سلفيو سوريا ومسعى تأجيج الحرب الأهلية

متابعة: علي الطالقاني

 

شبكة النبأ: يراود السوريون مخاوف من احتمال انزلاق بلدهم إلى أتون حرب أهلية فيما أشارت تقارير إلى أن مئات من الجنود المنشقين يقاتلون قوات الرئيس بشار الأسد في أول مواجهة كبيرة من نوعها ضد النظام الحاكم.

ومع التفاقم المحتمل لموجة العنف، اضطرت بريطانيا وحليفاتها في الاتحاد الأوروبي إلى التخلي عن مطالبة الأمم المتحدة بفرض عقوبات فورية على سوريا بعد أن أخفقت القوى الكبرى بمجلس الأمن الدولي في الاتفاق على تبني مسار مناسب للتعامل مع النظام السوري.

وبعد أن وزعت بريطانيا وفرنسا وألمانيا والبرتغال مسودة قرار لمجلس الأمن بلهجة مخففة يدين نظام حزب البعث في دمشق ويطالب بفرض عقوبات فورية ضده، اضطروا للتخلي عنه بسبب معارضة روسيا والصين.

وانتقد الناشط السوري وسام طريف –المدير التنفيذي لمنظمة "إنسان" الحقوقية- مسودة القرار المقترح واصفا إياها بأنها "غير ذات جدوى أساسا"، وأنها جاءت "ضعيفة الصياغة جدا" كما أنها "لم تأت على ذكر المحكمة الجنائية الدولية ولا على حظر للسلاح".

وتأتي هذه التطورات في وقت يستمر فيه القتال العنيف في مدينة الرستن -إحدى معاقل المعارضة بوسط سوريا- التي صارت ملاذا للجنود المنشقين عن الجيش.

وقال نشطاء إن ما لا يقل عن ألف جندي سابق ومواطنين مسلحين منخرطون في قتال قوات الأمن التي تفرض حصارا على المدينة بدعم من الدبابات والمروحيات الحربية. وطبقا لمنظمة "آفاز" الناشطة في مجال حقوق الإنسان والتي تتخذ من نيويورك مقرا، فإن النظام السوري نشر طائرات حربية لقصف مدينة الرستن، وهي مزاعم رددتها منظمتان حقوقيتان على الأقل.

وقالت منظمة ثالثة إن الطائرات الحربية ألقت غازات سامة على المدينة، غير أن محللين سياسيين يرون استحالة التأكد من مدى صحة تلك المزاعم.

وذكر كبير الباحثين بمنظمة هيومن رايتس ووتش في بيروت نديم حوري أنه إذا ثبتت صحة التقارير بشأن تحليق الطائرات الحربية فوق سماء الرستن فإن ذلك من شأنه أن يزيد المخاوف من انزلاق سوريا إلى صراع على النمط اللبناني والذي قد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بدرجة خطيرة.

فيما توقع خبراء في صحيفة تايمز إن جماعة سورية معارضة ترى أن ستة أشهر من المظاهرات السلمية ورد نظام بشار الأسد عليها، جعلها مستعدة لحمل السلاح.

وقال زعيم جماعة "المؤمنون يشاركون" السلفية لؤي الزعبي إن "غياب مساعدة دولية للسوريين كما كان الأمر لليبيا، لم يترك للسوريين خيارا آخر". وفي حوار من الصحيفة قال الزعبي "نقترب من حمل السلاح، وغياب المساعدة الدولية سيؤدي إلى مقتل أعداد كبيرة، وستحدث مجازر في سوريا، ولهذا نعمل من أجل توفير السلاح، ونأمل أن تستقبل الأطراف الدولية الرسالة وتساعدنا بالسلاح فورا".

فالزعبي لا يواجه مشكلة في استخدام السلاح فهو حارب السوفيات في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، وعاش في السودان قبل أن يتوجه إلى البوسنة عام 1995، وسجن ست سنوات في سوريا.

وأضافت أنه يرفض اتهامات نظام الأسد للمتظاهرين بأنهم إرهابيون مسلحون وقال "نعم، كنت في أفغانستان والبوسنة وهذا يعني أنني متهم بكوني متشددا، ونظام الأسد يريد إخافة الغرب بأننا نريد السيطرة على سوريا، وهذا ليس صحيحا.. نريد مشاركة السلطة مع الجميع: الدروز والعلويين والشيعة والسنة والأكراد والمسيحيين، وما يقوله النظام ليس صحيحا".

فيما تقول معلومات إن السلاح يتم بالفعل تهريبه من لبنان والعراق، ومؤخرا وقعت مواجهات مسلحة بين الجنود النظاميين وجنود منشقين. وفي الرستن استمرت المواجهات المسلحة أمس لليوم الثالث على التوالي بين القوات الحكومية ومسلحي الجيش السوري الحر، وهم جنود منشقون انضموا إلى المعارضة التي قالت إن 41 شخصا قتلوا في الرستن في الأيام الثلاثة الماضية.

