شبكة النبأ: على الرغم من نجاح
الأطراف المعنية بلجم الفتنة التي كادت ان تتسع على خلفية مجزرة النخيب
الإرهابية، الا ان تداعياتها لن تمر مرور الكرام أسوة بالعديد من
العمليات المسلحة التي تحدث في العراق بشكل مستمر. فما حدث حسب ما يراه
المراقبين اخطر من ان يسدل الستار عليه، بالرغم من حساسية الأمر وما
نجم عما اعقبه من توترات بين محافظة كربلاء الشيعية، وشقيقتها الانبار
السنية. سيما ان ما جرى قد يتكرر مستقبلا لتمرير أجندات سياسية هدفها
إشاعة الفوضى في العراق الذي لا يزال يعاني حتى الآن من تبعات الاقتتال
الطائفي الذي اندلع مطلع عام 2006.
فيما كان لهشاشة الموقف الرسمي إزاء ما حدث مدعاة قلق لمعظم
العراقيين، الذي أسعف أملهم في تجاوز الخطر دور العشائر العراقية
والجهات الدينية التي نجحت في لملة التدهور الحاصل ونزع فتيل الأزمة.
وتتفق معظم أطياف المجتمع العراقي على حقيقة وقوف جهات أجنبية وراء ما
حدث.
العراق يتهم دولا عربية
فقد قال العراق ان مسلحين عربا شاركوا في قتل 22 شخصا أغلبهم من
الزوار الشيعة في محافظة الأنبار السنية واتهم دولا أخرى بمحاولة إثارة
التوتر الطائفي في البلاد. وهاجم مسلحون يوم الاثنين حافلتين تقلان
زوارا شيعة كانوا في طريق العودة من كربلاء الى سوريا وقتلوا 22 رجلا
وتركوا 15 امرأة و12 طفلا ورجلين من المسنين. وكان من بين القتلى اربعة
من رجال الشرطة السنة الذين ركبوا الحافلتين لتوصيلهم الى بلدتهم.
ويهدد حادث قتل الزوار الذي أعقبه رد فعل غاضب لاعتقال السلطات
الشيعية في كربلاء ثمانية من المشتبه بهم في الأنبار بعودة أعمال العنف
الطائفي. والانبار هي احدى معاقل السنة وسبق ان شهدت بعضا من أسوأ
أعمال العنف خلال حرب العراق.
وقال مدير مكتب القائد العام للقوات المسلحة الفريق فاروق الأعرجي
ان من بين من نفذوا الهجوم عربا من خارج العراق. وقال في مؤتمر صحفي ان
الهجوم كان عملية أُعدت جيدا وان العديد من الاطراف الخارجية شاركت
فيها. واضاف ان بعضا ممن شاركوا في هذه العملية ينتمون الى جنسيات دول
عربية وان دولا عربية شاركت في الهجوم بكميات كبيرة من الدولارات.
وأحجم الاعرجي عن ذكر اي دولة بالاسم لكنه قال ان المشتبه بهم
اعترفوا ان دولا اخرى شاركت في هذا الهجوم. وحاولت الحكومة العراقية
تخفيف التوتر الطائفي الذي نجم عن الحادث بعقد اجتماع مع قادة العشائر
واطلاق سراح اربعة من المشتبه في مشاركتهم في تنفيذ الهجوم. وما زال
الأربعة الآخرون رهن التحقيق. وقال الاعرجي ان الذين نفذوا الهجوم قتلة
مأجورون وانهم يريدون اثارة الفتنة والصراع بين العراقيين. واكد
الاعرجي على وحدة الشعب العراقي ووعد بالحفاظ على هذه الوحدة.
الى محاكم الانبار
فيما اعلن متحدث باسم وزارة الدفاع العراقية احالة جميع المشتبه بهم
الذين اعتقلوا بتهمة ارتكاب مجزرة النخيب الى المحاكم في محافظة
الانبار. وقال اللواء محمد العسكري ان "وفدا امنيا رفيعا برئاسة وزير
الدفاع (سعدون الدليمي) وصل الى الانبار وهو يعقد اجتماعا مع زعماء
العشائر والمسؤولين المحليين في المحافظة لمناقشة حادثة النخيب". واضاف
ان "الوفد الذي يضم مدير مكتب القائد العام للقوات المسلحة الفريق
فاروق الاعرجي ومستشار الامن الوطني فالح الفياض سيتوجه بعد ذلك الى
كربلاء".
