العراق والمصالحة الوطنية... والأطراف المتخاصمة

حمزة اللامي

شبكة النبأ: يرى من يتابع المشهد العراقي ان ما اطلقه الساسة العراقيون من مصالحة وطنية بينهم، لتسهم في رأب الصدع الذي طال الحالة السياسة العراقية والمشهد العراقي وبات من المؤكد على المعنيين فرض حالة المصالحة الوطنية.. وقبل ان ندخل ونبحر بتفاصيل المصالحة الوطنية وأهدافها ومبادئها، فهنالك رأي من البعض يقول.. ينبغي على السادة الذين نصبوا أنفسهم او نصبهم الآخرون في هذا الموقع ان يتصالحوا مع أنفسهم ومع المجتمع العراقي ومع الإنسانية! حتى يستطيعوا ان يؤدوا مضامين هذه المصالحة التي تصب في مصلحة الجميع كما يرتضيها العقل والمنطق، كما على أرباب المصالحة ان يتصارحوا ويتصالحوا ويتكاشفوا مع بعضهم البعض من دون أية غموض او تعمية... فعلى المعنيين بالأمر ان يكون واضحين ودقيقين بكلامهم وبمفرداتهم ليفهمها القاصي والداني الأمي والمتعلم الصغير والكبير.

وهنالك من يتساءل من ابناء الشعب العراقي وسؤالهم في غاية الجدية والاهمية.. ما هي المصالحة الوطنية؟ وماذا تعني؟ ومن هي الجهة المستهدفة التي يراد لها او منها ان تتصالح؟

والمصالحة بمفهومها العام تعني وجود فئة او مجموعة فئات يراد التصالح معها لتحقيق عدة أهداف ومكاسب واضحة المعالم, وهنا يأتي دور هذا السؤال: من هي هذه الفئة؟

مع من سيتصالح الشعب العراقي؟! هل هناك أعداء ينبغي لهم ان يتصالحوا معهم ويمدون لهم يد السلام؟.... فمنهم هؤلاء؟ هل هم أفراد ام جماعات ام تيارات ام تنظيمات وأحزاب، وهل ينبغي على الجهة المفاوضة تحديدهم وتسميتهم للشعب.. وهل لها ان تحدد نوع الخصومة وحجمها، وهل لها ان تبين للشعب العراقي ان هذا الطرف او ذاك انه معادي للشعب العراقي ومعادي لتراب الوطن ومادي للمسجد والكنيسة والسوق والشارع والمدرسة؟

ام تراها تخاصم الحكومة المنتخبة.. ام كتلة منتخبة بعينها.. ام طائفة.. ام تخاصم النهج الديمقراطي والأداء الحكومي ام ماذا!

او ليس من واجبات رجال البرلمان تقييم الأداء الحكومي وتصويبه وتحديد مواطن الخلل والضعف فيه؟... هل يعني هذا استنتاجا بان تلك الأطراف متخاصمة مع البرلمان!... وتخاصم من هذا النوع يعني خصومة مع الشعب الذي خرج وانتخب... هل هي اذن مصالحة وطنية مع الشعب!... هل هناك جهة اخرى معنية بأداء الحكومة غير البرلمان.. من هي!

من جهة أخرى ان المصالحة الوطنية ليس بالضرورة ان تعني وجود أطراف متخاصمة بل ربما هنالك جهات لم تتفق إيديولوجيا او سياسيا مع البعض الأخر!.. إذن من هي تلك الجهات وما هي إيديولوجيتها المختلف عليها وما هي وزنها وطني..!

ربما يتساءل احداً ويقول هل هذه الأطراف هي جهات وأطراف إسلامية..؟ فالقول الفصل سيكون.. الدين الإسلامي له رب واحد ونبي واحد وكتاب واحد في فكر وعقيدة كل مسلم مهما اختلف شكله ولونه ومذهبه؟ والانجرار وراء هذه الولاءات والنعرات المذهبية الطائفية لا يصب في المفهوم الوطني والإنساني بل ينزلق به الى منحدر الطائفية البغيضة.

المصالحة الوطنية كمفهوم تصالحي مبني ومرتكز على أسس الوطنية الحقه هو مطلب شعبي وجماهيري مقبول من الكل ولا يمكن رفضه كمفهوم علمي ووطني على ان يكون الطرح فيه موضوعيا شفافا لاتعلوه اية ضبابية او غموض للوقوف على الاهداف المرجوة من وراءها.

 وخلاصة القول ام من حق المواطن دستوريا وقانونيا وأخلاقيا ان يعرف مع من ستتصالح حكومته؟.. هل ستتصالح مع من قتله في الشمال ام مع الذي ذبحه في الجنوب ام مع الذي فجره في الوسط ام ستكون مع ازلام النظام السابق وفلوله المتناثرة ام مع الذي يريد سكب الزيت على نار الطائفية! ام التيارات الإرهابية التي استباحت ما استباحت من دماء الأبرياء طرف في معادلة الصلح.

وبلا شك ان مثل هكذا مشروع سيشعر المواطن العراقي ببعض الارتياح اذا ما انكشف عنه المحجوب والمستور مما يجري في دهاليز السادة الساسة، الذين اخفوا الكثير على هذا الشعب، او ليس من حقه ان يعرف مع من ستتصالح حكومته؟ او ليس من حقه ان يعرف من هم أعداءه؟ او ليس من حق الشعب ان يعلم ان هذه المصالحة مع تلك التيارات اللعينة يقع في مضمار الوطنية ام المقايضة!

