واقع التنمية في خضم الاضطرابات... الدول العربية وتفاقم التحديات

إعداد: كمال عبيد

 

شبكة النبأ: ان استمرار التوترات السياسية في الدول العربية، التي باتت تنتقل من دولة الى اخرى، فيرتفع معها عدد المتضررين، بسبب انعكاسها على اقتصادات المنطقة التي يعاني معظمها من غياب التنمية وارتفاع اسعار مواد الغذاء والبطالة والفقر وتردي الاحوال على المستوى الاقتصادي والاجتماعي لفرد العربي، حيث اشارات الدراسات الحديثة في هذا المجال بأن الطبقة الوسطى في الدول العربية تشكل غالبية السكان، على رغم من ان معظم الدول العربية غنية بالموارد الطبيعة والغير طبيعة وتمتلك كافة مستلزمات العيش المرفه، لكن لعدة اسباب واهم غياب التنمية والفساد ادى الى الوضع المتردي التي تعيشه البدان العربية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي حالياً، لاسيما ان التنمية هي عملية توسيع اختيارات الشعوب والمستهدف بهذا هو أن يتمتع الإنسان بمستوى مرتفع من الدخل وبحياة طويلة وصحية بجانب تنمية القدرات الإنسانية من خلال توفير فرص ملائمة للتعليم، ويجب ان يحصل جميع أفراد المجتمع على الحماية، والاندماج والتمكين الاجتماعي، وبالتالي يفتخر أعضاء المجتمع بهويتهم الوطنية وانسجامهم الاجتماعي، حيث يحصل الجميع على الاحترام والدعم اللازم ويحصل كل فرد على فرصته إثبات الذات.

الطبقة المتوسطة

فقد أظهرت دراسة متخصصة أن الطبقة الوسطى في الدول العربية تشكل غالبية السكان، إذ يقدّر حجمها النسبي بنحو 79% من إجمالي عدد السكان، وأشارت الدراسة التي أعدها المعهد العربي للتخطيط ومقره الكويت ووزعت في بيروت الى ان هذه النسبة بقيت ثابتة ولم تتغير منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، ولاحظت الدراسة من خلال عينة من خمس دول عربية، هي الأردن وتونس ومصر والمغرب واليمن أن الطبقة الوسطى في كل من الدول الخمس "شكّلت في تسعينات القرن الماضي أكثر من نصف السكان، بمعنى أنها شكّلت غالبية السكان، وتفاوت حجم الطبقة الوسطى ما بين الدول الخمس"إذ سجّل أدنى حجم للطبقة الوسطى في تونس في عام 1995 وبلغ نحو 69% من السكان، بينما سجل أعلى حجم لها في مصر في العام 2000 وبلغ نحو 85% من السكان.

وتضيف الدراسة أنه باستخدام الوزن السكاني لدول العينة للعام 1995، تبيّن أن حجم الطبقة الوسطى في الدول العربية بلغ نحو 79% من سكان الإقليم، وذلك في عقد تسعينات القرن الماضي، وأشارت الدراسة الى تفاوت متوسط إنفاق الطبقة الوسطى في الدول الخمس إذ بلغ أدنى مستوى في العام 2000 في مصر (111 دولاراً للفرد في الشهر) ،مقابل أعلى مستوى في تونس في العام 1995 (156 دولاراً للفرد في الشهر). بحسب يونايتد برس.

وتشير الدراسة الى أن متوسط إنفاق الفرد في الطبقة الوسطى سجّل معدّل نمو سنوي مرتفع نسبياً في كل من الأردن (نحو 2.2 %)، وتونس (نحو 2 %)، والمغرب (نحو 1.6 %)، وانخفض متوسط إنفاق الفرد في الطبقة الوسطى في اليمن بطريقة ملحوظة، حيث بلغ معدل الانخفاض السنوي 2.5 %.

