هللويا... التسبيح لآله المتخاصمين

حيدر الجراح

  

شبكة النبأ: كثيرا ما تتردد في الأفلام الأمريكية عبارة الشرطي السيء والشرطي الصالح.. الشرطي السيئ يستفز المشتبه به ويحاصره ويلوّح امامه بقبضته.. الشرطي الصالح يقدم للمشتبه به قدحا من القهوة وسيكارة ويخاطبه بلطف زائد عن اللزوم.

الاثنان يسلكان طريقان مختلفان.. الا انهما يقودان في النهاية الى نتيجة واحدة انتزاع الاعتراف من المشتبه به ترغيبا او ترهيبا. في أفلام أخرى اشارة من نوع مختلف.. المجرم الذي تمت محاكمته وتمت ادانته يضع جائزة بمليون دولار لمن يتمكن من تهريبه... من خلال بث رسالته عبر وسائل الاعلام التي تغطي تلك المحاكمة.

وهو شيء من الامور العادية التي تفوم بها تلك الوسائل في امريكا للحصول على تغطيات صحفية خاصة او سبق اعلامي او ما شابه ذلك.. العصابات الموجودة في تلك المدينة ومدن اخرى تتفق على تهريب المجرم للفوز بالجائزة.

انها تنسى خلافاتها وثاراتها وصراعات نفوذها المناطقية من اجل الحصول على الجائزة الموعودة.. وكثيرا ما تتعاون في ما بينها من خلال تقسيمات العمل التي تقتضيها مثل تلك المغامرة الجسورة.

بالعودة الى الاشارة الاولى، كثيرا ما اشاهد هذه الثنائية في تعامل الناس مع بعضهم البعض وخاصة اذا كان العمل يستدعي وجود شخصين للقيام به.. مثل بائعان في محل تجاري، احدهما يرفع من سعر السلعة والثاني يخفّضها للزبون لاخراج ما بجيبه من مال ثمنا لتلك السلعة.

في سوق الهرج لبيع المواد المستعملة تسمى تلك العملية ب (التقفيص) نسبة الى (القفيص) الذي يربط الانابيب وغيرها والذي تضيق حلقتها عليه، الزبون المتضرر من شراء سلعة لا تستحق الثمن المدفوع لاجلها يطلق عليه (مضروب بوري) ثم تطور المصطلح الى (بوري ابو الطوّاطة) وهي اشارة فيها الكثير من الايحاءات الجنسية.

لا تقتصر هذه الثنائية في العمل على القطاع الخاص بل هي موجودة في بعض القطاعات الحكومية وخاصة فيما يتعلق باستحصال الضرائب الحكومية المفروضة على المحلات التجارية او استحصال ايجارات المحلات المملوكة للدولة.

هناك موظفان يقومان بهذه العملية احدهما يمثل الموظف الذي يمكن التفاهم معه حول تخفيض المبلغ المقرر، والثاني يمثل الموظف الصعب المراس والذي يتحدث بلغة التعليمات واللوائح والقوانين.

ليس بالضرورة ان يكون الموظفان من مذهب واحد، المهم ان يكونا متفقان على انتزاع حصتهما من هذا المشوار... كنت شاهدا على احدى الحالات قيما يتعلق بالاشارة الاولى التي ذكرتها، كان الموظف الاول من طائفة معينة والثاني من طائفة اخرى.

الاول يريد تحرير وصل باستلام المبلغ المالي الذي حدده هذا العام، وهو نفس المبلغ للعام الماضي.. الثاني يرفض ذلك ويريد زيادة المبلغ حسب اللوائح الضريبية.. تجري نقاشات مازحة بين الاثنين حول الحكومة وحول المناصب وتوزيعها وحول المظلومية وغيرها.. في النهاية يوافق الموظف الثاني على ما أراده الاول ويحرران وصلا بالمبلغ المالي القديم وتذهب الزيادة التي كان من المقرر ان تكون من حصة خزينة الحكومة اليهما.

عودة الى الاشارة الثانية وهذه المرة تتعلق بهروب السجناء المتكرر من سجون الحكومة العراقية والتي كثيرا ما طرحت اسئلة تبقى بدون اجابة حتى هروب جديد... السجناء يكونون من مذاهب معينة والسجانين كذلك.. تهريب السجناء لا يخضع للاختلاف او الاتفاق المذهبي.. فمن يكون سجانا من هذا المذهب يقوم بتهريب سجين من المذهب الثاني والعكس صحيح ايضا. ما الذي يجعل هؤلاء المتناحرين في قمة الهرم وحتى ادناه متفقين في كثير من المواقف؟

انه المال، المعبود والاله الجديد بجميع الوانه وتجلياته في العراق الجديد... لا الاختلاف المذهبي ولا الاختلاف الايديولوجي ولا الاختلاف السياسي الاني يستطيع ان يفرق بين المتحابين في المال، هذا الاله الخدوم  الذي تنحني له الجباه والقامات وتسبّح له الالسن والافئدة اناء الليل والنهار... هللويا.. اللويا.. تسبيحا وحمدا كثيرا بجميع لغات الارض.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 6/تشرين الأول/2011 - 8/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م