الثورة التونسية هل ستكون بخواتيمها؟

باسم حسين الزيدي

شبكة النبأ: لربما تعتبر عملية التغيير في تونس الخضراء أيسر من غيره، إذ قامت الاحتجاجات على نظام الدكتاتور "بن علي" فحاول قمعها أو تهدئتها لكنه لم يستطع فغادر البلاد بعد مدة قصيرة، وقد يغبطهم على ذلك الكثيرون، في ليبيا واليمن وسوريا والبحرين وغيره، الا ان التحديات لم تقف عند ذلك، فما بعد التغير دائماً ما يكون هو الأهم والمطلوب، وفي تونس التي يسيطر على حكمها العلمانيون منذ عقود، يسعى الإسلاميون في تغيير المعادلة والحصول على مكاسب تناسب حجم الثورة وسط تنامي الهلع من سيطرة المتشددين على الحكم، في حين يتخوف آخرون من عودة أزلام النظام السابق إلى السلطة بطرق جديدة وأساليب مختلفة بعد أن تمكن العديد منهم من العودة إلى الحياة السياسية، أو قد تماطل الحكومة المؤقتة الحالية في موعد الانتخابات فلا يرى الحلم النور.  

قبل الانتخابات

فبعد أن صمد ثوار تونس امام الضرب والسجن والقناصة الذين صدرت لهم أوامر بالقتل يواجهون الان تهديدا جديدا على طريقهم الى الديمقراطية هو الحيرة، وقبل اقل من شهرين على الانتخابات تظهر ملامح الحيرة على ابناء تونس مهد الربيع العربي في ثورة كانوا يأملون أن توفر لهم فرص العمل وتخفف حدة الفقر لكنها تمخضت عن انشاء عشرات الاحزاب السياسية وعملية انتقال لا تلوح لها نهاية في الافق، وقال وليد وهو سائق سيارة أجرة "الاطاحة بالرئيس لم تكن سهلة لكنها كانت سريعة وكنا متحدين، لكن الان اشعر بالقلق على هذا البلد، هناك الكثير من الافكار والكثير من المرشحين ولا احد يعرف يقينا ماذا يجب ان يفعل"، وانتهى حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي الذي امتد 23 عاما فجأة حين فر في مواجهة احتجاجات شعبية انتشرت على نطاق واسع بسبب البطالة والفساد والقمع وهو نجاح مذهل ادى الى اندلاع انتفاضات في اجزاء اخرى من العالم العربي، لكن اذا استخدمت كلمة "ثورة" في تونس هذه الايام فمن المرجح أن يعتقد الناس أنك تتحدث عن الصراع في ليبيا مثلما تعيد الى أذهانهم الاحداث التي وقعت في بلادهم في يناير كانون الثاني، وحددت الحكومة التونسية المؤقتة 23 اكتوبر تشرين الاول موعدا للانتخابات التي سيطلب خلالها من الناخبين الاختيار بين 80 حزبا سياسيا لتشكيل جمعية وطنية تأسيسية من 218 عضوا تكلف بصياغة دستور في غضون عام، وستكون هذه اول انتخابات حرة في المستعمرة الفرنسية السابقة منذ استقلالها عام 1956 وستتابعها عن كثب منطقة تسعى لان تحل الديمقراطية محل الانظمة الشمولية، ويخشى محللون من أن يؤدي تراجع الدعم الشعبي للعملية التي لا تقدم اطارا زمنيا للانتخابات الرئاسية او التشريعية الى تقويض شرعية الانتقال وربما يشعل جولة جديدة من الاضطرابات في الشوارع، ويعتقد اكثر من نصف التونسيين أن انتقال البلاد غير مفهوم وفقا لاستطلاع للرأي اجرته وكالة تونس افريقيا للانباء بالاشتراك مع معهد سبر الاراء ومعالجة المعلومات الاحصائية والذي نشر في الثالث من سبتمبر ايلول.