كما توصلت دراسة متعمقة الى أن الشبان العرب يتوقون للتغيير لكن أحلامهم الاقتصادية تعوقها المجتمعات المتعصبة التي لا تعترف بامكاناتهم الضخمة، وأجرت مؤسسة جالوب استطلاع الرأي الذي شارك فيه أكثر من 16 ألف شاب تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما من 20 دولة بالشرق الاوسط وشمال افريقيا قبل موجة الاحتجاجات التي تجتاح المنطقة منذ أشهر قليلة، وكشف الاستطلاع أن سلوك الشبان العرب تغير بشدة عام 2010 عما كان عليه في اخر مرة أجري فيها الاستطلاع وكان ذلك عام 2009، وتركز غضبهم من مستوى معيشتهم خاصة توفير سكن بأسعار معقولة، وقال شبان من 20 دولة من بينها دول شهدت أو تشهد اضطرابات مثل البحرين ومصر وليبيا وتونس انهم شعروا بأنهم غير قادرين على الاندماج اقتصاديا بشكل كامل مع مجتمعاتهم على الرغم من طموحاتهم الكبيرة في قطاع الاعمال، وجاء في تقرير الدراسة "على الرغم من أنهم من أحسن الاجيال صحة في المنطقة وأفضلها تعليما فان الشبان العرب مازالوا يواجهون صعوبات في الوصول الى فرص عمل وفرص في المؤسسات التجارية، وخلص التقرير أيضا أنه خلافا لما ترصده النظم التقليدية عن نمو الناتج المحلي الاجمالي وما يشير اليه من نمو اقتصادي ثابت في بعض الدول فان منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا مازال بها واحد من أعلى معدلات البطالة بين الشبان في العالم. بحسب رويترز.

وقال مارتي اهتيساري الرئيس السابق لفنلندا والحائز على جائزة نوبل للسلام "التقارير التي تفيد بانتعاش اقتصادي لا تعكس الديناميكيات الحقيقية في الدول، وأضاف "نحن بحاجة للنظر الى ما يفكر فيه الجيل الاصغر سنا وان نفهم أن من المهم اشراكه اقتصاديا، وأشار استطلاع الرأي الى نقاط ايجابية أيضا حيث نما استخدام الهواتف المحمولة في المنطقة أكثر من أي مؤشر اخر وارتفعت نسبته من 79 في المئة عام 2009 الى 89 في المئة عام 2010 كما نما توفر الانترنت، واعتبر استخدام الهواتف المحمولة للدخول على مواقع الكترونية مثل موقع تويتر للتدوين المصغر وراء حشد الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بالرئيسين التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك وأدت الى صراع مسلح في ليبيا، وفي تأكيد على استعداد الشبان للمشاركة أظهر الاستطلاع أن عددا أكبر منهم أبدوا استعدادهم للتدريب مجددا على عمل جديد اذا ظلوا بدون عمل لستة شهور على الاقل.

إطعام مليون عربي

في السياق ذاته أكد مسؤولون في برنامج الغذاء العالمي، أن المؤسسة العالمية تحتاج حالياً الى 165 مليون دولار لاطعام مليون عربي تضرروا من الاضطرابات السياسية في المنطقة العربية، في اطار برنامج يمتد ثلاثة اشهر. وقال مدير قسم تنمية الاعمال في المنظمة اشرف حمودة في حوار شارك فيه مدير مكتب البرنامج في مصر، جيابليترو بورديجنون، ان 600 ألف شخص في ليبيا يحتاجون الى مساعدات انسانية فورية، إضافة إلى 280 ألف شخص في تونس و180 ألف شخص في مصر، عدا عن العالقين على الحدود الليبية، وأشار حمودة الى ان المؤسسة العالمية قد تحتاج الى اكثر من هذا المبلغ، في حال استمرت التوترات السياسية في عدد من الدول العربية، وباتت تنتقل من دولة الى اخرى، فيرتفع معها عدد المتضررين، بسبب انعكاسها على اقتصادات المنطقة التي يعاني معظمها من غياب التنمية ومن ارتفاع اسعار مواد الغذاء. ولم يخفِ المسؤولون في المؤسسة العالمية انها تمكنت حالياً من جمع 65 مليون دولار من هذا المبلغ لغاية الآن من الدول المانحة ومساعدات للقطاع الخاص، لكنها تحتاج الى اكثر من مليون دولار اخرى، لتغطية حاجة المتضررين من الاضطرابات السياسية، التي انطلقت اولى شرارتها من الفقر والبطالة، وأظهرت تقارير دولية حديثة ان عدد الفقراء في المنطقة العربية يتجاوز 35 مليون نسمة، كما تعتبر البطالة التي تصل الى 54 في المئة تحدياً انمائياً رئيسياً في معظم دول المنطقة. واكدت نائب مدير قسم الشراكة الخاصة العالمي في المؤسسة الدولية مونيكا ميرشال ان برنامج الغذاء العالمي كان يتوقع حدوث اضطرابات في العالم جراء ارتفاع اسعار الغذاء وانتشار الفقر، لكن الأمر حدث اسرع مما كان متوقعاً، وقالت الناطقة الاعلامية في برنامج الغذاء العالمي، عبير عطيفة، ان المؤسسة اطلقت نداء في بداية الاضطرابات السياسية في المنطقة لجمع 40 مليون دولار لتغطية الحاجات الملحة خلال ثلاثة اشهر. وهناك مشكلة في الامن الغذائي في المنطقة التي تستورد اكثر من 85 في المئة من حاجاتها من الخارج، في وقت ارتفعت اسعار الغذاء العالمية بصورة جنونية، لا سيما ان طبيعة المنطقة صحراوية تعاني من قلة مساحة الارض المزروعة، وأضافت ميرشال ان «مشكلة الامن الغذائي، موجودة في المنطقة قبل اندلاع الازمة السياسية، لكنها تعمّقت بعدها». وطالبت الدول المانحة ومؤسسات القطاع الخاص بان تقدم التمويل المطلوب، حتى يتمكن برنامج الغذاء العالمي من تلبية الحاجة الملحة الحالية للمنطقة، إضافة الى الحاجات التنموية. وأشارت عطيفة الى ان المؤسسة العالمية ليست لديها موازنة لتلبية حاجات المنطقة. بحسب رويترز.

