النظام السعودي وبداية التصدع الكبير

كتب المحلل السياسي

 

شبكة النبأ: تتصاعد الأصوات داخل المملكة العربية السعودية يوما بعد آخر من أجل تغيير النظام السياسي وهناك تساؤلات عن إمكانية صمود النظام الملكي السعودي في وجه رياح الربيع العربي  فالسعودية تقود النُّظم الملكية الأخرى في المنطقة في الهجوم المضاد للتغيير السياسي. فقد دعموا الديكتاتورين في كل من تونس ومصر حتى الدقيقة الأخيرة، وقدَّموا مبلغ 1.4 مليار دولار أمريكي كمساعدة للأردنيين، ووافقوا على ضم الأردن والمغرب إلى مجلس التعاون الخليجي. ومع دول الخليج الأخرى، أرسلت السعودية قواتها إلى البحرين لقمع حركة الاحتجاجات.

ويقول محللون سياسيون في صحيفة الغارديان من الحماقة أن تخيل السعودية يمكنها أن تحصِّن نفسها ضد التغيير السياسي الذي أطاح بثلاثة ديكتاتوريين، ولكن هذا ما تحاول هي حقيقة فعله.

إلى الافتراض بأن السعودية ستكون إحدى البلدان العربية التي ستتأثر بلا شك بما شهدته وتشهده جارتها الجنوبية اليمن من أحداث، ومنها عودة صالح ومقتل العولقي.

لقد قام الملك عبد الله، البالغ من العمر 87 عاما، بخطوتين هذا الأسبوع لتقديم وجه أكثر ليبرالية فقد أبطل حكما بجلد امرأة 10 جلدات لقيادتها السيارة، وأصدر أمرا ملكيا يقضي بالسَّماح للمرأة بالمشاركة بانتخابات المجالس (الشورى والبلدية) في عام 2015.

إلاَّ أنَّ خبراء يرون أن أيَّا من القرارين المذكورين لن يترك من أثر أكثر من كونهما "تموُّجات على السطح"، لطالما كانت نصف مقاعد مجلس الشورى فقط تُشغل عن طريق الانتخابات، وأن لا سلطة حقيقة لمجلس الشورى وللمجالس البلدية في اللملكة، إذ أن كافة المناصب الهامَّة في المناطق يشغلها أفراد من الأسرة المالكة.

ورغم التحدي الأكبر للسعوديين خلال الفترة المقبلة سوف يكون النفوذ المتصاعد لتركيا في المنطقة، إلاَّ أن نقطة ضعف المملكة تظل في داخلها. ويعتقد محللون سياسيون بان السعوديين، سواء أكانوا نساء يقدن السيارات، أو أي شخص آخر يتوق للمزيد من الحرية، هم جزء لا يتجزَّأ من المنطقة، وهم يراقبون عن كثب ما يجري من حولهم.

ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا حول دور السعودية في مواجهة موجة الثورات التي تجتاح العالم العربي، جاء فيه "تستعرض المملكة العربية السعودية قوتها المالية والدبلوماسية عبر الشرق الأوسط في محاولة واسعة النطاق لاحتواء مد التغيير، وحماية الممالك الأخرى في المنطقة من السخط الشعبي وتجنب الإطاحة بأي من الزعماء الذين يحاولون تهدئة بلدانهم المضطربة.. من مصر، حيث خصصت السعودية 4 مليارات دولار لتقوية المجلس العسكري الحاكم، إلى اليمن، حيث تحاول المساعدة في تنحية الرئيس صالح، إلى مملكتي الأردن والمغرب، اللتين دعتهما إلى الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي بصفته ناديا للممالك الخليجية، تسعى السعودية لمنع حدوث تغيير أكثر راديكالية ومنع انتشار النفوذ الإيراني".

وتؤكد السعودية بشدة على الاستقرار النسبي للممالك، وذلك ضمن جهودها الرامية لتجنب أي تغير جذري عن النموذج الاستبدادي، الذي يمكن أن يثير أسئلة صعبة حول وتيرة التغيير السياسي والاجتماعي في الداخل السعودي.

مقترح السعودية لضم الأردن والمغرب إلى مجلس التعاون الخليجي المؤلف من ست دول- والذي سمح للسعوديين بإرسال قواتها لقمع تمرد كبير في مملكة البحرين - يهدف لخلق "ناد للملوك". يقول محللون إن الفكرة هي إرسال رسالة إلى إيران أن الملوك العرب سيدافعون عن مصالحهم.

تناقض

في وقت سمحت الرياض لطائرة الرئيس التونسي الهارب زين العابدين بن علي بالهبوط في مطار الرياض في 14 كانون الثاني (يناير) الماضي، وتجاهلت طلب الحكومة "الثورية" التونسية بتسليمه. كما أن هناك شكوكا بأن المملكة تمنح المال سرا لجماعات متطرفة من أجل منع التغيير. وينكر المسؤولون السعوديون ذلك، على الرغم من أنهم يقرون باحتمالية تدفق الأموال الخاصة.