ام ان البعض يقول ان المصالحة الوطنية جارية مع المقاومة العراقية الشريفة ضد الأجنبي المحتل؟ فيقول العقل والمنطق إن كانت تلك المقاومة شريفة بالفعل فلا تحتاج الى مصالحة البتة!

ويبدو ومن خلال ما تقدم ان المصالحة الوطنية ما هي إلا مصالحة داخلية بين الكتل البرلمانية والأحزاب والتيارات، فالكل يريد حصته من الكعكة العراقية مهما كانت ملطخة وملوثة بدماء الأبرياء والذين حصلوا على القطع الكبيرة تراهم يتحاورون رافعين راية المصالحة الوطنية لتبقى الكعكة بحوزتهم!

المصالحة الوطنية عند بعض الرؤوس تترجم الى بعض التوافقات السياسية بين الزعامات والقيادات وإن اتسعت قليلا فلن تكون أكثر من مؤتمر وفاق بين القوى الحزبية والتيارات السياسية وهو في بعض قراءتنا للواقع الحالي يمثل حقيقة عدد من المبادرات في هذا الإطار لاغير.. ومن ثمَّ فإنَّ ما يصدر من خطاب في ضوء هذا الاختزال سيظل قاصرا عن إشراك حتى جماهير القوى السياسية المعنية ويبقي الحوار الدائر محصورا خلف أسوار مؤتمرات واجتماعات تظل أسيرة بقيم المحاصصة الحزبية المشروطة من جهة وبأولويات برامج تلك القوى وفلسفاتها وخلفياتها ومرجعياتها وعلائقها محليا وإقليميا ودوليا.

من بين كل هذا وجد السياسي العراقي نفسه أمام ضرورة تغيير خطابه الاعلامي للإفلات من ضغوط تقدم الوعي الشعبي وردوده وأمام ضغوط مسيرة المحاصصة المقيتة وتبادل الأدوار والتضاغطات المصلحية بالخصوص... وهنا لابد من الحديث عن طبيعة الصراعات التناحرية الموجودة التي فرضت لغتها باتجاه مبادرة بعينها في إطار العملية الحكومية وإعادة حقائب المحاصصة للمشاركة مستبدلين بهذا التوجه عملية سياسية بأخرى، بمقابل حالة من الوعي الجمعي العراقي المصرّ على الشروع بعملية مصالحة وطنية حقيقية تمثل مصالحة مع الذات والهوية العراقية في جوهرها واعترافا بالآخر بدءا من حال التنوع في الطيف المكون للمجتمع العراقي ومرورا بالتركيبة الفكرية السياسية العراقية وليس انتهاء بالتأكيد بمصداقية الأطراف كافة وتطمين الثقة بينها بقدر ما يستمر لتوليد أوضاع جديدة في العراق الجديد نوعيا.

ان نجاح مشروع المصالحة الوطنية في العراق يؤشر على حقيقة مهمة تتمثل بالجهود المبذولة من قبل الحكومة نفسها في السعي لبناء مجتمع الاستقرار والسلم في العراق الديمقراطي، ونبذ العنف بكل أشكاله بما فيه الإعلامية قبل العسكرية، وبالتأكيد فإن مشروع المصالحة الوطنية مطلب مهم وضروري للشعب العراقي خاصة وإنه مشروع اجتماعي من شأنه أن يؤطر علاقة المجتمع العراقي وتماسكه ووحدته. ويعرف الجميع بأن هذا المشروع قطع شوطاً كبيراً في السنتين الأخيرتين وعزز من الأمن والاستقرار في البلد بدرجة لمسها المواطن العراقي في عموم البلاد وتركت آثاراً إيجابية على الإستقرار السياسي والنمو الاقتصادي في البلد.

ومن الضروري هنا أن يفكر الساسة في مرحلة ما بعد المصالحة وما تتطلبه من إستراتيجيات عديدة في مجالات كثيرة وأهمها ضرورة ممارسة الدولة لوظيفتها الاعتبارية، ويتجلى ذلك في وضع آلية الضبط الاجتماعي موضع التنفيذ بحيث يمنع هذا الضبط من عودة مظاهر الفوضى الاجتماعية التي مكنت بعض دعاة الفتنة من الظهور على الساحة، فطفقوا يصدرون الأحكام والفتاوى التي ما أنزل الله بها من سلطان وتكوين أفكار جديدة علينا جميعاً نبذها واستئصالها.

وأيضا التأكيد على ضرورة رعاية ما تحقق في ظل المصالحة الوطنية حتى تبقى هذه المصالحة على مستوى التصور والواقع مكسبا كبيرا لا يجوز التفريط فيه بأي حال من الأحوال، وأعتقد أن الضمان الوحيد للحفاظ على مكاسب المصالحة الوطنية يقتضي بالضرورة في المقام الأول القضاء على أسباب الأزمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وأعني بذلك وضع آليات جديدة وتحديد أولويات تأخذ الجانب الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بعين الاعتبار وتكون مراعاة الجانب الاجتماعي وتوفير مزيداً من فرص العمل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 26/أيلول/2011 - 27/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م