الأجهزة الامنية العراقية وتخلفها عن مفاهيم (الحوكمة)

رياض هاني بهار

الحوكمة أو الحكم الرشيد أو «إعادة اختراع الحكومة» و«الحكمانية» وغيرها، تعددت المصطلحات والمفهوم واحد متعلق بالأدوار الجديدة للحكومة، وكلها تدور في فلك الإصلاح الإداري وتجديد أداء الحكومات للأفضل بالقيام بواجباتها بالشكل الصحيح وخدمة مواطنيها والمستفيدين من خدماتها بأداء متقن.

وضعت بعض المؤسسات العالمية محاور أساسية لمفهوم «الحكومة» و«الحكم الرشيد»، ففي رأي المفوضية الأوروبية أن الحكومة الرشيدة هي «الصراحة ـ المشاركة ـ المحاسبة ـ الفعالية ـ التوافق المنطقي»، وفي رأي منظمة التعاون الاقتصادي «احترام دور القانون ـ الصراحة ـ الشفافية ـ المحاسبة للمؤسسات الديموقراطية ـ العدل والمساواة مع المواطنين»، ويمكن تعريفها كذلك على أنها الحكم الرشيد، الذي يتم تطبيقه عبر سلسلة من القوانين والقواعد التي تؤدي إلى الشفافية وإنفاذ القانون وتقر مبدأ المحاسبة والإنصاف.

الحوكمة ecnanrevoG هي كلمة يونانية الأصل مشتقة من كلمة onrebuk التي تعني القيادة أو التوجيه، وقد استخدمت للمرة الأولى مجازاً من قبل أفلاطون في وصفه «للرجل الذي يقود أو ينظم عملاً»، ومن ثمّ تم نقلها إلى اللغة اللاتينيةِ eranrebuG وبعد ذلك إلى العديد مِن اللغات. الترجمة العلمية لهذا المصطلح ـ والتي اتفق عليةا ـ هي انها: "أسلوب ممارسة سلطات الإدارة الرشيدة"

يعد مصطلح الحوكمة هو الترجمة المختصرة التي راجت للمصطلح orporate Governance، أما الترجمة العلمية لهذا المصطلح، والتي اتفق عليها، فهي: " أسلوب ممارسة سلطات الإدارة الرشيدة "، ويمكن توضيح الحوكمة في صورة مثلث له 3 أضلاع، تقع الحوكمة داخل هذا المثلث.. وفى الضلع الأيمن منه إدارة امنية متميزة.. وفى الضلع الأيسر مجلس الأمناء.. وتمثل قاعدة هذا المثلث اللوائح والقوانين المنظمة لعمل المؤسسة.

تعتبر الحوكمة هي الحل الجذري لمشاكل كثيرة، تعترض المجتمعات وتخرجها من سلسلة الأزمات والكوارث التي حلت بها وقضت على كثير من مواردها وإمكاناتها، وقد ظهر هذا المفهوم منذ قديم الزمن ولكنه عاد مجدداً في الفترة الأخيرة، وانتقل مفهومه من السياسة وإدارة الدولة إلى المؤسسات والهيئات التي عانت كثيراً نتيجة لغياب الإدارة الرشيدة أو نتيجة للممارسات الخاطئة التي تتبعها، والتي تنعكس بالسلب على المستفيدين من خدمات هذه المؤسسات. وليس شرطاً أن تطبق الحوكمة نتيجة للممارسات الخاطئة التي تتبعها الجهات، بل ان تطبيقها يمكن أن يُسهم أيضاً في تعزيز مستويات الشفافية بها وتحسين خدماتها.

 نتطرق لها كتعريف اصطلاحي، حيث تعرَّف بأنها (مجموعة من القوانين والنظم والقرارات التي تهدف إلى تحقيق الجودة والتميز في الأداء، عن طريق اختيار الأساليب المناسبة والفعالة لتحقيق خطط وأهداف المنظمة).

أهمية الحوكمة للمؤسسات الامنية:

تحقق الحوكمة العديد من المزايا إذا ما طبقت في المجال الامني، من أهم هذه المزايا، ما يلي:

- تساعد القيادات على تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة، تساند وتدعم القيادات على اتخاذ القرار بأعلى درجات الرشد والموضوعية، تحدد المسؤوليات والمهام، تدعم الالتزام بالقوانين والأنظمة، تعزز الثقة والمصداقية، ترسخ مبدأ الشفافية، توفر بيئة وعلاقات عمل متميزة، تحقق الاستخدام الأمثل للموارد، تساهم في تقديم خدمات متميزة، تبني جسراً من التواصل مع الشركاء والمواطنين.

