
شبكة النبأ: بعد أن أسقطت ليبيا
طاغيتها "المجنون" بحب السلطة، بات الكل يجمع على إطلاق التحذيرات
وإبداء المخاوف من القادم، ففي وسط الصحراء تتربع ليبيا بملايينها
الستة مع خيراتها الوفيرة وحلمها الطموح، مع جرح لم يندمل بعد، ولما
تنتهي الكثير من المسائل العالقة والتي اجلها الثوار لحين الانتهاء من
إزاحة نظام ألقذافي عن الحكم وبصورة نهائية، ومع قرب تحقيق هذا الحلم،
برغم هروب ألقذافي وبقاء بعض المقاومة البسيطة من هنا وهناك، فقد تعالت
الأصوات التي شاركت في نجاح الثورة من القبائل والثوار والشخصيات
السياسية الأخرى حول مصير ليبيا والحكم والمناصب والأموال والمصالحة...الخ،
ومع تأكيد المجلس الانتقالي إن الكل سيشهد تحولاً ديمقراطياً في ليبي،
ولن يهمش أي دور فيه، وان المصالحة في سلم الأولويات، والاستفادة من
تجارب السابقين وخصوصاً "التجربة العراقية"، وغيرها من الرسائل التي
أطلقها المجلس من اجل تطمين المتحيرين وتهدئة الخواطر لكن ليس قبل أن
تحرر كامل أراضي ليبيا ويبسط الثوار سيطرتهم على المناطق الساخنة.
الصراع على السلطة
اذ يتعين على المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا المدعوم دوليا تأسيس
حكومة تتمتع بمصداقية في طرابلس حيث تتدافع على النفوذ الكتائب المسلحة
التي تكونت بشكل مؤقت ولم يوحدها سوى الحرب على معمر القذافي التي
استمرت ستة أشهر، ومن المقرر اجراء انتخابات ولكنها الان احتمال بعيد
على ما يبدو بالنسبة لشتى جماعات المقاتلين الباحثين عن حصة في ليبيا
المستقبل، واتهم محمود جبريل رئيس الوزراء الليبي الفعلي في المجلس
الوطني الانتقالي في أول زيارة له للعاصمة طرابلس منذ الاطاحة بالقذافي
في 23 من أغسطس اب الاطراف الاخرى ببدء لعبة سياسية مهددا بالاستقالة
اذا تفجر الاقتتال داخل الحركة التي أطاحت بالقذافي، وكان المجلس
الوطني الانتقالي عمل من مدينة بنغازي بشرق ليبيا مهد الانتفاضة التي
تفجرت في 17 من فبراير شباط، وتعثر القتال على الجبهة الشرقية لشهور
الى أن تمكنت ميليشيات من الجبل الغربي ومدينة مصراتة الساحلية من قلب
الطاولة في النهاية على قوات القذافي، وأقامت هذه الوحدات قواعد في
طرابلس وكتبت على الجدران والسيارات بالطلاء أسماء البلدات التي وفدوا
منه، ويضع بعض المقاتلين عصابات ويرتدون قمصانا عليها اسم الكتيبة التي
ينتمون اليه، وكثيرا ما يطلق المسلحون الجامحون النار في الهواء مما
يخيف سكان طرابلس، واذا لم يكن في هذا ما يكفي فان بعض الليبيين
يعتقدون أن فرنسا وبريطانيا وقطر ودولا أخرى ساعدت الانتفاضة بالمال
وبالقوات الجوية والقوة الدبلوماسية تؤيد الان معسكرات متنافسة، وقال
موسى يونس متحدثا باسم كتائب مقاتلين من بلدة جادو في غرب ليبيا "الوضع
حساس، كل ما يحدث في الوقت الحالي هو استعراض للقوة، أشعر بالاسف لذلك".
