مدن حول العالم... جمعت  بين الجمال والنقاء والسكينة

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: كثيراً ما يتوق الإنسان إلى اخذ قسط من الراحة والاستجمام بعد حياة مشحونة بالعمل ومليئة بالكد والالتزام، من خلال البحث عن الهدوء والسكينة المفقودتين وسط ضوضاء المدن وتزاحم الأيام، والتي ما زالت تحافظ عليها بعض المدن المنتشرة هنا وهناك، حيث تجد جمال الطبيعة الخلاب إلى جانب المرافق السياحية والخدمات المميزة، مع سبل الراحة والسلام والتي تكون بمجملها وصفة سحرية قد تنسيك كل هموم الزمن وعناء السفر وتطبع في الذاكرة أجمل لحظات العمر التي لا تنسى، وقد سعت اغلب دول العالم إلى الاهتمام كثيراً بمدنها ذات الطابع الخاص والمميز، ليس من اجل المردود المادي وحسب، بل وكذلك من اجل الحصول على سمعة عالمية تجعلها في مصافي الدول التي تنال إعجاب العالم واستحسانه، فيما تكون هذه "المدن المميزة" رسل ترفع من شأن تلك الدول.

كندا والسمعة الأفضل

إذ إن كندا هي البلد الذي يتمتع بأفضل سمعة في العالم، بحسب استطلاع أميركي للرأي حول صورة خمسين بلدا نشر مؤخر، والدراسة التي أجراها معهد "ريبوتايشن اينستيتوت" الذي يتخذ من نيويورك مقرا له، عمدت إلى قياس "ثقة الناس وتقديرهم وإعجابهم" تجاه كل بلد بالإضافة إلى نظرتهم تجاه نوعية الحياة والأمن والاهتمام بالبيئة في كل واحد من البلدان موضوع الدراسة، وبحسب الأجوبة التي قدمها 42 ألف شخص مستطلع، احتلت السويد المرتبة الثانية بعد كندا وتلتها أستراليا وسويسرا ونيوزيلاندا فيما حلت اليابان في المرتبة الثانية عشرة وفرنسا في المرتبة الثامنة عشر، وحظيت هذه البلدان بنقاط كثيرة في الاستطلاع بفضل صلابة نظامها الديمقراطي وناتجها القومي الاجمالي المرتفع وأسلوب الحياة النشط فيها ونظامها السياسي المتطور وحياديتها في ما يتعلق بالاضطرابات السياسية الدولية، ومن العوامل التي لجأ إليها الاستطلاع لتقييم سمعة كل بلد، الصورة التي يعكسها البلد عن الأمن، وبالتالي، احتل كل من باكستان وإيران والعراق المراتب الأخيرة على اللائحة التي شملت خمسين بلدا فيما أتت الولايات المتحدة في الوسط والصين في الثلث الأخير، أما المكسيك التي احتلت المرتبة الرابعة والعشرين سنة 2009 فقد تراجعت إلى المرتبة الخامسة والثلاثين، وتراجعت أيضا اليونان وايرلندا واسبانيا التي ترزح تحت وطأة الدين فيما تقدمت ألمانيا المعروفة باقتصادها الصلب من المرتبة السادسة عشر إلى المرتبة الحادية عشرة. بحسب فرانس برس.

مكتبة ادمونت في النمسا

الى ذلك تعد مكتبة ادمونت واحدة من أبرز وأهم معالم الثقافة والحضارة، وواحدة من أبرز كنوز الإنسانية في عصر الباروك وكذلك لدورها الكبير في ربط الثقافات بين القديم والحاضر عبر أكثر من 1000 عام، ولهذا يعدونها الأعجوبة الثامنة في العالم، أن الدير تم تشييده من قبل مطران سالزبورغ عام 1074 ولكن المكتبة الرائعة تم الانتهاء منها عام 1776، وقد تم تشييدها من قبل المهندس المعماري الغراتزي يوسف هويبر مستنداً بناء إلى أفكار توضيحية في التنوير، وطول المكتبة 70 متراً وعرضها 14 مترا وارتفاعها 12 متر، ولهذا تعد أكبر مكتبة مطرانية في العالم، وكان مركز ثقل المكتبة العدل والمساواة، لحظة يشرع باب الصالة الكبيرة للمكتبة يصاب الإنسان بعدم الاتزان والانبهار اللامحدود لرؤية إحدى تحف العالم الرائعة، ورؤية الصالة في الوهلة الأولى شئ لا يصدق ويعجز عنه الوصف لهذه التحفة، باب خشبي كبير ودخول إلى عالم كتب عمرها أكثر من 1000 عام وحتى رفوف المكتبة شئ فاق الجمال، فاتنة جميلة يضاف جمالها إلى جمال المكتبة كي تكتمل الصورة وهي الدليل في المكتبة لأن زوار المكتبة سياح من دول بعيدة ومن النمسا وعلى شكل أفواج كبيرة، ولكن لحسن حظي ونتيجة هطول الأمطار بشدة في الصيف الساخن في النمسا كان عدد الزوار قليل، ولهذا حدثتني السيدة" سيري هورن شيلد" عن المكتبة قائلة، إن عدد كتب المكتبة يبلغ 200 ألف كتاب وأما في هذه الصالة فيوجد 70 ألف كتاب وقد جمعت كتب كثيرة من القرن 16 ولغاية اليوم ماعدا المخطوطات التي مضي عليها أكثر من 1000 عام، تقسم الصالة الكبيرة للمكتبة إلى ثلاث أقسام وفي وسط الصالة قسم للإنجيل فقط والقسم الآخر كتب روحية وحول علم الأديان، وكذلك يوجد في الأرشيف الكتب المعاصرة والفلسفة والتاريخ والفلسفة الطبيعية والطب وأعمال الفلاسفة.

إن بداية تأسيس دير ادمونت كان حين قدم 12 راهباً من سالزبورغ وجلبوا معهم الكتب وبدأت بالمخطوطات، ولحين الانتهاء من المكتبة عام 1776 وهي الأعوام التي تذكر النمساويين بموزارت وهايدن والموسيقى الخالدة، وقد تم تأسيس الصالة على أسلوب الروكوكو، وقد طبعت الكتب منتصف القرن الخامس عشر، وقد اشتهرت المكتبة ليس على أساس الكتب بل على حجمها وأسلوب بنائها وجماله، أما سقف الصالة فقد رسمها الرسام "التومونتي"عام 1776 وبالرغم من سنه الطاعن وبدأ برسم السقف وهو في الثمانينيات وهي تمثل الملائكة ورموز وآيات الحب والجمال والتسامح، وفي مركز الصالة يوجد تمثالان من الخشب وهما للنحات يوسف شتاميل 1695ـ 1765 وهو يعد من أهم النحاتين الباروكيين على الإطلاق وقد أطلق في أعماله أربع أشياء أخيرة وهي تصوير الحياة وكذلك الموت ويوم القيامة والجنة والنار، مكتبة ادمونت تضم 200 ألف كتاب مجلد و1400 مخطوطة يدوية وكذلك توجد أولى الكتب المطبوعة وهذه الكتب والمجلدات تعد كنزاً نادراً للإنسانية ولدولة النمس، ويمكن قراءة المجلدات داخل المكتبة وأما المخطوطات فتحتاج رخصة رسمية وعلى الكتب أن لا تغادر بناية المكتبة نظراً لأهميتها القصوى، الطابق الثاني من المتحف الكبير يضم جناحين وهما المتحف الطبيعي ويحتوي على 252 ألف نموذج من الطيور والفراشات وكذلك جناح للحيوانات المحنطة مثل الأسود والنمور والأفاعي وهذا كله ضمن المتحف الطبيعي في الدير، والقسم الآخر من الطابق الثاني يضم لوحات عمالقة النمسا في متحف الفن الحديث، ولقد تم افتتاح المتحف عام 1997 ويضم أعمال أكثر من 100 فنان وفنانة من النمسا ومنهم الفنانة ماريا لاسينغ شماليكس،الفريد كلين،هانز شفارتز.

