السعودية: حق المرأة وحقوق أخرى

احمد جويد/مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

التنازل الأخير الذي أبداه الملك السعودي في إعطاء الحق للمرأة السعودية بالترشيح لمجلس الشورى والمجالس البلدية اعتبارا من الدورة القادمة، لا يعدوا كونه أكثر من استباق للأحداث المتسارعة في الدول العربية والتي شرعت بالتعبير عن رفضها للأنظمة الفاسدة التي تنتهك الحقوق والحريات لجميع فئات الشعب، وربما تكون هذه الخطوة إيذاناً بالمزيد من التغيير – في حال تطبيقها - ليس فقط بالنسبة للمرأة، بل في العلاقة بين البلاط الملكي ورجال الدين والتي كانت أساس إقامة الدولة وكذلك داخل الأسرة الحاكمة التي تواجه مطالب متزايدة من المواطنين الذين يرون عربا آخرين يقتربون من الديمقراطية.

 فهي – أي خطوة الملك – ربما تمثل تحولاً كبيراً ومهما في مرحلة صراع الثقافات السائدة في فترة حكم الملك عبد الله، تلك الخطوة التي تُعّد مرفوضة من قبل الجناح المتطرف داخل العائلة الحاكمة والذي يحظى بدعم المتطرفين من رجال الدين في المملكة وأغلبهم من الخط الوهابي وقسم كبير من السلفيين، تجعل مصداقية الملك على المحك في تطبيق وعوده على أرض الواقع.

 فمن خلال تقارير المنظمات الدولية الخاصة بالدفاع عن الحقوق والحريات، تُعَدّ السعودية إحدى البلدان الأسوأ في العالم على مستوى انتهاك حقوق الإنسان وخرق الحريات الفردية والاجتماعية، والتعدي على حقوق المرأة، وقمع الأقليات الدينية والقومية، ومنع حرية الرأي والتعبير، وعليه فالإصلاحات في السعودية لا يمكن أن تختزل بالسماح للمرأة في الدخول إلى مجلس الشورى والذي لم يعرف بعد نسبة تمثيل المرأة فيها ولا الشروط الواجب توافرها في المرأة المتقدمة للترشيح للانتخابات، وإنما يجب أن تشتمل تلك الإصلاحات على إعطاء كافة الحقوق الواجب إعطائها لجميع المواطنين في السعودية، والتي تشتمل على:

أولاً: الحقوق المدنية

 فإذا كان الملك يسمح بتمثيل المرأة في الحياة السياسية، فقد كان الأولى منح المرأة حق قيادة السيارة في الشوارع العامة، وقد يكون السماح بهذا الحق ضمنياً إلا أنه سوف يثير حفيظة الخط المتشدد الذي يتم تغذيته بـ(فتاوى التحريم)، وبذلك فعلى الملك السعودي أما أن يختار مواجهة هذا الخط وبقوة إذا كان المراد من وعوده أمام مجلس الشورى "الجدية في التطبيق"، أو أنه يجنح إلى استرضاء الفئات المتشددة والمتطرفة كما فعل في خطوات سابقة تسترضي رجال الدين من خلال إنفاق مبالغ كبيرة على بناء مؤسسات ومدارس لهؤلاء المتشددين وزيادة الإنفاق على شرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى جانب حظر انتقاد الإعلام لكبار رجال الدين والاستمرار في المساعدة لتنفيذ إستراتيجيتهم القائمة على التضييق على الطوائف الأخرى وعزلهم عن مؤسسات الدولة.

 كذلك الحال بالنسبة لحق التقاضي والمساواة أمام القانون، فقد ذكر التقرير الذي أورده موقع الـ"بى بى سى" الإخباري "أن الآلاف من المعتقلين السعوديين زُج بهم فى المعتقلات وأصبحوا رهناً لها لسنوات دون محاكمة"، وأضاف "أن السلطات السعودية تنتهك حقوق الإنسان بشكل مكثف وعلى نطاق واسع، وأن المجتمع الدولي يتغاضى عن هذه الانتهاكات"، وقال (مالكوم سمارت) مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية "إن الحكومة السعودية استخدمت نفوذها الدولي القوي للإفلات من المساءلة، بينما تقاعس المجتمع الدولي عن محاسبة الحكومة على هذه الانتهاكات الجسيمة"، كما هو حال المجتمع الدولي بدخول القوات العسكرية السعودية إلى البحرين لقمع الاحتجاجات هناك والتي تغافل عنها وكأنها لم تكن.

