
شبكة النبأ: غياب المعارضة في النظام
السياسي يدل على فردية ذلك النظام، وحضورها يدل على ديمقراطيته، هذه
المعادلة تقترب كثيرا من الحقيقة التي لا يختلف عليها إثنان، ولكن هناك
ضوابط دستورية تحكم حركة المعارض، والحكم عنا ليس بمعنى التقويض
واإفشال، بل بمعنى التصحيح والتوجيه السليم.
فالطرف المعارٍض كالطرف الحاكم أو المساند للحكم، كلاهما له مصالح
وأهداف يتحرك لانجازها، وكلاهما يحاول أن ينجز هذه الاهداف بأسرع الطرق
وأكثرها دقة وضمانا، ولكن المعيار الوحيد الذي يمكنه تفضيل المعارضة
على الحكومة، هو أن تكون المعارضة صوتا حقيقيا وصادقا ومعبرا عن آمال
الشعب وتطلعاته وحقوقه الفعلية المنصوص عليها في الدستور، او تلك التي
تكفلها القوانين والسنن والاعراف، أما في حالة عدم تمثيل المعارضة
الشعب كصوت حق يطالب بالحقوق والحريات وسواها، فإن صفة المعارضة تنتفي
هنا، ويحل محلها صراع الاحزاب والكتل من اجل المناصب والامتيازات وما
شابه.
الشعب سيقبل الصوت المعارض اذا كان ممثلا حقيقيا له، وداعية حق لا
تخشى الترهيب الحكومي وسواه، وسوف ينال المعارض من هذا النوع ثقة الشعب،
على أن تتحول الاقوال الى أفعال، بمعنى أوضح، هناك معارضون للحكومة
يعلنون في كل مناسبة او فرصة متاحة بالاعلام او سواه رفضهم لمنهج
الحكومة واعتراضاتهم على اجراءاتها بخصوص المنهج السياسي والاداري
والاقتصادي وملف العلاقات الخارجية وغير ذلك، ولكن ما أن يحصل هؤلاء
المعارضون على مغانم كالمنصب او المال وسواه حتى تنقلب المعادلة بين
ليلة وضحاها، فيصبح الصوت المعارض مساند للحكومة ويكون الصمت بديلا عن
القول الحق.
وقد حدث مثل هذا الامر في تجربتنا مع الحكومات العراقية او فيما
اظهرته التجارب مع حكومات اخرى، لهذا ليس كل شخص او حزب او كتلة تعد
معارضة للحكومة اذا لم تتفق معها، خاصة أننا نلاحظ بوضوح تام أن ظاهرة
المقايضة السياسية موجودة وحاضرة بقوة في هذا الخصوص، إذ ثمة أصوات
معروفة كانت قد عارضت حكومة المالكي الراهنة، ولكنها بعد أن حصلت على
المكاسب التي استقتلت من اجلها تحت عنوان (دفاعا عن حقوق الشعب) نراها
وقد لاذت بالصمت وراحت تنعم بالمال والجاه والمناصب فيما أصابها الخرس
التام حيال الاخطاء التي قد تحدث هنا او هناك في ادارة الملفات
المتعددة التي تتعلق بحقوق الشعب.
ولكن هناك معارضة ويوجد معارضون لم تستطع الامتيازات إسكات اصواتهم
ولم تحد من افعالهم ايضا، وهم معروفون والتاريخ سوف يذكر ذلك لهم، فيما
سينالون على المدى القريب والبعيد ثقة الشعب ومحبته لهم، أما كيفية
التعامل الحكومي مع مثل هذه الاصوات الصادقة، فالصحيح أن تتعلم
حكوماتنا الراهنة والقادمة الدرس الذي يفرض عليهم احترام صوت المعارضة
الصادقة، لأن التعامل النقيض سيؤدي بالضرورة الى تحويل الحكومة الى
المنهج القمعي الدكتاتوري الذي لن يستطيع مواصلة الحضور والتأثير في
الواقع السياسي لاسباب عدة، أولها أن الشعب العراقي تعامل مع الحكومات
المستبدة وخبر أساليبها، ومقت حضورها وفعلها، وتولدت لديه حساسية تجاه
القمع مهما كانت الدوافع او الاسباب التي تقف وراؤه.
لهذا على الحكومة أن تقبل الصوت المعارض، اذا كانت تشعر بأنه يمثل
بصدق مصالح الشعب وحقوقه، وعليها أن تتعامل مع المعارضة كعنصر مساند
لها، من باب الحاجة الى التنبيه المستمر على الاخطاء وأهمية معالجتها،
بدلا من الايغال بغمط حقوق الشعب، تحت ضغط المصالح الحزبية والفردية
وما شابه، وبهذا يصبح الصوت المعارض عامل إسناد للحكومة وليس عامل
اجهاض لمشاريعها اذا كانت تصب في الصالح العام.
ولنا أن نتصور حكومة بلا معارضين، فأي نوع من الحكومة ستكون، إنها
حتما ستسير نحو الدكتاتورية عاجلا أم آجلا، وبهذا تكون حسنات المعارضة
واضحة وكبيرة، شريطة أن لا تتداخل المنافع مع الاهداف، بكلمة أوضح،
ينبغي أن يكون هناك فصل واضح في عمل المعارضة بين مصالح الشعب ومصالح
ساسة المعارضة، أما اذا حدث تداخل في هذا الجانب، فإن الامتيازات
والسلطة والمناصب ستطفو على السطح بقوة، وسوف ينخرط المعارض في صفوف
الحكومة او المساندين لها، وهنا ستنتفي صفة المعارضة الفاعلة.
على أننا يجب أن نفهم بأن المعارضة، لاتعني ولا ينبغي أن تعني،
تعويق الحكومة ووضع العصي في عجلات الادارة الحكومية من اجل افشالها،
بل ينبغي أن يتحدد دور المعارضة بوضوح، ويجنح الى المساندة والتصحيح،
بدلا من التعويق الذي لا يصب في صالح الشعب، ولا صالح المعارضة نفسها،
وهذا ايضا لا يعني الصمت على الفساد أو المفسدين، ولكن ينبغي أن تكون
الوثائق والحجج والاسانيد الشاخصة هي التي تتحدث عن الفساد، وليس
الاتهامات التي تهدف الى التسقيط من دون أدلة. |