أرنيس الاصغر والاجمل

على صعيد اخر فان "حمام أرنيس" و"منتجع أرنيس"، عبارة على اللوحة الصفراء الموجودة عند مدخل بلدة أرنيس كتبت لتبدو المدينة كما لو كانت مركزا للحمامات ومراكز الصحة الترفيهية، لكن أرنيس لا تقدم أيا من تلك الأمور، إلا أن المدينة الواقعة عند معبر شلاي المائي بولاية شليسفيج هولشتاين شمالي المانيا تتميز بأمرين، أنها المدينة ذات العدد الأصغر من السكان والمساحة الأصغر في ألمانيا كلها حيث يعيش نحو 280 شخص على مساحة تبلغ حوالي نصف كم مربع، ولقب "مدينة" نفسه يثير بعض التوقعات الخاطئة، فعلى الأوراق تعد أرنيس مدينة لكنها في الحقيقة لا تعدو عن كونها قرية حيث لا توجد بها مدارس أو متاجر ولا حتى مكاتب حكومية، لكن مسألة أن أرنيس مكان شاعري ذو قيمة استجمام عالية هي مسألة ليست محل شك، وقال أحد أرباب المعاشات بينما كان يجلس على مقعد مع زوجته على ضفاف ممر شلاي المائي، "نحب الهدوء والمنظر الطبيعي الخلاب هنا"، ومن فوقهما تحلق طيور النورس في دوائر وتشدو بأصواتها بينما تلاطم الامواج مراسي المراكب، ومن بين الامور التي تجذب الزوار ركوب الدراجات والمشي لمسافات طويلة والأنشطة الترفيهية المائية والهدوء والسكينة التي تنعم بها المدينة، وتشتهر مدينة أرنيس ومنطقة شلاي على وجه الخصوص بالصيادين، وتأسست أرنيس عام 1667 عندما نزلت بها 64 أسرة من بلدة كابلن القريبة بالمنطقة، وبفضل مثابرة عمدتها حصلت البلدة على صفة مدينة عام 1934، يدير المدينة الآن مكتب حكومي اقليمي في كابلن لكن لديها مجلس بلديتها أو عمدتها الخاص. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

ويمكن للمرء أن يستكشف المدينة كلها سيرا على الأقدام في نصف ساعة حيث أن هناك سبعة شوارع فقط، وأطول شوارع المدينة الذي يطلق عليه اسم لانجيه ستراسيه أو "الشارع الطويل" حيث يبلغ طوله 600 متر فقط، هنا تجد المنازل الجميلة المعروشة بالخشب بشرفاتها البارزة الصغيرة، إنها تكون أكثر جمالا في الصيف عندما تزهر الورود امام المنازل وأشجار الليمون بينما تغطي أوراقها الشوارع، وإذا تقدمت سيرا في الشارع باتجاه الجنوب الغربي ستمر على كنيسة شيفركيرشه التارخية التي أنشئت عام 1673 والمقابر التابعة لها المطلة على المياه، وخروجا من المقابر، يقودك طريق الى منطقة الاستحمام على الشاطئ، أما إذا ما سرت قليلا على الشاطىء الرملي باتجاه المراسي وأماكن رسو سفن الرحلات، تكون قد وصلت إلى مطعم ومقهى شلي بيرله، يدير هانز فيرنر برودريوس شلي بيرله منذ عام 1977، ويعود تاريخ المطعم والمقهى إلى عام 1952 حيث كان يمتلكه والداه، ويقع شلي بيرله في مبنى تاريخي كان في يوم من الأيام محطة للمسافرين على متن السفن البخارية والتى كان يبدو انها تطفو على المياه فوق دعامات خشبية، وفي وقت الغداء، تقدم زوجة برودريوس وأعضاء طاقم عمل المطعم الكعك والقهوة، اما في المساء، فيكون هناك طعاما مطهي، يحب برودريوس تقديم ثعابين البحر التي تم اصطيادها محليا حيث يقول إن طعمها أفضل من القادمة من عند احد السدود، انها ناعمة جدا وطرية".

المدينة المحرمة

في سياق متصل تحل المدينة المحرمة ضيفة على متحف اللوفر مع اختيار 130 قطعة من القصر الملكي في بكين تحيي عالم الاباطرة الصينيين وتلقي الضوء على موهبة بعضهم الفنية والتبادل العلمي والثقافي الذي قام مع اليسوعيين في عهد لويس الرابع عشر، هذه الاعمال مأخوذة من مخازن القصر الملكي الرائعة التي تحوي 1،8 مليون قطعة، بعض الاعمال المستعارة لم يسبق لها ان غادرت الصين، وهي تضم لوحات ورسومات حبر على ورق وخزفيات وبرنقيات واختاما وملابس ملكية، ويقام معرض "المدينة المحرمة في اللوفر، اباطرة من الصين، ملوك من فرنسا" من 29 ايلول/سبتمبر الى التاسع من كانون الثاني/يناير في ثلاثة اماكن منفصلة من المتحف الباريسي الكبير، فثمة جانب تاريخي يقام في جناح سولي واخر هندسي قرب "فوسيه مدييفو" وثالث يتعلق بالامبراطور كيانلونغ الذي دام حكمه من 1736 الى 1795 في جناح ريشوليو، ويقول جان-بول ديروش امين متحف غيميه (باريس) واحد مفوضي المعرض "هذا يصعب الامر على الزائر الا انه سيحصل على خريطة تخوله التنقل"، قاعات اللفور عدلت لتفسح المجال اما اباطرة الصين، ويوضح ديروش "شركاؤنا الصينيون ارادوا ان يكونوا قرب هرم" اللوفر، ويضيء المعرض على التاريخ المتقاطع لملوك فرنسا والصين منذ سلالة يوان (1271-1368) حتى اباطرة سلالة كينغ (1644-1911)، ان العلاقات الاولى المثبتة بين البلدين تعود الى القرن الثالث عشر عندما اقترح المغول الذين كانوا يحكمون الصين على ملك فرنسا فيليب لو بيل تحالفا ضد المماليك على ما يرد في برقيات دبلوماسية، والقطعة الاثمن في المعرض بنظر الصينيين هي الكتاب الجنائزي للامبراطور هونغوو (حكم من 1368 الى 1398) مؤسس سلالة مينغ (1368-1644).

ويوضح دوروش "انه وثيقة مؤسسة لسلالة مينغ ولم يسبق ان خرج من الصين"، الامبراطور يونغل (1403--1424) بنى المدينة المحرمة ما سمح بنقل العاصمة من نانكين الى بكين العام 1421، وفي عهد سلالة كينغ ابدى الامبراطور كانغشي (1662-1722) انفتاحا على الغرب، كان معاصرا لحكم الملك لويس الرابع عشر واستقبل يسوعيين في بلاطه واهتم للمعارف العلمية والثقافية، واقام في المدينة المحرمة مشاغل ضمت فنانين صينيين واوروبيين مساهما في ظهور اسلوب خليط في البورتريهات والمناظر الطبيعية، الرسام الايطالي من ميلانو جوزيبي كاستيليوني (1688-1766) اصبح رسام البلاط الرسمي في 1716، وبقي الفنان الايطالي الذي اتخذ اسم لانغ شينينغ الصيني، رساما في عهد ثلاثة اباطرة ولا سيما كيانلونغ الذي شكل حكمه على مدى ستين عاما ذورة سلالة كينغ كيانلونغ كان حفيد كانغشي ويعتبر "ساحر الثقافة" و"جامعا استثنائيا للقطع الفنية" على ما يقول ديروش، وكان يكتب الشعر ويمارس فن الخط يوميا ويرسم ويعزف على الة المزهر.وكان هذا الامبراطور فارسا ماهرا وكان يطلب من كاتسليوني وضع بورتريهات للاحصنة التي كانت تقدم اليه على شكل إتاوة، ومن الاعمال الملفتة في المعرض "استقبال السفراء الاجانب" في عهد كيانلونغ وهو لفافة مرسومة على الحرير تظهر الامبراطور يستقبل السفرء الاجانب في المدينة المحرمة بمناسبة رأس السنة.

العزلة تفتح أبوابها

بدوره، هناك، حيث العزلة تفتح أبوابها، تكمن في الأحراش بلا حراك وتطل بعيونها ذات اللونين الأصفر والأخضر من بين الأوراق من آن لآخر، إنها القطة البرية الخجولة التي تحب الوحدة والعزلة، والتي تستوطن المرتفعات الاسكتلندية فقط، إذ تنعم فيها بالهدوء إلى حد كبير، ومازالت القطة البرية تتسلل عبر الأحراش في غابات الصنوبر المتشابكة التي تضمها المرتفعات الاسكتلندية بين أركانها، لذا فإن مقابلتها في الطريق البري المفتوح تحتاج إلى قدر كبير من الحظ.وهنا يقول حارس المحمية الطبيعية دوغلاس ريتشاردسون «احتمالية مقابلة نمور في سيبيريا أكبر، إذ إن عددها أكثر».ويقع مكان عمل حارس المحمية الطبيعية البالغ من العمر 53 عاماً، في منطقة «كايرنغورم ماونتينز» جنوبي المرتفعات الاسكتلندية، التي تمتاز بطبيعتها الزاخرة بالوديان المكسوة باللون الأخضر الداكن أمام بانوراما جبلية قاسية، وتعتبر هذه المحمية الطبيعية أكبر متنزه وطني في بريطانيا، إذ تبلغ مساحتها 4528 كيلومتراً مربع، وتضم هذه المحمية بين جنباتها عدداً من أكثر الجبال ارتفاعاً في الجزيرة البريطانية، وتقع قرية كينكريغ الصغيرة التي يقطنها 500 نسمة على أطراف السلسلة الجبلية الحمراء «كايرنغورم ماونتينز»، ومن إدنبرة إلى كينكريغ أتستغرق الرحلة بالحافلة أقل من أربع ساعات، وكلما اقتربت الحافلة من كينكريغ، قل عدد الركاب، ويمزح سائق الحافلة مع أحد السياح أثناء نزوله من الحافلة ويسأله «لماذا كينكريغ؟ ماذا تريد أن ترى هنا؟»، وخلف القرية تقع غابات تكتسي باللون الأخضر الداكن وتضم بين أركانها أشجار البتولا ذات التقليمات البيضاء والسوداء وأشجار الصنوبر المتشابكة، وفي هذه الغابات تعيش الديوك الوحشية والسناجب والآيائل الحمر، كما يستوطن طائر أبو المنقار المتصالب الاسكتلندي هذه الغابات، وهو عبارة نوع من أنواع العصافير ذو لون أحمر قرميدي، وفي المستنقعات يُسمع صوت صيحات طائر قنبرة الثلوج، وفي الأنهار والبحيرات العديدة التي تسمى Lochs تُرى القنادس والنسور وهي تصطاد الأسماك.

