لماذا تأخر المسلمون عن مواكبة العصر الراهن؟

رؤى من فكر الامام الشيرازي

شبكة النبأ: المسلمون تأخّروا عن اللحاق بالركب العالمي، هذه حقيقة لا يصحّ نكرانها او غض الطرف عنها أو حتى تبريرها، فالاعتراف بالحقيقة هو الطريق الأقصر للتصحيح، والاعتراف بالخطأ فضيلة، والسبب، لأن هذا الاعتراف يؤدي الى معرفة أسباب الوقوع في الخطأ، ومن ثم البحث عن سبل المعالجة بعلمية تامة.

الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) دأب على تأشير أسباب تأخر المسلمين عن مواكبة العصر، وثبّت ذلك في متون كتبه الكثيرة ومنها على سبيل المثال، كتابه القيّم (فلسفة التأخر)، وكذلك في كتابه الذي نقتبس منه مايدعم موضوعنا هذا، والذي يحمل عنوان (من أسباب ضعف المسلمين).

إن ضعف المسلمين واقع لا يمكن رفضه، لأن الرفض يعني القبول بما نحن عليه، وهو أمر لايقبله العقل ولا تستسيغه البصيرة، فالضعف واضح للعيان، حيث ينتشر في مفاصل المجتمع الاسلامي والدول التي تتخذ من الاسلام دينا رسميا لها، أما الاسباب فهي كثيرة وواضحة ايضا، لكن جهل القادة السياسيين وإيغالهم المستميت في اكتناز المال، والثروات، وتحصين السلطة، وإكبار الجاه بوسائل القوة والبطش ضد شعوبهم، هو رأس الافعى الذي ينبغي قطعه، من اجل التمهيد لبناء مجتمع اسلامي معاصر، يواكب العصر مستندا الى التعاليم الاسلامية الخلاقة.

الطغاة وتجهيل الشعوب

وهكذا يتضح دور الحكام بأوضح وأبشع الصور، حيث القمع والتجهيل المتعمد للشعب، من أجل تمرير الاهداف الخبيثة التي تصب في صالح العائلة المالكة والبطانة، على حساب الشرائح الشعبية الاوسع، إذ مع قلة الوعي تسود القوة، ويستفحل الطغيان، وتتحقق مآرب الحكام ومخططاتهم، ولكن على حساب الفقراء والضعفاء الذين تم تجهيلهم بتخطيط مسبق.

في هذا الصدد، يقول الامام الشيرازي بكتابه القيّم (من اسباب ضعف المسلمين): (إن ما نشاهده اليوم من حالة ضعف المسلمين هو نتيجة أمور عديدة، من أهمها ما سببه الحكام الطغاة، غير الشرعيين، على مر التاريخ من الأوائل والأواسط والأواخر، فإنهم من وراء حالة ضعف المسلمين التي نشاهده ونلمس آثاره حتى اليوم، فان الضعف السابق والوسط واللاحق يسبب ضعف المستقبل أيضاً كما هو في صحة الإنسان فان الإنسان الذي لا يراعي صحته في صغره لابد وأن يكون في كبره معرضاً للآفات والأسقام وما أشبه وهناك العديد من القصص التاريخية التي تدل على ما ذكر).

هنا يتأكد لنا أن المجتمع يشبه الكائن الحي، يمكن أن يمرض ويعتّل ويضمر، أو العكس، فحين يتعافى يمكنه الانتاج الامثل، على الصعد كافة، وهو ما حدث ويحدث في المجتمعات الغربية، حيث المنظمات المعنية اهلية او حكومية تقوم بواجبها التثقيفي على افضل وجه، فتنشر الوعي بين الجميع، حتى أن الفرد طفلا او كهلا او مسنّا، امرأة او رجلا، يعرف حقوقه السياسية تماما، لهذا يستميت في الدفاع عنها، ولا يستطيع الحاكم او حكومته من التجاوز على تلك الحقوق، وإن حدث هذا فإن آليات التصحيح حاضرة بقوة.

لماذا تقدم الغرب؟

لهذا تطور الغرب، والسبب أن الوعي كان دعامة قوية ضد التجاوز الحكومي على حقوق الفرد والشعب عموما، يقول الامام الشيرازي بهذا الخصوص: (لقد تقدم الغرب علينا عندما أخذوا بالعمل ببعض قوانين الإسلام، مثل حق الانتخاب والتصويت، وخلع الحكام الطغاة المستبدين، ومطالبة الحقوق والحريات، ومثل النظم في الأمور، والاتقان في العمل، وما أشبه ذلك، وقد أعلنت إذاعاتهم عن وصول علمائهم إلى الكواكب الأخرى، وأنهم نزلوا من المركبة الكذائية ووطئوا أرض القمر أو ما أشبه ذلك بكل دقة وإتقان، كما أذاعوا وكتبوا في الجرائد والمجلات أنه كان من المقرر أن يصلوا إلى القمر في الساعة الخامسة مثلاً، لكنه تم ذلك في الساعة الخامسة وثلاثين ثانية، ويعتذرون من هذا التأخير!).