ويحق لسبعة ملايين مواطن تونسي الادلاء بأصواتهم في الانتخابات ولم يسجل سوى اكثر من النصف بقليل اسماءهم، وقال جان بابتيست جالوبان المحلل في شركة كونترول ريسكس لاستشارات المخاطر العالمية ومقرها لندن "هناك حالة من الفوضى، الامور غير واضحة لاحد في الوقت الحالي"، وأضاف "حقيقة أن عددا قليلا من الناس سجلوا اسماءهم للتصويت تظهر ان هناك احباطا عاما بين الشعب تجاه عملية الانتقال"، وأظهر استطلاع منفصل للرأي نشرته المؤسسة الدولية للانظمة الانتخابية أن 43 في المئة فقط من التونسيين يعرفون أن الانتخابات القادمة هي انتخابات الجمعية التأسيسية، وقال جالوبان ان العدد الكبير للاحزاب السياسية ومنها الكثير الذي يفتقر الى مؤيدين او برامج واضحة الى جانب تفشي الجريمة في العاصمة دون عقاب قوض وضوح الهدف الذي كان يشعر به الكثير من التونسيين فور سقوط بن علي، وأضاف "الناس يريدون أن يروا أثرا ملموسا للثورة على الحياة اليومية وقضايا البطالة والتفاوت الاقتصادي والاجتماعي لم تتم معالجتها بعد"، ومن بين اشهر الاحزاب التونسية الحزب التقدمي الديمقراطي وحزب النهضة الاسلامي، وفي يونيو حزيران انسحب حزب النهضة الذي كان محظورا في عهد بن علي والذي يعتقد أنه يتمتع بدعم واسع النطاق الان من اللجنة التي شكلتها الحكومة المؤقتة للاعداد للانتخابات في لفتة احتجاج، وقال متحدث باسم حزب النهضة انه ليس قلقا من انخفاض مستويات تسجيل الناخبين مشيرا الى أنه يتوقع ان يسجل ناخبون اسماءهم في يوم الاقتراع وأن تكون نسبة الاقبال النهائية عالية، لكن الامين العام لحزب المؤتمر من اجل الجمهورية الذي كان محظورا سابقا أصدر بيانا حذر فيه من أن البلاد لا تحتمل السماح بتعطيل العملية الانتقالية، وقال جالوبان "اذا أدت العملية الانتقالية الرسمية الى نزاعات تتعلق بشرعية مؤسسات الدولة فسيكون هناك احتمال لتصاعد الاضطرابات خاصة اذا تحولت أحزاب مؤثرة مثل النهضة الى سياسة الشارع"، وتسود مخاوف من أن السلطة المؤقتة التي يرأسها فؤاد المبزع ويتولى رئاسة وزرائها الباجي قائد السبسي عقدت العزم على اطالة مدة الانتقال حتى تظل في الحكم، وقد تمثل هذه المخاوف تهديدا. بحسب رويترز.

ويقول كمران بخاري نائب رئيس قسم شؤون الشرق الاوسط وجنوب اسيا بشركة ستراتفور للمعلومات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها "اذا سارت الانتخابات بسلاسة ستكون هذه مفاجأة"، وأضاف "تثير فكرة أنه لم تجر انتخابات حرة ونزيهة قط في البلاد تساؤلات خطيرة بشأن امكانية اجراء انتخابات سلسة، علاوة على ذلك لدينا مخاوف من مجموعات المعارضة المختلفة بشأن نوايا السلطة المؤقتة التي يدعمها الجيش"، وتولى بن علي الحكم في انقلاب ابيض عام 1987 بعد أن مرض الحبيب بورقيبة رئيس تونس في حقبة ما بعد الاستقلال، وفي منطقة لافاييت بالعاصمة حيث تراكمت القمامة يقول محمد بائع الزهور ان الثورة التونسية اصطدمت بمشاكل لكن لايزال لديه أمل في التغلب عليه، وأضاف "كان هناك وقت يمكن أن يؤدي بك الحديث عن بن علي او الحكومة الى السجن او القتل، وكانت الشرطة السرية في كل مكان وتسمع كل شيء"، وأضاف "مهما حدث الان فانه على الاقل سيكون افضل من ذلك".