 وانما مهامها تعتمد على الاحتياجات والظروف الطارئة، حيث تطلق نداءات الى الدول المانحة، مثل اميركا وكندا والاتحاد الاوروبي، وأكدت ان السعودية تبرّعت عام 2008 ببليون دولار للبرنامج، وهي تعتبر اكبر منحة حصل عليها في تاريخه، إضافة الى مساعدات تلقتها سابقاً من كل من عُمان والامارات، لدعم برامج المؤسسة في العالم العربي، ويدير برنامج الغذاء العالمي حالياً برامج تنموية وغذائية ومعالجة الجفاف في كل من اليمن وسورية والاردن والسودان، إضافة الى مساعدة اللاجئين الصحراويين في الجزائر و1400 لاجئ عراقي في سورية.

دول الخليج

وعلى الرغم من أن معظم دول الخليج الثرية بالنفط ظلت بمنأى حتى الآن عن التوترات السياسية والشعبية في الشرق الأوسط  باستثناء البحرين التي ليس لديها الكثير من الثروات النفطية إلا أنها تعيش نفس تحديات المنطقة من حيث ضرورة توفير العمل للأعداد المتزايدة من الشباب وتنويع مصادر الدخل، فمشكلة البطالة بين الشباب واسعة الانتشار في كل الشرق الأوسط، وحتى في الدول الخليجية الثرية، والقضية الآن تتمحور حول مدى القدرة على تسريع الإصلاحات، وهناك حاجات متزايدة لتوفير فرص العمل للشباب ممن هم دون العقد الثالث من العمر في المنطقة، والذين يشكلون أكثر من ثلثي السكان، والحاجة هذه لا توفر دول الخليج التي رغم أنها لا تضم إلا عشرة في المائة من سكان الشرق الأوسط، إلا أن أهميتها الاقتصادية الإقليمية والدولية واضحة بسبب وجود أكثر من ثلثي نفط العالم لديها، وتقول جين كيننمونت، المحللة بوحدة الدراسات بمؤسسة إيكونومست: "الواقع الديمغرافي في الخليج وفي سائر دول الشرق الأوسط مقلق، لأن هناك شعوباً شابة وطبقات حاكمة متقدمة في السن، وتضيف: "المشكلة أن معظم هذه الدول ما تزال تعتمد في اقتصادياتها على مبيعات منتجات النفط والغاز، وهذا يعني أنها عاجزة عن توفير فرص عمل تكفي لجميع المواطنين، فلا يمكن لقطاع الطاقة أن يستوعب كل طلبات التوظيف، وذكرت كيننمونت أن وحدة الدراسات في إيكونومست عرضت مجموعة من النقاط التي يجب أن تأخذها دول الخليج بعين الاعتبار لتجنب أي اضطرابات فيها، شرط أن يتم تطبيقها في فترة زمنية لا تتجاوز عام 2020، ومن بينها التوسع في القطاعات الصناعية التي يمكنها الاستفادة من البترول، مثل الصناعات البتروكيماوية والألمنيوم، إلى جانب تأسيس مراكز مالية وتجارية كبيرة توفر خدامات عالمية وتحسين نظام التعليم وتحديثه ليتوافق مع متطلبات السوق، حتى الان اقتصرت معالجات الخليج للمشكلة على ضخ الأموال لإرضاء الناس. بحسب السي ان ان.

