رياح التغيير العربي وربيع الشعوب الأمريكية... هل سيتنحى أوباما؟!

متابعة وتعليق: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: بدت رياح التغيير التي عصفت بالأنظمة العربية مؤخرا اكثر انتشارا وتأثيرا في بقية دول العالم على حد سواء، بغض النظر عن الجنس او العرق او الجغرافيا أو طبيعة الأنظمة السياسية الحاكمة.

حيث انتفضت المجتمعات ضد حكوماتها في العديد من الدول، لتشمل أكثرها رفاهية واستقرارا كاشفة في الوقت ذاته عن مكامن الضعف والخلل المستتر في السياسات الداخلية لتلك البلدان، الى جانب تحفيز الشعوب الى المطالبة بتحسين الواقع المعاشي او بعض الاجراءات الرسمية المتبعة التي تثير حفيظتهم.

وشهدت مؤخرا بعض الولايات الأمريكية الكبرى تظاهرات حاشدة، لم تكن متوقعة بهذا الحجم او التفاعل، أسوة ببعض الدول الأوربية الأخرى ممن شهدن بعض حركات الاحتجاج على الأوضاع الراهنة.

وعلى الرغم من خلو مطالب الحشود المتظاهرة من اسقاط النظم كما حدث في الدول العربية، الا ان الإضطرابات الكبيرة قد تلوح في الافق، خصوصا بعد اتساع دائرتها وفشل الشرطة في حسن التعامل مع المحتجين.

احتجاجات وول ستريت

فقد اتسع نطاق الاحتجاجات ضد الشركات الكبرى في الولايات المتحدة وانتشرت في عدة ولايات، فيما يقول المحتجون انه نتيجة تأثير ما جرى في الشرق الاوسط. الا ان آخرين يقولون ان الاحتجاجات على الصعوبات الاقتصادية في الدول الاوروبية ربما كانت اكثر تأثيرا.

وكانت مجموعة المعتصمين الصغيرة التي بدأت في منتزه قرب وول ستريت (حي المال والاعمال) في نيويورك قالت انها تستلهم نموذج احتجاجات المصريين في ميدان التحرير. وحسبما ذكر مراسل وكالة الانباء الفرنسية فان الاختلافات اكبر بكثير من اوجه الشبه: فالاعداد صغيرة مقارنة بمظاهرات القاهرة، ولم يطالب احد باسقاط الحكومة وليس هناك احتمال ان تقتل قوات الامن اي من المحتجين.

ومع دخول احتجاجات ما سمي "احتل وول ستريت" اسبوعها الثالث، بدأت تؤخذ على محمل الجد، اذ يتوقع ان تتزايد اعداد المحتجين والمعتصمين في نيويورك هذا الاسبوع. كذلك بدأت اعتصامات في ولايات مختلفة من بوسطن الى شيكاغو ولوس انجلوس.

وتختلف اسباب التظاهر والاعتصام من شخص لاخر من الاشخاص المعتصمين في منتزه زوكوتي في منهاتن، واغلبهم من الشباب المتعلم. فمن الغضب بسبب انقاذ الحكومة لشركات وول ستريت، الى البطالة، مرورا بديون الطلبة ووحشية الشرطة حتى التغير المناخي، لا تجد اتفاقا على شكوى بعينها. كما انه يصعب ان تجد قائدا او زعيما يتحدث باسم المحتجين والمعتصمين.

وتنقل وكالة الانباء الفرنسية عن اليانور بكلي، 61 عاما، الذي حمل الطعام والمياه للمحتجين الشباب قوله: "كانت فيتنام سبب نزول الناس من جيلي الى الشارع وغيّرنا الوضع. ارى الشئ نفسه يحدث هنا. فالامر يبدأ باعداد صغيرة، وكل الحركات الكبرى تبدأ من الصفر".

وربما كانت احداث اوروبا اقرب لما يجري في الولايات المتحدة من مظاهرات ميدان التحرير، على حد قول الوكالة الفرنسية. خاصة وان الاحتجاجات الاوروبية جاءت نتيجة تبعات الركود الاقتصادي العميق والازمة المالية. وكان احد اغنى اغنياء العالم، الميلاردير جورج سوروس، عبر عن دعمه للمحتجين قائلا انهم استفزوا من العلاوات الهائلة التي تدفعها بنوك وول ستريت لموظفيها.

جشع الأغنياء

وهتف المتظاهرون لنضع حدا للحروب وافرضوا ضرائب على الأغنياء، وساروا في أكبر تظاهرة لهم ضد عالم المال والأعمال منذ انطلاق تحركهم الاحتجاجي في 17 سبتمبر. وبحسب منظمات نقابية فان ما بين 8000 آلاف و12 ألف شخص شاركوا في التظاهرة. وقال نقابي هذا كثير بالنسبة إلى يوم عمل عادي.

وفي التظاهرات السابقة التي نظمتها لنحتل وول ستريت، لم يتجاوز عدد المشاركين يوما عن 2500 شخص، ولكن هذه الحركة لقيت دعما كبيرا السبت عندما اعتقلت الشرطة نحو 700 متظاهر لقطعهم حركة السير فوق جسر بروكلين.