رغبة في المزيد

الى ذلك وفي مقر أحد الأحزاب السياسية العديدة في تونس يصور أحد الملصقات المخاوف التي تدفع الناس للعودة الى الشارع، فهو يصور امرأة في مظاهرة وهي تحمل لافتة تقول، الشهداء لم يموتوا من أجل ديكتاتورية جديدة، فبعد تسعة أشهر من الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي وأوقدت شرارة انتفاضات أخرى في أنحاء العالم العربي يخشى التونسيون أن التغييرات التي ناضلوا من أجلها بدأت تتلاشى، ويفخر معظم سكان هذا البلد الذين يبلغ عددهم عشرة ملايين نسمة بأن ثورتهم امتدت الى بقية أنحاء المنطقة ويرغبون في تقديم نموذج يُحتذى لانتخابات ديمقراطية في أكتوبر تشرين الاول، لكن كثيرين يخشون من أن أنصارا لبن علي مازالوا في مواقع في السلطة وأنهم يعملون خلف الكواليس لعرقلة التغيير الحقيقي، وهم قلقون أيضا لان انقساماتهم "لا سيما تلك المتعلقة بدور الاسلام" قد تزعزع التحول الديمقراطي وتترك المشكلات الاقتصادية التي ساهمت في إشعال الانتفاضة بدون حل، وهناك ظروف مشابهة في مصر حيث أرجأ المجلس العسكري "الذي تولى السلطة بعد الاطاحة بالرئيس حسني مبارك" الانتخابات في أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان، ويخشى بعض المصريين أن يكونوا قد استبدلوا ديكتاتورية بأخرى، وفي ليبيا مازالت الفرحة بدخول طرابلس تملأ الأجواء حتى وان كان معمر القذافي فارا من قبضة المعارضة المسلحة حتى الان، لكن حتى في ليبيا هناك شعور بالارتياب فيما سيأتي بعد ذلك.لكن الليبيين لديهم على الاقل ما يبعث على الأمل، أما في البحرين فقد أخليت الشوارع من المحتجين واعتقل المئات ولم يتحقق أي تقدم في الاصلاحات الموعودة. بحسب رويترز.

ومع استمرار العنف في بلاد مثل سوريا واليمن يسود في تونس شعور بأن الربيع العربي يجب أن يثبت أنه قادر على فعل ما هو أكثر من خلع الزعماء، وبعد اغلاق الباب على أجواء صاخبة في مقر حملته الانتخابية قام الناشط السياسي التونسي المخضرم ورئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية منصف المرزوقي باستعراض الاخطار، وقال الطبيب الذي يضع نظارة "نحن في مرحلة انتقالية، المشكلة أنني أخشى أن تستمر هذه المرحلة الانتقالية وقتا طويلا وتكون أصعب مما نتوقع، "الناس هنا يعتقدون أن الثورة هي كبسة زر تنقلك من الظلمة الى النور لكن الامر ليس بهذه البساطة، هل سننشئ دولة جديدة برئيس جديد وحكومة جديدة وبرلمان، مازالت هناك علامة استفهام هن، وهذه صعوبة المرحلة الحالية، قلة الوضوح"، ومنذ أن فر بن علي الى منفاه في السعودية في 14 يناير كانون الثاني سجلت السلطات التونسية أكثر من 100 حزب، وكانت الاحزاب العشرة الكبرى التي تتنوع بين الاسلاميين والليبراليين المنادين باقتصاد السوق والشيوعيين موجودة بثياب مختلفة قبل الثورة، وليس بين الاحزاب الصغيرة الجديدة الا حفنة فقط لديها فرصة في إحداث تأثير في الانتخابات ومن المرجح اندماج معظم هذه الاحزاب أو اغلاقها.