وهؤلاء المقاتلون الى جانب مقاتلين من مصراتة التي عانت من حصار
مدمر على أيدي قوات القذافي يشعرون بأن دورهم في الاستيلاء على طرابلس
يؤهلهم لحصة في السلطة، وتساءل يونس الذي يحتل مقاتلوه معسكرا على
الشاطئ في منتجع كان مملوكا للقذافي "الكتائب من مصراتة وجادو تخشى أن
يأتي أناس جدد من مكان غير معروف ويحاولون السيطرة وسرقة الثورة، هؤلاء
الناس من يكونون"، والى جانب هذه الكتائب هناك مجموعة من المجالس
واللجان التي تشكلت حديثا والمتداخلة أحيانا لادارة العاصمة، وكثيرا ما
تكون سلطتها محل خلاف، وقال محمد الفورتية وهو قائد عسكري من مصراتة "يريدون
ابقاءنا بعيد، لكننا سنبقى في طرابلس"، ومضى يقول "اذا كان لديك القوة،
سيحترمونك، لدينا القوة لم لا نستخدمه، لم لا نقاتل لكن وجودنا مهم"،
ووجه المجلس الوطني الانتقالي رسائل مختلطة للكتائب التي أقامت معسكرات
في طرابلس حيث وجه بعض المسؤولين الشكر لهم على دورهم لكنهم طلبوا منهم
برفق أن يغادروا العاصمة بينما يصر اخرون على بقائهم قائلين انه لا
يزال لهم دور مع القذافي الذي لا يزال مطلق السراح، ويقوض اطلاق النار
الذي يدوي في طرابلس معظم الايام جهود زعماء ليبيا الجدد لتقديم عاصمة
تعود فيها الامور الى طبيعتها وبلد يتحرك نحو حكم ديمقراطي مدني، وقال
متحدث باسم المجلس الوطني الانتقالي ان عبد الحكيم بلحاج وهو اسلامي
حارب من قبل في أفغانستان ويرأس في الوقت الحالي المجلس العسكري في
طرابلس يتعين عليه الان أن يفرض النظام على قوات المعارضة السابقة.
بحسب رويترز.
وقال المتحدث جلال القلال ان بلحاج أمامه تحديات هائلة، عليه أن يضع
هيكلا وأن يوحد القوات بالتعاون مع السلطة التنفيذية ووزارة الدفاع،
ولكن بعض الكتائب تنازع بلحاج سلطته ويفترض أن يكون مجلسه العسكري
مسؤولا امام لجنة عليا للامن في طرابلس تشكلت مؤخر، وقال عبد المجيد
مليتا الذي قدمت كتيبته من زليتن الى الجنوب من طرابلس "لم يطلب أحد
منا أن نغادر"، بلحاج صديق وأخ له كتيبة مثلنا تمام، ان وسائل الاعلام
هي التي تبالغ في وضعه، كل يعزف لحنه، ولكن الكلمات والعمليات الحقيقية
تكمن في المكتب التنفيذي للمجلس الوطني الانتقالي"، وسيحكم المجلس
الانتقالي الى أن تجرى انتخابات ويوضع دستور ولكن تلك العملية قد تكون
طويلة ولن تبدأ الا عندما يعلن أن "ليبيا تحررت"، ولم يحدد المسؤولون
في المجلس الانتقالي المطلوب لاعلان كهذا رغم أن البعض يقول ان القذافي
يجب أن يقتل أو يعتقل ويجب أن تستلم الجيوب التي لا تزال موالية له في
ليبي، وفي هذه الاجواء الغامضة تنتشر الشائعات لاسيما قصص التدخل
الاجنبي في الصراع على السلطة، وقال مصدر في المجلس الوطني الانتقالي
رفض الكشف عن اسمه "الكل يحاول أن يحصل على قطعة من الكعكة، الفرنسيون
والقطريون والبريطانيون، يقدمون دعما ماليا وعسكريا ومخابراتيا"، وقال
مسؤول عسكري كبير في المجلس الوطني في جلسات خاصة ان القطريين الان
يقدمون المال والسلاح لبلحاج ولزعيم اسلامي اخر هو اسماعيل الصلابي
الذي يقود نحو ثلاثة الاف مقاتل في كتيبة 17 فبراير ومقرها بنغازي.
