تبقى حكومات الدول بكل أشكالها سواء النامية أو الفقيرة أو العظمى
تحت احتمالية الانهيار، خصوصا التي تعاني من مشاكل متعددة وتستمر دون
وجود حلول حقيقية وجذرية فتتجه تدريجيا نحو الانهيار والتفكك كما حدث
مع الاتحاد السوفيتي الذي تأسس على أعقاب الإمبراطورية الروسية في 30
من ديسمبر عام1922م لينهار في 26 من الشهر نفسه عام1991م أو كما يحدث
اليوم وبشكل تتابعي لدول عديدة في المنطقة العربية.
وفي هذا الجانب نحاول تسليط الضوء على الوضع العراقي، لنرى أسباب
التأرجح الذي يعيشه خصوصا بعد التغيير السياسي عام 2003 وإمكانية بناء
دولة عصرية أو انهيار البناء الحالي وتغيير الخارطة السياسية بالكامل.
حيث أشار التقرير الأخير الذي أصدرته مجموعة الأزمات الدولية بخصوص
العراق، والذي جاء فيه (....إن الدولة العراقية المؤسسة بعد الغزو
الأميركي عام 2003 استندت على مؤسسات ضعيفة تشجع الفساد ما يمكن أن
يهدد الاستقرار في البلاد..).
وأضافت المجموعة التي تتخذ من بروكسل مقراً لها أن (شلل الدولة ساهم
في انتشار عناصر إجرامية ومصالح خاصة في الإدارة)، مشيرة إلى أن (المؤسسات
التي أقيمت بموجب دستور عام 2005 للإشراف على عمل الحكومة كديوان
الرقابة المالية وهيئة النزاهة وهيئة التفتيش والبرلمان والمحاكم كانت
عاجزة عن إثبات نفسها في مواجهة تدخلات الحكومة وتصلبها ومناوراتها).
واستنادا الى ما أظهره هذا التقرير وغيره من الأمور المعاشة
والظاهرة للعيان والناتجة من البحث والتدقيق يمكن بيان مجموعة من
الأسباب التي أنتجت ودفعت بمثل هذا الوضع القلق للبناء الحكومي الجديد
في العراق والتي تنبأ بوضع هش ومسار قلق حيث يمكن إجمالها في:
1- فقدان إلاستراتيجية؛ في العمل الحكومي خصوصا والسياسي عموما
وغياب الإدارة الشاملة والواضحة لقيادة البلاد ضمن الأطر العلمية،
مستمدة من حقائق ومجسات تخص الوضع العراقي ماضيا وحاضرا وما يتطلبه
مستقبلا، وعدم أخذه بنظر الاعتبار الحاجات الضرورية والملحة لأبناء
البلد ومواطنيه والهفوات التي رافقت الحكومات السابقة منذ تأسيس الدولة
العراقية في 1921م الى الدورة البرلمانية السابقة.
2- تعدد القيادات وتداخل الصلاحيات؛ خصوصا السياسية والأمنية منها
حيث تتعدد مسؤولية مجموعة من الأطراف عن نفس القضية دون وجود اطر عامة
للعمل والتنسيق الخاص بكل جانب، إضافة الى عدم معرفة بعض القيادات حدود
صلاحياتها الدستورية وتجاوزها بشكل غير قانوني على صلاحيات ومساحات
لقيادات أخرى.
3- إخطبوط الفساد المالي والإداري والسياسي؛ والذي يبلغ ذروته بوجود
حماية حزبية وسياسية ومبالغ كبيرة دون رقابة فعالة أو شفافية مالية أو
حسابات ختامية لحكومات متكررة وفي هذا الجانب يشير المرجع الديني
الراحل الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي، بكتابه (إذا قام الإسلام
في العراق)، (إن الفساد الإداري يحصل بالرشوة وتقديم المحسوبية
والمنسوبية وتأخير أعمال الناس إلى غد وبعد غد، بما يتضمن ذلك من تلف
العمر والمال.. وأخيرا يوجب التضجر العام وكثيرا ما ينتهي إلى حصول
حالة التذمر لدى الناس والخروج ضد حكوماتهم مما قد ينتهي بسقوطها).
4- تعطيل الدستور بشكل شبه تام و تداخل التشريعات بين الوضع
الديمقراطي الفدرالي وقوانين سابقة لمركزية مفرطة بحيث تؤدي تلك
التداخلات الى وضع فوضوي لا يكاد يميز بين وجود الدولة من عدمها، فلا
يعرف المسؤول بأي القوانين يعمل وضمن أي الحدود يتفاعل.
5- الضغط المستمر باتجاه السيطرة على السلطة القضائية ومحاولة
تسخيرها ضمن اطر حزبية وسياسية خاصة، وجعله سلطة تابعة للجهة التنفيذية
بما يوجب فقدان ثقة المواطن بها بشكل تام وإلغاء أهم ركن من أركان
الدولة المدنية.
6- الاختراق الاستخباراتي الواضح لمخابرات دول مجاورة وإقليمية
وافتعالها الأزمات الأمنية والسياسية بين الفترة والأخرى بشكل يربك
الوضع السياسي والاجتماعي.
7- تصاعد حدة المطالب الشعبية بين الحين والآخر قبال ضعف التلبية
الحكومية لأبسط تلك المطالب مما قد ينبأ بسخط شعبي نتيجة التذمر الكبير
و الفشل الواضح في تنفيذ المشاريع والوعود الانتخابية التي أطلقتها
اغلب الكتل الحاكمة حاليا.
8- استمرار أزمات الطاقة الكهربائية والوقود والبطاقة الغذائية في
البلاد مضافا لها حالة الحرائق التي استهدفت العديد من الأسواق الكبيرة
في البلاد بشكل ضربت فيه باتجاه العصب الاقتصادي، حيث يشكل الاقتصاد
المريض، عبئا على الجميع، بسبب عشوائيته وعدم التخطيط السليم له، لأن
الحكومة منشغلة بمصالحها قبل أي شيء آخر، لذلك لم تنتبه ولم تلاحظ، بل
لا تهتم بالتضخم الإداري، ولا تعنيها البطالة المقنعة، التي تنخر
بأوصال الشعب.
إذن فحين تغيب العدالة، ويستشري الفساد بين أوصال الحكومة وتتلاشي
فرص الإصلاح، ويضعف القضاء، ويتراجع الشعب عن ثقته بالقيادات فعند ذاك
ستكون مقدمات الانهيار قد بدأت تلوح فعلا ولا يهم حينئذ عمر هذه
الحكومات سواء كانت تعود لقرون أم حديثة الولادة فالنتائج ستكون واحدة
لان المسار الخاطئ لا يؤدي إلا الى النتيجة الخاطئة.
وهنا يؤكد الامام الشيرازي في نفس الكتاب الذي اشرنا اليه سابقا
بهذا الصدد:
(إن عدم العدالة وغياب المساواة في موردها من أشد أنواع الظلم، فإن
الظلم قد يكون ظلما للنفس وقد يكون ظلما للغير، وهذا الثاني أشدهما
حرمة ونكالا....... وفي الأنظمة الديمقراطية فإنها تعتمد على الاستشارة
والانتخاب فيكون إطلاق الشعارات خارج الاستشارة إطلاق عبثي يحاسب
الحاكم عليه من قبل المؤسسات الدستورية والأحزاب المعارضة والصحافة
الحرة وفي أنظمتها يكثر العمل ويقل الكلام وتتقدم البلاد دون حدوث ضجة
وجعجعة فارغة وتطبيل أجوف.... وعكس ذلك فالنهاية معروفة سلفا).
* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com/index.htm |