 وقد قامت السعودية على سبيل المثال بإعلان خطط دعم اقتصادي تقارب قيمتها 130 مليار دولار، وفي مسعى منها لشرح أبعاد الخطوة السعودية، قالت كيننمونت إن الرياض مهتمة بشكل أساسي بالأوضاع في البحرين وتأثيرها على الأوضاع في المنطقة الشرقية من السعودية، ولكنها أعربت عن ثقتها بأن ما تشهده المنامة لا يمكن أن يؤثر على قطر أو الإمارات حيث الأمور "مختلفة كلياً" على حد تعبيرها.

البنية التحتية

اعلن البنك الدولي والبنك الاسلامي للتنمية مع عدد من الدول انشاء صندوق برأسمال مليار دولار لتمويل بنى تحتية في الدول العربية، يشار إلى ان عملية تمويل البنى التحية في الدول العربية التي دُشنت خلال مؤتمر عمان، يجب ان تدعم مشاريع عابرة للحدود في البنى التحتية المتعلقة بالطاقة والطرق البرية والسكك الحديد والطرق البحرية، وجاء في بيان نائب البنك الدولي لشؤون شمال افريقيا والشرق الأوسط شمشاد اختر إن الربيع العربي اظهر ان الناس يريدون أفضل الخدمات العامة ومناخا مدنيا أكثر نظافة وهذا يعني خدمات في البنى التحتية أكثر فعالية وأفضل موالفة، وأضاف البيان أن ميزانيات الدول تواجه ضغطا والقطاع الخاص استوعب خطر التغيير السياسي (...) هنا يمكن ان تتدخل المؤسسات المالية الدولية، وحسب البنك الدولي، تحتاج هذه المنطقة إلى توظيف ما بين 75 و100 مليار دولار سنويا للمحافظة على معدلات النمو التي تحققت خلال السنوات الماضية مشيرا الى نقصان اربعين مليار دولار سنويا.

المخصصات الاجتماعية

من جهتها نشرت صحيفة "لوس انجيليس تايمز" الاميركية مقالا للخبير الاقتصادي ابرهيم سيف، البروفيسور في مركز كارنيغي للشرق الاوسط في العاصمة اللبنانية تناول فيه العقبات التي تواجه الانفاق الاجتماعي في الدول العربية. وهنا نص المقال:ان التحدى الواسع الذي يواجه الدول العربية التي تنتقل من انظمة استبدادية الى ديمقراطية هو كيفية التعامل مع المخصصات الاجتماعية، وهي المصروفات التي تخصصها الدولة للصحة والتعليم والمعونات المباشرة للفقراء من المواطنين، والدعم النقدي للعائلات الفقيرة ومعاشات التقاعد والامن الاجتماعي بالنسبة الى العاملين في القطاع الخاص. ورغم ان هذه الدول تواجه صعوبات مختلفة، فان المصروفات تتشارك في عدد من الخصائص، فالمبالغ التي تصرف على الخدمات الاجتماعية وهي تمثل ما بين 40 و 50 في المائة من اجمالي الانتاج المحلي تعتبر مرتفعة في الدول العربية بما فيها المغرب وتونس ومصر والاردن ولبنان وسوريا. وهذا يعني ان فرص تخصيص مصادر اضافية للمخصصات الاجتماعية تظل ضئيلة، واضافة الى ما تقدم، فان المصروفات الاجتماعية تحظى بمستويات متدنية من الكفاءة، وخاصة في مجالي الرعاية الصحية والتعليم، وهما قطاعان يستوليان على اكبر حصة من المصروفات الاجتماعية. فهذان القطاعان لا يخضعان في العادة الى الاشراف وتنقصهما الدلائل لقياس كفاءة التشغيل. فمعظم المخصصات تقضمها الرواتب والاجور، بدلا من بنود اخرى مثل الابحاث والتطوير، التي يمكن ان تساعد في تحسين مستوى الكفاءة وتقلل من الفضلات، والبندان المعنيان يقاومان التغيير ايضا. فهما يقومان على أنظمة عفا عليها الزمن ومقاييس بيروقراطية يصعب تغييرها. ونظرا لتدني مستوى رواتب الموظفين، فانهما لا يجتذبان اكثر المرشحين كفاءة في معظم الاحيان وتُعرضان على موظفين ليس لديهم الا القليل من الحوافز لزيادة كفاءة ودوافع اعمالهم، ثم ان الية مراقبة المصروفات مصابة بعطل كبير ايضا، ولا تتحقق الاهداف عادة. وعلى سبيل المثال، فان دعم السلع مثل الخبز او الوقود يعني تخصيص مبالغ اكبر لمن يستهلكون المزيد وهو ما يفيد الاثرياء بدلا من الفقراء، باعتبار ان السابقين هم اكثر المستهلكين، واخيرا، فان المخصصات الاجتماعية تستخدم في معظم الاحيان لاغراض سياسية. فالانظمة الحاكمة تستغل المصروفات لشراء الولاء السياسي على اسس جغرافية او ديموغرافية، من دون اي اعتبار لما اذا كان المستفيدون محتاجين للمعونة، ولما كان عدد من الدول العربية يعاني عجزا خطيرا في الميزانية، فان المصروفات الاجتماعية تظل احد المسالك الاساسية لتوفير عدالة اجتماعية الى جانب النمو الاقتصادي، المطلبين الرئيسيين للمواطنين خلال الربيع العربي، الا ان الدول غير قادرة على تلبية مطالب المواطنين بتوفير فرص عمل كافية، لان القطاع العام مشبع بالفعل والقطاع الخاص يعاني من نقص الدينماكية النابعة من المستويات المتدنية للاستثمارات بسبب الشكوك تجاه السياسة العامة، وبناء عليه فان الحكومة تجد نفسها في مواجهة خيارات صعبة.