وعلى الرغم من كل مظاهر الطبيعة هذه لا يشعر السائح بأنه في براري، ويرجع ذلك إلى أن هذه المنطقة لا تخلو من البشر، إذ يتوافد إلى هنا المرتادون التقليديون لمناطق الاستجمام القريبة، فها هم أشخاص يجرون على دروب الغابات، وها هي أُسر تتجول من مكان انتظار السيارات إلى أقرب مكان للتنزه، وها هم رجال يصطحبون كلابهم في جولات تنزه، وتبدو منطقة كايرنغورم كأنشودة رعوية، أما البراري فمن المؤكد أنها تقع بعيداً عن حزام قرى الضواحي، مثل كينكريغ، وبعيداً عن اللافتات الإرشادية وطرق التجول وأماكن انتظار السيارات، ويمر الطريق المؤدي إلى البراري عبر عدد لا حصر له من مروج الأغنام التي ترعى فيها آلاف الأغنام أمام الجبال، وفي الخلف يتبدى منحدر جبلي تغطيه كتل صخرية ضخمة، وكلما اتجهنا إلى أعلى ندرت الخضرة، وأثناء الصعود لا يتنامى إلى السمع سوى صوت النفس وصوت اصطدام أغصان أشجار الصنوبر المتشابكة مع بعضها بعض، ورويداً رويداً تتحول الطبيعة إلى نوع من أنواع براري القطب الشمالي، وتبدو الجبال الجرداء كأنها تتسابق إلى الأفق في مشهد أشبه بأمواج البحر المتراكبة فوق بعضها بعض، ولا تنمو هنا سوى عشبة الخلنج التي تجعل المنحدرات الجبلية تتلألأ باللون البنفسجي، وتحلق النسور وغيرها من الطيور الجارحة فوق القمم الجبلية، ووصفت الكاتبة البريطانية فرجينيا وولف طبيعة هذه المنطقة أثناء زيارتها لها عام 1938 قائلة «عزلة تمتد لأميال، وأميال تكتسي باللون البنفسجي»، وفي المناطق العالية بالمرتفعات الاسكتلندية يسود صيف قصير وبارد وشتاء طويل يكثر فيه الجليد، وهذا المناخ حول المنطقة إلى توندرا (سهل أجرد) واسع مغطى بالمستنقعات والأشنيات. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

ويصف مايك ويلدينغ، مالك أحد الفنادق، الطقس هنا وهو يهز رأسه بقوله «الطقس هنا غير مأمون العواقب، ففي لحظة تشرق الشمس، وفي أخرى ينهمر المطر»، لكن سحر هذه الطبيعة يتبدى جلياً، حينما يشق الضوء طريقه بين السحاب فجأة بعد هطول المطر، إنها طبيعة ذات جمال خشن، وبراري مثيرة للشجن، ويصف الأديب الألماني الشهير تيودور فونتانه رحلته من بيرث إلى إنفرنس عام ،1858 قائلا «لم تطأ قدماي مكاناً منعزلاً أكثر من هذا»، وفي حقيقة الأمر لم يكن هناك مكان في بريطانيا ظل مجهولاً وتعذر بلوغه لفترة زمنية طويلة مثل المرتفعات الاسكتلندية. وفي دليله السياحي الشهير «اسكتلندا» كتب الرحالة الألماني بيتر زاغر «في عام 1700 لم يكن هناك أحد في لندن يعرف عن المرتفعات الاسكتلندية أكثر من إثيوبيا أو اليابان»، وعلى الرغم من ندرة الكثافة السكانية بالمرتفعات الاسكتلندية منذ القدم، إلا أنها لم تكن خالية من البشر دائما مثل اليوم، وتعد الأطلال الحجرية للمنازل المتهدمة بفعل عوامل التعرية الجوية شاهداً على فصل مظلم في تاريخ اسكتلندا، فبدءاً من منتصف القرن 18 قام أصحاب الإقطاعيات الكبيرة بتهجير المستأجرين وصغار المزارعين من المرتفعات الاسكتلندية، كي يستغلوا هذه المساحات في تربية الأغنام، وبذلك تم تفكيك قرى كاملة، واضُطر سكان هذه القرى إلى الهجرة إلى أميركا الشمالية أو استرالي، واليوم يعيش نحو 80٪ من السكان في المدن الواقعة بالأراضي المنخفضة جنوبي اسكتلند، أما المرتفعات فظلت أراضٍ مقفرة غير مستغلة وغير مأهولة، ومن ثم احتفظت بجمالها البري الساحر.

باد ساروف هواء نقي

من جهته أحب الأديب والكاتب الروسي مكسيم غوركي بلدة باد ساروف بسبب هوائها النقي، فيما تزوج الملاكم ماكس شميلينغ هناك، وحالياً يحب الزوار البلدة الواقعة قرب برلين، بسبب منتجع الاستجمام بها، وقربها من بحيرة شارموتزيلزي المسماة «مارتش سي»، والبلدة التي تقع في ولاية براندنبيرغ الألمانية معروفة منذ وقت بعيد بأنها منتجع صحي، ولكن يوجد بها أيضاً مناطق جذب أخرى، وتمثل عين كاترينينكيله للمياه الجوفية احد أعظم كنوز باد ساروف، وتتدفق المياه من عين كاترينينكيله من عمق يبلغ 400 متر تحت سطح الأرض، وتحتوي على عدد لا حصر له من المعادن والعناصر الاشتقاقية الناتجة عن العمليات الكيميائية التي تحدث في باطن التربة، وفي نهاية القرن الـ18 كان نحو 200 شخص يعيشون في البلدة والمناطق المحيطة بها، ولكن بعد قرن من الزمان تغير كل شيء بمجرد اكتشاف مواطنين من برلين لبلدة باد ساروف، وأقيمت فلل فاخرة، إذ بدأت البلدة تنمو وتزدهر مع افتتاح أول مصحة أبوابها عام 1911، وتم افتتاح منشأة للسباحة في العام نفسه ثم مركز مورهايلباد لإعادة التأهيل الطبي بعدها بثلاث سنوات، وشهد العصر الذهبي في العشرينات تحول باد ساروف إلى نقطة التقاء لفن ومشاهد سينما برلين، فيما انتقل ملاكم الوزن الثقيل الألماني ماكس شميلينغ إلى هناك لسنوات عدة في الثلاثينات وتزوج في كنيسة باد ساروف الصغيرة. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

أما الكاتب الروسي مكسيم غوركي فذهب في محاولة للتعافي من مشكلات في التنفس بعد سماعه من أطبائه عن الهواء النقي بالمنطقة، وتشكلت بحيرة شارموتزيلزي في العصر الجليدي السابق وتعد أكبر بحيرة في براندنبيرغ التي تسيطر على المنطقة، وفي الصيف تجذب بحيرة مارتش سي كما يسميها الشاعر تيودور فونتين السباحين وعشاق الرياضات المائية، كما أنها تستحق زيارة في الشتاء لمجرد السير مسافة 10 كيلومترات على الشريط الساحلي، وينتشر الغاب الذي يبلغ طوله متراً واحداً ومناطق الغابات الشاسعة على البحيرة والمنطقة المحيطة بها التي تخترقها مناطق الركض وطرق الدراجات، ومن بينها ممشى شميلينغ، وهناك أيضاً امتدادات كبيرة من المستنقعات الناتجة عن مياه الينابيع وهي ذات أهمية خاصة للمنتجع الصحي في الأوقات الباردة من السنة، إذ إنها جزء أصيل من الحمامات الحرارية في باد ساروف التي تستخدم في العديد من أنواع العلاج، ويحتوي المستنقع على الكثير من العناصر المفيدة للجلد والمفاصل، وتطلق العناصر الموجودة في المستنقع الحرارة بمستوى مستمر وثابت بما يسمح للعضلات بالاسترخاء، ونتيجة لذلك أصبحت منتجعات وحمامات ينابيع المستنقع عنصراً مكملاً للمنتجع الذي افتتح عام 1998، ويهتم الزوار بشكل خاص بحمامات المياه المالحة المغلقة والمفتوحة التي تصل درجة حرارتها إلى ما بين 34 و36 درجة، إذ انها موضع جاذبية حتى في الشتاء.