وقال ان فرنسا تدعم مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي
وجبريل الذي يرأس حكومة المجلس، ودعا الصلابي المجلس الوطني الى
الاستقالة هذا الاسبوعى لان بعض أعضائه كانوا أعضاء في النظام القديم،
واستقال عبد الجليل من منصب وزير العدل في حكومة القذافي بعد أن
استخدمت العنف ضد الاحتجاجات، وكان جبريل رئيسا لمركز بحوث اقتصادية في
عهد القذافي، ولم تكن حكومة القذافي علمانية الا أنه قمع بشدة
الاسلاميين الذين رأى أنهم خطر عليه، وقال مسؤول اخر في المجلس الوطني
الانتقالي ان تأييد قطر لاكثر من فصيل اسلامي يعبر ببساطة عن اتصالاتهم
الاوسع في ليبي، وأضاف المسؤول "يمكنهم الحديث لكل الاطراف لانه لا
توجد حواجز ثقافية أو لغوية، الفرنسيون لم يتعاملوا أساسا الا مع
العلمانيين" في اشارة الى قيادة المجلس الوطني، والكراهية التي
يستشعرها البعض ضد أعضاء المجلس الوطني قد تكون قاتلة في ضوء مقتل عبد
الفتاح يونس في يوليو تموز الماضي، وكان يونس "وهو علماني او على الاقل
غير اسلامي" وزير داخلية سابقا للقذافي قبل ان ينشق عليه ويتولي قيادة
قوات المعارضة، وقتل بعد ان تم احتجازه على ايدي فريقه من أجل استجوابه،
ويقول مسؤولون ان عبد الجليل وجبريل قاما بتأجيل ظهورهما في طرابلس
لانهما منهمكون في حشد التأييد من أجل ليبيا في الخارج ويقول اخرون
انهما يخشيان الانتقال الى مدينة قد ينتظرهما فيها خصوم قاتلون.
قادة منقسمون
في سياق متصل لم يوحد بين حكام ليبيا الجدد سوى الرغبة في التخلص من
الزعيم المخلوع معمر القذافي وفيما التقوا بزعماء العالم بعد سقوطه
المفاجيء تسلط الاضواء الآن على انقساماتهم، ووسط الارتباك المحيط
بسيطرتهم السريعة على الحكم اخيرا يتزايد الارتياب المتبادل داخل
ائتلاف المعارضة المتداعي وتتعمق الشكوك بين ابناء الشعب الليبي الذين
يتعين عليهم أن يقودوهم الآن، ويسعى الثوار المنتصرون لتحقيق الوحدة
الوطنية، ويقود المجلس الوطني الانتقالي شخصيات من شرق ليبيا الذي حرم
من المزايا لفترة طويلة فضلا عن معارضين بارزين من النظام القديم وهو
يقع تحت ضغط من داخل ليبيا ومن داعمين غربيين لتشكيل حكومة مستقرة
وشرعية تضم مختلف المناطق والقبائل، لكن هذه مهمة صعبة في دولة طمس
فيها القذافي المؤسسات منذ سيطر على الحكم في انقلاب عسكري في الاول من
سبتمبر 1969 باستثناء الاسس الملتوية لحكمه الذي يعتمد بشدة على شخصيته،
ويعي المجلس الوطني واصدقاؤه الدوليون الكارثة التي حلت بالعراق بعد أن
حل الاحتلال الامريكي جيش الرئيس العراقي صدام وحزب البعث مما أدى الى
تسريح أعداد كبيرة من الرجال المسلحين الغاضبين الذين يعانون البطالة،
وهذا خطأ تحرص القوى الغربية على عدم تكراره، وهناك شكوك كبيرة خاصة
بين طليعة شبان الثورة الليبية بشأن دوافع الحلفاء السابقين للزعيم
المخلوع الذين يهيمنون على المجلس الوطني تحت قيادة وزير العدل في نظام
القذافي سابقا مصطفى عبد الجليل، وقال مصطفى الفيتوري وهو استاذ جامعي
وكاتب في طرابلس انه اذا كان أعضاء المجلس يريدون الاصلاح او قادرون
عليه لكانوا فعلوا هذا حين كانوا يشغلون مناصبهم القديمة.وأضاف أنهم
ينتمون لنظام القذافي ويحملون نفس عقلية النظام القديم وبالتالي فان
كثيرين يتشككون في أمانتهم وقدراتهم.