واكد العسكري ان "جميع المعتقلين احيلوا الى القضاء في الانبار
للنظر بشان القضية وحسمها عبر المحاكم العراقية في المحافظة". وكانت
السلطات العراقية اعلنت الخميس اعتقال ثمانية اشخاص بتهمة ارتكاب مجزرة
راح ضحيتها 22 شخصا من الزوار الشيعة، غالبيتهم من مدينة كربلاء
المقدسة لدى الشيعة. بحسب فرانس برس.
وقد سعت الحكومة العراقية الى تهدئة التوترات بسبب بعقد اجتماعات مع
زعماء العشائر والافراج عن رجال يشتبه في أنهم نفذوا الهجوم. وأرسل
رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وفدا رفيع المستوى للاجتماع مع
الزعماء المحليين قبل أن يتوجهوا جميعا الى محافظة كربلاء للمشاركة في
تشييع الضحايا.
وقال نصيف جاسم وكيل رئيس مجلس محافظة كربلاء "زيارة وفد شيوخ
الانبار والوفد الحكومي الى كربلاء هي خطوة جيدة بالاتجاه الصحيح لحل
الازمة وارسال رسالة الى من يحاولون اشعال أو التسبب بأزمة."
تورط بعض معتقلي الرطبة بجرائم قتل
في سياق متصل ذكر مستشار الحكومة العراقية لشؤون المصالحة، ان بعض
الذين اعتقلوا على خلفية حادثة النخيب بمحافظة الأنبار قبل ايام،
متورطون بقتل مدنيين في الأنبار وهم اعضاء في تنظيم القاعدة الارهابي.
وقال عامر الخزاعي ان "اغلب الذين اوقفوا من مدينة الرطبة على خلفية
حادثة النخيب كانوا متهمين بقضايا قتل مدنيين وان الحكومة العراقية
أحالت الملف بالكامل للقضاء وهو الذي يقرر ما اذا كان الموقوفون مدانون
او متهمون"، مشيرا الى ان "الدلائل التي تمتلكها القيادات الامنية حول
مجزرة النخيب تشير الى تورط اصابع القاعدة في تنفيذ الجريمة". واضاف ان
"بعض الذين تم القبض عليهم هم بالأصل متورطون بقتل مدنيين في الأنبار
وهم اعضاء في تنظيمات القاعدة"، نافيا ان "يكون المطلق سراحهم من اهالي
الرطبة قد ادينوا باي جريمة". بحسب اصوات العراق.
وقامت قوة مشتركة ضمت اجهزة امنية من كربلاء على أثر ذلك، بشن حملة
اعتقالات واسعة في مدينة الرطبة اسفرت عن اعتقال اشخاص اتهموا بالتورط
في الحادثة او اعتقلوا كمشتبهين وتم نقلهم لكربلاء، وهو ما اثار ردود
فعل امنية وشعبية وسياسية في الأنبار التي طالب مسؤولوها بعدم تجاوز
السياقات القانونية في العمل الاداري والأمني والتورط في اعتقال "ناس
ابرياء"، واتاحة الفرصة لمحافظة الأنبار للقيام بواجبها في تعقب
المتورطين واعتقالهم.
في وقت أفادت فيه الأنباء بأن رئيس مجلس محافظة كربلاء ولدى زيارته
لمنطقة النخيب تعرض لمحاولة اغتيال بحزام ناسف، وهو ما نفته جهات محلية
في الانبار، واستبعدت أن يكون للحادث صلة في استهداف رئيس مجلس كربلاء.
وتظاهر مئات الاشخاص في الشوارع في بلدات بانحاء محافظة الانبار
السنية بالعراق للاحتجاج على اعتقال ثمانية اشخاص للاشتباه في قتل زوار
شيعة. وتظاهر محتجون في الفلوجة والقائم وهيت ومدن اخرى وبلدات في
انحاء الانبار مطالبين بعودة المشتبه بهم ومحذرين من توتر طائفي جديد
محتمل.