جزيرة الماعز

من جهة اخرى ليس هناك الكثير مما يمكن رؤيته منذ الوهلة الأولى في جزيرة كابريرا، إحدى جزر البليار الإسبانية، المعروفة باسم «جزيرة الماعز»، إذ يرى السائح مطعماً ومتحفاً صغيراً وقلعة وبعض المنازل فقط، في حين لا يرى مطاراً أو فندقاً أو سيارات تجوب طرقات الجزيرة، وفي مقابل ذلك تجول عين السائح في جنة من الطبيعة البِكر التي تشغل المحميات الطبيعية مساحة كبيرة منه، ويقول الربان طوني فيالون «جزيرة كابريراً مازالت تبدو مثل مايوركا قبل 100 عام»، وليدلل على صحة المقارنة التي عقدها بين الجزيرتين يشير دائماً إلى الساحل غير المأهول، ويحرص على إيقاف القارب الذي يقوده في خلجان خالية من البشر ليعطي للسياح المرافقين له الفرصة للاستحمام في مياه الخلجان البديعة التي تتلألأ باللونين الأزرق والفيروزي، وعن كابريرا يقول فيالون للسياح «الجزيرة غير معروفة أيضاً لكثير من سكان مايوركا، فصحيح أنهم يعرفون أين تقع، غير أن قليلين منهم فقط هم من زاروها، ولا تعتبر كابريرا جزيرة بالمعنى اللفظي للكلمة، وإنما أرخبيل يتألف من 19 جزيرة صغيرة تُشكل معاً «المتنزه الوطني أرخبيل كابريرا»، وتبلغ مساحة «جزيرة الماعز»، التي يرجع اسمها للماعز آكلة كل شيء التي كانت تستوطن هذه الجزيرة، 17 كيلومتراً مربعاً، وهي بذلك أكبر جزر الأرخبيل والجزيرة الوحيدة المأهولة فيه، ولم تعد الماعز تعيش على أرض هذه الجزيرة لأنها تدمر النظام البيئي الحساس في الجزيرة، وفي المقابل تعيش حيوانات أخرى كثيرة على أرض هذه الجزيرة الصغيرة، من بينها حيوانات متوطنة، وفي الميناء الوحيد بالجزيرة ينتظر حارس المتنزه الوطني بيل سيرفيرا، قدوم السياح، ومن رصيف الميناء يمتد أحد أجمل طرق التجول بالجزيرة الذي يصل إلى منارة «إنسيولا» التي تقع على بعد 11 كيلومتر، وتتيح هذه المنارة للسياح إطلالة مميزة على مجموعة الجزر بالكامل تقريباً، وهنا تنحدر الصخور بمسافة تصل إلى 50 متراً في البحر، ويمتد طريق تجول آخر إلى نقطة المراقبة «لا ميراندا» التي تضم بين أركانها كهف «كوفا بلانكا»، وفي هذا الطريق يمر السياح بالمتحف الإثنوغرافي الذي يعرض الخزف والقوارير الفينيقية، وغيرها من حاجات الحياة اليومية العادية التي كان سكان الجزيرة يستخدمونها والتي ترجع إلى القرنين الـ19 والـ،20 مثل شباك الصيد والسلال وأدوات الحقول، وكان الرومان هم من أتوا بالماعز إلى هنا ليقوموا بتربيتها كي يجدوا شيئاً يأكلونه حينما يعودون إلى الجزيرة، وبعد الرومان أتى «المورو» إلى الجزيرة الذين سيطروا على شبه جزيرة إيبيريا بالكامل تقريباً بدءاً من القرن التاسع. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

في السياق ذاته وانطلاقاً من الميناء يرافق المرشد بيل السياح إلى قلعة «كاستيلو» التي تقف بشموخ على نتوء صخري فوق مدخل الميناء، وتم تشييد هذه القلعة في نهاية القرن الـ14 لحماية سكان مايوركا من هجمات القراصنة ولاستعادة السيطرة على الجزيرة نفسها وتحريرها من أيدي القراصنة، وعبر قرون طويلة كانت جزيرة كابريرا تشتهر بأنها «جزيرة القراصنة»، فحتى وقت قريب من القرن العشرين كان القراصنة والمهربون يتخذون من كابريرا مخبأ للبضائع والسلع التي استولوا عليه، وفي القرن الـ19 جلب الجيش الإسباني إبان حرب الاستقلال التي خاضتها البلاد ضد فرنسا بقيادة نابليون بونابرت 9000 أسير فرنسي إلى جزيرة كابريرا وتركوهم يلقون مصيرهم المجهول لمدة خمس سنوات، وفي الطريق إلى النصب التذكاري للفرنسيين يقول بيل للسياح «لم ينج من هؤلاء الأسرى سوى 3600 جندي»، وإلى جانب الإطلالات الخلابة على الساحل المنحدر تعد السحالي التي تنتشر في الجزيرة بأعداد كبيرة وتقطع طريق السياح دائماً وأبداً من المناظر الجذابة في طرق التجول، وتعيش أنواع كثيرة من هذه السحالي في جزيرة كابريرا فقط، ويضم المتنزه بين أركانه حيوان «الرتم» الذي يعتبر شمال إفريقيا موطنه الأصلي، وكذلك أرانب برية وثلاثة أنواع متوطنة من الخفافيش، وحبا الله جزيرة كابريرا طبيعة مائية أكثر تنوعاً، إذ يُشكل البحر نحو 90٪ من مساحة المتنزه الوطني، وفي المسطحات المائية المحيطة بالجزيرة يعيش سمك الهامور والحنكليس والصدف المخروطي والدلافين، وكذلك أحياء بحرية يتهددها الخطر في البحر المتوسط من قبيل السلاحف البحرية والحيتان، وفي المغارات التي لا حصر لها تحت الماء تعيش أنواع كثيرة من الأسماك والشعاب المرجانية النادرة، لذا يحظر ممارسة الرياضات المائية وصيد الأسماك في المتنزه الوطني، كما يُسمح بدخول عدد محدود للغاية من القوارب الشراعية.

جنة غوص كاريبي

من جانبها وبمجرد أن تُحلق الطائرة فوق مدينة كوكسن هول، عاصمة جزيرة رواتان في هندوراس، تتضح للركاب للوهلة الأولى نوعية الأنشطة الرئيسة على الجزيرة الواقعة غرب البحر الكاريبي والمنطقة المحيطة بها، والتي تتمثل في الغوص والسنوركلينغ والاستحمام، وقبيل الهبوط تقترب الطائرة من سطح الماء للغاية لدرجة أن الركاب يتكون لديهم انطباع بأن الطائرة ستغوص في الحال في المياه التي تتلألأ باللون الفيروزي، وتمتد جزيرة رواتان بطول يبلغ نحو 60 كيلومتراً، وتضم بين جنباتها ثلاثة مرتفعات مغطاة بغابات كثيفة، ويصل ارتفاعها إلى 230 متر، وتقع الجزيرة على بعد نحو 50 كيلومتراً قبالة ساحل هندوراس، وسط سلسلة الجزر المعروفة باسم «إيسلاس دي لا باهيا»، وإلى جانب رواتان تضم هذه السلسلة جزيرة «أوتيلا» غرباً وجزيرة «جوانايا» شرقاً، بالإضافة إلى العديد من الأرخبيلات الواقعة أمام هذه الجزر، ويعتبر أرخبيل «كوشينوس» أكثر الأرخبيلات قرباً من اليابسة، ومازالت جزيرة رواتان تعد جنة لكل من يرغب في استكشاف عالم ما تحت الماء ولعشاق الرياضات المائية من قبيل الغوص والسنوركلينغ بصفة خاصة، ويؤكد غواص سويسري خبير يُدعى ديرك قائلاً «جنة للمبتدئين على وجه الخصوص»، ويشعر ديرك بخيبة الأمل لعدم رؤيته لقرش الحوت الذي تسعى هندوراس إلى استغلاله في اجتذاب عشاق الغوص لشواطئه، ويحيط بالجزيرة واحد من أكبر حواجز الشعاب المرجانية في العالم، وتتهيأ حول الجزيرة أفضل ظروف لممارسة الغوص، ومَن لا تستهوه هذه الرياضات يمكن أن يقله أحد القوارب ذات الأرضية الزجاجية لينعم برؤية عالم ما تحت الماء أو قارب غوص صغير في ويست باي صوب الجهة الشمالية لحاجز الشعاب المرجانية كي يغوص هناك على عمق نحو 365 متراً.ذاعت شهرة جزيرة رواتان سياحياً بعدما ضرب الإعصار «ميتش» سواحلها عام 1998، ومن أجل مساعدة هندوراس في هذه المحنة، قام البنك الدولي بتمويل مشروع توسعة ممر الهبوط في مطار الجزيرة، ويتيح هذا الممر للطائرات الكبيرة نسبياً التي تعتبر نبضاً للسياحة إمكانية الهبوط على جزيرة رواتان، وآنذاك جاء أيضاً كثير من الأميركيين والكنديين والإنجليز إلى الجزيرة واستثمروا أموالهم في فنادق صغيرة ومطاعم ومدارس غوص.