وتابع قائلا ان هناك خصومات وتوترات بين الشبان الذين قادوا الثورة
والزعماء المسؤولين عن السياسة، وأضاف أنهم يشعرون أن دورهم يهمش، كما
تشعر فصائل أخرى خاصة من غرب ليبيا فضلا عن أعضاء حلف الاطلسي بالقلق
من وضع أصول ليبيا المجمدة في الخارج التي تقدر بنحو 170 مليار دولار
في أيدي كيان لم يظفر بعد بثقة وطنية واضحة، وقال سعد جبار وهو محام
جزائري مقيم في بريطانيا وكان يعمل لحساب حكومة القذافي في قضية تفجير
لوكربي ان الغرب يدرك أن المجلس الوطني الانتقالي يفتقر الى التنظيم
وليس متجانسا ولهذا فهو حذر، ويرى بعض متابعي الشأن الليبي أنه يجب الا
ينتهي التحالف مع القوى الغربية بالانتصار العسكري الذي أطاح بالقذافي،
وقال جبار ان الغرب حكيم لانه لم يفرج عن الاصول الليبية المجمدة قبل
أن يحدد الاجراءات ويضع الية للشفافية والرقابة والحكم الرشيد، وتعاني
ليبيا من نقص في كل شيء ابتداء من المياه والكهرباء وانتهاء بالسلع
الغذائية الاساسية ولم تفلت الثقة من هذا النقص، وقال الفيتوري ان
الناس سعداء بالتحرير وسقوط النظام لكن الواقع اكثر تعقيد، وأضاف ان
الفوضى في توفير الخدمات والمياه والكهرباء تنطبق ايضا على المشهد
السياسي والعسكري، ويقول مسؤولو المجلس الوطني الانتقالي ان المجلس
الذي يتكون من 40 عضوا والذي تعكس تشكيلته توازنا بين رغبة في الكفاءة
وحاجة الى التوافق واجه تحديا من البداية وهو الموائمة بين الطموحات في
الديمقراطية للشبان الليبيين الذين أطاحوا بحكم القذافي ووجهات نظر
شيوخ البلدات والقرى الذين يخشون على النظام الاجتماعي التقليدي للبلاد،
وقال الفيتوري ان المعارضين من جميع الاطياف والقبائل والانتماءات
اجتمعوا سويا واتحدوا في هدفهم وهو اسقاط النظام لكن خلافاتهم القديمة
بدأت تظهر الآن بمجرد ان حققوا هدفهم، وتابع أن هناك اختلافا في
الاجيال بين الجانبين وأن هناك رؤية مختلفة تفصل بينهم، ومضى يقول ان
هناك صداما بين المعارضين الشبان وزعماء المجلس الوطني الذين ينتمون
للجيل القديم، كما أثار عدم تمكن كبار القيادات بمن فيهم عبد الجليل من
الظهور في العاصمة طرابلس بعد عشرة ايام من سقوط طرابلس بعض التساؤلات
خاصة خلال عطلة عيد الفطر، وفي ظل معاناة كثيرين في المدينة من ويلات
الصراع فانهم يشعرون بالارتباك لقضاء قادتهم الجدد معظم وقتهم في
الخارج.
وسرت مخاوف ايضا من أن ثوار اليوم قد يحذون حذو من سبقوهم الذين
أطاحوا بالملك ادريس عام 1969 في حقبة ما بعد الاستعمار تحت لواء ارساء
العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة، وقال جبار ان ثوار القذافي
تحولوا الى منتفعين من الثروة وتابع ان على الغرب أن يظل يمثل عيون
ليبيا واذانها والا فان مؤسسة الفساد التي قامت لفترة طويلة ستستمر،
وبدأ الحلفاء الغربيون للمجلس الوطني توفير تمويل تدريجي للادارة
الناشئة وقد وصلت مؤخراً مئات الملايين من الدولارات، وقال الفيتوري ان
الغرب قلق من المجلس الوطني الانتقالي وكيف سينفق الاموال مشيرا الى
غياب الثقة في الاليات القائمة او الاشخاص الذين يديرون هذه الاجراءات
لتوزيع مليارات الدولارات، ومن بين المؤشرات الاولية التي سيبحث عنها
الليبيون للتأكد من قدرة المجلس على التعامل مع تحدياته خطوات لتوسيع
نطاق عضويته ليشمل شخصيات أخرى ذات مصداقية وتأثير تستطيع كسب تأييد
واحترام قطاعات كبيرة من المجتمع بما في ذلك أنصار القذافي، وقال جبار
ان من الافضل أن يتواصل المعارضون مع خصومهم والقبائل الموالية للقذافي
وأتباعه والا فانهم سيقاتلون بشراسة ويواصلون الحاق الضرر، وعلى الرغم
من أن ليبيا لم تعاني من الانقسام الطائفي الذي أذكى سفك الدماء في
العراق بعد صدام حيث ان معظم الليبيين من السنة فان هناك الكثير من
التوترات التي قد تسبب مشاكل، ومن المرجح أن تظهر طموحات الاسلاميين
الذين قمعهم القذافي بشدة في مجتمع اكثر تدين، وعلى الرغم من أن الحركة
المعارضة استقطبت ليبيين من جميع الاطياف من علمانيين وقوميين
واسلاميين وشيوخ قبائل فان جماعة الاخوان المسلمين تبدو القوة الاكثر
تنظيم، وعلى غرار جماعة الاخوان المسلمين في مصر والجماعات الاسلامية
الاخرى التي تستفيد ايضا من الاطاحة بالحكام الشموليين العلمانيين في
انتفاضات الربيع العربي فان جماعة الاخوان في ليبيا ذات مرتكزات
اجتماعية وشعبية قد تساعدها في لعب دور قيادي مستقبل، وقال الفيتوري ان
الليبيين يميلون الى الالتزام بالدين الاسلامي وان جماعة الاخوان ستجد
دعما واسعا بين المواطنين في اي انتخابات مستقبلية.
