إعمار النفوس وإحياء ذكرى الضمير

زاهر الزبيدي

شعوب كثيرة في هذا العالم العجيب المليء بالتناقضات الايدلوجية والدينية والتنوع الكبير في الإرث الأخلاقي لكل شعب على حده.. تنوع خدم كثيراً في عدم انجرار بني البشر وراء حتفهم المحتوم وانقطاع نسل بنو آدم من الأرض.

شعوب كثيرة سبقتنا وعلى الرغم اننا لسنا في ذيل قائمة دول العالم الحديث إلا إننا لازلنا وسنبقى، إلا بمعجزة، نرزح تحت وطأة إنساننا الذي سكن بلاد الرافدين حتى يومنا هذا.. هذا الأنسان الذي قدم للبشرية أكثر الأسباب التي حالت دون فنائها المبكر.. وتوشحت أرضه بالقباب والمنائر العالية وتناولته الكثير من الأيدولوجيات التي تغير في حاله بين الحين والآخر..

 إلا أننا ولغاية يومنا هذا نرى أنفسنا غير قادرين على انتشال وطننا مما هو فيه من عدم الاستقرار وكأننا بذلك نهينه ونرده على أعقابه خاسراً في معاركه التي يخوضها دفاعاً عن ارثه الحضاري..

 أما كيف ذلك.. فالحكومات العراقية التي تعاقبت على حكم تلك المساحة لم تتمكن من خلق شعب قادر على ان يفتح ذراعيه ليستقبله العالم كما يستقبل العالم بقية شعوب الأرض.. لغاية اليوم لسنا قادرين على تغيير تلك السحنة التي علت وجوهنا بفعل الصخب الحضاري المتخبط.. سحنة ما رسمت فيها إلا خطوط من التخلف والخوف والرهبة والفقر والفاقة والقحط الذي تحول الى سعال قوي نطرد فيه سني عمرنا التي استحالت الى دمار بعدما فقدنا ضمائرنا ولم يتمكن احد لحد الآن في مساعدتنا على إحياءها أو أعمار تلك النفوس التي لاحها التدمير أكثر مما أصاب البنى التحتية في الوطن.

الكرة الأرضية تستدير وتستطيل للعالم أجمعه وتتكور وتضيق علينا عندما تردى ضميرنا الى أدنى درجاته وفقدنا أهم وسائل الاتصال بالعالم.. الأخلاق.. لقد فقدنا الكثير منها أو أهم أجزاءها تلك المتمثلة في طرق التعامل فيما بيننا وكيف نداور أيامنا بيننا بحسن الخلق وصحوة الضمير وبنفوس عامرة بالثقة الآخرين..

فالكثير من مظاهر سوء الخلق تراها واضحة للعيان في الشوارع العامة والمحلات فلا الشباب شباب ولا الشيوخ شيوخ لقد تغيرت أحوالنا للأسوء منذ ثلاثين عاماً عشنا أو بدأنا انحدارنا نحو هاويةٍ يعلم الله ما ستؤول اليه نهايتها.. ولغاية الآن لا نجد مطلقاً يداً أبية تعمل على إعادة البناء النفسي والاجتماعي للعراقيين وتقديمهم للعالم كشعب حضارات بحق.. وإعادة تشكيل البنية النفسية للعراقيين لتمنحهم الفرصة أن يحدثوا العالم بذات اللغة التي يتحدث بها الكثيرون اليوم.. لغة الحضارة والتحضر.. الجميع يرفضنا حتى في وطننا فنحن تأكلنا المحسوبية والعشائرية وتمر فوق عقولنا الطائفية تركِّع توجهاتنا كلما هممنا بالانطلاق نحو أفق وحدتنا وتكاملنا...

ومن أهم ما فشلنا فيه هو صيانة المال العام وصيانة الوطن بأكمله، فالنفايات المنتشرة أمام المنازل وبين الأزقة والمحلات والهدر الهائل في المياه الصالحة للشرب وهدر الطاقة الكهربائية والتعدي على الجار بشتى الطرق والتعدي على الأعراض بأقبح الوسائل والإهانة والانجرار وراء الشهوات الموبوءة وعزوف الآباء عن التربية الصحيحة لأبنائهم والاستسلام لشهوت التقنيات الحديثة كالانترنيت والفضائيات التي اسيء استخدامها لتزيدنا رهقاً على رهقنا... الخ. ليست سوى بعض مشاكلنا في التقدم وانتشال أنفسنا من هذا المحيط الموبوء بالقبح..

أنفتح العالم أمامنا نراه يومياً يعُمد أرضه بالنظافة والتطور وحكوماته بالحكمة والنزاهة ونحن هنا نعاني أزمة الوصول الى قمتنا المنشودة يُفتن أغلبنا بالفساد الذي أفسد علينا كل شيء.. خبزنا وضمائرنا.. فمن ذا يساعدنا على ان نعّمر نفوسنا ونحي ذكرى الضمير !

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 24/أيلول/2011 - 25/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م