النظام السابق

من جهة اخرى ومما أثار استياء كثير من التونسيين أن اثنين من المسؤولين البارزين في حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل "وهو حزب بن علي" أسسا حزبين ويخططان للترشح وأحدهما هو كمال مرجان وزير الخارجية السابق، ووفقا لمزاعم حزب التجمع الدستوري الديمقراطي فان عدد أعضائه بلغ مليوني عضو قبل الثورة، وكثير من هؤلاء ربما انضموا الى الحزب لتسهيل الحصول على خدمات أو وظائف لكن بعضهم مازال له مصالح يحميها أو يرتبط بشخصيات من النظام السابق برابطة الدم أو الزواج أو محل الميلاد، وقال مرزوقي "انهم وقحون ويجب أن يكونوا جميعا في السجن، أتمنى أن يعاقبهم الشعب التونسي في الانتخابات القادمة ويعطيهم صفرا"، وأضاف "لكنهم قد يراهنون على المال أو العصبيات المحلية وهذا قد يمثل خطرا لان الشباب لن يقبلوا عودتهم مطلقا واذا فازوا في الانتخابات، سنشهد ثورة جديدة"، وأظهرت ثلاثة استطلاعات للنوايا التصويتية أن أكثر من نصف الناخبين التونسيين لم يقرروا بعد كيف سيدلون بأصواتهم، وحتى الان لا يزال تأييد رموز النظام السابق أضعف من أن يظهر في الاحصاءات، ويقول سياسيون ان بن علي خلق فجوة بينه وبين الناس من جميع فئات المجتمع وهو ما قوض قاعدة شعبيته بمرور الوقت، لكن سامح التويتي (25 عاما) الذي شارك في الاحتجاجات ضد بن علي قال انه مازال يخشى أن يبقى رموز النظام السابق وزمراتهم الفاسدة في السلطة في ثياب أحزاب جديدة. بحسب رويترز.

وقال التويتي وهو يحتج في وسط العاصمة التونسية على قرار محكمة بالافراج عن عضو في الحكومة السابقة ان الحكومة المؤقتة منحت بقايا النظام السابق رخصا لانشاء أحزاب سياسية، وأضاف "انه النظام السابق في ثوب جديد"، وحتى اذا لم يتمكن النظام السابق من العودة فمن المرجح أن يظل الوضع السياسي ملتبس، وسيدلي التونسيون بأصواتهم لاختيار الاحزاب التي ستشارك في جمعية تأسيسية لكتابة دستور جديد، والخلاف بشأن العناصر الرئيسية للدستور محدود، فمعظم التونسيين يتفقون على أنه لا بد أن يضمن التعددية الحزبية وحرية التعبير واستقلال القضاء، ويجب أيضا أن يكرس ضوابط السلطة السياسية عن طريق الفصل بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وقد أرجئت الانتخابات الرئاسية مما يسمح للجمعية التأسيسية بدراسة تقليص سلطات الرئيس وتخويل الحكومة مزيدا من السلطة.

بين الاسلاميين والعلمانيين

في سياق متصل مازالت هناك انقسامات جوهرية يتعلق معظمها بهوية البلاد، وكان الحبيب بورقيبة بطل الاستقلال التونسي وأول رئيس للبلاد قوميا علمانيا اشتهر عنه وصفه للحجاب بأنه "خرقة بغيضة"، ويحظر الدستور التونسي الحالي تعدد الزوجات ويكفل حقوق المرأة في الطلاق والزواج وهو ما يجعله أحد الدساتير الاكثر تقدمية في العالم العربي، لكنه أيضا يعرف تونس بأنها دولة لغتها العربية ودينها الاسلام، ويريد بعض العلمانيين إلغاء هذه المادة قائلين انها مجحفة في حق الأمازيغ التونسيين والطائفة اليهودية الصغيرة في تونس لكن حزب النهضة الاسلامي الذي كان محظورا في عهد بن علي يصر على بقاء تلك المادة، وفي محاولة لتهدئة المخاوف من أن هذه المادة قد تفتح الطريق لتأثيرات دينية أقوى على الحكومة قال زعيم حزب النهضة ان الحزب لن يسعى لتغيير قانون الأحوال الشخصية الذي يضمن حقوق المرأة ويدافع عنه العلمانيون بحماس، لكن هناك شكوكا كامنة لدى كلا الجانبين، ويقول أنصار النهضة ان الأغلبية الساحقة من التونسيين مسلمون وان البلاد ينبغي أن تعكس تقاليدهم بدلا من أن تكبته، ويرى العديد من التونسيين الذين سئموا الفساد المستشري في عهد بن علي أن حزب النهضة يمثل عودة الى قيم رجعية، وقال سائق سيارة أجرة شاب أقر بأنه لم يكن مهتما بالسياسة قبل الثورة "سأصوت للنهضة، انهم صادقون فيما يبدو، سيضعوننا على الطريق الصحيح"، لكن التونسيين العلمانيين يخشون من أن النهضة ربما يقول شيئا في العلن ويقول شيئا آخر لأنصاره، سفيان شرابي صحفي شاب ومدون نظم أحد الاحتجاجات السياسية الاولى في العاصمة التونسية في ديسمبر كانون الاول الماضي، وكان لقاؤه صعبا لان العديد من المطاعم والمقاهي كانت مغلقة في شهر رمضان، وهذا تطور جديد، ففي الماضي كان عدد أكبر من المطاعم والمقاهي مفتوحا خلال رمضان.

