
شبكة النبأ: يجتهد الطغاة في صنع
وإدامة الوسائل المساعدة، على حماية عروشهم من الاهتزاز والانهيار،
ويجتهدون أيضا، في صناعة وتبرير وتمرير الغايات التي تديم سلطانهم، وقد
تجتمع هذه الوسائل والغايات معا، وتقترب في الصورة والجوهر، ومن
الوسائل والغايات المهمة، التي دأب عليها طغاة الشرق الاوسط تحديدا، هي
صناعة الاوهام كغاية ووسيلة، لإيهام الشعوب بالقادم الأفضل الذي سيظل
في رحاب المجهول أبدا.
فالوهم يساعد الطاغية على تخدير الشعب، وامتصاص النقمة، يرافق ذلك
طرق البطش التي قد لا تكون كافية وحدها لحماية الكرسي، فيذهب الطغاة
الى نشر الاوهام بين شرائح الشعب، لاسيما المستويات المتدنية في الوعي،
فتبدأ الاوهام فعلها النفسي المخادع، لتصنع شعبا مخدوعا بمشاريع وهمية
وخيرات لا تأتي أبدا.
ومن نتائج بث الاوهام بين عموم الناس، أنها تساعد على صنع ثقافة
القطيع، حيث الانقياد الاعمى للطاغية وأذنابه، من دون التفكير بالواقع
التعيس الذي يعيشه الشعب، بسبب الاوهام المبثوثة من لدن الاعلام
والوسائل المتاحة، حيث يبقى الشعب بانتظار الغيث الذي لا ينزل، ولكن
يبقى المفعول المخدر للاوهام فاعلا بقوة.
ومن اخطر نتائج هذا الاسلوب الذي يلجأ إليه الطغاة وأعوانهم في
الغالب، هو إطفاء جذوة التغيير التي قد تشتعل هنا او هناك، بسبب تعاسة
الواقع، ولعل ثقافة القطيع هي السبب الاول، الذي يجعل من الجميع
مخدوعين بالحاكم، واقواله وتصريحاته التي يؤمِّل فيها الشعب، بالخيرات
القادمة لصناعة واقع أفضل، بيد أن هذه الخيرات تبقى طي الغياب، لأنها
تنتمي الى الاوهام، التي تصنعها الحكومات المستبدة، والحكام الفاشلون
في كل شيء، إلا في محاربة شعوبهم بالخداع والاوهام، ونشر ثقافة القطيع
بينهم.
مسؤولية النخب المثقفة وغيرها كشف هذه الاساليب، وفضح الحكام أمام
الملأ وتعرية الاوهام، ووضعها أمام مرآة الحقيقة، لهذا يخشى الحكام
أنشطة وأفكار المثقفين دائما، لأنها تعري الحكومات والحكام، وتكشف
أساليبها وتفضح صناعة الاوهام، وتكشفها على حقيقتها، وهو أمر لا يحبذه
الحكام الطغاة، ولا المستفيدون منهم بطبيعة الحال، لهذا غالبا ما ينشأ
الصراع بين المثقف والثقافة من جهة، والحاكم وبطانته ومساعديه المقربين
من جهة اخرى.
الاوهام بدورها تفعل فعلها بين عموم الشعب، فالانسان الذي يعاني من
الحرمان عقودا متواصلة، ولا يستطيع أن يغيّر واقع الحال لاسباب عدة،
منها البطش والتكميم والاقصاء وما شابه، سوف يكون مستعدا للتعامل مع
اوهام الطغاة، المهيّأة لخداع الشعب، بمعني سيتقبل هذه الاوهام على
أنها حقائق، مع أنها لا تتجسد في الواقع قط، ولكنه يقبلها ويتعامل معها
لأنها الحل الوحيد أمام بطش السلطان ووحشيته.
وتؤدي الاوهام المخادعة، الى نشر حالة من القبول الجماعي للخداع
الحكومي، حيث ينتقل الرضا والخنوع، من فرد الى آخر، ومن جماعة الى
أخرى، بفعل ثقافة القطيع التي تحدث بدورها كنتيجة لصناعة الاوهام.
هذا ما حدث على مر العقود والسنوات، في بقاع الشرق الاوسط وشعوبه،
لذا كانت الحصيلة شعوبا مخدوعة، وطغاة يتقنون صناعة الاوهام والبطش
معا، وهو أمر يستطيع الباحثون المتخصصون ملاحظته بسهولة ووضوح، فالحاكم
الأعلى يظهر على التلفاز هو أو الناطق باسمه، ليعلن على الملأ سلسلة من
القرارات التي تصب في صالح الشعب، لكنها تبقى حبرا على ورق، لا ينفذ
منها سوى الوهم الذي يفعل فعله في نفوس الناس الفقراء المحرومين، هؤلاء
سيعيشون أيامهم راضون بالوهم، على أنه حل لابد منه، مع أنه يضاعف مرارة
الحرمان والجوع والتخلف.
وحين يظهر المثقف الواعي الشجاع، مفكرا كان او مصلحا او عالما أو
فنانا او خطيبا او غيره، ويضع النقاط على الحروف ويدفع بالشعب الى رؤية
الحقائق كما هي، ويرفع عن ابصاره وبصيرته ضبابية الوهم، عند ذاك يدرك
الطاغية ومعاونوه والمستفيدون منه، خطر هؤلاء الذين يحاولون تنوير
الشعب، فيكون الاغتيال والقتل والنفي والتشريد وما الى ذلك من نصيبهم،
ولكن غالبا ما يفوت هؤلاء الطغاة، أن ما يستند الى الوهم يبقى وهم طال
المدى أم قصر، لهذا تتساقط العروش عندما يعي الشعب حقوقه، وعندما تسقط
اوهام الطغاة، ويذوب خداعهم بفعل الوعي الذي يأخذ بالانتشار رويدا شاء
الطاغية أم أبى.
ثم تتساقط العروش وهذا ما حدث على مر التاريخ، بل واقع الشرق الاوسط
الراهن، يعيش تساقط عروش الطغاة تباعا، لهذا لابد من فهم أساليب
الحكام، وفضح أساليبهم في صناعة الاوهام، والاستعداد الدائم من لدن
الشعوب، والنخب خاصة، لتقديم ما يلزم من التضحيات لإطاحة عروش الطغاة
واذنابهم. |