تجنب التجربة العراقية
بدورهم وعندما يتصدى المسؤولون الذين يديرون شؤون ليبيا خلال الفترة
الانتقالية بعد الزعيم المخلوع معمر القذافي لفحص قائمة مهامهم الأكثر
إلحاحا فانهم سيتحدثون عن توفير المياه ودفع الرواتب أو تصدير النفط
ويضيفون شيئا مختلفا تمام، ألا وهو دعم المصالحة، وربما كان التركيز
على الصفح أمرا غير وارد على ما يبدو خلال اجتماعات عقدت في باريس
مؤخراً عندما ناقش زعماء دوليون والادارة الجديدة في ليبيا مشكلات
الديمقراطية والاستثمار والافراج عن الاموال الليبية المجمدة بالخارج،
ولكن نموذج العراق الذي غرق في الفوضى والقتال الدامي بعد الغزو الذي
قادته الولايات المتحدة عام 2003 أقنع الليبيين الذين يخططون للانتقال
من الديكتاتورية والحرب ان احتياجات البلاد اكثر من كونها مجرد
احتياجات يومية، وقال عارف علي نايض رئيس لجنة اعادة الاستقرار في
المجلس الوطني الانتقالي، انه لا يمكن بناء دولة اذا لم تتحقق المصالحة
ويسود الصفح، واضاف ان المصالحة رسالة يحملها جميع اعضاء المجلس
الانتقالي والزعماء الدينيون والمجالس المحلية، وفريق اعادة الاستقرار
الذي يضم حوالي 70 ليبيا بقيادة نايض على دراية كبيرة بالاخطاء التي
اعقبت الاطاحة بصدام ما جعلهم يتأكدون من انهم لن يكرروا أخطاء اكثر
فظاعة ومنها نهب المتحف الوطني في بغداد، وقال نايض انه سعيد للاعلان
عن انه لم تتعرض متاحف في طرابلس للنهب مؤكدا على ضرورة حماية التراث
الثقافي للبلاد. بحسب رويترز.
واضاف ان البنوك ايضا جرى تأمينها مبكر، وعلى نقيض ما حدث في العراق
حيث ساعد قرار أمريكي بحل وتسريح جميع افراد الجيش وحزب البعث في دفع
رجال الى التمرد المسلح ستبقي طرابلس على جميع المسؤولين في عهد
القذافي في مناصبهم لضمان الاستمرارية، وقال نايض ان التدمير والتفكيك
مسار خاطيء مضيفا أنه من الافضل اتباع نهج محافظ حتى وان كان غير واف
مع البناء عليه بتريث، ويمثل التركيز على المصالحة امرا طبيعيا بالنسبة
لنايض بوصفه "وبخلاف عمله رئيسا لشركة لتكنولوجيا المعلومات وسفيرا
للمجلس الوطني الانتقالي الجديد لدى الامارات" نشطا في مجال الحوار بين
الأديان، وهو عضو بارز في مبادرة "كلمة سواء" للحوار مع الكنائس ويدير
مؤسسة بحثية في مجال الاديان في دبي كما انه مدرس بمدرسة اسلامية في
طرابلس مسقط رأسه، وكان نايض موجودا في طرابلس عندما قمع الجيش أول
احتجاج هناك في فبراير شباط واصدر مع علماء مسلمين آخرين فتوى تحض
الليبيين على معارضة القذافي ثم غادر طرابلس ليبدأ تجهيز معونات دولية
للمعارضة، وقال انه بدأ بفريق محدود في دبي ثم توسع الى شبكة من
الليبيين المقيمين بالخارج، واعد ليبييون منفيون في البحرين ولندن
وجنيف خططا للاقتصاد بينما تابع اخرون في تونس ومصر ومالطا الاحتياجات
الانسانية، وعالج منفيون آخرون في الولايات المتحدة وبريطانيا قضايا
حقوق الانسان والتعليم والمرأة بينما تولت مجموعة في دبي الشؤون
اللوجيستية، وركز لييبون في كندا وألمانيا ودول اخرى على الاتصالات،
وعمل كل هؤلاء دون مقابل، وقال نايض ان علماء اسلاميين ومفكرين يساريين
واسلاميين وسعوا مجموعة التخطيط التي وصفها بالشبكة، ومن عمله في مجال
الحوار بين الاديان اختار نايض زملاء له في جامعات كمبردج وييل
وبرنيستون للضغط على حكوماتهم لدعم المعارضة ضد القذافي، وبعد تأسيس
المجلس الوطني الانتقالي في بنغازي اسندت لمحمود جبريل رئيس المكتب
التنفيذي للمجلس الذي عين نايض رئيسا للجنة إعادة الاستقرار مهمة ادارة
الشبكة.
