السيّدة فاطمة المعصومة... كريمة أهل البيت

 

شبكة النبأ: سليلة الدوحة النبويّة المطهّرة ورقة من أوراق شجرة الرسالة المحمدية طاهرة نهلت العلم من منابعه وحملت قيم الإسلام الحنيف فخلدها كشاهد ودليل تلك هي السيّدة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السّلام حفيدة الزهراء عليها السّلام.

أبوها

هو سابع أئمة أهل البيت (ع) الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق أبن الإمام محمد بن علي الباقر أبن الإمام علي بن الحسين زين العابدين ابن الإمام الحسين الشهيد بن علي ابن أبي طالب بن عبد المطلب، حفيد النبي محمد(ص) من أبنته فاطمة الزهراء (ع)..

أجلّ ولْد الإمام الصادق عليه السّلام قدرا وأعظمهم محلاًّ وأبعدهم في الناس صيتاً؛ لم يُرَ في زمانه أسخى منه ولا أكرم نفساً وعِشرة؛ وكان أعبد أهل زمانه وأورعهم وأجلّهم وأفقههم.

كنيته أبو الحسن، وهو أبو الحسن الأوّل، ويُعرف بالعبد الصالح، والكاظم. وقد نصّ على إمامته الإمام الصادق عليه السّلام في حياته، وأوصى شيعته به من بعده.

ولد بالأبواء (موضع بين مكّة والمدينة) يوم الأحد السابع من شهر صفر سنة 124هـ، فأولَمَ الصادق عليه السّلام بعد ولادته وأطعم الناس ثلاثاً.

وقبض ببغداد شهيداً بالسمّ في حبس الرشيد، على يد السِّندي بن شاهك يوم الجمعة لخمس بقين من رجب سنة 183هـ على المشهور، وعمره يومذاك 55 سنة. قام منها مع أبيه 20 سنة، وبعد أبيه 35 سنة، وهي مدّة خلافته وإمامته.

عاصر الإمام الكاظم عليه السّلام قسماً من حكم المنصور، ثمّ ابنه محمّد المهديّ ـ وقد حكم عشر سنين وشهراً وأيّاماً، ثمّ مُلك موسى الهادي فحكم سنة و15 يوماً، ثمّ ملك هارون الرشيد بن محمّد المهديّ.

واستشهد الكاظم عليه السّلام بعد مضيّ 15 سنة من مُلك هارون، ودُفن ببغداد في الجانب الغربيّ، في المقبرة المعروفة بمقابر قريش (مدينة الكاظميّة ً)، فصار يُعرف بعد شهادته بـ (باب الحوائج)

أمّها

هي السيدة نجمة وكُنيتها أمّ البنين؛ سُمّيت بالطاهرة بعد ولادة الإمام الرضا عليه السّلام؛ فالسيّدة المعصومة أخت الرضا عليه السّلام لأمّه وأبيه.

ألقابها..

أن لفاطمة المعصومة عدّة أسماء وألقاب وردت في عدّة من المصادر منها: الطاهرة و الحميدة والبرّة الرشيدة والتقية والنقيّة والرضية والمرضيّة والسيدة وأخت الرضا الصدّيقة.

ولادتها ونشأتها

كانت ولادتها في المدينة المنورة في الاول من ذي القعدة سنة 173 هـ. وترعرعت في بيت الإمام الكاظم عليه السّلام، فورثت عنه من نور أهل البيت وهديهم وعلومهم في العقيدة والعبادة والعفّة والعلم، وعُرفت على ألسنة الخواصّ بأنّها كريمة أهل البيت عليهم السّلام.

فقدت والدها وهي في سن الطفولة حيث استشهد في سجن هارون ببغداد، فأصبحت تحت رعاية أخيها علي بن موسى الرضا(عليه السلام).

فعاشت السيّدة المعصومة مع إخوتها وأخواتها في كنف الإمام الرضا عليه السّلام. وقد أجمع أصحاب السير والتراجم على أنّ أولاد الإمام الكاظم عليه السّلام كانوا أعلاماً لائحة في العبادة والتقوى والنُّسك.