ومن الاخطاء التي تعمل على مضاعفة الجهل واللامبالاة لدى الفرد المسلم، أنه لا يتعامل بعلمية مع الاشياء، كما أنه لا يحترم الوقت ولا يعطيه قيمته الحقيقية، وهذا الحال يكاد يشكل منظومة سلوك تنتشر بين الغالبية العظمى، أي أنه ليس سلوكيا فرديا لايتعدى تأثيره الفرد نفسه، وهذه ايضا علة من علل التأخر الذي يعاني منه المسلمون، فالحياة تتطلب الدقة ومواكبة ما يستجد في العالم من تطور وتحديث مستمر يتطلب أذهانا متوقدة، والتزاما حرفيا بقيمة الزمن، لذا يؤكد الامام الشيرازي في كتابه نفسه منتقدا المسلمين على طبيعة تعاملهم مع الوقت قائلا:

(اننا لا نرى أهمية للوقت، فمثلاً ترى الصديق يواعد صديقه قائلا: سآتيك في الساعة الخامسة مثلاً، وينتظره الصديق في الساعة الخامسة، فلم يحضر! وتتقدم الساعة لتشير إلى الخامسة وعشرة دقائق، ومن ثم الخامسة والربع، والخامسة والنصف، والخامسة وثلاثة أرباع، ثم السادسة أو أكثر، وإذا به يأتي وكأنه قد حضر قبل الموعد، فلما تسأله: لماذا تأخرت عني؟ يضحك ويقول وبكل بساطة: نعم انشغلت قليلاً ولم أتأخر كثيراً. لقد أهدر ساعة من وقت صديقه وكأن هذه الساعة عنده لا شيء، أما الذين وصلوا إلى القمر فيحسبون للثلاثين ثانية من التأخير حسابها).

خطورة السلوك الفردي

ومن المعروف أن السلوك الفردي قد يتحول الى ظاهرة، حين ينتشر بين معظم الناس، وهو أمر يحدث في الغالب نتيجة الابهار او الشعور بالدونية ازاء الغرب او غيرهم، عند ذاك يصبح السلوك الفردي الغريب ظاهرة سلوكية شائنة، تنمو في المجتمع عموما، نتيجة للتجيهل الحكومي المتعمد، ولهذا تخبو الارادة الفاعلة ويغدو النظر الى تحقيق الاهداف الاسلامية العظيمة أمرا شبه مستحيل، والسبب دائما تقاعس الفرد عن الالتزام بما مطلوب منه، وعدم تحلّيه بالروح القوية والارادة الفاعلة، ولهذا قد يلتزم المسلم بالفرائض ولكنه ربما يتجاوز الكثير من التعاليم الاسلامية غير الملزمة، لكنها تصب في الصالح الفردي والعام معا.

لذا يقول الامام الشيرازي في هذا الشأن: (نعم إن المسلمين اليوم يصلّون ويصومون، ويزكون ويحجون، ولكنهم تركوا الكثير من القوانين الإسلامية.مضافاً إلى إنه هل إن الكل يصلي ويصوم، ويزكي ويحج؟ وهل في بلادنا لا توجد محرمات ومنكرات؟ وهل نملك نحن المسلمين اليوم تلك العزيمة اللازمة، والفكر الكافي، والوعي الإسلامي، والإيمان الثابت، والجهاد الصادق، وبذل كل الطاقات في سبيل الله كالذي كان عليه المسلمون الأوائل، وبحسب الذي يريده الإسلام منا، أم أن الإسلام شيء ونحن المسلمين شيء آخ؟).

وهكذا قد يتضافر الفعل الفردي الخاطئ، مع أخطاء القادة السياسيين، لتتشكل قاعدة متينة تؤدي الى التأخّر والتخلف الحتمي.

بعض صفات الطغاة

إن الفرد المسلم قد لا يعي فداحة الخطأ الذي يرتكبه بحق نفسه والآخرين، وربما لا يعرف قيمة الخدمات التي يقدمها للحاكم الظالم عندما يخطئ في التعامل مع الاشياء، ومنها الوقت ودقة المواعيد ونشر الوعي والثقافة، والتعريف بالحقوق والواجبات وما الى ذلك من عوامل تقلل من خسائر المجتمع، وتزيد من فرص القضاء على التسلط الحكومي غير المشروع، لهذا يحاول الحكام المستبدون أن يشرعنوا أفعالهم، ويصبغونها بصفة الحق وهي باطل جملة وتفصيلا، وهذه احدى أهم وأخطر صفات الطغاة، إذ يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (من صفات الطغاة أنهم يسعون لإعطاء صبغة شرعية لحكومتهم الجائرة، وذلك بشتى الوسائل وكل الطرق، ومنها: جعل أحاديث تؤكد على لزوم طاعتهم العمياء وحرمة معارضتهم).

وهكذا تتضح بعض أسباب ومعالم تأخر المسلمين عن اللحاق بالركب العالمي، وهو ما أكده الامام الشيرازي بوضوح، وفي حال توافرت الاردة الحقيقة للتصحيح فإن العمل والسعي الجماعي المخطط له بدقة، يمكنه أن يدفع بنا الى أمام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/تشرين الأول/2011 - 5/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م