الاستيطان... رهان إسرائيلي لإجهاض أمل الدولة الفلسطينية

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: لقد اعتاد الفلسطينيين وحكامهم وحتى الدول العربية والغربية والمنظمات الدولية على ممارسات إسرائيل التي تحدت من خلالها المجتمع الدولي وقراراته الأممية بصورة سافرة، والتي غالباً ما تمر من دون عقاب أو أدانه، بل يكتفي الجميع بتوجيه انتقادات لا تتعدى كونها من باب "الترف السياسي" أو "تثبيت المواقف"، وبرغم تعرض الدبلوماسية الإسرائيلية مؤخراً إلى هزات عنيفة في مصر وتركيا وداخل أروقة الأمم المتحدة، إلا إن سياسة الدولة العبرية ماضية في تحدي الجميع بعدم الاعتراف بأي جهود دولية ترمي لإقامة الدولة الفلسطينية، وما زالت مشاريع بناء المستوطنات وتوسيع الاستيطان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية متواصلة على قدم وساق خصوصاً بعد أن وافقت إسرائيل مؤخراً على بناء 1100 منزل لليهود على أراض ضمتها في الضفة الغربية والتي تزامنت مع الجهود الرامية إلى تخفيف حدة التوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين وإعادتهم إلى طاولة المفاوضات مع قرب البت بقضية التصويت على الاعتراف بإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة واستقلال.

سياسة تدفيع الثمن

فقد دان احد حاخامات المستوطنين الاسرائيليين سياسة "تدفيع الثمن" التي ينتهجها المستوطنون ضد الفلسطينيين والجيش الاسرائيلي، معتبرا انها تهدد الوجود اليهودي في الضفة الغربية، وقالت عريضة وقعها الحاخام ياكوف ميدان احد القائمين على معهد هار اتزيون الديني قرب بيت لحم جنوب الضفة الغربية "نحن ندين الاعمال التي تجري تحت عنوان "تدفيع الثمن" ضد الجيش والمساجد والعرب الابرياء"، واضاف ان "هذه الاعمال مرفوضة بتاتا من موقف اخلاقي ووطني وتعرض وجود الحركة الاستيطانية في يهودا والسامرة"، الاسم الذي تطلقه الدولة العبرية على الضفة الغربية، وينتهج المستوطنون المتطرفون سياسة "تدفيع الثمن" بمهاجمتهم فلسطينيين واملاكهم ردا على اجراءات الحكومة الاسرائيلية ضد المستوطنات، وقامت قوات من الجيش والشرطة الاسرائيلية مطلع الشهر بهدم ثلاثة منازل في مستوطنة ميغرون العشوائية ما ادى الى سلسلة اعتداءات ضد مساجد وجامعة فلسطينية في الضفة الغربية، وقام مستوطنون بمهاجمة سيارات عسكرية في قاعدة عسكرية اسرائيلية قرب رام الله وثقبوا اطارات ووضعوا السكر في محركات الوقود، وميدان من اشهر الحاخامات القوميين في اسرائيل ومن اشد معارضي اتفاقية اوسلو (1993)، وقال في عريضته "نريد ان نعزز اعمال الجيش ضد هذه الفظائع التي تقوض اسس وجودنا هنا"، داعيا المستوطنين الى "منع مثل هذه الاعمال" وفضح من يقف ورائه، وصرح ميدان "لا يمكن السماح بهذه الطريقة من التحرك "ايذاء ابرياء واحراق مساجد"، واضاف "اتفهم شعورهم بالاحباط والاستياء لكنهم تجاوزوا الخطوط الحمر"، واستجوبت الشرطة الاسرائيلية المسؤولة عن كافة القضايا المتعلقة بالمستوطنين العديد من الاشخاص حول الاعتداءات ولم يعتقل اي شخص اخر، واضاف "نحن هنا لنبقى ونتمكن من العيش مع معظم العرب في سلام وعلاقات حسن جوار". بحسب فرانس برس.