وفي سنة 200 هـ اُبعد الإمام الرضا من المدينة الى مرو بأمر المأمون العباسي ولم يرافقه احد من عائلته، وقد ولدت السيدة المعصومة في عهد الرشيد العبّاسيّ و ففتحت عينيها منذ صغرها على وضع سلطوي إرهابيّ. فلقد قامت أركان الدولة العبّاسيّة على أنقاضالدولة الأمويّة، وتستّر العبّاسيّون وراء شعار رفعوه في بداية أمرهم هو (الرضا من آل محمّد) ليوهموا طائفة من المسلمين الموالين لأهل البيت عليهم السّلام، لكنّهم ما إن تسنّموا سدة الحكم واستتبّت لهم الأمور حتّى قلبوا لأهل البيت ظهر المجنّ، وامتدّت أيديهم بالقتل والبطش والقمع لكلّ من يمتّ لهذه الدوحة العلويّة الشريفة بصلة، فلاحقوا أئمّة أهل البيت عليهم السّلام وقتلوهم وسجنوهم.

عهد المأمون العبّاسيّ

ثمّ عاصرت السيّدة المعصومة بعضاً من عهد المأمون العبّاسيّ الذي عُرف بالدهاء؛ وكان قد خطّط لإخماد ثورات الطالبيين بالحيلة والمكر، فتوسّل من جديد بشعار(الرضا من آل محمّد عليهم السّلام)، إلاّ أنّه قدّمه في صيغة جديدة هي إسناده ولاية العهد إلى الإمام الرضا عليه السّلام، وهو الذي أقرّ له المخالف والمؤالف بالفضل والعلم والتقدّم، فاستدعاه من المدينة المرّة تلو الأخرى، حتّى وجّه إليه مَن حمله وجماعة من آل أبي طالب من المدينة إلى خراسان، ثمّ بعث إليه الفضلَ بنَ سهل وأخاه الحسن ليعرضا عليه تقلّد ولاية العهد فأبى، فلم يزالا به وهو يأبى، إلى أن قال له أحدهما: والله، أمرَني (المأمون) بضرب عُنقك إذا خالفتَ ما يريد

كان الإمام الرضا عليه السّلام يعرف تماماً تدبير المأمون، وأنّه لمّا أُكره على قبول ولاية العهد، رفع يديه إلى السماء فقال: اللهمّ إنّك تعلم أنّي مُكرَه مُضطرّ، فلاتؤاخذني كما لم تؤاخذ نبيَّك يوسُف حين دُفع إلى ولاية مصر.

ولمّا استتبّ الأمر للمأمون، تنكّر للرضا عليه السّلام، فداف له السمّ في عصير رُمّان، وفي عنب كان يغمس فيه السلك المسموم ويُجريه بالخياط في العنب ليخفى،وذُكر أنّ ذلك من دقيق السموم.

ولمّا استُشهد الإمام الرضا عليه السّلام لم يُظهر المأمون وفاته في وقته، وتركه يوماً وليلة، ثمّ وجّه إلى جماعة من آل أبي طالب، فأراهم إيّاه صحيح الجسد، وأظهر جزعاً شديداً.

السيّدة المعصومة ورحلة الوفاء..

وبعد مرور سنة على هجرة اخيها اشتاقت لرؤيته فتوجهت نحو خراسان بصحبة جمع من اخوتها وأبناء اخوتها، وكان الناس يستقبلونها ويكرمونها اينما حلّت. و كانت في الطريق تبيّن للناس مظلومية أخيها وغربته، ومعارضته للحكم العباسي. وفي اثناء ذلك وحينما وصلت القافلة مدينة «ساوة» توجّه بعض أعداء اهل البيت بصحبة بعض جنود الحكومة، واعترضوا طريق القافلة، وحصلت بينهم معركة استشهد على أثرها جميع رجال القافلة تقريباً، وطبقا لرواية فان السيدة معصومة أيضاً سُقيت السم.

وعلى كل حال فقد مرضت السيدة فاطمة، اما بسبب حزنها الشديد أو بسببب تناولها السم، ولم يمكنها مواصلة السير، فتوجهت نحو مدينة قم ـ بعد أن سألت عن المسافة بين «ساوة» وقم ـ وقالت: سمعت أبي يقول: «ان قم مأوى شيعتنا». فخرج أهل قم لاستقبالها وأخذ «موسى بن خزرج» زعيم الا شعريين زمام ناقتها ودخلت قم في 23 ربيع الاول سنة 201 هـ. ثم أناخت الناقة في محل يسمى اليوم «ميدان مير» امام منزل «موسى بن خزرج».

