة
اشهر مرت منذ اعلانه قبول صفقة الانتقال الخليجية وتساءل عما يوقفه عن
فعل ذلك مضيفا انه لا يحتاج حتى الى ايام قلائل لعمل ذلك.
وجاء ضغط جديد من جانب غير متوقع يوم الجمعة عندما منحت جائزة نوبل
للسلام لتوكل كرمان وهي واحدة من الناشطات الرائدات الموجودة في الشارع
في "ساحة التغيير" امام جامعة صنعاء منذ فبراير شباط.
والاعتراف بناشطة ديمقراطية يمنية من شأنه ان يجذب من جديد الانتباه
العالمي الى الصراع في اليمن وهو دولة فقيرة يبلغ تعداد سكانها 23
مليون نسمة وبها مشاكل تمتد من تدهور موارد المياه الى متشددي القاعدة
الذين يستفيدون من حالة الفوضى في العاصمة.
ووصف المحلل السياسي اليمني عبد الغني الارياني كلمة صالح بانها لا
تعدو ان تكون استمرارا لموقفه قائلا "لا أعتقد انها تأتي بأي جديد..
أتذكر انه قال ذات مرة انه مستعدا للرحيل في أي يوم.. ولهذا لا اعتقد
انه يعني حقا ما قاله."
وهناك افتقاد للضغط العلني الامريكي حتى مع تعاونه مع واشنطن في
حربها السرية على المتشددين في اليمن. وقتلت طائرة بدون طيار تابعة
لوكالة المخابرات المركزية الامريكية انور العولقي في اليمن الشهر
الماضي فيما يرى على انه ضربة كبرى للرئيس الامريكي باراك اوباما في
المعركة ضد القاعدة.
وتشارك السعودية وهي داعم مالي رئيسي لحكومة صالح الولايات المتحدة
المخاوف بشأن القاعدة كما تحرص مثل صالح على السيطرة على عملية الخلافة.
ويقول محللون ان انتقال السلطة بما في ذلك تنحي صالح وانتخابات مبكرة
لن تكون ذات جدوى في حين ان العاصمة والكثير من البلاد تحت القيادة
العسكرية والامنية لاقاربه.
وقال السياسي المعارض علي سيف حسن ان صالح كان يهدد المعارضة في
كلمته بانه اذا لم يتوصلوا لاتفاق معه سيلجأ الى انتخابات بشروطه.
وقال ان من الواضح انه يرغب في اجراء انتخابات في حين ان ابنه
واقاربه لا زالوا يسيطرون على معظم الجيش. وفي كلمته اشار صالح الى
دعمه الكامل لنائبه عبد ربه منصور هادي. في لقطات مصورة بثت بعد الكلمة
ظهر نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي وهو يحيي اعضاء البرلمان الذين
تجمعوا في القصر الرئاسي.
وينظر الى منصور منذ فترة طويله على انه المرشح التوافقي المثالي
المقبول لدى المعارضة رغم ان المتشددين في الحزب الحاكم يتجنبونه. وقال
صالح انه يوجه التحية لنائبه على قيادته البلاد في غيابه. ووصف صالح
نائبه بانه رجل عسكري محنك. وحتى قبل موجة الاحتجاجات المؤيدة
للديمقراطية ضد حكمه كان صالح ( 69 عاما) يناضل لاخماد تمرد انفصالي في
الجنوب وتمرد شيعي في الشمال.
خداع مستمر
من جهته قال جريجوري جونسن وهو باحث في شؤون اليمن "أين الخدعة هنا..
صالح يتعامل مع عجز في الثقة في اليمن واليمنيون متوجسون للغاية من
وعود هذا الرئيس." وعبارات مثل "في الايام الجاية" أي القادمة لها معنى
فضفاض بالنسبة لصالح الذي عاد من المملكة العربية السعودية الى بلده
بعد أن قضى ثلاثة أشهر يتعافى بعد محاولة اغتيال عقب شهر من قوله في
خطاب لانصاره أنه سيعود "قريبا".
وقال نائبه مرارا بعد اصابة صالح في محاولة الاغتيال في يونيو
حزيران انه سيعود من السعودية خلال أيام قلائل. وعرض صالح قائمة طويلة
من التنازلات الظاهرية منذ انطلاق النشطاء لاول مرة الى الشوارع - عقب
قيام ثورة في كل من تونس ومصر - في صنعاء في يناير كانون الثاني
احتجاجا على حكم صالح وللمطالبة بانهاء حكمه واصلاحات ديمقراطية. ومع
الاسف فان كثيرا ما كانت تحدث هذه التنازلات بثمن باهظ.