ويقول أصحاب المطاعم الان انهم يخشون هجمات من اسلاميين سلفيين متشددين يريدون إقامة دولة إسلامية، واتهم السلفيون "الذين كان نظام بن علي يقمعهم" في يوليو تموز بتدبير هجوم على قاعة سينما تعرض فيلم "لا الله لا سيد" للمخرجة نادية الفاني وهي أحد المنتقدين للاسلام السياسي، ومازالت الحركة صغيرة وضعيفة نسبيا لكن آلة الشائعات التونسية تنشر كثيرا من الاقاويل عن أحدث جهودهم لتفريق المصطافين وشاربي الجعة (البيرة) في البلد الذي تشكل السياحة فيه مصدرا رئيسيا للدخل وتوفر فرص عمل لنحو 400 ألف شخص، وقال شرابي وهو يرشف ماء باردا في مقهى متواضع بالقرب من شارع بورقيبة المزدحم في وسط العاصمة التونسية "هناك انقسام في المجتمع بين أولئك الذين يدعمون الحركة الاسلامية وأولئك الذين يدعمون الحركة العلمانية لكن الوقت ليس مناسبا لهذه المعركة وقد تعوق الجهود الرامية لتحقيق الهدف الرئيسي في التخلص من النظام المستبد"، ولان العديد من التونسيين لم يقرروا حتى الان لمن سيصوتون فان هناك تفاوتا في تقدير النتائج التي سيحققها حزب النهضة في الانتخابات، وأظهر استطلاع نشرته وكالة انساميد في مارس اذار أن 29 بالمئة يعتزمون التصويت لصالح الحزب بينما أظهر استطلاع أجرته شبكة الجزيرة في يوليو تموز أن شعبية الحزب تبلغ 21 بالمئة، وتوقع استطلاع انساميد أن يأتي الحزب الديمقراطي التقدمي "الذي يقوده أحمد نجيب الشابي والذي كان حزبا شرعيا في عهد بن علي الذي سمح له بمشاركة محدودة في السياسة" في المرتبة الثانية بنسبة 12.3 بالمئة، وتوقع استطلاع الجزيرة حصول الحزب على ثمانية بالمئة.

وقد تتفوق الاحزاب العلمانية مجتمعة على حزب النهضة لكن أنصارهم موزعون على مناطق عدة.