وقامت بتقديم مساعدات لمصر بقيمة أربعة مليارات دولار لدعم مجلسها العسكري، الذي حل محل الرئيس المخلوع حسني مبارك، وهناك أيضا في القاهرة من يتحدث عن دور للمملكة على هيئة ضغوط، حتى أن بعض الإسلاميين رفعوا العلم السعودي في إحدى المظاهرات بالقاهرة.

وفي حين دعمت السعودية قرار الجامعة العربية ومجلس الأمن بالتدخل للإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي في ليبيا، دفعت بقوات درع الجزيرة السعودي في محاولة لقمع المتظاهرين في البحرين.

كما أن الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي صرح بأن المملكة السعودية لا تقبل بما يحدث في سورية، مؤكداً على ضرورة الإصلاح السريع وأمر بسحب السفير السعودي لدى دمشق، لم يتردد في مواجهة التظاهرات التي شهدتها المنطقة الشرقية التي طالبت بالإفراج عن بعض سجناء الرأي وأعلنت تضامنها مع الشعب البحريني.

وشهدت منطقة القطيف في المملكة تظاهرات واسعة منذ شباط (فبراير) الماضي، واجهتها القوات السعودية بالغازات المسيلة للدموع والقنابل الصوتية. واعتقلت الأجهزة الأمنية قرابة 200 شخص على خلفية التظاهرات السلمية التي شهدتها المنطقة، ولا زال أكثر من 40 شخصاً معتقلين في السجون السعودية.

وبالرغم من أن السعودية تمنع كل أنواع الاحتجاج، إلا أنها دعمت مسيرات الجالية السورية التي خرجت في منطقة الرياض وطالبت بإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد.

ويصف محللون، المواقف السعودية والخليجية تجاه الثورات العربية أو ما يسمى بـ"الربيع العربي" بالمتناقضة.

ويقول خبراء إن ازدواجية المواقف السعودية متأتية من حرصها على منع مزيد من التغييرات المفاجئة والحد من النفوذ الإيراني في المنطقة. ويرى آخرون في مواقف الرياض، محاولة منع أي تغيير في المنطقة قد يعود بالضرر على  "الاستقرار النسبي" في المملكة، ولأنها تخشى من أن التغييرات سوف تساعد على بروز أسئلة محرجة للنظام بالسعودية حول المسارين السياسي والاجتماعي بالمملكة.

ووصفت صحيفة "نيويوك تايمز" محاولة السعودية ضم الأردن والمغرب لمجلس التعاون الخليجي بأنها لتأسيس "نادي الممالك العربية".  وأوردت الصحيفة تعليقا للأمير الوليد بن طلال آل سعود قال فيه: "إننا نريد أن نوضح رسالة مفادها أن ما يحدث لا يحدث في الممالك. نحن لا نحاول أن نشق طريقنا بالقوة إلا أننا نعمل على ضمان مصالحنا"، في إشارة منه إلى أن ما يحكم المواقف السعودية من "الربيع العربي" هو مصالح المملكة فقط.

ويلاحظ مراقبون القلق الواضح في تصرفات السلطات السعودية من وصول التيارات الإسلامية إلى مراكز السلطة في بلدان "الربيع العربي".

ويرى آخرون بأن تلك المخاوف نابعة من توسع النفوذ التركي المستند إلى التطبيق العلماني للإسلام. في حين يقول فريق ثالث، إن القلق السعودي من الثورات الشعبية في الدول العربية نابع من تقارب أهداف هذه الثورات مما يوصف بأنه تيار "المقاومة" في المنطقة.

ولم تكن السعودية بمعزل عما يدور في المحيط العربي من ثورات عصفت برؤسائها رغم مساعيها الرامية الى لملمة شتات بيتها الداخلي وتنأية خلافاتها على وراثة كرسي الحكم بين افراد الاسرة الحاكمة جانبا .. فالاصلاحات المتأخرة التي اعلنها ملكها عبد الله بن عبد العزيز المتمثلة بمشاركة المرأة في عضوية مجلس الشورى والمجالس البلدية ترشيحا واقتراعا اعتبارا من الدورات المقبلة , لم تصلح ما افسدته سياسته السابقة طوال الاعوام الماضية المتمثلة

وداخليا تصاعد الخلاف بين الملك عبد الله واشقائه وابناء اشقائه والتي دائما ما تحرص المملكة على التكتم عليها  كما تفرز حقيقة اخرى وهي ان السعودية لم تستفد من دروس الماضي لترتيب نفسها لمستقبل متغير وجديد بعدما اصبحت الشعوب المتحررة اكثر وعيا واكثر قدرة على التفاعل مع المتغيرات كونها بدت قادرة على التصرف بشكل ايجابي بما يحقق مكاسبها الوطنية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 5/تشرين الأول/2011 - 7/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م