موافقات جديدة

من جهتها وافقت اسرائيل مؤخراً على بناء 1100 منزل لليهود على أراض ضمتها في الضفة الغربية في خطوة من شأنها ان تعقد الجهود الدولية الرامية لاستئناف محادثات السلام ونزع فتيل أزمة بشأن محاولة الفلسطينيين الحصول على العضوية الكاملة لدولتهم في الأمم المتحدة، وقوبل قرار اسرائيل بانتقادات من جانب حليفتها الولايات المتحدة، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية فيكتوريا نولاند "نشعر بخيبة أمل عميقة بشأن اعلان الحكومة الاسرائيلية الصادر هذا الصباح"، وقدم الرئيس الفلسطيني محمود عباس طلبه للامم المتحدة وهي الخطوة التي تعارضها اسرائيل والولايات المتحدة التي حثته على استئناف مفاوضات السلام، ودعت اللجنة الرباعية الدولية التي تضم الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا والامم المتحدة الى استئناف المفاوضات خلال شهر وحثت الطرفين على عدم اتخاذ خطوات احادية الجانب يمكن ان تعيق جهود السلام، وقال صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين ان الوحدات الاستيطانية الجديدة تمثل "1100 لا لبيان الرباعية"، وقال نبيل ابو ردينة المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية ان اسرائيل تتحدى ارادة المجتمع الدولي بسياسة الاستيطان المستمرة، ووصف ريتشارد ميرون المتحدث باسم روبرت سيري مبعوث الامم المتحدة الى الشرق الاوسط القرار بأنه "مقلق للغاية" وقال ان النشاط الاستيطاني "يقوض امكانية استئناف المفاوضات والتوصل لحل الدولتين (لانهاء) الصراع"، واشترط عباس وقف النشاط الاستيطاني الاسرائيلي للعودة للمفاوضات التي انهارت العام الماضي بعد رفض رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو تمديد قرار تجميد الاستيطان لمدة عشرة أشهر، ومن المقرر تشييد المنازل الجديدة في مستوطنة جيلو التي أقامتها اسرائيل على الاراضي التي سيطرت عليها في الضفة الغربية في حرب عام 1967 وضمتها للقدس التي اعلنتها عاصمة لها. بحسب رويترز.

ويرغب الفلسطينيون في اقامة دولة في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة عاصمتها القدس الشرقية ويقولون ان المستوطنتات قد تحرمهم من اقامة دولة قابلة للحياة، وقالت وزارة الداخلية الاسرائيلية ان لجنة للتخطيط وافقت على مشروع جيلو وان الاعتراضات العامة على الاقتراح يمكن تقديمها خلال فترة المراجعة التي تستمر 60 يوما على أن تبدأ بعدها اعمال البناء، وفي نيويورك انعقد مجلس الامن المنقسم في اجتماع مغلق لاجراء مناقشات أولية بشأن الطلب الفلسطيني الذي قدم للعضوية الكاملة في الامم المتحدة، ويبدو من شبه المؤكد ان الطلب سيرفض نظرا للمعارضة الاسرائيلية والامريكية على الرغم من الدعم الكبير من حكومات اخرى بالعالم، وقال ابو ردينة ان الامر متروك لمجلس الامن لوقف سياسة الاستيطان الاسرائيلية "التي تدمر حل الدولتين وتضع المزيد من العراقيل امام اي جهود لاستئناف المفاوضات"، واضافت نولاند المتحدثة باسم الخارجية الامريكية "نعتبر ذلك أمرا غير بناء بالنسبة لجهودنا لاستئناف المفاوضات المباشرة بين الطرفين ونحن ندعو الطرفين منذ فترة طويلة الى تجنب الافعال التي يمكن ان تقوض الثقة بما في ذلك في القدس وسنواصل العمل مع الطرفين لاستئناف المفاوضات المباشرة"، وفي تصريح لراديو الجيش الاسرائيلي قبل الاعلان عن الموافقة على خطة جيلو قال السفير الامريكي في اسرائيل دان شابيرو ان واشنطن تعارض طلب عباس وقف البناء الاستيطاني قبل الموافقة على استئناف المفاوضات.