ويقول دبلوماسيون غربيون انهم مرتاحون للامر لان حزب النهضة تعهد بالالتزام بالديمقراطية، وقال دبلوماسي "انهم داخل المظلة السياسة وهذا أفضل من أن يكونوا خارجه، يقولون انهم يقبلون بالنظام السياسي ولا نرى سببا للشك في ذلك"، وأضاف "هناك اتهامات بأن النهضة يطرح خطابا مزدوج، لكن العديد من السياسيين يقولون شيئا لانصارهم وشيئا اخر للشعب"، ويقول سياسيون ومحللون ان من المرجح أن تواجه العملية الانتخابية تهديدا أكبر من مصادر أخرى من بينها بقايا حزب التجمع الدستوري "الذين يقاومون الاصلاحات التي مازالت قيد التنفيذ" أو الجيش اذا رأى أن حزب النهضة أصبح أقوى من اللازم وأصبح يهدد الطابع العلماني للبلاد، وهذا تحديدا ما حدث في الجزائر المجاورة التي تتعافى من صراع استمر نحو عشرين عاما بين قوات الامن والاسلاميين أودى بحياة حوالي 200 ألف شخص، ويخشى كثير من التونسيين تكرار ما حدث في الجزائر في بلادهم رغم أن نظام التمثيل النسبي الجديد يحول دون استئثار حزب واحد بالأغلبية.إذن كيف يمكن أن يكون تسجيل الناخبين في مهد الربيع العربي بطيئا الى هذا الحد، فحتى 14 أغسطس اب لم يسجل سوى نصف التونسيين أسماءهم في القوائم الانتخابية. ولم يحدث هذا الا بعد تمديد المهلة المحددة أسبوعين وفتح مراكز التسجيل في الليل وخلال العطلة الاسبوعية، ولم تفلح حملة تلفزيونية تشرح لماذا وكيف أن الانتخابات مهمة في تسريع وتيرة التسجيل، ويقول سياسيون ان العملية الاصلية كانت مربكة للغاية اذ كانت تستوجب التأكد من امتلاك الناخبين لبطاقة هوية محدثة يتعين عليهم تسجيلها في المكان الذي يعتزمون التصويت فيه، وبعد ذلك قالت لجنة الانتخابات التي أقلقتها البداية البطيئة انه يمكن للتونسيين أن يدلوا بأصواتهم باستخدام بطاقات الهوية القديمة.

واذا كانت نسبة المشاركة متدنية فان ذلك سيقوض شرعية الجمعية التأسيسية ويعرض الدستور الذي ستكتبه للهجوم، لكن استطلاعا للرأي أجرته المؤسسة الدولية لنظم الانتخابات في مايو ايار أظهر أنه بالرغم من الارتباك فان الاغلبية الساحقة من التونسيين يعتزمون الادلاء بأصواتهم، وفي الفيلا البيضاء التي يقع فيها مقر الحزب الليبرالي المغاربي الجديد يقول محمد بو عبدلي ان التونسيين يجب أن يصوتوا على مسألتين في 23 أكتوبر تشرين الاول الحزب الذي يختارونه وما اذا كان يجب تحديد مدة تفويض الجمعية التأسيسية بما لا يزيد على عام، ويقول بو عبدلي ان هذه المدة المحددة ستضغط على الاعضاء المنتخبين لتجاوز خلافاتهم واجراء انتخابات جديدة لاختيار مجلس تشريعي بفترة كاملة.وقد اختلف بو عبدلي الذي يمتلك سلسلة من المدارس والكليات الخاصة مع بن علي وكتب كتابا ينتقد فيه الديكتاتور السابق قبل فترة وجيزة من اندلاع الثورة، وقال ان بناء ديمقراطية في تونس سيستغرق وقت، وقال بو عبدلي وهو ينحني على مقعده الى الامام وهاتفه المحمول يرن على المكتب خلفه "تحتاج 30 سنة لتصبح ديمقراطية حقيقية، والتونسيون لمدة 55 عاما لم يعرفوا معنى التصويت، سواء صوتوا أم لم يصوتو، لم يكن هناك فرق، تكون النتيجة 120 بالمئة مثل كل البلدان العربية"، الان لدينا أحزاب عديدة وهذا مؤشر صحي."