والانظمة السياسية الناشئة – كما هو الحال في مصر وتونس – تدرك المشكلة المصاحبة للمصروفات العامة، الا ان كبح جماحها يفاقم من الوضع الحالي، وان كانوا غير قادرين على توسيع نطاق المصروفات لتلبية احتياجات المواطنين، ينبغي رسم خط فاصل بين نوعين من المصروفات. الاول يؤتي نتائج سريعة وله تاثير سياسي مباشر، ومن ذلك الدعم المباشر للسلع او الصدقات المالية. وعليه فان هذا النوع يعتبر ذا مردود سياسي كبير، وهو ما يحفز السياسيين لمتابعته رغم تاثيره السلبي على المدى البعيد على خزينة الدولة، مثل عبء العجز المالي، والنوع الثاني من المصروفات مرتبط بالاهتمامات البعيدة المدى، مثل التعليم والرعاية الصحية وتاثيرها لا يظهر سريعا ولا تعتبر من الاولويات نتيجة ذلك. ورغم ان التعليم والرعاية الصحية قطاعان اساسيان، فان القليل من الاموال يخصص لهما من اجل اصلاحهما لان الحصول على نتائج مهمة يتطلب سنوات عديدة.

ويمكن التغلب على التحدى المتمثل في التوفيق بين المصالح الحالية والاستراتيجية بتطبيق سياسات جديدة. فعلى سبيل المثال، توجد لعشوائية سياسات دعم السلع نتائج مالية وسياسية سلبية وفي بعض الاحيان تزيد من عمق عدم التوازن الذي تسعى الى تصحيحه. ويمكن للمعونات التي تقدم الى الافراد الفقراء ان تحقق مستوى مقبولا للعدالة الاجتماعية، الا ان سوء ادارة تلك المخصصات يعمق من عدم التوازن الحالي. وفي هذا الشأن فان على صانعي السياسة ان يضعوا سياسات تربطهم بالجماعات المعنية بدلا من السياسة العشوائية المعتمدة الان. وسيؤدي ذلك الى تحسين فعالية المصروفات الاجتماعية وتخفيض مستوى الاستياء الشعبي من السياسية الحالية.

يضاف الى هذا ان هناك حاجة للحكم الرشيد والشفافية في الانفاق الاجتماعي من اجل تعزيز تنظيم افضل ورقابة افضل عليه. ولكن تحسين الحكم يتطلب مؤسسات يمكنها الاشراف على الحكومة، وقنوات للمواطنين ليساهموا في تحديد الاولويات، وكذلك الى مؤسسات سياسية افضل. ويستطيع المجتمع الدولي والمانحون الدوليون القيام بدور اكثر جديةً في الاشراف والمشاورات لتحديد الاولويات. وتبين التجارب الماضية ان انماط الدعم المباشر للموازنة والتي يلجأ اليها عدد من الدول المانحة تجاه الدول المتلقية قد فشلت في احيان كثيرة، ولا شك في ان الانفاق الاجتماعي طريق مركزي نحو بلوغ عدالة اجتماعية. غير ان الاموال التي تصرف حالياً لا تحقق الاهداف المرجوة، ولا يمكن الاستمرار في اتباع النمط نفسه. والتوفيق بين مطالب المواطنين الحالية والتخطيط لاهداف استراتيجية على المدى الطويل هو خطوة اولى في الاتجاه الصحيح. ويمكن عمل ما هو اكثر بكثير لتحسين ادارة مثل هذا الانفاق حتى يمكن للمواطنين ان يحكموا على انظمة الحكم الجديدة. ولكن استراتيجية اعطاء منح وتبرعات لحماية الفقراء من دون اشراف لم تعد مقنعة ولا يمكن ان تستمر.