وأسهمت هذه الاستثمارات في نشر الثقافة الإنجليزية على نطاق واسع في رواتان، إذ تُعد الإنجليزية اللغة الأكثر أهمية في الجزيرة، يذكر أنه لم يعد هناك سكان أصليون يعيشون بالجزيرة، لأنهم فنوا جميعاً جرّاء الأمراض التي جلبها معهم المستعمرون الإسبان في القرن الـ15، وخلال القرون التالية كانت الجزيرة دائماً محلاً للصراع بين إسبانيا وإنجلترا وشكلت ملاذاً مهما للقراصنة الإنجليز، وتمت تسمية البلدة الرئيسة بالجزيرة «كوكسن هول» على اسم أحد القراصنة ويُدعى «جون كوكسن»، وتعتبر مستوطنة «بونتا جوردا» الواقعة في الشمال الشرقي أقدم مستوطنة في جزيرة رواتان، ويعيش فيها أحفاد الكاريبيين السود الذين جلبهم الإنجليز عبيداً من جزيرة سانت فينسينت، إحدى جزر الأنتيل، نهاية القرن الـ18، وقد تمرد العبيد ضد أسيادهم الإنجليز بمساعدة الفرنسيين، وشد معظم هؤلاء العبيد الرحال إلى الساحل الشمالي لهندوراس، إذ أرسوا هناك دعائم ثقافتهم الخاصة التي تُعرف باسم «جاريفونا»، وفي الآونة الأخيرة صارت موسيقى ورقصات الجاريفونا جزءاً لا يتجزأ من البرنامج السياحي المتنوع الذي يُقدم لسياح رواتان الذين يتدفقون على الجزيرة بالآلاف على متن السفن السياحية الكبيرة التي تقلع من مدينة ميامي الأميركية، وتقدم فرقة رونالدو هيل، أحد مطربي الجاريفونا من الجيل القديم، عروضها الفنية في ثلاثة أيام من الأسبوع في شرفة مطعم مشيد على قوائم فوق البحر بخليج هاف مون، وبعد ذلك تُقل مئات، إن لم يكن آلافاً، من السياح القادمين على متن السفن السياحية حافلات صغيرة أو سيارات أجرة ليذهبوا إلى الخلجان والشواطئ والمعالم السياحية بالجزيرة، ويقول هيل «لا يمثل عدد السياح أمراً فارقاً بالنسبة لنا، فنحن نحصل على أتعاب ثابتة». بحسب وكالة الانباء الالمانية.

من المتوقع أن يزداد عدد السياح، إذ تسعى هندوراس إلى اجتذاب السياح الذين يفدون إلى جزيرة رواتان لمشاهدة المعالم السياحية به، وتقول وزيرة السياحة في هندوراس، نيللي خيريز، إن الوزارة تهدف إلى زيادة أعداد السياح، مشيرة إلى أن عدد السياح عام 2010 بلغ نحو 900 ألف سائح، وتتوقع خيريز أن تشهد الفترة المقبلة زيادة الإقبال على الرحلات البحرية بالسفن السياحية، في المساء تعود فرقة الجاريفونا أدراجها إلى قرية «بونتا جاردا» التي لاتزال آثار الدمار الشديد الذي أحدثه إعصار «ميتش» قبل أكثر من عقد واضحة عليه، وتمت إعادة بناء بعض الأكواخ، في حين مازال العمل جارياً في البعض الآخر، وعلى الشاطئ يرسو قاربان خشبيان مصنوعان من جذوع الأشجار، ويعيش أبناء الجاريفونا على زراعة الفاصوليا والذرة، وهم الوحيدون الذين لديهم الحق في صيد الأسماك في المنطقة الواقعة أمام الشعاب المرجانية، وبقواربهم الخشبية هذه ليست لديهم فرصة في الصيد في البحر المفتوح، ويلاحظ أن معظم المباني في جزيرة رواتان مشيدة من الأخشاب، وكذلك الفنادق ذات الشرفات التي تستظل تحت أسقف بارزة لمسافة كبيرة، والتي غالباً ما تتوارى أسفل الأشجار وداخل النباتات الاستوائية الكثيفة، ودون احتساب النُزل الصغيرة يزيد عدد الغرف السياحية في رواتان حالياً على 1500 غرفة، ويعتبر السفر بالطائرة من الولايات المتحدة الأميركية أسهل طريقة للوصول إلى جزيرة رواتان، إذ تستغرق الرحلة من مدينة هيوستن في ولاية تكساس ساعتين ونصف الساعة، بينما لا تستغرق الرحلة أكثر من ساعة انطلاقاً من مدينة ميامي، كما يمكن السفر إلى الجزيرة انطلاقاً من الأراضي الكندية، وبالإضافة إلى ذلك تغادر رحلة من مدينة ميلانو الإيطالية متوجهة إلى الجزيرة مرة واحدة في الأسبوع، وتنطلق من مدينة «لا سيبا» المطلة على ساحل هندوراس رحلات يومية بالعبارات صوب الجزيرة.

واحة تكتسي بــالأخضر والأزرق

في سياق ذي صلة، مَن يشد الرحال إلى المغرب بمفرده، وليس في إطار رحلة منظمة، يعايش في كل مكان يذهب إليه مشاهد تتعرض فيها حواسه لسيل من المشاهد المختلطة، بينما تختلف الصورة تماماً في مدينة شفشاون الصغيرة النائية، عاصمة الإقليم الذي يحمل الاسم نفسه في شمال البلاد، والذي يكتسي بالخضرة، ومَن يبحث عن الهدوء والاستجمام لبضعة أيام خلال رحلته السياحية في المغرب، فسيجد ضالته في مدينة شفشاون الجبلية التي تُعد بمثابة واحة للاسترخاء، إذ تحيط بها الخضرة من كل الجهات، وتضم بين أركانها أزقة تكتسي باللون الأزرق، وتزخر بالتراث العربي، وتصطبغ بالطابع الأندلسي، وتنطلق يومياً حافلات عدة من مدينة فاس، معقل السياحة المغربية، صوب مدينة شفشاون، وخلال الرحلة التي تستغرق ثلاث ساعات تمر الحافلات في بادئ الأمر عبر الطبيعة الرملية المحيطة بمدينة فاس، ولكنها سرعان ما تنتقل إلى طبيعة تكسوها الخضرة، إذ تقع أعين السياح عبر نوافذ الحافلات على حقول بطيخ شاسعة وأشجار زيتون لا حصر له، وبعد اجتياز الكثير من المنعطفات عبر سلسلة جبال الريف تتبدى أخيراً مدينة شفشاون واحة للهدوء والاستجمام بارتفاع نحو 600 متر على سفح جبلين، ويسود في شفشاون هواء منعش، وكذلك في المدينة القديمة، وفي ساحة «وطاء الحمام» يجلس رجال كبار في السن يرتدون الجلابيب التقليدية في هدوء تحت الظلال الوارفة ويراقبون حركة المقاهي والمطاعم، وبينما يقدم النادلون للزبائن أكلة «الطجين» المغربية الشهيرة "عبارة عن لحم مُبهَر مطهو مع خضراوات في إناء خزفي" تتجول القطط الصغيرة بين المقاعد والطاولات أملاً أن يلقي لها زبائن المطعم لقمة لذيذة، ويهيمن جامع «المسجد الأعظم» على ساحة المدينة الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها 35 ألف نسمة، وأمر مؤسس المدينة، مولاي علي بن موسى بن راشد العلمي، ببناء هذا المسجد عام 1471 م بعدما عاد من الأندلس، وتُعد المئذنة ذات الحواف الثماني أبرز السمات المميزة لهذا الجامع، وخلف الجامع يقف جبلان شاهقان في شموخ، ومنح هذان الجبلان مدينة شفشاون اسمها، إذ تعني كلمة شفشاون «القرنان» باللغة الأمازيغية التي يتحدث بها البربر.

وفي نهاية القرن الـ15 توافد الكثير من المسلمين على مدينة شفشاون بعد خروجهم من الأندلس، وتدين المدينة لهؤلاء الأندلسيين بالفضل في طريقة بناء الأزقة المتعرجة والأسوار المطلية باللونين الأبيض والأزرق، وكانت مدينة شفشاون تعتبر بمثابة «مدينة مقدسـة» عبر قرون طويلة، وحتى عام 1920 كان يُحظر على غير المسلمين دخوله، في المساء تبدو المدينة في غاية الجمال والروعة، وبينما ينادي المؤذن للصلاة من مئذنة الجامع ويتدفق المؤمنون إلى المسجد، تتلألأ الجبال القريبة من المسجد بضوء ذهبي، ومن يرغب في البقاء سيجد حتى وقت متأخر من الليل سريراً في أحد الفنادق الكثيرة بالمدينة نظير مقابل مادي زهيد، إذ لا يزيد سعر الغرفة المزدوجة النظيفة التي يزدان سقفها على 150 درهماً (ما يوازي 18.50 دولارا)، وتضم جميع الفنادق تقريباً شرفة بالسقف تتيح للنزلاء إطلالة بانورامية على الطبيعة المحيطة، ومَن يرغب، يمكنه أن يبيت هنا، في الصيف على الأقل، نظير مقابل مادي صغير ليستمتع بنسمات الهواء العليل، وبمنظر السماء المرصعة بالنجوم، ولتناول الإفطار يُفضل أن يتجه السائح إلى أحد المقاهي المنتشرة في ساحة «وطاء الحمام»، وبعد ذلك يجدر بالسائح القيام بجولة عبر الأزقة التي تتعرج صعوداً بانحدار، وبفعل أشعة شمس الصباح الساقطة عليها تسطع الأسوار بلون سماوي غير حقيقي تقريب، ويعتقد سكان المدينة أن اللون الأزرق يدرأ الحسد، وفي المدينة القديمة يجد السياح الذين يرغبون في القيام بجولة تسوق كل ما يشتهون، وتتنوع البضائع والسلع التي يبيعها التجار في محالهم الصغيرة ما بين التوابل والحُلي يدوية الصنع والأقمشة التي يتم تصنيعها في السراديب التي تقع أسفل المحال. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