وقال شابيرو "لم نضع هذا الامر (تجميد الاستيطان) قط سواء في هذه الادارة أو أي ادارة أخرى كشرط مسبق للمحادثات"، ولكنه أشار الى ان بلاده تعارض الاستيطان الاسرائيلي في الضفة الغربية، وقالت تقارير اعلامية اسرائيلية ان نتنياهو أجرى مشاورات مع كبار وزراء الحكومة الاسرائيلية بشأن جهود اللجنة الرباعية لاستئناف محادثات السلام، واشار نتنياهو اليوم الى انه لن يعرض تعليقا مؤقتا جديدا للاستيطان لاقناع عباس بالعودة للمحادثات، وقال نتنياهو في مقابلة مع صحيفة جيروزالم بوست "لقد اتخذنا بالفعل خطوات" في اشارة الى أنه يرى أنه بذل ما فيه الكفاية من جهود العام الماضي عندما علق بشكل مؤقت البناء في مستوطنات الضفة الغربية.

اسرائيل ترفض الانتقادات

الى ذلك رفضت اسرائيل مرة اخرى انتقادات المجتمع الدولي لاعلان بناء 1100 وحدة استيطانية جديدة في حي جيلو في القدس الشرقية المحتلة، وقال مسؤول اسرائيلي كبير طلب عدم الكشف عن اسمه ان"جيلو ليس مستوطنة بل حي يشكل جزءا لا يتجزا من القدس"، ويقع حي جيلو الاستيطاني على المشارف الجنوبية لمدينة القدس الشرقية قرب مدينة بيت لحم الفلسطينية، واضاف المسؤول"في جميع خطط السلام (الاسرائيلية الفلسطينية) التي وضعت على الطاولة منذ عشرين عاما ظل جيلو جزءا من القدس اليهودية"، مؤكدا ان "البناء في هذا الحي لا يتعارض مع الالتزامات التي قطعتها اسرائيل من اجل السلام او حل الدولتين لشعبين"، وتعرض الاعلان الاسرائيلي عن بناء هذه الوحدات الاستيطانية لانتقادات من الولايات المتحدة التي قال انها تشعر "بخيبة امل شديدة"، وكذلك من الاتحاد الاوروبي وفرنسا التي وصفته "بالاستفزاز"، اما بريطانيا، فطالبت بالتخلي عن المشروع في الوقت الذي يحاول فيه المجتمع الدولي اعادة اطلاق مفاوضات السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين، كما انتقدت الصين الموافقة التي اعطتها وزارة اسرائيلية على بناء الف وحدة سكنية في حي استطياني يهودي في القدس الشرقية، وقال هونغ لي المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية ان "الصين تعرب عن اسفها العميق وتعارض موافقة اسرائيل على مشاريع توسيع المستوطنات اليهودية في القدس الشرقية". بحسب فرانس برس.

واضاف ان بكين تطلب من اسرائيل "التصرف بتعقل" في هذا الموضوع، وقال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات ان "اسرائيل بقرارها بناء 1100 وحدة استيطانية في القدس تقول بانها اختارت الاستيطان بدل السلام وترد بذلك بالف ومئة لا على بيان اللجنة الرباعية" التي كانت دعت الى استئناف مفاوضات السلام بهدف التوصل الى اتفاق نهائي في نهاية 2012، ويحث الاقتراح الطرفين على بدء المحادثات في غضون شهر للتوصل الى اتفاق سلام قبل نهاية عام 2012، واشار المقترح الى خطة خارطة الطريق عام 2002 التي تدعو الى تجميد البناء في المستوطنات وتحث الطرفين على "الامتناع عن القيام باعمال استفزازية"، واتهم عريقات الحكومة الاسرائيلية بالسعي "من وراء هذه الانشطة الاستيطانية والاجراءات الاحتلالية، الى تدمير خيار الدولتين وتدمير عملية السلام"، وتعتبر اسرائيل القدس عاصمتها "الابدية والموحدة" ولا تعتبر البناء في القسم الشرقي العربي من المدينة نشاطا استيطاني، الا ان الفلسطينيين يرغبون في ان تكون القدس الشرقية عاصمة دولتهم المستقبلية ويعارضون بشدة توسيع السيطرة الاسرائيلية عليها.