هجرة الأدمغة

في حين ذكر تقرير عن التنمية البشرية العربية، أن أمام الدول العربية المصدّرة للمواهب حالياً فرصة مؤاتية لتطبيق سياسات محفّزة، تهدف إلى تغيير اتجاه هجرة الأدمغة، وأوضح تقرير عن التنمية البشرية العربية، أنه «ينبغي على الدول العربية المصدرة للكفاءات، مثل مصر ولبنان وسورية والأردن، وضع تدابير استباقية لخلق فرص العمل والاستثمار في الداخل، وكشف التقرير الصادر عن قسم الأبحاث في «تالنت ريبابلك »، عن أن نحو 70 ألفاً من خريجي الجامعات العرب، يهاجرون سنوياً للبحث عن فرص عمل في الخارج، في حين أن نحو 54٪ من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون الى بلدانهم الأصلية، وبحسب دراسة صادرة عن إدارة السياسات السكانية والهجرة في الجامعة العربية، فإن وقف الهجرة الواسعة النطاق لرأس المال البشري، من شأنه أن يوفر على الدول العربية المصدرة للكفاءات نحو 5.76 مليارات درهم سنوياً 1.57 مليار دولار سنوياً، ووفقاً لإحصاءات صادرة عن «جامعة الدول العربية، ومنظمة العمل الدولية، ومنظمة اليونيسكو، فإن نحو 100 ألف عالم وطبيب ومهندس، يغادرون لبنان وسورية والعراق والأردن ومصر وتونس والمغرب والجزائر سنوياً.بحسب وكالة الانباء الاماراتية.

كما أفادت الإحصاءات أن 70٪ من هؤلاء العلماء لا يعودون إلى بلدانهم الأم، في حين أن نحو 50٪ من الأطباء، و23٪ من المهندسين، و15٪ من العلماء، ينتقلون للعيش في أوروبا والولايات المتحدة وكندا.

قطر تزيد رواتب العاملين

من جانبها قررت السلطات القطرية زيادة رواتب العاملين في الدولة بنسبة 60% للمدنيين و120% للعسكريين، ونص القرار الذي اصدره ولي العهد القطري الشيخ تميم بن حمد آل ثاني واوردته وكالة الانباء القطرية الرسمية على "زيادة رواتب الموظفين المدنيين العاملين بالدولة بنسبة 60% من الراتب الأساسي وبنسبة 60 بالمئة من العلاوة الاجتماعية وزيادة رواتب العسكريين بنسبة 120% من الراتب الأساسي وبنسبة 120% من العلاوة الاجتماعية، واضافت الوكالة ان ولي العهد "كان امر بتشكيل لجنة برئاسة وزير الدولة للشؤون الداخلية تضم ممثلين عن الوزارات والهيئات ذات العلاقة، وقامت هذه اللجنة بدراسة معمقة لاوضاع الموظفين والمتقاعدين المدنيين والعسكريين القطريين وفقا لاولويات الدولة الاقتصادية وسياساتها الاجتماعية، وبلغت الكلفة الاجمالية للزيادات والعلاوات نحو عشرة مليارات ريال سنويا، وفق المصدر نفسه، ولم تشهد قطر، الامارة الخليجية الغنية التي تملك ثالث احتياطي غاز في العالم، تحركات احتجاجية على خلفية اجتماعية او سياسية اسوة بدول اخرى في الخليج في مقدمها البحرين وسلطنة عمان، وادت الثورات العربية التي اندلعت في بداية هذا العام الى الاطاحة بالرئيسين التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك والى فرار الزعيم الليبي معمر القذافي الذي لا يزال متواريا. بحسب فرانس برس.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 9/تشرين الأول/2011 - 11/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م