شبكة النبأ: من المهم أن يظل المرء
ثابتاً على موقفه ويتحمل ردة فعل الطرف الآخر.
غيتي
تعض نيكول أصابع الندم.. وتتساءل: «لماذا وافقت وأبديت استعدادي
للمساعدة مجدداً؟»، إذ يتعين عليها تحضير الطعام في الحفلة التي أرادت
صديقتها إقامتها على نحو مفاجئ، وكم كانت نيكول تود أن تقول «لا» حينما
سألتها صديقتها السؤال التقليدي: «هل يمكنك أن تساعـدينني سريعاً؟»،
وبدلاً من أن تقـول (لا)، نطقت شفتاها: «بالطبع، يمكنني».
مثل هذه المواقف تحدث للجميع، إذ إن قول كلمة «لا» يكون بكل تأكيد
أسهل من الناحية النظرية عنه في الواقع، لذا ينصح خبراء علم النفس
بالتدرب على قول «لا» حتى الوصول إلى المستوى الذي يسمح للمرء أن يقول
«لا» من دون التفكير طويلاً ومن دون تأنيب ضمير.
ويجد البعض صعوبة في رفض طلبات زملائه في العمل، في حين يوافق آخرون
باستمرار على طلبات وأمنيات أقاربه وأصدقائه التي لا تنتهي. ومن أجل
فهم متي ولماذا تتحول كلمة «لا» إلى «لا» ، يجب على المرء الذي يواجه
هذه المشكلة أن يسبر أغوار نفسه.
وتقول الكاتبة مونيكا راديكي، بمدينة هايدلبرغ جنوب غرب ألمانيا: «من
المهم تحليل هذه المواقف». وتعلل راديكي، التي تقدم دورات تدريببة حول
موضوع قول «لا»، ذلك بأن مَن يحدد أنماط المواقف المعتادة التي تعيقه
عن قول« لا» هو فقط الذي يمكنه أن يتغلب عليها في المستقبل.
مواقف
هناك العديد من الاستراتيجيات التي يمكن بواسطتها تحديد مثل هذه
المواقف، وتقول راديكي: «هذه الاستراتيجيات يمكن أن تكون لحظة هادئة
يخلو فيها المرء إلى نفسه ويدوّن المواقف الماضية». ومن الإمكانات
الأخرى التناقش مع شريك الحياة، أو الصديق الذي كان طرفاً في هذا
الموقف.
وأشارت راديكي إلى أن عجز المرء عن فرض شخصيته في هذه المواقف يتجلى
جسدياً أيضاً، موضحة «على سبيل المثال، الشعور بانقباض داخلي عندما
يطلب مني أحد الأشخاص شيئاً ما».
ومَن يتعلم كيفية الانتباه إلى مثل هذه العلامات الجسدية، تتكون
لديه حاسة جيدة باستشعار المواقف التي ينبغي أن يقول فيها «لا». وتوجد
أسباب عدة تعيق الإنسان عن وضع حدود واضحة المعالم في تعاملاته مع
الآخرين.
ويقول المعالج النفسي بمدينة باد زيكينغن جنوب ألمانيا، ماركوس بيبل:
«تلعب التربية لدى البعض دوراً مهما في ذلك، في حين يخشى البعض الآخر
أن تتأثر علاقته سلباً مع الأشخاص في دائرة معارفه إذا قال لا». كما أن
صورة الذات غالباً ما يكون لها تأثير كبير في مثل هذه المواقف، إذ يجد
الأشخاص الذين يرغبون على الدوام في إعطاء صورة عن أنفسهم بأنهم كرماء
ومتعاونون صعوبةً في أن يقولوا «لا» أكثر من غيرهم.
صورة الذات
تجسد نيكول حالة صورة الذات أيضاً، فهي توافق على أن ترافق إحدى
صديقاتها إلى حفلة ما، على الرغم من أنها لا ترغب كثيراً في الذهاب.
وهنا يطرح السؤال التالي نفسه: «لماذا لا ترفض عندئذ بكل بساطة الذهاب
إلى الحفلة؟ وتجيب نيكول عن هذا السؤال: «لا أريد أن أكون صديقة سيئة».
وإضافة إلى ذلك لن تتركها صديقتها حتى تقدم لها نيكول تبريرات وحجج
رفضها لمرافقتها إلى الحفلة.
ويُعد الشعور بوجوب تقديم تبريرات للرفض أول خطأ يرتكبه المرء، وعن
كيفية التصرف في مثل هذه المواقف تقول الكاتبة الألمانية راديكي: «يكفي
قول كلمة (لا) بشكل مقتضب وودود. فليس هناك داعٍ للتبريرات الطويلة».
ومن الممكن التعبير عن الرفض من دون كلام، من خلال الحركات الجسدية،
مثل تشبيك الذراعين أو هز الرأس ببطء. وفي كل الأحوال تسري القاعدة
التالية: «يجب أن يظل المرء ثابتاً على موقفه، كي يتسم رفضه بالصدقية».
وفي كثير من الأحيان لا يرجع سبب الفشل في قول لا إلى ضعف الإرادة
الشخصيـة، وإنما إلى ضغط الوقت، وينصح بيبل باتباع الحيلة التالية:
«اكسب وقتاً لإمعان التفكير». فإذا طلب منك أحد الأشخاص شيئاً ما،
فيمكنك الرد قائلاً: «أود أن أفكر بالأمر، وسأخبرك في وقت لاحق». وبذلك
يكون لدى المرء متسع من الوقت ليجد إجابة عن السؤال التالي: «هل أوافق
وأقدم المساعدة؟ هل بوسعي ذلك؟».
ردة فعل
تكمن صعوبة قول «لا» في أنها تتعلق أيضاً بطرفين، فالشخص الذي يقوى
على قولها، يجب عليه أن يتحمل ردة فعل الطرف الآخر. وبمجرد أن يرفض
المرء طلبات قليلة من أقاربه أو أصدقائه، فإنه سيحصد على الفور ردة فعل
تفتقر إلى التفهم، إذ يكون لسان حالهم: «ماذا دهاه؟». ويقول بيبل إن «ردات
الفعل هذه لا يجوز أن تثني المرء عن موقفه»، موضحاً «من المهم أن يظل
المرء ثابتاً على موقفه، ويتحمل ردة فعل الطرف الآخر». ويعلل بيبل ذلك
بأنه في تلك الأثناء يكتسب المرء خبرة مهمة للغاية تتمثل في أن أواصر
الصداقة لن تتمزق، بسبب رفض المساعدة في تنظيم إحدى الحفلات. ومـن
الأمور السارة أيضاً أن الأمـر سيكون أسهل في المستقبل مع كل مرة يقول
فيها المرء «لا»، وفي الوقت نفسه ستسنح له فرصة تكبير صورة الذات،
ويقول بيبل: «يعرف المرء أنه يمكن ذات مرة أن يشعر بالضيق، وألا يبدي
استعداده للمساعدة.. وهذا يعني مزيداً من الحرية». |