اختفاء الباعة الجائلين

فيما كانوا يبيعون الملابس والعطور وحتى النقانق المحمرة، لكن الباعة الجائلين الذين غمروا شوارع تونس بعد الثورة لم يعودوا ينادون على الزبائن لجذبهم الى أكشاكهم، وحظرت تونس ما وصفته بالاكشاك "الفوضوية" في شوارع العاصمة بعد شكاوى من السكان في محاولة لاستعادة الامن والنظام وجذب السائحين الذين خسرتهم منذ انتفاضة يناير كانون الثاني التي انتهت بخلع الرئيس زين العابدين بن علي، وكان قيام واحد من هؤلاء الباعة الجائلين "هو محمد بوعزيزي بائع الخضروات والفاكهة في بلدة سيدي بوزيد" باشعال النار في نفسه قد فجر اضطرابات أشعلت بدورها الربيع العربي، والان مع قرب اجراء الانتخابات بعد ستة اسابيع والغموض بشأن التوجه الجديد للبلاد يرى كثير من التونسيين الجدل بشأن الاكشاك المنتشرة على الارصفة رمزا لمخاوفهم المتضاربة، فهم يشعرون بأنهم محاصرون بين المخاوف من تدهور الامن والنظام والرغبة في الحفاظ على حرياتهم الوليدة، وقالت وزارة الداخلية التونسية انها شنت حملة على الاكشاك التي تملا أرصفة الشوارع والازقة وحتى أرصفة خطوط الترام، وقال أحمد علي سائق احدى سيارات الاجرة "انها مثل سوق قذرة في الهواء الطلق، الناس يصيحون (على بضائعهم) بدون توقف ويتركون مخلفاتهم وراءهم، انهم يبيعون حتى النقانق المحمرة في الشارع كيف تتوقع أن تكون صورتنا في أعين السائحين، هذه فوضى تامة، تونس في حاجة الى أن تكون نظيفة"، وتحت حكم بن علي المستبد كان الباعة الجائلون محصورين في منطقة محددة وغالبا ما يتعرضون لمضايقات الشرطة، لكن بعد انهيار نظامه وفراره الى السعودية في 14 يناير كانون الثاني ازدادت اعدادهم بكثرة مع تركهم لحالهم.

وتختلط نداءات البائعين على بضائعم التي غالبا ما تكون مقلدة ورخيصة الثمن بأصوات أبواق السيارات مع تكدس أكوام القمامة في شوارع العاصمة في نهاية كل يوم، وقالت وزارة الداخلية ان مثل هذه المشاهد أكسبت تونس سمعة سيئة واضافت انها قامت بحملتها أيضا لاسباب أمنية وسط ارتفاع نسبة حوادث السرقة وأعمال العنف، وهددت الوزارة كل من يخالف الحظر بمصادرة بضاعته وتغريمه وحتى سجنه، وعززت الشرطة في الايام القليلة الماضية تواجدها في شوارع تونس العاصمة وخاصة شارع الحبيب بورقيبة أكبر شوارع العاصمة حيث ما زالت القوات والاسلاك الشائكة موجودة بعد تسعة أشهر على الثورة، وقالت سامية هلال وهي تتجول في الشارع مع ابنتها الصغيرة "أخيرا نستطيع السير في شارع الحبيب بورقيبة بهدوء، ببساطة كان الوضع قبل ذلك لا يطاق"، ولم تعلن السلطات المؤقتة في تونس حتى الان عن مكان بديل للباعة الجائلين لكن العديد من الصحف المحلية أشارت الى امكانية منحهم أماكن في مجمع خال على مشارف العاصمة، وبدون مكان للعمل فان الباعة الجائلين الذين يعتمدون على مكان مجاني لبيع بضائعهم يرون ان كسب قوت يومهم سيكون أمرا صعب، وقال رجل اعتاد بيع الملابس على عربة يد في شارع قريب من شارع الحبيب بورقيبة متسائلا "هل تريد الحكومة منا ان نضطر للسرقة الان لاننا لا نستطيع العمل باي شكل"، واضاف "نريدهم أن يمنحونا مكانا للعمل، لدي أسرة من خمسة أفراد كيف أوفر لهم طعامهم"، وهناك نحو 700 ألف شخص عاطل في تونس أي نحو 16 في المئة من قوة العمل، وطبقا لما قاله رئيس الحكومة فان البطالة بين الخريجين تبلغ الان 30 في المئة لكنها لا تمثل مشكلة بالنسبة له ويتوقع القدرة على حلها في أي وقت.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 21/أيلول/2011 - 22/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م