شبكة النبأ: مع استمرار العمليات
المسلحة في ليبيا، يواجه الثوار خلال حربهم ضد معاقل القذافي المتبقية
في بعض المدن تحديا جسيما يوازي في أهميته أسس الثورة التي انطلقت في
تلك الدولة.
ويتمثل ذلك التحدي في طبيعة شكل ودستور البلاد بعد حقبة حكم القذافي،
خصوصا بعد صعود نجم الاسلاميين في ليبيا اسوة بجميع الدول العربية التي
اطيح بأنظمتها الديكتاتورية مؤخرا، التي تسعى في سبيل رسم ملامح
انظمتهم السياسية وفق الرؤى ما يبتغون.
ولعبت القوى الاسلامية في ليبيا حسب المراقبين دورا محوريا في
الثورة واشهر القتال التي دارت ضد كتائب القذافي، وباتت قياداتها تتصدى
لمراكز مرموقة في مراكز الحرب والقرار في المجلس الانتقالي، مما قد
يسهم بشكل وآخر برفع سقف مطالبهم المطروحة اثناء اعادة بناء الدولة في
الوقت الحالي.
صراع يؤخر إنهاء الحرب
حيث طفت أخيرا على السطح خلافات بين الثوار الليبيين إذ بات الفرز
بين القوى الليبرالية والإسلامية وبين الانتماءات القبلية والمناطقية
ينذر بتفاعلات خطيرة. وكانت هذه الخلافات ظهرت خلال الشهور الماضية
خصوصا بعد اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس لكنها برزت بعد دخول طرابلس
العاصمة ويبدو أنها جمّدت حتى الآن دخول مدينتي سرت وبني وليد وصولا
إلى سبها لاستكمال السيطرة وإعلان النهاية الفعلية للنظام السابق
وللأعمال القتالية.
ومن شأن هذه الخلافات أن تؤخر الشروع في البرنامج المعد للمرحلة
الانتقالية وربما تؤدي أيضا إلى فرز آخر بين القوى التي ساندت الثوار.
فالدول الغربية لها شكوك ومخاوف متفاوتة حيال الإسلاميين، فيما يحظى
هؤلاء بتعاطف ودعم من دولة قطر مثلا التي تتعامل حكومتها مع الجميع إلا
أن التيارين السلفي والإخواني فيها يقفان بقوة إلى جانب الإسلاميين.
وفي خطابه الأول من طرابلس حاول رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد
الجليل أن يجذب الجميع إلى الخط الوسطي إلا أنه يواجه وضعا صعبا بسبب
السلاح المنتشر ولأن الحرب ضد النظام السابق لم تنته بعد. وإذا كان
يحتاج للإسلاميين في إنهاء تلك الحرب فإنه يحتاج لليبراليين لإدارة
السلطة وتفعيل العملية الانتقالية.
لكن هذا هو بالضبط الوضع الذي يحاول الإسلاميون استغلاله والضغط
عليه لفرض أنفسهم في صورة النظام المقبل مستندين إلى سيطرتهم على
الجناح العسكري للثورة ليرفضوا الخضوع للجناح السياسي الذي يعتبرون أن
أفراده إما كانوا من رجالات القذافي أو كانوا في الخارج ولم يشاركوا في
الثورة ولذلك يطالبون بإقصائهم ويتهمونهم بسرقة ثروات ليبيا ربما في
إشارة إلى وعود للدول الداعمة بإعطائها أولوية في استثمارات النفط
والغاز ومشاريع إعادة الإعمار. بحسب رويترز.
لا شك أن هذه الخلافات ستعقد ولادة المجلس التنفيذي أي الحكومة
الانتقالية التي يفترض تشكيلها خلال الأسبوعين المقبلين إذ يريدها
الليبراليون خطوة نحو مصالحة وطنية لا تشمل القذافي وأعوانه لكنها تسهل
إعادة تأهيل الجيش والأمن. أما الإسلاميون فيطالبون بأولوية المساءلة
والمحاسبة بغية إبقاء موازين القوى لمصلحتهم وكذلك لإبقاء الأمن في
أيديهم.
