حرب دامية وأخرى ناعمة

محمد علي جواد تقي

قد نتخذ الاجراءات الامنية المشددة لتفادي الخرق الأمني المتمثل في المتفجرات المزروعة في عبوات او أحزمة أو حقائب او سيارات حتى لاتنفجر وسط الناس الابرياء كما حصل مؤخراً في كربلاء المقدسة ويحصل باستمرار في جميع انحاء العراق، لكن ماذا عن الخرق الثقافي فهل تنفع معه الكتل الكونكريتية او حواجز التفتيش والسونار وغيرها؟

 طبعاً معظم الذين أتحدث اليهم اسمعهم يصرون على ان الاميركيين بحاجة الى هكذا خروقات أمنية للبقاء في العراق ثم (خرق الاتفاقية الامنية) القاضية بالانسحاب العسكري الكامل من العراق في نهاية العام الجاري، لكن ما سمعته من احد الاصدقاء في بغداد من وجود معسكر تدريب – رياضي وليس عسكري- يروّج للعبة (بيسبول) الامريكية عرفت أن لا داعي لأتعب نفسي بخوض الجدال العقيم حول الوجود العسكري الامريكي في العراق، وهل سيبقى أم لا؟ وما هو البديل بعد الرحيل؟ وإن بقي؛ كم هو العدد....؟!

كما ان الامريكيين يتقنون فن الحرب والقتال من خلال جيوش عسكرية وأمنية موزعة على القطاع الحكومي والخاص من مؤسسات وشركات وأصحاب مصانع انتاج السلاح، فانهم يتقنون ايضاً فن تصدير الثقافة والسلوك، فقد وصل عراقيون مقيمون في الولايات المتحدة ممن حصلوا على اللجوء السياسي خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، الى بغداد مؤخراً وأقاموا معسكراً رياضياً لتدريب الرياضيين على لعبة (بيسبول) التي تُعد من الرياضات المحلية والمعروفة في امريكا تحديداً، والمثير انه ليس فقط تم غضّ النظر عن الرياضات الاخرى في العراق والتي هي بأمس الحاجة الى رفدها بالخبرة والتجربة في مقدمتها (كرة القدم)، بل شهدنا ان ابرز الراغبين بتعلّم هذه اللعبة الامريكية هم لاعبو (كرة القدم)! وبعد ان أكمل الوفد الامريكي – العراقي مهمته التمهيدية في بغداد، دخلت السفارة الامريكية على الخط وجاءت للاطلاع على ما يجري فصورت وكتبت نقلت و... ليكون الاجراء الآخر هو إيفاد الهواة العراقيين لهذه اللعبة الى الولايات المتحدة لتلقي المزيد من الخبرة والتجربة!

ولا نخوض عميقاً في أمر الرياضة، فالتشجيع عليها وأهمية ممارستها بشكل عام باتت مسألة منطقية وعقلية، إنما نذكر اخواننا في المؤسسات الثقافية بان يدركوا الشباب والشابات في آن، من منطلق الاستعداد لـ (حرب الافكار) التي يتحسسونها أكثر من غيرهم، فأين الأندية الرياضية التي تضم الشباب ومثلها أخرى تضم الشابات؟ واين البرامج والمناهج التي تعرف طبقة الشباب في العراق بهويته وتاريخه وحضارته، حتى على الاقل يعرف نفسه عندما يكون أمام الآخرين. ليعرف المعنيين في العراق، ان هنالك قدرات كامنة في النفوس بحاجة الى توجيه نحو الطريق الصحيح، فنحن نسمع دائماً من الفتيات الرياضيات – على وجه الدقة- تحديهم للصعوبات والظروف السائدة في العراق من انعدام الامن والتقاليد والاعراف الاجتماعية – كما يتحدثن- كل ذلك من أجل رفع اسم العراق عالياً، هذا فضلاً عن القدرات الهائلة الكامنة في نفوس الشباب. إذن؛ النوايا لدينا صافية كالماء الزلال والشعور صادق، فيجب ان يلحقه الشعور بالمسؤولية والالتزام من قبل المسؤول في دائرته ومن قبل المثقف في مؤسسته او جمعيته، حتى تتحقق دورة كاملة تضيئ للعالم الثقافة العراقية القائمة على القيم والمبادئ، كما نطمح بان يكون لدينا اقتصاد عراقي وسياسة عراقية وأمن عراقي. وبالنتيجة لا نكون مضطرين ومستفزين امام المحاولات الاجنبية للاختراق والتأثير، كما هو حاصل في المجال الامني و السياسي.

بالمناسبة؛ منذ فترة والمسؤولين الأمنيين في ايران يتحدثون عن (حرب ناعمة) تخوضها ممن تصفهم بأذناب امريكا والصهيونية داخل ايران. هذه الحرب تتمثل في انتشار (مسدسات مائية متطورة) بين الشباب ذكرواً واناثاً!! حيث تشهد بعض المدن حفلات يتبادل هؤلاء الشباب رشقات الماء فيما بينهم أمام انظار الناس. اعتقد ان الأمر في ايران هيّن، لأننا في العراق نخوض ليس اليوم إنما منذ سنوات حرب ناعمة وأخرى دامية. وكان الله في عون الجميع.

E.mail/[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 29/أيلول/2011 - 30/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م