وسجلت تحركات احتجاجية مماثلة في مدن أميركية كبيرة أخرى من بوسطن إلى لوس آنجلوس مرورا بشيكاغو. ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها لنضع حدا للبنك المركزي!، وعندما يسرق الأغنياء الفقراء، يسمون ذلك أعمالا، وعندما يدافع الفقراء عن أنفسهم، يسمون ذلك عنفا، وفلنقض على جشع وول ستريت قبل أن تقضي على العالم. بحسب رويترز.

وسار الموكب الذي ضم العديد من الشبان والممرضات، بفرح، تحت أشعة شمس حارقة على وقع الطبول. ولقي هؤلاء المتظاهرون دعم منظمات نقابية عدة ومجموعات محلية ونواب ديموقراطيون.

وندد بعض المتظاهرين بـجشع وول ستريت، في حين ندد آخرون بالاحتباس الحراري، وآخرون بأعمال العنف التي يقوم بها الشرطيون. وتستند الحركة إلى شبكات اجتماعية على الإنترنت لنشر رسالتها. وتقدم الحركة نفسها على أنها حركة مقاومة من دون قيادة، وأنها لا عنفية. وأوضح موقعها الالكتروني نحن الـ99% الذين لن يتساهلون طويلا حيال جشع وفساد الـ1%.

ويحتل عدة مئات من المتظاهرين منذ نحو اسبوعين احدى الحدائق قرب حي المال للاحتجاج على ما يسمونه جشع الشركات والسياسات الحكومية وعدم المساواة. وقد اضطر فريق الغناء البريطاني راديوهيد الى نفي الاشتراك في الاعتصام بعد ان انتشر على نطاق واسع عبر موقع تويتر خبر مفاده ان الفريق سيظهر في الاعتصام. واقامت الحركة معسكرا للمعتصمين في حديقة خاصة قرب وول ستريت.

وقد اضافت الحركة شكاوي استخدام الشرطة للقوة المفرطة ضد المتظاهرين ومعاملة الشرطة للاقليات العرقية والمسلمين لقائمة مظالمها والتي تشمل انقاذ للبنوك والاستيلاء على المنازل التي لم يتمكن اصحابها من دفع اقساطها وارتفاع معدلات البطالة.

وقد واستخدمت الشرطة رذاذ الفلفل، التي قالت انها خيار افضل من العصي، للتصدي للمتظاهرين الذين يعرقلون حركة المرور. وقال باتريك برنر، وهو متظاهر وطالب في كلية سكيدمور في ولاية نيويورك من بين المتظاهرين الذين نصبوا خيامهم في مخيم خاص بالقرب من موقع مركز التجارة العالمي اننا هنا على المدى الطويل. ويقول احد الخبراء إنهم لا يتوقعون اعمال عنف كتلك التي حدثت في لندن مؤخرا.

وبعد ان منع المتظاهرين من الاقتراب من بعض المناطق القريبة من بورصة نيويورك يوم 17 سبتمبر ايلول الجاري، أقام المحتجون مخيما على مقربة من البورصة. وتنتشر في منطقة مخيم زوكوتي اللافتات والشعارات المناهضة لوول ستريت وانشطته المالية. وينام المتظاهرون وقد دثروا انفسهم بالاغطية أو على مراتب اسرة. وتوجد مطابخ سريعة التجهيز في المخيم الذي زاره عدد من المشاهير مثل المخرج مايكل مور والممثلة سوزان سراندن للاعراب عن تأييدهم. ومع اقتراب الطقس البارد فقد اقام المحتجون لجنة للشتاء للتأهب لبرودة الجو.

وقد نظمت الاحتجاجات مجموعة ادبسترس الاعلامية للنشطاء ، ومقرها فانكوفر، ولكنها لم تتمكن من اجتذاب الاعداد الغفيرة التي كان البعض يأملون جمعها. ولكن اجتمع المئات من المتظاهرين ومعظمهم من العاطلين عن العمل وطلبة الجامعة.

وقال دانيل ليفاين، الطالب في كلية باروخ انهم اكثر جماعة من اكثر الناس الذين رأيتهم في حياتي تعليما. يتخرج الطلبة من الجامعة ولا يوجد عمل .

وقال متحدث باسم الشرطة انه "صدر اكثر من 700 امر استدعاء فيما يتعلق بمظاهرة على جسر بروكلين بعد الظهر عقب تحذيرات عديدة من قبل الشرطة للمحتجين تدعوهم للبقاء على ممر المشاة عدم السير على الطريق (المخصص للسيارات) والا فسيتم اعتقالهم." واضاف ان "البعض التزم وسار في الممر (المخصص للمشاة) دون ان يتعرض للاعتقال وشبك اخرون اذرعهم مع بعضهم البعض وتقدموا على الطريق المخصص للسيارات والمتجه لبروكلين وقد اعتقلوا."

