الدم العراقي الغالي

محمد علي جواد تقي

مرة أخرى يجري الدم العراقي في متاهات السياسة... مجزرة مروعة تقع وسط الظلام على حين غفلة كالصاعقة، فيسقط 22 شهيداً مضرجين بدمائهم في لحظات. إنها جريمة لا لبس فيها يدينها القانون الوضعي والسماوي، لكن في صبيحة يوم المجزرة يبدأ مسلسلاً آخراً. التهديد (بتدخل بقوات اتحادية لحماية الطريق). صمت وترقّب في الجانب الآخر. ثم اقتحام قوة عسكرية من كربلاء المقدسة محافظة الانبار واعتقال ثمانية اشخاص يشتبه في ضلوعهم بالجريمة.

استعراض بهيج للمعتقلين في احياء كربلاء من قبل قوى الامن، وقد رأيت أحد افراد الشرطة ينهال على أحدهم بالضرب على ظهر مركبة عسكرية امام أنظار الناس. ثم تهديد من عشائر الانبار و(اعطاء مهلة 24 ساعة لاطلاق سراح المعتقلين)! ثم يأتي دور التدخل الحكومي (الاتحادي) لإطفاء الغضب في كربلاء وإرضاء العشائر في الانبار وذلك تحت خيمة مجالس العزاء التي أعدت لهذا الغرض في مدينة كربلاء المقدسة، عندما وصل وفد من شيوخ عشائر الانبار الى كربلاء المقدسة لتقديم واجب العزاء بعد وصول معتقليهم من بغداد الى ديارهم.

سمعنا وتابعنا المشادات الكلامية والقرارات الفورية والمفاوضات و... لكن لم نسمع عن شرع الله تعالى وشرع القانون، فهل راح المغدورون ضحية نزاع عشائري بين كربلاء والانبار؟! أم بين نزاع سياسي بين مجلس محافظة كربلاء ونظيره في الانبار؟ أم بين الطائفة الشيعية والطائفة السنية؟

 لم تجف الدماء في الاكفان بعد حتى بات الهمّ والغمّ هو معالجة اعتراض الانبار على عملية اعتقال الاشخاص الثمانية، وبغض النظر عن صحة قرار الاعتقال او عدمه، فان تغييب القضية الحقّة بحد ذاته يطرح تساؤلاً كبيراً عن الاهمية والمكانة التي يُحظى بها الدم العراقي، ولو اننا نلتقي بالموت بين فترة واخرى في هذه المدينة او تلك، مع فارق ان المسؤول مجهول.

بينما الامر مختلف تماماً في حادثة (النخيب) فنحن امام لعبة دموية اعدّ لها سلفاً والدليل تفاصيل الجريمة التي حملت رسائل واضحة من الفاعلين بانهم ليسوا قطاع طريق او عابثين، فقد تركوا الاموال والنساء والممتلكات دون مساس، بما يؤكد ان ثمة لغة في الرسالة لا يفهمها إلا صاحبها، ولذلك نجد الاهتمام السياسي طفح على السطح بعد وصول موكب قوى الامن بمعية المعتقلين، فجاء التصريح من رئيس الحكومة بالتهدئة ومن رئيس البرلمان بالادانة ومن نائب رئيس الحكومة بالوساطة لاطلاق سراحهم.

لأذكر القراء بان الشعب العراقي كان مقهوراً بـ (الرئيس الغالي) الذي اصبح فيما بعد بسعر الجرذ في احدى الحفر، وكان يظن انه وبعد تاريخ التاسع من نيسان 2003 انه هو الذي سيصبح غالياً كونه صاحب قضية ومضطهد ومستباح في حريته وكرامته، لكن يبدو ان الاولوية اليوم لامور اخرى يتحدث عنها اكثر من مسؤول في الدولة الحديثة، من قبيل (الامن) و(العملية السياسية) و(الاجماع الوطني) وغير ذلك.

وفي هذا السياق أجدني مضطراً لرواية احدى حكايات (جحا) مع علمي انها لا تناسب المقام في هذا المقال من حيث الشكل، ونحن ما زلنا في اجواء حزن وحداد، لكن بحثاً عن العبرة وحسب...

داهم عدد من اللصوص دار (جحا) ليلاً فيما كان هو مستغرقاً في نومه وقد اشتمل بلحاف له قد عبأ فيه كل امواله تحسباً لهكذا حالات طارئة، وما ان انتبه لوجود اللصوص حتى انتفض بوجههم واشتبك معهم فما كان منهم إلا الفرار، وعلى الاثر خرج الجيران على صوت الصراخ والضجيج، ووجدوا (جحا) مشتملاً لحافه يشده بقوة على بدنه، وسألوه عن الخبر؟ فأجابهم: ان كل الضجة من أجل اللحاف!!

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 25/أيلول/2011 - 26/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م