وعلى ناصية أحد شوارع المدينة القديمة قام شاب صغير من البربر يُدعى محجوب، قادم من الصحراء، باستئجار محل تجاري له شرفة بالسقف، وعن نشاطه التجاري يقول محجوب إنه يبيع حقائب ومنتجات جلدية أخرى قامت أسرته بتصنيعه، وبعدما يبيع كل المنتجات التي لديه يرغب محجوب في العودة مجدداً إلى مسقط رأسه، إذ إنه يحب البيئة الصحراوية التي نشأ فيه، ومَن يغادر المدينة القديمة باتجاه الشمال، فسرعان ما يصل إلى الجبال، وبعد نصف ساعة من السير على الأقدام على طريق صاعد ومنحدر تتبدى للسائح إطلالة واسعة المدى على مدينة شفشاون، وتتلألأ المدينة القديمة المحاطة بسور قديم باللونين الأبيض والأزرق، في حين يزهو الوادي المحيط باللون الأخضر، ومن الممكن أيضاً الخروج في جولات تنزه إلى منابع الماء والشلالات التي تقع بالقرب من المدينة، وفي الليلة الأخيرة بشرفة السقف يلقي السائح نظرة أخيرة على الأزقة الزرقاء ويحتسي كوباً من الشاي، ويستنشق الهواء العليل مرة أخرى قبل أن يودع المدينة، وبعد ذلك تعود الحافلات السياحية أدراجها عبر الجبال، فتتوارى الطبيعة التي تكتسي بالخضرة في الخلف وتظهر مجدداً الطبيعة الصحراوية التي يطغى عليها اللونان الأصفر والبني الترابي. وبعد وقت قصير تحط الحافلات الرحال في مدينة فاس.

الشقيقة الصغرى لمايوركا

من جانبها وفي جزيرة «سا دراجونيرا» الإسبانية تبدو التنانين هزيلة وضئيلة للغاية، فبالنظر إلى طولها الذي لا يكاد يبلغ 10 سنتيمترات لا تتشابه هذه التنانين مع الوحوش المجنحة المخيفة الواردة في عالم الخرافات والأساطير في أي شيء سوى شجاعتها وإقدامها، إذ إنها تمتاز بالسرعة وخفة الحركة والدهاء ولا تتردد في أن تعض أيدي السياح إذا مدوا لها أيديهم من دون أن يكون فيها طعام تأكله، وتستوطن جزيرة دراجونيرا سحالٍ من نوع خاص تقدر أعدادها بمئات الآلاف وتنتشر في جميع أرجائه، وتحمل الجزيرة الواقعة في الطرف الجنوبي الغربي لمايوركا اسم هذه السحالي التي تعيش على أرضها فقط، وعن أصل اسم الجزيرة توضح ميكا نوغويرا التي تعمل حارسة في هذه المحمية الطبيعية «اسم دراجونيرا مشتق من كلمة دراج باللهجة المايوركية وتعني سحلية»، غير أن كثيراً من السياح والسكان المحليين يعتقدون أن اسم الجزيرة التي تم تحويلها إلى محمية طبيعية عام 1995 مشتق من شكله، وفي رصيف الميناء في بلدة «سانت إلم» الذي تقلع منه العبارة إلى جزيرة دراجونيرا الواقعة على بعد 800 متر فقط يحاول السياح التعرف إلى شكل التنين الذي تتخذه الجزيرة، وبشيء من الخيال يتجلى شكل التنين أمام أعين السياح، فكلما نظر المرء لمسافة أطول، بدت الجزيرة بالفعل تنيناً نائماً في البحر تبرز حراشف ذيله في الهواء، وفي حقيقة الأمر تعد صخور دراجونيرا امتداداً لسلسلة جبال «ترامونتانا» الواقعة شمال غرب مايورك، وتمتد جزيرة دراجونيرا بطول 4.2 كيلومترات تقريباً وبعرض 900 متر.

غير أن ارتفاع الجزيرة في الجهة الشمالية الغربية المواجهة للبحر يصل إلى 353 متر، وهنا تنحدر الصخور بشدة عمودياً لمئات من الأمتار عدة في مشهد مهيب تحتبس له الأنفاس، ويتربع على قمة هذه الصخور فنار يمكن زيارته في رحلة تجول تستغرق أقل من ثلاث ساعات تقريب، وبخلاف ذلك يمتد الجانب الجنوبي الشرقي المواجه لليابسة كسهل ساحلي صخري يضم بين أركانه خلجانا منعزلة وكهوفا ومغارات، وبمعدل كل ساعة تقريباً يتجه بيب قائد العبارة «Margarita» من بلدة «سانت إلم» صوب «خليج القراصنة»، وقبل قرون عدة كان القراصنة يحطون الرحال في هذا الخليج ليخبئوا غنائمهم، وحتى فترة طويلة في القرن الـ20 كانت جزيرة دراجونيرا ملاذاً يلجأ إليه المهربون ليخبئوا البضائع المهربة كحبوب القهوة والسكر والتبغ عن أعين الشرطة، وتوضح ميكا نوغويرا قائلة «كثيراً ما كانت الأسر تخرج مع أطفالها بحثاً عن هذه المخابئ، ويمكن حتى الآن العثور على 42 مغارة قديمة كان يستخدمها المهربون في تخزين البضائع المهربة»، ومن «خليج القراصنة» يمتد طريق تجول رائع وممهد جيداً إلى الفنار الجنوبي الغربي عند خليج «Cala Llebeig»، وعلى حواف هذا الفنار تنحدر الصخور بشدة في مشهد يبث الخوف والفزع في قلب الناظرين، وترابض على هذا الطريق أعداد كبيرة من طيور النورس التي يشتهر بها حوض البحر الأبيض المتوسط، ولا تعبأ هذه الطيور بوجود السياح ولا تتزحزح عن مكانها إلا على مضض، وتقول ميكا «قبل بضع سنوات زادت أعداد هذه الطيور بكثرة وأصبحت تمثل مشكلة حقيقية تؤرق الكثيرين، ما دفعنا إلى قتل الآلاف منها في مشهد شبيه لما حدث في فيلم (الطيور) للمخرج العالمي هيتشكوك، لقد كان المنظر حقاً مروعاً تقشعر له الأبدان»، ودائماً وأبداً ما تتبدى للسياح أثناء السير في الطريق المؤدية إلى الفنار إطلالات بديعة على الساحل المنحدر لمايوركا بالقرب من منطقة أندراتكس. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

وترافق رائحة الروزماري العطرة السياح في رحلتهم عبر هذا الطريق، وبغض النظر عن بعض أشجار الزيتون البرية وأشجار الصنوبر التي يشتهر بها حوض البحر الأبيض المتوسط، تعد جزيرة دراجونيرا فقيرة للغاية من حيث الحياة النباتية، وقبيل الفنار يمر السياح ببرج حراسة يمتد عمره لقرون عدة وبه مدفع، إذ كان لزاماً على سكان مايوركا إطلاق المدفعية الثقيلة على قراصنة جزر البليار المغيرين لردعهم ودرء الخطر عن جزيرتهم، وفي العصر الحديث أحدق الخطر بجزيرة دراجونيرا من ناحية أخرى، ففي عام 1977 كان حماة البيئة هم من أول من تصدى للدفاع عن الجزيرة، إذ كانت هناك خطط لبيع الجزيرة وتحويلها إلى منتجع سياحي فاخر يضم بين أركانه مئات الشقق السياحية، وبمجرد علمهم بهذه الخطط احتل نحو 400 ناشط في مجال حماية البيئة جزيرة التنانين، وتكللت مساعيهم بالنجاح، إذ تعد الجزيرة اليوم جزءاً من إحدى المحميات الطبيعية التي أمكن صونها بشكل مثالي في جزر البليار، ومنذ ذلك الحين باتت صقور اليونورا تشعر مجدداً بأنها تعيش في موطنه، وتعيش في جزيرة دراجونيرا أكبر مستعمرة من الصقور في غرب البحر الأبيض المتوسط، إذ يستوطن الجزيرة 80 زوجاً من الصقور، ودائماً وأبداً ما تتاح للسياح فرصة مشاهدة الصقور وهي تنقض على فرائسها من الطيور الصغيرة، وعلى الصخور المنحدرة بجزيرة دراجونيرا يمكن للسياح أيضاً مشاهدة طيور نادرة، مثل صقور الباشق والشاهين (الصقر الجوال) وبومة الأشجار وطائر «جلم الماء مانكس» ذي المنقار الأسود وطائر الغاق الذي يحتوي عنقه على جراب، وتتغنى ميكا نوغويرا بهذا التنوع الكبير من الطيور في دراجونيرا، وتقول «تعد جزيرة دراجونيرا حقاً جنة طيور بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ. وفي ما يبدو تعيش الطيور هنا في سلام ووئام مع التنانين».