وأعيد فتح الجسر في الساعة الثامنة وخمس دقائق مساء بعد اغلاقه لساعات. ونقل اغلب المعتقلين الى مركز احتجاز قبالة الجسر وصدرت بحقهم اوامر استعداء ثم اطلق سراحهم.

وبدأت المسيرة في الساعة الثالثة والنصف مساء من مخيم المحتجين في زوكوتي بارك في وسط مانهاتن قرب موقع مركز التجارة العالمي السابق. وتعهد اعضاء في الحركة بالبقاء في زوكوتي بارك طوال الشتاء.

وعلاوة على ما يعتبرونه استخداما مفرطا للقوة ومعاملة غير عادلة للاقليات ومنهم المسلمين فان الحركة تحتج ضد الاستيلاء على منازل المتعثرين في سداد اقساط الرهن العقاري وارتفاع معدلات البطالة وعمليات الانقاذ المالي التي جرت في عام 2008 .

ونظم اكثر من الف متظاهر بينهم ممثلون عن منظمات عمالية مسيرة سلمية الى مقر الشرطة الواقع شمال مجلس المدينة للاحتجاج على ما يعتبرونه ردا عنيفا من قبل الشرطة على مظاهرة سابقة. ولم تجر اي عمليات اعتقال خلال المسيرة.

يا شعوب العالم انتفضوا في 15 أكتوبر

وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي دعوات لمظاهرات في كل أنحاء العالم في 15 أكتوبر الجاري من أجل المطالبة بالحقوق وفرض ديموقراطية حقيقية. وأنشأ ناشطون مجهولون صفحة على موقع «فايسبوك» بعنوان «موحدون من أجل التغيير العالمي: 15 أكتوبر» وأخرى على تويتر وموقع خاص على الانترنت (http://15october.net/) ووجهوا دعوة الى شعوب العالم لكي يتحدوا يوم 15 أكتوبر.

ونشر الناشطون على هذه المواقع بياناً بعنوان «يوم 15 أكتوبر موحدون من أجل تغيير عالمي»، قالوا فيه «يوم 15 أكتوبر ستنظم مسيرات كبرى في الشوارع والساحات من أمريكا الى آسيا ومن أفريقيا الى أوروبا.. وذلك من أجل المطالبة بالحقوق وفرض ديموقراطية حقيقية محضة». وأضاف البيان «آن الأوان ان نجمع قوانا ونتحد باحتجاجات عالمية وسلمية»، مشيراً الى ان «الأنظمة السلطوية تخدم مصالح بعضها البعض وتدعمها من دون الاكتراث الى ارادة الغالبية والثمن الانساني والبيئة الذي علينا جميعاً دفعه..هذا الوضع الذي لا يحتمل يجب ان ينتهي». وقال البيان «بصوت موحد، سنجعل السياسيين والنخب المالية التي يخدمونها يعلمون ان الشعب وحده هو من يقرر مصيره ومستقبله ولا أحد غيره». وأضاف «نحن لسنا بضاعة في أيديهم ولا في أيدي أصحاب البنوك الذين لا يمثلوننا». بحسب يونايتد برس.

ويختم «في 15 أكتوبر لنا لقاء في الشوارع لاطلاق التغيير العالمي الذي نريد، حيث سنتظاهر سلمياً ونتواصل وننظم أنفسنا حتى نحقق التغيير..حان الوقت لنتوحد..حان الوقت ليسمعونا». وترد في ختام البيان عبارة بالخط العريض «يا شعوب العالم انتفضوا في 15 أكتوبر».

علاج مجاني

اما في فرنسا فقد حمل محتجون مجسمات ضخمة في باريس لدعوة قادة مجموعة العشرين للاستماع الى رسائلهم. ونظمت جماعة اطباء العالم وهي منظمة فرنسية غير حكومية لها فرق من الأطباء في جميع انحاء العالم لمساعدة الدول الفقيرة احتجاجا بالقرب من المكان الذي استضاف وزراء العمل من دول مجموعة العشرين الذين عقدوا محادثات عن التوظيف وحقوق العمال. وحمل المحتجون مجسمات ضخمة وقدموا وصفات لعلاج الأذن لزعماء مجموعة العشرين التي تضم 20 اقتصادا غنيا وصاعدا. بحسب رويترز.

ودعوا الدول القوية الى الوفاء بوعودها قبل قمة المجموعة التي تعقد في كان في نوفمبر تشرين الثاني. وقال بيير سالينيون المدير العام للمنظمة "إنها استشارة مجانية لزعماء مجموعة العشرين الذين سيجتمعون في كان في نوفمبر ونحن نطلب منهم أن يحشدوا أنفسهم ودعمهم للأكثر فقرا الدول الاكثر فقرا والشعوب الأكثر فقرا التي تحاول تطوير نظام حماية اجتماعي يسمح بمواجهة الأزمة الجارية."

وكان وزراء العمل بقيادة فرنسا مجتمعين على بعد شارعين. وقالت فرنسا إنها تريد تحسين التوظيف والحماية الاجتماعية مع الاستمرار في مكافحة الركود العالمي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/تشرين الأول/2011 - 12/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م