واتهم مسؤولون بمحافظة الانبار محمد الموسوي رئيس مجلس كربلاء
باختطاف الثمانية المشتبه بهم. وقال قائمقام الانبار قاسم محمد ان
الموسوي ليس له اي حق قانوني لاعتقال اشخاص من الانبار. واضاف انه جاء
الى هنا واستقبله اهل الانبار كزائر لكنه تصرف مثل عضو في عصابة. بحسب
رويترز.
وقال الموسوي ان المشتبه بهم اعتقلوا بعد ان اخطرت سلطات كربلاء -
بناء على معلومات من جهاز المخابرات العراقي - القيادة العسكرية
للانبار. واضاف ان الاشخاص المعتقلين نقلوا على الفور الى بغداد وانهم
رهن التحقيق حاليا. وقال انه يشعر بالصدمة ازاء التصعيد غير المبرر من
قبل بعض الاشخاص في محافظة الانبار. وقال ان المشتبه بهم في بغداد رهن
التحقيق و انه اذا ثبت اي شيء ضدهم فسوف ينالون ما يستحقونه من عقاب
واذا كانوا ابرياء سيفرج عنهم.
هجمات ارهابية
من جانب آخر قال مسؤولون ان مفجرين انتحاريين هاجموا مجمعا حكوميا
تابعا للمجلس المحلي في محافظة الانبار العراقية يوم الثلاثاء وقتلوا
شخصين على الاقل وأصابوا 15 اخرين.
وذكر المسؤولون ان اثنين من المهاجمين كانا يرتديان سترتين ناسفتين
وان الثالث كان يقود سيارة ملغومة وفجر الثلاثة أنفسهم في مبان حكومية
بوسط مدينة الرمادي. وشهدت محافظة الانبار معارك ضارية خلال حرب العراق
كما كانت مسرحا لتوتر طائفي في الايام الاخيرة بعد مقتل 22 شخصا معظمهم
زائرون شيعة.
وقال محمد فتحي المتحدث باسم محافظ الانبار قاسم محمد "انتحاريان
يرتديان حزامين ناسفين فجرا نفسيهما عند مبنى مجلس المحافظة في نفس
الوقت تقريبا... وبعد مضي دقائق على الانفجارين فجر انتحاري ثالث كان
يقود سيارة مفخخة نفسه في الجانب الاخر من المجمع الذي يضم عدة بنايات
من بينها مبنى مجلس المحافظة."
واستطرد "حتى الان حصيلة الانفجار هي استشهاد شخصين واصابة 15 اخرين
بجروح... من بين الجرحى ثلاثة من الشرطة.... الحصيلة قابلة للزيادة لان
عددا من المصابين جروحهم خطيرة. تمكن رجال الشرطة من اصابة احد
الانتحاريين لكنه تمكن من تفجير نفسه بعد اصابته."
وقالت مصادر امنية أيضا ان الانفجار أودى بحياة شخصين وأصاب 15 لكن
محافظ الانبار قال ان عدد المصابين 11. وقال محافظ الانبار "هذه
(الهجمات) رد فعل من الارهابيين لانهم كانوا يخططون لاشعال فتنة طائفية
وعندما فشلوا في تحقيق هذا الهدف قاموا بهذه الافعال."
وتراجع العنف بشدة منذ ذروة القتال الطائفي عامي 2006 و2007 لكن ما
زالت تفجيرات وهجمات اخرى تقع بشكل يومي مع تصدي قوات الجيش والشرطة
لمقاتلين من السنة وميليشيات شيعية. ونزل مئات السكان الى شوارع مدن
وبلدات الانبار يوم الجمعة الماضي احتجاجا على اعتقال ثمانية رجال
يشتبه في ضلوعهم في قتل الزوار الشيعة.
وما زال التوتر الطائفي شديدا في العراق بعد مرور أكثر من ثماني
سنوات على الغزو الامريكي بينما تحاول الحكومة العراقية ان تقرر ما اذا
كانت ستطلب من القوات الامريكية البقاء في العراق بعد الموعد المحدد
لرحيلها في نهاية العام. |