 إن للحوكمة أهدافاً أو بالأحرى تسعى إلى تحقيقها، ومنها:

تطبيق مبدأ المساءلة وتطبيق مبدأ الشفافية، الالتزام بتطبيق القوانين والنظم واللوائح، تحقيق الأهداف المخطط لها بكفاءة عالية، اتخاذ القرار القيادي بصورة سليمة من خلال اسلوب المشاركة في صنعه.

الأهداف الفرعية لحوكمة الأجهزة الامنية:

 كما أن الحوكمة تساعد على تحقيق العديد من الأهداف الفرعية، منها:

 القضاء على البيروقراطية، مساعدة القيادات في تحقيق الأهداف واتخاذ القرارات بأفضل الطرق، تحديد المسؤوليات والمهام، الحث على الالتزام بالقوانين والأنظمة، تعزيز الثقة والمصداقية، ترسيخ مبدأ الشفافية، توفير بيئة وعلاقات عمل متميزة، وضع أسس للمكاشفة والمحاسبة، المساهمة في تقديم خدمات متميزة، زيادة كفاءة وفعالية الجهاز الأمني، بناء جسور من التواصل والتعاون مع الشركاء، الاستخدام الأمثل للموارد، تعزيز العلاقة بين الشرطة والمجتمع المدني، إدارة المخاطر بكفاءة وفاعلية.

انّ أحد أهمّ مبادئ الحوكمة الرشيدة هو تعزيز سيادة القانون بحيث يغدو ذلك آليّة تضمن احترام حقوق الانسان، وتسعى المعايير العالميّة والاتّفاقيّات الديموقراطيّة التي تهدف الى الارتقاء بحقوق الانسان، الى تعزيز مبدأ مساءلة المواطنين لممثّليهم السياسيّين وتسلّط الضوء على من أغفلت الأنظار عنهم وفشلت فوائد المحاكمة القانونيّة في حمايتهم. انّ لكل إنسان أينما وجد الحق في أن يعترف بشخصيته القانونية، من دون أيّ تفرقة أو تمييز.

لذلك فهي بحاجة إلى تشخيص ورصد، ووضع آليات تقيس أداءها من خلال وضع مؤشرات للحوكمة ومنها على سبيل المثال:

عدد المقبوض عليهم وفق الإجراءات الأمنية، عدد قضايا الفساد التي يهتم لها رجال الشرطة، عدد قضايا التعذيب التي يهتم لها رجال الشرطة، نسبة القضايا المفروضة للجمهور بشفافية من مجموع القضايا المتاحة لهم، نسبة منتسبي القوة المحالين إلى المحاكم الذين تمت تبرئتهم من المجموع العام إلى الذين تقدموا بشكاويهم وتظلماتهم وثبتت صحتها من المجموع العام له.

وتعميقاً لهذا الطرح يجب أن تولي القيادة هذه المواضيع (الحوكمة) اهتماماً كبيراً من خلال رفع مستوى ثقافة الحوكمة لمنتسبي الأجهزة الامنية ونشر الوعي بها من خلال الوسائل المتاحة. لأن منهجيات وآليات وتطبيقات الحوكمة عديدة، وان البرامج التدريبية على مستوى القيادات العليا والوسطى لاتوجد لديها صورة عن هذه المفاهيم اضافة الى خلو المناهج الدراسية في كلية الشرطة والمعهد العالي للتطوير الامني والاداري. وتهيئة مختصين لإلقاء المحاضرات على قادة الشرطة والأجهزة الامنية الاخرى.

وفي النهاية نرى أن هذا الطرح الذي قدمناه يعزز أدواراً وممارسات في مجال تطبيق الحوكمة كمفهوم يهدف في النهاية إلى التميز والجودة، وهذا هدف عام لكل المنظمات المتميزة لتعريف المتدربين بمفهوم ومضمون ومرتكزات الحوكمة، وبالمعايير الأساسية الخاصة بها، وبأهميتها للعمل الامني، ومتطلبات ومحددات تطبيقها في المجال الامني، كما تهدف إلى التعريف بالمؤشرات الكمية التي يمكن أن تعكس مختلف جوانب الحوكمة الشرطية.

* خبير بالشؤون الامنية

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 26/أيلول/2011 - 27/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م