اعتداءات مستمرة

من جانب اخر قال شهود عيان فلسطينيون ان مستوطنين اسرائيليين اقتحموا بساتين فلسطينية لاشجار زيتون في الضفة الغربية واقتلعوا 200 شجرة، وقالت المصادر نفسها ان مستوطنين من مستوطنة يتسهار قرب مدينة نابلس بشمال الضفة الغربية خربوا الاشجار في محيط قريتي هوارة وعين نابلس، وكانت عشرات من اشجار الزيتون العائدة لفلسطينيين اقتلعت في وقت متأخر في هجوم قرب الخليل قال السكان المحليون انه عمل انتقامي نفذه مستوطنون، واكد الجيش الاسرائيلي اقتلاع وحرق "نحو 40 شجرة" في قرية الشويكة جنوب الخليل، ويقول الجيش الاسرائيلي وسكان المنطقة ان المهاجمين تركوا كتابات بالعبرية في موقع الهجوم بينها نجمة داود وعبارة "ثمن حلحول" في اشارة الى منطقة تعرض فيها المستوطن اشر بالمر لهجوم ما اسفر عن مقتله ومقتل طفله البالغ 18 شهرا قرب مستوطنة كريات اربع الجمعة الماضي بعدما رشق فلسطينيون سيارته بالحجارة، ومنذ فترة ينتهج المستوطنون المتشددون ما يصفونه بسياسة "دفع الثمن"، ردا على هجمات ينفذها فلسطينيون او اجراءات تتخذها السلطات الاسرائيلية ضد المستوطنات. بحسب فرانس برس.

خبراء في الامم المتحدة

في سياق متصل طالب خبراء في الامم المتحدة "بالوقف الفوري" للتدمير الذي تقوم به السلطات الاسرائيلية والمستوطنين اليهود للممتلكات الفلسطينية في الضفة الغربية منددين "بالزيادة الكبيرة" في عمليات الهدم منذ بداية العام، وقال ثلاثة خبراء مختصين في الامم المتحدة في بيان لهم ان "الاجراءات التي تقوم بها السلطات الاسرائيلية تشكل خرقا لحقوق الانسان والقوانين الانسانية ويجب وقفها حالا"، واضاف التقرير ان "تاثيرات وطبيعة عمليات الهدم و الطرد التميزية غير مقبولة بتاتا"، والخبراء مختصون في مجالات الحق في السكن والحق في مياه الشرب والحق في الغذاء على التوالي، ويشير الخبراء الى انه "في اماكن معينة تحرق اراض واشجار ومحاصيل لقرويين فلسطينيين على يد مستوطنين اسرائيليين"، ويقول الخبراء "منذ كانون ثاني/يناير 2011 تم هدم 387 وحدة من بينها 140 منزلا و79 منشاة زراعية مما ادى الى تهجير قسري ل755 شخصا" ولاضرار اثرت على 1500 شخص اخر، ونتيجة للهدم فان "عدد المهجرين منذ اب/اغسطس 2011 يتجاوز عددهم خلال عام 2010 باكمله". بحسب فرانس برس.

ويرى الخبراء ان عمليات الهدم هذه هي نتيجة "لسياسة التقسيم التميزية والتقييدية وسياسة التخطيط التي تنتهجها حكومة اسرائيل" تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتشير راكيل رولني الخبيرة المعنية بالحق في السكن اللائق الى ان هناك "تصاعدا في الوضع مع الانتهاكات المتزايدة لحقوق الانسان"، وتضيف "لم تطرد العائلات التي يقيم بعضها منذ عقود في بيوتهم فحسب بل لم تتلق ايضا اي تعويضات او اعادة اسكانهم بل يجبرون على تغطية تكاليف عملية الهدم ودفع الغرامات بسبب البناء "غير القانوني"، اما الخبيرة الخاصة بمياه الشرب كاترينا دو الباكورك فلاحظت ان عشرين خزان مياه على الاقل و12 بئرا دمرت منذ بداسة العام ما يؤثر على قدرة عشرات الاف الفلسطينيين للوصول لمياه الشرب"، وحذر اوليفييه دو شوتر الخبير في الحق في الغذاء ان التدمير يهدد"بتفاقم انعدام الامن الغذائي لدى الفلسطينيين في الضفة الغربية"، و يرى الخبراء انه "يتوجب على السلطات الاسرائيلية اتخاذ كافة الاجراءات الضرورية لمنع اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية "مطالبين" بالتحقيق في الاعمال الاجرامية التي يرتكبها المستوطنون بشكل مستقل".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 8/تشرين الأول/2011 - 10/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م