فبعد أن دعا حزبه الحاكم للحوار مع المعارضة في محاولة للقضاء على
الاحتجاجات المناهضة للحكومة يوم 29 يناير كانون الثاني هاجم أنصاره
اليمنيين الذين كانوا يحاولون تنظيم مسيرة الى السفارة المصرية تضامنا
مع المصريين الذين نجحوا بعد اسبوعين في اسقاط الرئيس حسني مبارك.
وقال علي سيف حسن وهو سياسي معارض انه لا يعني حرفيا أنه سيترك
السلطة خلال أيام قليلة بل انه يحاول تهديد المعارضة بأنه يمكن أن يخوض
وحده انتخابات جديدة بدون اتفاق لكنه لا يستطيع ذلك الان لان الوقت مضى.
بحسب رويترز.
وبعد أن قتل قناصة تابعون للحكومة بالرصاص 52 شخصا في أحد أيام شهر
مارس اذار غير صالح من نبرته وتحدث علانية في اكثر من مناسبة عن
استعداده للتنحي وأنه عازف عن التمسك بالسلطة في حد ذاتها لكنه أبدى
رغبته في التحقق من الناس الذين سيسلم لهم السلطة.
وقال لالاف من أنصاره في 25 مارس اذار "لسنا بحاجة الى السلطة...
لكننا بحاجة الى تسليم السلطة الى أياد أمينة... لا الى أياد حاقدة
وفاسدة ومتامرة."
وقال مستشار طلب عدم نشر اسمه "أوضح صالح أنه مستعد لترك السلطة لكن
هذا لن يحدث قبل قيادة اليمن الى مكان امن يمكن فيه نقل السلطة سلميا."
لكن محللين يرون أن صالح ربما كان له سبب وجيه في اعطاء الانطباع
بأنه يوشك على اتخاذ خطوة ما. وقال همدان الحقب وهو زعيم في الجنوب في
حركة الاحتجاج انه يعتقد أن صالح يريد تشويش مجلس الامن التابع للامم
المتحدة قبل تقديم طلب لبحث قضية اليمن.
الغرق في الصراع
الى ذلك بعد شهور من الاحتجاجات واراقة الدماء والدبلوماسية أصبح
اليمن منغمسا في صراع ربما يؤدي الى دخول البلاد الفقيرة في حرب أهلية
وانهيار اقتصادي. وطغت المعركة التي يخوضها صالح في مواجهة كل من
اللواء علي محسن الذي انشق عن القوات الحكومية وقادة القبائل الذين
كانوا يوما حلفاء أقوياء على الاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ يناير
كانون الثاني ضد حكم صالح القائم منذ 33 عاما للمطالبة بالديمقراطية.
وأدى الصراع السياسي الى ارخاء سيطرة الدولة على أغلب أجزاء اليمن
مما تسبب في اطلاق يد المتمردين الحوثيين في الشمال والحركات
الانفصالية في الجنوب والمتشددين من تنظيم القاعدة بينما يعاني سكان
البلاد من نقص في الغذاء والماء والوقود والوظائف.
وتخشى قوى أجنبية من أن تزيد الاضطرابات في اليمن من جرأة تنظيم
القاعدة في جزيرة العرب المتمركز في البلاد رغم مقتل أنور العولقي كبير
مسؤولي الدعاية باللغة الانجليزية في ضربة شنتها طائرة أمريكية بلا
طيار. بحسب رويترز.
وتسبب العنف في نزوح مئات الالاف من اليمنيين مما أدى لتفاقم أزمة
من الممكن أن تؤثر على المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج
التي تحاول اخراج صالح من السلطة بخطة انتقالية.
وقال ماهر (30 عاما) وهو محام يقود سيارة أجرة "الامر لا يتعلق
بالمواطن اليمني العادي.. بل انها نسخة جديدة لصراع طويل بين الاطراف
ذاتها. نحن فقط الذين نقتل."
وقال المحلل علي سيف حسن "من نافذتي.. أرى مقاتلين يفصل بينهم أقل
من 300 متر... كلما اقترب الساسة من اتفاق كلما اقترب المقاتلون (من
الاشتباك) مع بعضهم البعض. سنرى من الذي يصل أولا." |