رؤية شاملة للمستقبل
في السياق ذاته قال عبدالحكيم بلحاج القائد العسكري لمدينة طرابلس
الليبية ذو التوجهات الاسلامية الذي يراقب الغرب عن كثب صعوده للشهرة
انه يرغب في بناء "دولة مدنية" ديمقراطية في ليبيا وذلك في تصريحات
أدلى بها ترسم رؤية سياسية شاملة بعد 42 عاما من الحكم المطلق للعقيد
معمر القذافي.
وقال بلحاج انه يتوقع هزيمة القذافي الكاملة قريبا جدا وان
الاستقرار يستتب في طرابلس بالتدريج في اطار عملية ستؤدي في النهاية
الى عودة الشرطة للشوارع وأوضح انه سيسمح لمقاتلي المعارضة بالانضمام
اليها اذا رغبوا في ذلك.
وجدد بلحاج الذي كان يرتدي زيا عسكريا ويجلس على أريكة في بهو فندق
فخم بطرابلس مطالبته بريطانيا بالاعتذار عما وصفه بدورها في نقله الى
ليبيا ابان حكم القذافي.
وعند سؤاله هل سيترك الحكام الجدد المجال امام كل الاطياف السياسية
في المستقبل قال بلحاج ان كل الليبيين سيشاركون في بناء ليبيا. بحسب
رويترز.
وقال بلحاج وهو في العقد الخامس من عمره ان امام الليبيين تحديا
كبيرا وهو بناء دولة مدنية حديثة وديمقراطية لها قواعد ويحكمها القضاء
والمساواة. واضاف ان مسألة تشكيل الحكومة تعتمد على خيار الليبيين وان
للديمقراطية اكثر من شكل منوها ان اهم ما في الامر ان على الحاكم ايا
كان الالتزام بالعدل ومنح الفرصة للشعب دون دكتاتورية.
ويساور القلق مسؤولين غربيين بشأن خلافات واضحة بين فصائل ليبية في
القيادة المؤقتة للمجلس الوطني الانتقالي ومنها الاسلاميون المرجح ان
يكونوا مدعومين من الخليج.
وبرزت للسطح هذه المخاوف بعد مقتل القائد العسكري لقوات المعارضة
عبدالفتاح يونس المسؤول الامني السابق لدى القذافي في 28 يوليو تموز
والذي لم يكشف بعد عن ملابسات اغتياله عقب استدعاء قوات المعارضة له
لاستجوابه.
وزادت مخاوف الغرب تجاه الاسلاميين هذا الشهر عندما وجه بعضهم
انتقادات لاذعة لحكام ليبيا المؤقتين واغلبهم علمانيون فنيون ومسؤولون
سابقون في نظام القذافي بزعم تعاملهم مع الاسلاميين وغيرهم باسلوب
متعال.
واثارت الانتقادات موجة اتهامات متبادلة في المعسكر المناهض للقذافي
والتي أقلقت بعض الليبيين الذين يقولون ان انتشار السلاح خلال الصراع
يعني انه لا يمكن للبلاد تهيئة المناخ السياسي.
ولكن بلحاج وهو ليس ممن يدلون باراء قوية علانية قال ان ظهور مشاعر
سيئة هو في اغلبه نتيجة رغبة في اظهار اراء طالما قمعت اكثر من كونه
يمثل اي انقسام ايدلوجي. وقال القائد العسكري لطرابلس ان الليبيين
كانوا محرومين من حق التعبير عن مشاعرهم وان جدارا كان منصوبا امامهم
وانه بعد ازاحته شرعوا للتو في التعبير عن انفسهم. وعند سؤاله ان يصف
خلفيته قال انه ببساطة كان رجلا يسعى لانهاء حكم القذافي.
وقال بلحاج ان الليبيين ارادوا التخلص من القذافي الذي وصفه بالمجرم
وانهم وقفوا بجانب اي شخص يعارضه موضحا انه ليس رجلا عسكريا رغم قيامه
ببعض الواجبات العسكرية. وقال بلحاج ان القذافي اضطرهم لمقاومته وحمل
السلاح ضده.
واوضح عبد الحكيم بلحاج انه يقدر التعددية وقال ان الخلاف ممكن
وقائم موضحا ان الرسول محمد عاش مع مسيحيين ويهود وكانت له معاملات
معهم. ولكنه اكد رغبته في الحصول على اعتذار من مسؤولين بريطانيين قال
انهم يتحملون مسؤولية المساهمة في نقله الى ليبيا عام 2004.