الوظائف والسياسة
الى ذلك أصاب مقاتل شاب قدمه بطلق ناري عن طريق الخطأ بينما راح
آخرون يطلقون النار في الهواء بحماس شديد في حين كادت شاحنة ان تدهس
عددا من المارة وهي تنطلق مُسرعة أمامهم، وعلى هذا النحو يحتفل الرجال
الذين أطاحوا بمعمر القذافي كل ليلة، وسيكون نزع سلاح "الثوار" الذين
تغمرهم نشوة النصر مُهمة ثقيلة لقادة ليبيا الجدد الذين سيتعين عليهم
إيجاد وظائف وتمثيل سياسي لهؤلاء الرجال بعد شهور من الحرب، فكثير من
المقاتلين انضموا الى وحدات مُسلحة تنتمي في الاغلب الى بلداتهم وفي
حين يوجد حاليا فيض من النوايا الحسنة بين جماعات المقاتلين فمن السهل
أيضا رؤية التصدعات مع النظر الى المستقبل السياسي والاقتصادي لليبي،
وقال سعود الحافي أحد منسقي الانتفاضة في العاصمة الليبية مُعلقا على
احتفالات الشبان في ساحة الشهداء بالمدينة "انه لشيء جيد لكن لكل شيء
ثمنه والثمن هو الفوضى"، وتحظر لافتة كبيرة في الساحة إطلاق النار في
الهواء، واضاف الحافي "أعرف كثيرا من هؤلاء الاشخاص وهم مستعدون لالقاء
أسلحتهم، لكنهم يريدون ان يروا الوظائف والامن، الوظائف هامة جدا جد،
انها احد الاشياء التي أشعلت الثورة"، ومثل الشبان الذين اطاحوا برئيسي
تونس ومصر في وقت سابق من هذا العام يقول المقاتلون الذين حملوا السلاح
بعد انتفاضة 17 فبراير شباط ان من الاسباب الرئيسية لانتفاضتهم نقص
الوظائف الجيدة وضعف الاقتصاد، وليبيا العضو بمنظمة البلدان المصدرة
للنفط (اوبك) دولة غنية ذات ديون قليلة وعدد سكانها صغير نسبيا يبلغ
نحو ستة ملايين نسمة لكن القذافي لم يفعل شيئا يذكر لتنويع الاقتصاد
الليبي بعيدا عن النفط وركز ثروة البلاد في ايدي عائلته، وقال نضال
الطياري (26 عاما) وهو احد المقاتلين المناهضين للقذافي في الساحة "سبب
الثورة هو الفقر، قلة سيطرت على كل شيء، سيستغرق الامر عاما او عامين
كي يتحسن الوضع الاقتصادي"، واضاف "اذا لم يتغير شيء فاننا نستطيع
القيام بثورة اخرى" رافضا المقارنة مع العراق الذي لم يحقق تقدما يذكر
في اعادة بناء اقتصاده وبنيته الاساسية بعد ثماني سنوات من الحرب،
والمقاتلون الشبان خاضعون نظريا لاشراف المجالس العسكرية المحلية التي
تخضع لاشراف مجلس عسكري وطني يخضع بدورة لقيادة المجلس الوطني
الانتقالي الحاكم حاليا في ليبيا.