صحراء سوداء فــي الأرجنتين

من ناحيتها تُسمى صحراء «لا بايونيا » الأرجنتينية بالصحراء السوداء، وتضم بين جنباتها أحد أهم ثلاثة أحزمة بركانية في العالم؛ حيث تعج هذه الصحراء الواقعة عند سفح جبال الإنديز بمئات القمم البركانية التي لم تعد نشطة، والتي يلفها السواد وتهب الرياح عليها من كل الجهات، وفي هذا الركن من العالم يرى المرء بشكل أساسي السواد ويشعر بالجفاف ويسمع صوت الصمت المطبق، إذ إن صحراء «لا بايونيا» الممتدة على مساحة نحو 4500 كيلومتر مربع غير مأهولة بالسكان تقريباً، ففي هذه الصحراء الجرداء لا يعيش سوى بعض تجار السوق الذين يسكنون في منازل تبعد كيلومترات عن بعضها بعض، ويلتقي هؤلاء التجار مرة واحدة فقط في السنة في شهر سبتمبر أو أكتوبر في احتفال جز صوف حيوان الجواناكو، الذي يُعد النوع البدائي البري من حيوان اللام، وعلى الرغم من ذلك لا تُعد الصحراء السوداء مكاناً يتعذر الوصول إليه، إذ يمكن اجتياز الصحراء على ظهر حصان أو على متن سيارة أراض وعرة، وخلال أشهر الصيف بين سبتمبر وأبريل، يتم أيضاً تقديم جولات تنزه عبر جبال الإنديز، وأشارت كورينا ريسو، باحثة في مجال البراكين بجامعة بوينس آيرس، إلى أن صحراء «لا بايونيا» تضم في المتوسط 10.6 براكين لكل 100 كيلومتر مربع، ما يجعلها واحدة من المناطق ذات أعلى نسبة كثافة من حيث الأنشطة البركانية في العالم، بالاشتراك مع شبه جزيرة كامشاتكا الروسية أو حزام ميتشواكان وجواناخواتو في المكسيك، وفي هذه الصحراء شقت تيارات الحمم البركانية السوداء طرقاً غير متساوية بين البراكين التي تكون مخروطية الشكل تارة، وعريضة ومفتوحة تارة أخرى، وأشهر هذه البراكين هو بركان «بايون ماترو» الذي يعني اسمه بلغة السكان الأصليين «مكان النحاس»، وكدانات المدافع تتناثر صخور بركانية ضخمة على مساحة كبيرة من المنطقة، وقد قذفت الانفجارات البركانية بهذه الصخور قبل نحو 2.5 مليون سنة. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

وتنطلق رحلات التجول عبر صحراء «لا بايونيا»، من مدينة «مالارجوي» أو قرية «سان كارلوس» المجاورة، ويستطيع السياح أيضاً قضاء أيام عدة في «لا بايونيا» يقيمون خلالها في منزل أحد تجار السوق الذين يقطنون هذه الصحراء، وكان «ألدو» أول من فتح أبواب منزله للسياح، وقد ألحق ألدو غرفتين صغيرتين بحمام منفصل لكل منهما بمنزله مترامي الأطراف، ويطلق ألدو على منزله اسم «لا أجويتا»، أي المياه الصغيرة، وربما يكون هذا الاسم كناية عن ندرة المياه هن، وفي حوض كبير من الحجر يحاول ألدو تجميع مياه الأمطار الشحيحة، ويعمل أبناء ألدو مرافقين للسياح، أما زوجته فتطهو لهم الطعام، وما يميز المبيت في منزله إمكانية سماع الصمت الذي يخيم على الصحراء السوداء ورؤية السماء البديعة ليل، ويقول ألدو، بينما يقف على باب منزله ليدخن سيجارة بعد تناول العشاء، «أحياناً يمرق حيوان الكوجر أمام المنزل»، إضافة إلى الكوجر، يوجد بالمتنزه الوطني ثعالب وحيوانات جواناكو التي تبحث في سفح البراكين عن ملجأ تحتمي به بعيداً عن الناس، ومثل أي صحراء، تضم «لا بايونيا» واحة بين جنباتها، ألا وهي بحيرة «لاجونا دي للانكانيلو»، وفي هذه المنطقة الرطبة الممتدة على مساحة 65 ألف هكتار يعيش نحو 155 نوعاً من الطيور المائية والبرية، وبعيداً عن السواد الذي يكسو الصحراء يسود هنا اللون الوردي لطيور الفلامنجو التي تبدو كتماثيل على ضفة البحيرة، وخلف بحيرة للانكانيلو بمسافة 70 كيلومتر تقريباً، يقع مكان صغير اسمه «لاس ليناس» الذي يُعد في الشتاء مركزاً لمنطقة تزلج على الجليد شهيرة، وخلال أشهر الصيف تمتاز هذه المنطقة بهدوء غير عادي وتكون مناسبة لجولات الصعود صوب البحيرات والمغارات المختبئة بين الأسطح المكسوة بالجليد طوال العام، على الجانب الآخر من السلسلة الجبلية تمتد مقاطعة مندوزا المتاخمة للحدود الشيلية، وتمتاز هذه المقاطعة بطبيعتها الخلابة وبروائحها الذكية ومذاقاتها الرائعة، إذ إنها تستأثر بنسبة 70٪ من إنتاج العنب في الأرجنتين، ويتم تقديم جولات عدة عبر مزارع العنب التي يمكن من خلالها تذوق قطرات من أنواع النبيذ المختلفة، وتسمى أقرب جولة من الصحراء السوداء بـ «del Oasis Sur»، أي «عبر واحة الجنوب»، وفي هذه الجولة يتم زيارة مزارع العنب التي تعود إلى الربع الأخير من القرن التاسع عشر، والتجول عبر مساحة تزيد على 16 ألف هكتار مزروعة بالعنب.

زيورخ وعالم الأساطير

من ناحية مختلفة يمكن أن يكون الطقس في زيورخ، كبرى المدن السويسرية، خلال فصل الشتاء رطباً، بشكل يروق فقط للنخيل وزهور الأوركيد، وكذلك الخفافيش العملاقة، وتحب هذه الحيوانات الحياة في صالة الغابة المطيرة بحديقة حيوان زيورخ، ففي الخارج يسود على العكس من ذلك طقس بارد كالثلج، وتشتمل اللافتة الموجودة بنهاية الممر المؤدي إلى صالة ما في حديقة الحيوان على تحذير من درجة الرطوبة، وبينما تتبختر طيور البطريق على الجليد الذي يكسو أرضية الحديقة في الخارج، تسود داخل صالة في المنطقة الواقعة بين نباتات الخيزران وأشجار الموز، درجات حرارة يرغب السائح معها في ارتداء «تي شيرت»، ويسمع السائح أصوات صراخ ونقيق وصرير تصدر من جميع الجهات، وعندما يرفع السائح نظره إلى أعلى، يشعر وكأنه يوجد في مناطق استوائية حقيقية، ويسمع السائح أصوات زمجرة القرود، ولكنه لا يراها أبد، ولكن ما الذي يراه السائح؟، إنه يرى سقفاً زجاجياً يكسوه الجليد، وفي هذه اللحظة يرى اثنين من الخفافيش العملاقة يحلقان أسفل السقف، ويحط أحدهما على أحد الأغصان، ويتدلى منه مقلوب الرأس، وتعيش مئات الأنواع من الحيوانات في صالة الغابة المطيرة، خصوصاً الحيوانات الصغيرة مثل ضفادع الطماطم حمراء اللون و«أم أربعة وأربعين» والسحالي والطيور، وإلى جانب هذه الكائنات يمكن للسائح مشاهدة سلاحف عملاقة أو خفافيش أو ليموريات وهي تتسلق قمم الأشجار، وليس هناك في زيورخ مكان أفضل من تلك الصالة حينما يشتاق المرء في أشهر الشتاء ذات البرد القارس إلى الصيف والمناطق الاستوائية.