وقال بلحاج في هذا الشأن انه طالب المسؤولين بالاعتذار لتورطهم في
تسليمه مع تعارض ذلك مع حقوق الانسان. وفر بلحاج الذي قضى بعض الوقت مع
طالبان في افغانستان الى ايران بعد الغزو الامريكي عام 2001. وتوجه بعد
ذلك الى جنوب شرق اسيا حيث يعتقد انه جرى اعتقاله هناك. وسلم بلحاج الى
ليبيا في عام 2004 في ظروف لا تزال غامضة.
وقال بلحاج ان بريطانيا تدعي احترامها لحقوق الانسان وتساءل عن مدى
علاقتها بتسليمه الى اي شخص لا يحترم حقوق الانسان مؤكدا ان لديه ادلة
تثبت تورط بريطانيا وان ذلك هو سبب مطالبته بالحصول على اعتذار.
وقالت بريطانيا ان تحقيقا في مزاعم عن تعرض ارهابيين مشتبه بهم لسوء
معاملة سيشمل قضية بلحاج. وفيما يتعلق بالامن في العاصمة الليبية قال
بلحاج انه يقوم حاليا بتأمين طرابلس.
وقال انه بعد قيام مؤسسات في ليبيا خاصة الامنية منها ووزارة
الداخلية فعندئذ سيتم تشكيل هيكل الشرطة موضحا انه سيتم في ذلك الوقت
دعوة الثوار الراغبين في الانضمام اليها.
الإسلام مصدر التشريع
الى ذلك، وأمام الاف الليبيين الذين احتشدوا في ساحة الشهداء غداة
وصوله الى العاصمة التي يزورها لأول مرة منذ سيطر الثوار عليها في 23
اغسطس، أعلن رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل، أن
الإسلام سيكون المصدر الرئيسي للتشريع في ليبيا، مؤكدا ان الاسلام في
ليبيا هو 'إسلام وسطي' ولا مكان 'لأي أيديولوجية متطرفة'. وأضاف عبد
الجليل 'لن نسمح، لن نسمح، لن نسمح باي ايديولوجية متطرفة يمينا او
يسارا، نحن شعب مسلم اسلامنا وسطي وسنحافظ على ذلك'.
كما حذر رئيس المجلس الوطني الانتقالي من 'سرقة' الثورة، وتحدث عبد
الجليل عن سقوط طرابلس في ايدي الثوار، قائلا ان المدينة 'تحررت باقل
الخسائر وبمعجزة وستكون درسا عسكريا يدرس في اعلى الاكاديميات
العسكرية'.
ومن على منصة امام قلعة السراي الحمراء حيث كان يلقي الزعيم الليبي
السابق معمر القذافي بعض خطاباته، اشاد عبد الجليل بدور الدول العربية
والغربية في دعم الانتفاضة التي اطاحت بنظام العقيد معمر القذافي في
بنغازي (كبرى مدن شرق البلاد) اولا، ومن ثم في العاصمة طرابلس.
وقال عبد الجليل 'لقد اتحد العرب كما لم يتحدوا من قبل، قالوا
كلمتهم إن على المجتمع الدولي ان يتحمل مسئوليته في حماية الليبيين،
فصدر قرار واوكل الامر الى الحلفاء الذين كان لهم دور فاعل في حمايتهم
لمدينة بنغازي وضرباتهم النوعية التي كان لها دور فاعل في ما حققه
الثوار من انتصارات'. واضاف 'لا بد من تحية صادقة من الاعماق الى
اخوتنا في دولة قطر وكذلك في دولة الامارات والاردن والسودان وفرنسا
التي كان لها دور فاعل لنصرة الحق ونصرة المظلومين، ثم المملكة المتحدة
وايطاليا والولايات المتحدة، وكل دول التحالف: اسبانيا وكندا والبرتغال
جميعها كان لها دور فاعل'. واستطرد قائلاً 'لا يمكن ان ننسى دور
جيراننا تونس ومصر' البلدين اللذين سبقا ليبيا الى الاطاحة برئيسيهما
في انتفاضتين شعبيتين.
كما اعلن رئيس المجلس الانتقالي انه 'سيكون هناك في المستقبل وزارات
تراسها نساء، وسيكون دور المراة فاعلا في التعليم والصحة وغيرها من
المسائل'. |