وقال الزعبي إنه لا توجد حتى الآن فتوى تبيح للمدنيين استخدام السلاح ضد النظام، و"لكننا أفتينا للجنود المنشقين باستخدام السلاح لحماية المدنيين".

وفي مرحلة مابعد الثورة توقع محللون سياسيون بعد إن حمل  الناشطين شعارات إسلامية في تجمعات الثورات العربية يوشكون على الوصول إلى واقع جديد بعد انطلاق حوارات غير مسبوقة بشأن طابع السياسة المستقبلية والعوامل التي تساعد على بنائها. لكن قلة فقط يتساءلون عن نجاح الإسلاميين في الانتخابات القادمة، ولكن قدومهم من صراعات سابقة وبعضها دموي مع حكومات علمانية، يجعلهم يواجهون مسألة تطبيق القوانين الإسلامية في مجتمعات أكثر انفتاحا وذات حاجات ملحة. ففي تركيا وتونس ترفض الأحزاب المحافظة القائمة على مبادئ إسلامية اسم "إسلاميين" لمصلحة ما تراه رؤية أكثر ديمقراطية وتسامحا.

وفي مصر بدأ تيار يندفع داخل الإخوان المسلمين متأثرا بالنموذج التركي الذي يستهوي عددا متزايدا من السياسيين والأحزاب، ففي تركيا نما حزب ذو جذور إسلامية وسط نظام علماني متشدد، كما أن البعض يؤكدون أن النظام الملكي المطلق في المملكة العربية السعودية يخالف الشريعة الإسلامية في الواقع.

وقال خبراء في صحيفة نيويورك تايمز إن مناقشات عميقة في المنطقة بين من يعتقدون أن التنافس القادم لن يكون بين الإسلاميين والعلمانيين، بل بين الإسلاميين أنفسهم.

ويقول عزام التميمي كاتب سيرة الإسلامي التونسي راشد الغنوشي الذي يتوقع أن يكتسح حزبه "النهضة" انتخابات هذا الشهر في تونس "هذا هو صراع المستقبل، صراع المستقبل سيتركز على القدرة على تلبية حاجات الشعب، وسيكون بين من هو إسلامي ومن هو إسلامي أكثر، بدلا من أن يكون بين العلمانيين والإسلاميين".

وتعد هذه الاحداث لحظة مثيرة في العالم العربي الذي تنهار أنظمته الاستبدادية فجأة وتبدأ أحزابه في بناء نظام جديد، بدءا من انتخابات تونس هذا الشهر، ثم مصر في نوفمبر/تشرين الثاني، وفي ليبيا محاولات لبناء دولة من الصفر تقريبا وفي سوريا سعي لتشكيل بديل للدكتاتورية.

ومحور المناقشات يجري بين قيادات جديدة من السياسيين الذين انطلقوا من أوساط إسلامية ولكنها تقبل دولة علمانية، وهو تيار يعرفه البعض بأنه "تيار ما بعد الإسلاميين". ويجد نموذجه في رجب طيب أردوغان رئيس حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء في تركيا، ويتحدث مثقفو هذا التيار عن تجربة وتراث مشتركين مع بعض الشباب في جماعة الإخوان المسلمين في مصر وحزب النهضة في تونس.

ويقول الصحفي جنكيز جندار وهو كاتب أعمدة تركي إن هذه الأحزاب تملك قواسم مشتركة، كما أن راشد الغنوشي اقترح مشروعا نجح فيه أردوغان وهو: دولة ديمقراطية غنية يقودها حزب إسلامي الجذور.

وهذا المفهوم لا يجري في تونس فقط، ففي ليبيا يذكر علي الصلابي وهو من بين أبرز الإسلاميين أن للغنوشي تأثيرا بارزا، وفي مصر فإن عبد المنعم أبو الفتوح وهو عضو سابق في الإخوان المسلمين ويسعى للترشح لرئاسة مصر، انضم إلى سياسيين منشقين يرون أن الدولة يجب أن تتجنب تفسير أو تطبيق الشريعة الإسلامية، ومنع أي شخص من الترشح للرئاسة على أساس الجنس أو الدين.

وفي مثال للتقريب فهناك حزب الوسط الذي صارع نظام مبارك 16 سنة من أجل الحصول على الاعتماد وقالت إنه يمكن أن يجسد مرحلة ما بعد الإسلاميين، وزعيمه أبو العلا ماضي حاول كثيرا التوسط بين الإسلاميين والليبراليين لا يحب مصطلح "الإسلاميين" تماما مثل حزب النهضة في تونس، ويرى نفسه الحزب المكافئ لحزب العدالة والتنمية التركي في مصر، فيقول "لسنا علمانيين ولسنا إسلاميين ولكننا بين ذلك".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 4/تشرين الأول/2011 - 6/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م