لكن هشام بوهجيار القائد الكبير الذي قاد المقاتلين من الجبل الغربي
الى طرابلس قال ان تسلسل القيادة فضفاض والشبان متقلبون، وقال "هم ليسو
من النوع الذي اعتاد تلقي الاوامر بل من الناس، الغاضبين حقا والذين
يريدون فقط تغيير النظام، هم لا يعرفون كيف يفعلوا ذلك ومن الصعب جد،
أن تملي عليهم ماذا يفعلون، واضاف "علينا ان نقبل ان هؤلاء الرجال
أطاحوا بالقذافي، يتعين علينا ان نعطيهم حقهم (ادبيا) وان نستمع لهم،
نزع السلاح والوظائف على نفس القدر من الأهمية، اذا كان لدينا عدد كاف
من الوظائف الجيدة لهؤلاء الأشخاص فساعتها سنأخذ مزيدا من الأسلحة
وسنعلمهم كيف يعيشوا في بلد ديمقراطي متحضر حيث يمكن ان نتحدث بدون
أسلحة"، لكن مع مرور 13 يوما فقط على دخول المقاتلين المناهضين للقذافي
طرابلس لم يظهر المجلس الوطني الانتقالي عجلة في نزع سلاح الرجال
بالنظر الى ان القذافي لا يزال طليقا والقتال مستمر مع مجموعات من
أنصاره، وقال محمود شمام المتحدث باسم المجلس ان امريكا استغرقت سبع
سنوات لوقف العنف في بغداد وهي مدينة واحدة وانها تعيش في المنطقة
الخضراء منذ سنوات، واضاف ان هناك خلايا نائمة موالية للقذافي وطابور
خامس وان المجلس لن يتجاهل كل ذلك ويكون لطيفا أمام العالم ويقول انه
سينزع سلاح قواته، وأضاف ان توقيت هذه الخطوة ليس الآن بل يجب الانتهاء
من المهمة اول، وجلست مجموعة من المقاتلين المناهضين للقذافي اكبر سنا
ورتبة في منزل على الشاطيء كان مملوكا في السابق لزوجة القذافي ونفوا
أي انقسامات بين كتائب المناطق او القبائل المختلفة، وقال عارف عيسى
(36 عاما) "انا من نالوت لكني ذهبت للمشاركة في انتفاضة درنة"، وقال
ابراهيم زغلول من طرابلس "الناس من اماكن مختلفة شاركوا في انتفاضات
مختلفة، جميعنا خليط"، وانقسمت الاراء بين التواقين للتغيير السياسي
والمستعدين للانتظار لسنوات مشيرين الى انهم تحملوا حكم القذافي 42 عام،
وتشكل المجلس الوطني الانتقالي بعد قليل من بدء انتفاضة فبراير في
الشرق وأغلب أعضائه من هذه المنطقة، واعلن المجلس خططه للانتخابات التي
تبدأ بعدما يعلن "تحرير" ليبيا.
مقاتلي الطوارق في ليبيا
من جانبهم يحث زعماء الطوارق في النيجر ومالي مواطنيهم الذين قاتلوا
في جيش معمر القذافي على البقاء في ليبيا والالتفاف حول زعمائها الجدد
بدلا من أن يتجهوا جنوبا عائدين الى بلادهم، ويخشى زعماء الطوارق من
احتمال أن تؤدي عودة الاف المقاتلين المسلحين الى اثار مدمرة في منطقة
عانت لسنوات من التمرد وتسعى الان جاهدة للتصدي لحلفاء محليين للقاعدة
يتكسبون من خطف الرهائن الاجانب، وقال زعماء الطوارق أنهم حصلوا في
أوائل الشهر الماضي على تأكيد من المجلس الوطني الانتقالي الليبي لعدم
استهداف الطوارق من افراد الجيش النظامي لكنهم أشاروا الى أنهم وأفارقة
اخرين في ليبيا ما زالوا عرضة لخطر الاعمال الانتقامية، وقال ابراهيم
أج محمد الصالح عضو البرلمان في مالي عن بلدة بوريم في شمال البلاد "نحن
لا نشك في شركائنا في المجلس الوطني الانتقالي ولا في استعدادهم للمضي
قدم، لكن الحرب هي الحرب، هناك دائما عناصر منفلتة"، وأضاف الصالح الذي
يرأس "مجموعة اتصال" مع المجلس الوطني الانتقالي تضم 13 من زعماء
الطوارق في مالي والنيجر متحدثا في نيامي عاصمة النيجر "يجب أن يكون
المجلس الوطني الانتقالي على قدر المهمة وأن يحول قبل كل شيء دون تصفية
الحسابات"، وذكر الصالح أن مجموعته تستخدم اتصالاتها في ليبيا لحث
مقاتلي الطوارق في المعاقل القليلة الباقية الموالية للقذافي مثل سبها
في الجنوب الغربي على القاء السلاح ومساندة المجلس الوطني الانتقالي "دون
اراقة للدماء"، والطوارق من أكبر جماعات البدو الرحل في الصحراء الكبرى
وهم منتشرون في أنحاء شمال وغرب أفريقيا.