بقيت السيدة فاطمة في قم 17 يوماً كانت مشغولة فيها بالعبادة والدعاء في محل يسمى «بيت النور» ويقع الآن في مدرسة «ستيه». وأخيراً حانت منيّتها في العاشر من ربيع الثاني «أو الثاني عشر منه على قول» قبل أن تحظى برؤية أخيها، فصار الناس في عزاء لفقدها وحملوها الى محل يسمى «باغ بابلان» وهو موضع قبرها حالياً.

وقبل أن ينزلوها في قبرها ظهر فارسان منقّبان من جهة القبلة واقتربا من الجنازة، وبعد الصلاة عليها حملها احدهما وأدخلها القبر وتناولها الآخر الذي كان داخل القبر. وبعد اتمام دفنها ركبا فرسيهما وابتعدا من غير أن يتفوّها بكلمة. ولعلّ هذين الفارسين هما الامام الرضا (عليه السلام)والامام الجواد (عليه السلام)، كما أن الزهراء (عليها السلام)غسّلها أمير المؤمنين (عليه السلام) ومريم (عليها السلام) غسّلها عيسى (عليه السلام). وبعد دفنها وضع موسى بن خزرج مظلة من الحصير على قبرها الشريف حتى حلّت سنة 256 فبنت السيدة زينب بنت الامام الجواد (عليه السلام) اول قبة على قبر عمتها، وصار ذلك المكان مقصداً للزائرين ومحبّي أهل البيت (عليهم السلام).

مزار السيّدة المعصومة عليها السّلام

يرجع تاريخ القبّة الحاليّة على قبر السيّدة المعصومة إلى سنة 529هـ، حيث بُنيت بأمر من المرحومة (شاه بيكم بنت عماد بيك). أمّا تذهيب القبّة وبعض الجواهر التي رصّع بها القبر الشريف، فهي من آثار فتح علي شاه القاجاريّ وهناك فوق قبر السيّدة فاطمة صخرة عليها نقش كهيئة المحراب، تحيط به آية الكرسيّ، وكُتب في وسطه توفيّت فاطمة بنت موسى في سنة إحدى ومائتين.

وما يزال المحراب الذي كانت السيّدة فاطمة تصلّي فيه في دار موسى بن خزرج ماثلاً إلى الآن، يقصده الناس لزيارته والصلاة فيه. وقد جُدّدت عمارته خلالالسنوات الأخيرة، وشُيّدت إلى جانبه مدرسة لطلبة العلوم الدينيّة تعرف بـ (المدرسة الستّيّة). يقع المحراب في الشارع المجاور للصحن الشريف، ويُعرف بشارع چَهار مَرْدان على يسار الذاهب من الروضة الفاطميّة، وهو مزدان بالقاشاني المعرّف، وعلى مدخله أبيات بالفارسيّة، تعريبه:

لقد شُيِّد هذا البناء المُنير إجلالاً لبنت موسى بن جعفر، حيث مَثُل فيه محراب فاطمة المعصومة، فزادت به قم شرفاً على شرف.

فضل زيارتها عليها السلام

قال الإمام الصادق(ع): (إن للجنّة ثمانية أبواب، ثلاثة منها لأهل قم، تقبض فيها امرأة من ولدي، واسمها فاطمة بنت موسى، تدخل بشفاعتها شيعتنا الجنّة بأجمعهم) بحار الأنوار ج 60 ص 228.

قال الإمام الرضا(ع) : (من زارها عارفاً بحقها فله الجنة). عيون أخبار الرضا ج 2 ص 267

وقال(ع): (من زار المعصومة بقم كمن زارني)[رياحين الشريعة ج 5 ص 35.

وعن الجواد(ع): (من زار قبر عمتي بقم فله الجنة). كامل الزيارات ص 536.

روايات السيّدة فاطمة المعصومة عليها السّلام

روى الحافظ شمس الدين الجَزري الشافعي المتوفّى سنة 833هـ، في كتابه (أسنى المطالب)، بإسناده عن بكر بن أحمد القصريّ، قال: حدّثتنا فاطمة بنت عليّ بن موسى الرضا، حدّثتني فاطمة وزينب وأم كلثوم بنات موسى بن جعفر، قلن: حدّثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمّد الصادق، حدّثتني فاطمة بنت محمّد بن عليّ، حدّثتني فاطمة بنت عليّ بن الحسين، حدّثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن عليّ، عن أمّ كلثوم بنت فاطمة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، عن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ورضي عنها، قالت: أنَسِيتُم قولَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يومَ غدير خُمّ: «مَن كنتُ مَولاهُ فعليٌّ مَولاه»، وقولَه صلّى الله عليه وآله وسلّم «أنتَ منّي بمنزلةِ هارونَ من موسى»؟!