غير أن أهم ميزات زيورخ تتمثل في بحيرتها، التي تجعل منها جنة مائية، ووفقاً لإحصاءات هيئة السياحة تضم زيورخ 1200 عين ماء، وأكثر من 40 حمام، وبذلك تكون زيورخ أكثر مدن العالم كثافة من حيث الحمامات المائية، لذا فلا عجب أن يفضل سكان زيورخ قضاء أوقات فراغهم في الصيف على شواطئ البحيرة، ولكن أين يذهب المرء خلال الشتاء حينما تقوم حمامات البحيرة والحمامات النهرية بإزالة المظلات الشمسية والكراسي الشاطئية وتضع أدوات إزالة الثلوج أمام أبوابها؟، ولا يمكن ممارسة التزلج على الجليد في بحيرة زيورخ لأنها لا تتجمد إلا نادر، وبذلك يستطيع المرء أيضاً الاستمتاع بالحمامات في الهواء الطلق حتى في فصل الشتاء؛ فحمام «إنغه» على الضفة الشمالية الغربية يفتح خلال الشتاء أبواب الساونا المطلة على البحيرة «ساونا أَم زيه»، ومن غرف الساونا ذات النوافذ الزجاجية المطلة على البحيرة ذات المياه الزرقاء الداكنة، تلوح في ظل جو صاف جبال الألب في الأفق، ومَن يرغب في تبريد جسمه بعد أخذ حمام ساونا، يمكنه أن يشق طريقه عبر الثلوج التي تكسو الممشى الخشبي للحمام، ويقفز في المياه الباردة كالثلج إذا وجد في نفسه القدرة على القيام بذلك، ويُعد الاستجمام في زيورخ تقليداً يضرب بجذوره في أعماق التاريخ، إذ جلب الرومان ثقافة الاستحمام التي يشتهرون بها معهم، حينما استوطنوا هذه المنطقة التي كانوا يطلقون عليها اسم «توريكوم»، وفي الممر الواقع بين حارة «شلوسيلجاسه» وفندق «هوتيل تسوم شتورشن» تُمكن رؤية أطلال حمام روماني مُقام حول ينبوع ساخن، ومن خلال لوحات العرض يمكن معرفة أن الحمامات في العصر الروماني لم تكن تحظى بالهدوء والسكينة، ففي أحد الخطابات يشتكي الفيلسوف الروماني الشهير «سنيكا» من المدلكين غير الأكفاء الذين يقرعون بأيديهم على الجسم بدلاً من تدليكه بنعومة ورفق، وكذلك من تجاذب مرتادي الحمام أطراف الحديث بأصوات عالية وصراخهم المدوي أثناء التدليك. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

وتخلو حمامات البخار في زيورخ من كواليس الضوضاء هذه، فالحمام الشرقي في حارة «مونسترجاسه» وسبا «اسيا» في مركز للتسوق والترفيه على سبيل المثال يعدان روادهما بالدفء والراحة والاسترخاء، وإلى جانب الاستجمام تقدم زيورخ المكسوة بالجليد لزوارها إمكانات عدة لممارسة الرياضات الشتوية، إذ تضم بعض مراكزها حلبة تزلج مفتوحة ذات مساحة شاسعة، فعلى مساحة 6000 كيلومتر مربع من الجليد الاصطناعي يتقابل لاعبو هوكي الجليد وعشاق التزلج الفني وكذلك هواة التزلج على الجليد، وفي المبنى المجاور توجد صالة لممارسة رياضة «الكيرلنج» التي تُعد من أشهر الرياضات الشتوية، وبالإضافة إلى ذلك تضم زيورخ 70 درباً ومضماراً لممارسة التزلج بالمزالق، أما مَن يبحث عن التسلية والترفيه داخل أماكن مغلقة مدفأة، فتقدم له زيورخ باقة واسعة من العروض الثقافية، إذ يجد أكثر من 50 متحفاً وأكثر من 100 غاليري تضم معارض دائمة ومعارض خاصة على أعلى مستوى يتم تنظيمها بين الحين والآخر، وينبغي ألا يفوت عشاق الفن زيارة دار الفن في زيورخ ومتحف ريتبيرغ الذي يعرض فنوناً من آسيا وإفريقيا وأميركا والأوقيانوس، وينبغي على الأشخاص الذين ليسوا من هواة الشتاء ألا يقعوا في خطأ الاكتفاء فقط بالعروض داخل الأماكن المغلقة، فمن يخرج في جولات تنزه في الطبيعة يعش لحظات ساحرة، ومن أمثلة هذه الجولات الخلابة التنزه ليلاً بمحاذاة الضفة غير المأهولة من بحيرة زيورخ، إذ يشعر السائح كما لو كان يتجول في جنة شتوية من عالم الأساطير والخيال، وهناك لا يسمع السائح سوى صوت النفس الذي يستنشقه ودبدبة خطواته، وحينها لن يتوق بعد ذلك لسماع أصوات القرود في الغابات الاستوائية.

سكانها لا يستخدمون السيارات

حيث لا يتوافد السياح على جزيرة ألونيسوس اليونانية بأعداد كبيرة، إذ إنها تفتقر إلى المعالم السياحية، ولا تضم بين جنباتها سوى شاطئ رملي وحيد، كما أن النزهات بها لا تحفل بالإثارة، وتُعد هذه العناصر تحديداً نقطة تميزها عن الجزر اليونانية الأربع، فتعتبر الجزيرة واحة الهدوء والطبيعة الخلابة، وبمجرد الوصول إلى بلدة باتيتيري الساحلية الصغيرة، يداعب أنف السياح شذى يمزج بين رائحة هواء البحر المالح ورائحة الصنوبر الحلبي الذكية، ويتسم إيقاع الحياة في الجزيرة بالبطء، ويرفع سكانها شعار «Siga، siga» أي «رويداً.. رويداً»، وليس أدل على ذلك من أن السكان لا يستقلون السيارات للتنقل بين أرجاء الجزيرة، وإنما يتنقلون على متن دراجات نارية صغيرة، وتُعد جزيرة ألونيسوس بمثابة جنة خضراء، وفي حقيقة الأمر تزدان هذه الخضرة بألوان متعددة وزاهية، فتبعاً لفصل السنة تنمو شجيرات الخلنج ذات اللون الأرجواني، وعشبة بخور مريم الوردية اللون، ونبات العنصل ذو اللون الأبيض والشمر الأصفر، وفي المجمل، تضم الجزيرة 14 درباً للتجول تزخر باللافتات الإرشادية، ويحفظ كريس براون، الذي يرشد السياح في جولات بالجزيرة منذ بضع سنوات، جميع هذه الدروب عن ظهر قلب، ويقول براون إنه إلى جانب الأعشاب الطبية تزخر الجزيرة بالطيور وحيوان الفقمة، فعلى سبيل المثال يمكن هنا رؤية صقر إليونور، ويؤدي طريق صاعد يحمل اسم «درب الحمار» إلى القرية الجبلية القديمة التي تُسمى« كورا» ويقول كريس إن هذا الطريق يؤدي في حقيقة الأمر إلى القرية الجبلية الجديدة، إذ إن القرية القديمة تعرضت للدمار بفعل زلزال، ومع ذلك، تبدو القرية بصورتها القديمة، كما لو كان الزمن قد توقف هن، وفي الميدان الذي يقع في قلب القرية، تستلقي قطط على حجارة دافئة، بينما يحتسي العجائز مشروب الأوزو (العرق) ويلعبون لعبة تافلي، البديل اليوناني للعبة النرد، على طاولات خشبية مطلية باللون الأزرق أمام منازل مدهونة باللون الأبيض، وفي الخلفية تتلألأ مياه بحر إيجه الزرقاء، صورة اليونان في الكتب السياحية المصورة. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

ولا يبعد البحر عن قرية«كورا» كثيراً، فبعد السير لمدة 10 دقائق تقريباً يصل السائح إلى خليج «ميجالوس مورتياس» الذي يقع جنوب القرية، ويستطيع السائح أن يستحم في مياه الخليج الفيروزية بعد جولة تنزه في الجزيرة، وبالسيارة يصل السائح بسرعة أيضاً إلى شاطئ «كريسي ميليا»، الذي يعتبر الشاطئ الرملي الحقيقي الوحيد بالجزيرة، وفي الآونة الأخيرة باتت الكثير من المنازل في قرية «كورا» تؤجر شققاً للسياح الذين يفدون إليها لقضاء عطلاتهم، وفي الصباح يسمع السائح صياح الديوك، ونهيق الحمير، وبعد أيام عدة يتساءل السائح، في أي يوم من الأسبوع نحن؟، وخلال فصل الصيف يتم في جزيرة ألونيسوس التفرقة بين يوم العمل وعطلة نهاية الأسبوع فقط، وبعد وصول القوارب السياحية لشواطئ الجزيرة، لاسيما في شهري يوليو وأغسطس، تنبض الجزيرة بالحياة والحركة، ويقول كريس إن «الأجواء الصاخبة لا تهيمن على الجزيرة إلا خلال الاحتفال بمهرجان القرية في الصيف، وفي هذه الفترة يقدم كريس وفرقته الموسيقية عروضاً فنية ويعزف إلى جانب الموسيقى اليونانية بعض أغاني الروك آند رول، إذ لا ينسى أنه إنجليزي الأصل، وعادة ما يتجمع السياح مساءً في المطاعم الكائنة بزقاق يقع على ربوة مرتفعة في قرية كورا»، وأثناء تناول الطعام تتبدى للسياح إطلالة رائعة على الجزر الصغيرة غير المأهولة المحيطة بألونيسوس، وحول الجزيرة يمتد متنزه بحري وطني على مساحة 2200 كيلومتر مربع، وفي فصل الصيف تُقدم للسياح جولات إلى الجزر المحيطة تتيح لهم اقتفاء أثر الملك أوديسيوس، ففي جزيرة «جيورا» التي كانت "بحسب ملحمة أوديسة" موطن العملاق ذي العين الواحدة، وعلى مسافة أبعد تقع جزيرة «بساثورا» البركانية التي تزخر شواطئها الرملية بأحجار اللافا السوداء، ويرى السياح سعداء الحظ من القارب دلافين أو فقمة الراهب التي كانت سبباً في تحويل المنطقة إلى محمية طبيعية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/تشرين الأول/2011 - 12/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م