قتل العراقيين بالجملة غايه ام وسيلة؟

د. يوسف السعيدي

مرة اخرى يتعرض المواطنون العراقيون لهذه الحرب التي ليس لها مثيل في تاريخ الحروب... فكل شرائع السماء وقوانين الارض لا تبيح قتل المدنيين... ومع ان الكثير من الحكومات وقادتها العسكريين لم يلتزموا بالقانون ولا بالروادع الاخلاقية... الا ان الحركات السياسية والثورية منها خصوصاً قد وضعت نفسها حامية للمدنيين لانها لم تشأ ان تعاقب من تريد انقاذهم سواء صح الادعاء ام لم يصح... وقد حاولت جهدها ان تجعل منهم حاضنة لها...

الا اننا في هذا الزمان نجد انفسنا امام ظاهرة جديدة، غريبة عن الفكر السياسي، والفكر الانساني عامة وتقوم على ان الانتقام من الاستعمار يمكن ان يتم بوسائل اخرى غير المتعارف عليها..

من ذلك، مثلاً، ان الانتقام من امريكا واسرائيل يتم بقتل المواطنين العراقيين في الكرادة الشرقية.. وان الثأر من البيت الابيض يتم بتفجير سيارة قرب فندق عشتار في بغداد.

وان الشيطان الامبريالي – الصليبي يستوطن في سوق الخضار ببغداد الجديدة.. وان الانتقام من بوش ثم اوباما يتم بقتل المسلمين حيثما استطاع المجاهدون وحلفاء المجاهدين الى ذلك سبيلا...

وعلى الباحثين وقبلهم الحركات اياها ان تقدم احصائية بعدد اليهود والمستعمرين الذين كانوا ضحاياها وعدد المسلمين الذين قتلوا بتفجيراتها...

ففي العراق مثلاً كم تساوي نسبة 5000 جندي اجنبي بالمقارنة مع مليون عراقي، وهذا ما يؤكده القتلة انفسهم من خلال b.b.c وفضائياتهم الاخرى... ولكي لا نتعب من لم يجيدوا الحساب ويريدون حكم العالم باسره فان النتيجة هي ½ % او.05% اي انه مقابل كل 200 عراقي قتل اجنبي واحد...

ليس معنى ذلك اننا نؤيد قتل اي انسان لا صلة له بالسياسة او لم يرتكب جرما.. ولكننا نسأل عن الغاية من وراء عمليات القتل الجماعي..

هل تداعت اركان الامبريالية بقتل زوار كربلاء، وبقالين الموصل الحدباء، والنساء المتسوقات في سوقي الخضار في الاعظمية والبياع؟

لا يمكن القول بان مرتكبي هذه الافعال يجهلون هذه الحقائق، انهم يعرفونها اكثر من سواهم.. لكن عمليات القتل الجماعي صارت هي الهوية التي يعرف بها هؤلاء انفسهم.

انهم يريدون اثبات وجودهم لكي تشير وسائل الاعلام اليهم بانهم فجروا في يوم واحد ثلاث سيارات.. يا للروعة... وانهم قتلوا عشرات العراقيين يا للجهاد الرائع...

وانهم خططوا لاختطاف طائرة فيها زوجان ذاهبان لقضاء شهر العسل، ومريض بالسرطان ذاهب ليضيف بضعة اشهر لعمره... وشاب افريقي او آسيوي قرر الهجرة بعد ان ضاقت به الدنيا... وآخر يروم السياحة او الصياعة في ارض الله الواسعة، وغيره ذاهب للدراسة، وسواهم عائد لاهله بعد غياب، ومهاجر من (الشعب العريق) في ارض الرافدين يبحث عن ليلة لا ينام فيها على دوي الانفجارات...

بهذه الطريقة سوف تتحرر الشعوب المظلومة، وتعود فلسطين، ومعها دولة الخلافة، وتتوحد الامة من المحيط الى الخليج...

بهذه الطريقة يحاول البعض ان يثبت انه ما زال حيا، ومقتدراً، وبهذه الطريقة يعبر عن الشعبية بقتل الشعب.

وقبل هذه الاحداث بعقدين صرح احد (الفطاحل) بان الطريق الى فلسطين يمر عبر العراق... وقيل له في حينه هذا العراق امامك فلتمر قواتك ونحن نفتح لها طريقا آمنا، ونستقبلها بالزهور والرياحين، ونزودها بالمؤونة... وعندما علم ان القضية اخذت منحى جديا راح يتظاهر بانه منشغل بأمور اخرى.

والغريب ان من ردوا عليه في حينه يلعبون لعبته اليوم، فلا يرفع الحصار عن غزة المظلومة الا بخراب بغداد، وصنعاء...

ويروى، وربما للتندر، انه في العهد المالكي خرج بعض الشباب في تظاهرة مطالبين بارسالهم الى الجبهة مع فلسطين وكانوا يهزجون (ودونا للجبهة نحارب) وما ان وصل الخبر الى المرحوم نوري السعيد حتى امر على الفور بارسال شاحنات عسكرية لغرض جمعهم وابلاغهم انهم سيأخذونهم للجبهة تلبية لرغباتهم.

وعندما وجد المتظاهرون بان المسألة باتت جدية فر من فر منهم وراح من تبقى يهزج (رجعونا نتشاقى أوياكم) اي اعيدونا فلقد كنا نمزح معكم.

وهكذا وكم من مرة قال هؤلاء الادعياء ان الهدف التالي سيكون اسرائيل لكن الهدف كان اسلام آباد...

من يتصور ان هذه الجرائم ستؤكد وجوده فهو محق الا انه وجود مقزز لجماهير الشعب ومثير للحنق ضده...

ومن كان يتصور انه بقتل المواطنين سيقوض حكومة، فالحكومات تقوى بالتحدي الاهوج ولا تضعف.

ومن كان يتصور القتل سيوصله الى الحكم، فلقد قتلوا وقتلوا وذهب القاتل وظل القتيل.

ومن كان يتصور انه سيكسب ود الناس واعجابهم فان قتل الناس لا يجلب له الود ولا الاعجاب انما الكراهية.

ان هذه الجرائم لا تطرح سوى سؤال وهو: اذا كانت هذه افعالهم وهم (معارضة) فما عساها ان تكون عندما يصيرون حكاما لا سمح الله؟

لا شيء سوى العودة الى السيف والجلاد و:

- يا غلام اقطع رؤوس هؤلاء بالسيوف ودعنا نبتهج هذه الليلة.

- ثم:

يا حاجب من يقف من الشعراء في بابنا (البيت الابيض او 10 دوانتغ ستريت او الاليزيه) لتعطيه دولار وقطعة ارض في فيفث افنيو...

وهل جارية وزيرنا المدعوة (جين فوندا) حاضرة لتسعدنا بمرآها هذه الليلة ونكرمها بسيارة برازيلي..؟ و:

(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَـــةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 1/تشرين الأول/2011 - 3/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م