وهكذا أخرجه الحافظ أبو موسى المدائني في كتابه، وقال: وهذا الحديث مُسَلسَل مِن وجهٍ آخر، وهو أنّ كلّ واحدة من الفواطم تروي عن عمّة لها، فهو رواية خمس بنات أخ، كلّ واحدة منهنّ تروي عن عمّتها.

وروى المجلسي عن جعفر بن أحمد بن عليّ القمّي في كتاب (المسلسلات)، بإسناده عن بكر بن أحنَف، قال: حدّثتنا فاطمة بنت عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام، قالت: حدّثتني فاطمة وزينب وأمّ كلثوم بنات موسى بن جعفر عليهم السّلام، قلن: حدّثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمّد عليهما السّلام، قالت: حدّثتني فاطمة بنت محمّد بن عليّ عليهما السّلام، قالت: حدّثتني فاطمة بنت عليّ بن الحسين عليهما السّلام، قالت: حدّثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن عليّ عليهما السّلام، عن أمّ كلثوم بنت عليّ عليه السّلام، عن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، قالت: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: لمّا أُسريَ بي إلى السماء دخلتُ الجنّة فإذا أنا بقصرٍ من دُرّةٍ بيضاءَ مُجوَّفة، وعليها باب مُكلَّل بالدرّ والياقوت، وعلى الباب سِتر؛ فرفعتُ رأسي فإذا مكتوبٌ على الباب: «لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، عليّ وليّ القوم»، وإذا مكتوب على السِّتر: «بخٍّ بخّ! مَن مِثلُ شيعةِ عليّ».

فدخلتُه فإذا أنا بقصرٍ من عقيقٍ مُجوّف، وعليه باب من فضّة مكلّل بالزبرجَد الأخضر، وإذا على الباب ستر، فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الباب: «محمّد رسول الله، عليّ وصيّ المصطفى»، وإذا على الستر مكتوب: « بَشِّرْ شيعة عليّ بطِيب المولد".

فدخلتُه فإذا أنا بقصر من زُمرُّد أخضر مُجوّف لم أرَ أحسنَ منه، وعليه باب من ياقوته حمراء مُكلّلة باللؤلؤة، وعلى الباب ستر، فرفعتُ رأسي فإذا مكتوب علىالستر: «شيعةُ عليٍّ هُمُ الفائزون»، فقلتُ: حبيبي جبرئيل، لمن هذا ؟ فقال: يا محمّد، لابن عمّك ووصيّك عليّ بن أبي طالب؛ يُحشَر الناس كلّهم يوم القيامة حُفاةًعُراة إلاّ شيعة عليّ؛ ويُدعى الناس بأسماء أمّهاتهم ما خلا شيعة عليّ عليه السّلام، فإنّهم يُدعَون بأسماء آبائهم. فقلت: حبيبي جبرئيل، وكيف ذاك ؟ قال: لأنّهم أحبّوا عليّاً، فطاب مولدهم.

بيان: «فطاب مولدهم» لعلّ المعنى أنّه لمّا علم الله من أرواحهم أنّهم يحبّون عليّاً، وأقرّوا في الميثاق بولايته، طَيّبَ مولد أجسادهم.

وروى الشيخ الصدوق بإسناده عن فاطمة بنت موسى عليه السّلام، عن عمر بن عليّ بن الحسين، عن فاطمة بنت الحسين عليه السّلام، عن أسماء بنت أبي بكر، عن صفيّة بنت عبد المطلّب قالت: لمّا سقط الحسين عليه السّلام من بطن أمّه ـ وكنتُ وَلِيتُها ـ قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا عمّة، هلميّ إلَيّ ابني. فقلت: يا رسول الله، إنّا لم نُنظفّه بعدُ، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا عمّة، أنتِ تُنظّفينه ؟! إن الله تعالى قد نَظّفه وطهّره.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 29/أيلول/2011 - 30/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م