ثانياً: الحقوق السياسية

 قد تكون خطوة ايجابية من قبل الملك عبد الله بالالتفات إلى حق المرأة في المشاركة بالحياة السياسية بغض النظر عن الدوافع أو الضغوط التي مورست عليه داخلياً أو خارجياً، لكنها تبقى خطوة صغيرة في دولة كبيرة مثل السعودية بحاجة إصلاح في نظام الحكم وطريقة إدارة الدولة ومؤسساتها السياسية وعدم احتكار السلطة وحصرها بيد الأمراء وأفراد العائلة الحاكمة، وهو أمر من المرجح في طريقه إلى الزوال في ظروف لا يمكن التنبؤ بها وفي ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، فإذا كان الملك جاداً في إصلاحاته السياسية فهل يستطيع السماح لأبناء الطوائف الأخرى المشاركة في إدارة مؤسسات الدولة أو الدخول إلى دائرة صنع القرار؟.

 بالتأكيد هذا الأمر ليس سهلا مع وجود نظام تقليدي يحاول الاصطفاف مع أنظمة الحكم التقليدية الأخرى في الدول العربية من أجل الحفاظ على وجودها السياسي رغم أن الأنظمة الأخرى حاولت أن تسبق السعودية بإصلاحات فاقت ما تقدم به الملك عبد الله بقرار إشراك المرأة السعودية في مجلس الشورى، إلا أن شعوب تلك الدول (الأردن والمغرب) رفضت الإصلاحات والوعود التي أعلن عنها حكامها واعتبروها مجرد مسكنات تستخدم لامتصاص غضب الشعوب على أنظمتها المتهالكة.

ثالثاً: الحقوق الدينية

 بحسب تقارير المؤسسات الدولية فإن حرية الدين والمعتقد في السعودية في أسوأ حالاتها، فمن الناحية الواقعية والتاريخية إن نسبة الطائفة الشيعة في الجزيرة العربية هي نسبة كبيرة موزعة بين المدن المقدسة والكبيرة، وهي صاحبة الأغلبية المطلقة في المناطق المنتجة للنفط وذات الاحتياطي الكبير لهذه المادة الاقتصادية المهمة، فهل يسمح لهم الملك بتأدية طقوسهم الدينية والعبادية دون تدخل أو منع من قبل شرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي يتبناها الجناح المتطرف في العائلة الحاكمة ومجموعة من رجال الدين؟ وهل يستطيع الملك السماح لأبناء هذه الطائفة ببناء المراقد الخاصة بأئمتهم وهو حق تكفله جميع المواثيق الدولية وحقوق الإنسان؟ أم أنه يخشى تلك الخطوة والتي تُعَدّ خطاً أحمراً أمام سلطاته من قبل رجال الدين المتطرفين.

إن اية إصلاحات تقوم بها السلطات السعودي تلبية لضغوط التحرك الشعبي والدولي وهيئات حقوق الانسان، يجب ان تستند الى الخطوات الآتية:

1- الحد من نفوذ المتطرفين من الامراء داخل العائلة الحاكمة ورجال الدين الذين يغذون التطرف والتكفير المرتبطين بهؤلاء الأمراء.

2- وضع برنامج إصلاح سياسي واضح يراعي الحقوق السياسية لجميع فئات ومكونات المجتمع السعودي.

3- الحد من سلطات ما يعرف بـ(هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) والتي تعد واحدة من أهم أدوات القمع المتطرف.

4- القضاء على الفساد المستشري لدى أبناء العائلة الحاكمة، بالإضافة إلى تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي للفئات التي تعاني أزمات اقتصادية حقيقية.

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com/index.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11/تشرين الأول/2011 - 13/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م