واستقر عشرات الالاف من الطوارق من مالي والنيجر منذ عقود في ليبيا
في عهد القذافي تاركين في ديارهم موارد طبيعية مثل اليورانيوم والذهب
لم تساعد حتى الان الشعبين اللذين يعيش الكثير من أفرادهما على أقل من
دولار في اليوم للفرد، وبعد انهيار نظام القذافي تعرض الطوارق وغيرهم
من المهاجرين الافارقة الذين يعملون في ليبيا لهجمات عنيفة ترجع
دوافعها فيما يبدو اما الى العنصرية المباشرة واما الى الاعتقاد السائد
بين كثير من الليبيين أنهم مرتزقة موالون للقذافي، وهون زعماء الطوارق
من شأن تقارير اعلامية ذكرت أن كثيرا من الافارقة هرعوا الى ليبيا في
وقت سابق هذا العام للقتال كمرتزفة لحساب القذافي قائلين ان المشكلة
الاهم هي عشرات الالاف من الطوارق الذين يخدمون منذ سنوات في صفوف
الجيش النظامي، وقال محمد أناكو رئيس المجلس المحلي في أجاديز بشمال
النيجر "كان علين، أن نقيم اتصالات بين المجلس الوطني الانتقالي
والطوارق القادمين من مالي والنيجر من أجل خلق الثقة حتى لا يرحلوا
(الطوارق من افراد الجيش النظامي) غدا بأسلحتهم ويعودوا الى النيجر
ومالي"، وأضاف "النيجر ومالي دولتان هشتان جد، لا تتحملان استقبال مثل
هذا التدفق لاننا نتحدث عن مئات الالاف من الاشخاص" بما في ذلك أفراد
عائلات الجنود الطوارق في الجيش الليبي الذين سيعودون معهم، وتعاني
منطقة أجاديز من انهيار السياحة التي كانت مزدهرة بسبب موجة من حوادث
خطف الاجانب المرتبطة بالقاعدة في منطقة الساحل ومع ذلك فقد استقبلت
بالفعل 80 ألف مهاجر عائد من ليبيا.
لكن الصالح ذكر أن زهاء 100 من هؤلاء فقط كانوا جنودا في جيش
القذافي، وقال "نقول لهم طوال الوقت أن يعودوا الى ثكناتهم" في ليبي،
وأكد فتحي بن خليفة عضو مجموعة العمل الليبية المناهضة للقذافي المقيم
في هولندا أنه يعمل مع المجلس الوطني الانتقالي وزعماء الطوارق خارج
ليبيا لحماية الطوارق في الداخل، وقال في اتصال هاتفي "كثير من الطوارق
كانوا ضمن جيش القذافي وأصدقاؤنا في مالي والنيجر يساعدوننا على حل
المشكلة"، وتابع "كثير من الشبان كانوا ضالعين مع القذافي، وتلقوا بعض
الاوامر من الضباط وأطاعوا" مضيفا أن كثيرين منهم انشقوا منذ ذللك
الحين وأن أقل من 100 من الطوارق يعتقد أنهم ما زالوا يقاتلون من أجل
القذافي، وتوقع الصالح أن يستغرق الامر ما بين أسبوعين وثلاثة أسابيع
لعودة سلطة القانون والامن بدرجة أكبر في ليبيا ولتوقف الهجمات التي
يتعرض لها الطوارق وغيرهم من الافارقة، لكن العائدين الى ديارهم من
ليبيا قالوا ان المئات يختبئون هناك حاليا ويخشون الخروج لئلا يتعرضوا
لهجمات من القوات المناهضة للقذافي، وقال سومايلا مامان (35 عاما) الذي
عاد مؤخراً الى بلده النيجر عن طريق سبها "كل ما أعرفه هو أن مئات
النيجريين سواء الذين قاتلوا من أجل القذافي أو العمال العاديين
مختبئون في بلدات هناك ويخافون الخروج"، وأضاف "المعارضون يعتبرون كل
السود والطوارق موالين للقذافي ولا يترددون في اطلاق النار عليهم". |