
شبكة النبأ: في الوقت الذي يسعى قادة
الدولة الجدد في ليبيا الى اعادة لملمة شتات وطنهم بعد اشهر طويلة من
الحرب، لا تزال العديد من التحديات تقف عقبة جسمية امام تطلعاتهم
المشروعة، فبعض جيوب انصار القذافي لا يزالون يشكلون تهديدا حقيقيا على
امن البلاد، فضلا عن الانشقاقات المستمرة في صفوف الثوار التي طفت على
المشهد السياسي. في حين تبرز التداعيات الاقليمية كعامل قلق مضاف
لهؤلاء القادة بعد ان اعربت العديد من الدول المجاورة عن مخاوفها من
استمرار الفوضى حتى الان.
وتشكو العديد من المدن الليبية اثار الدمار التي خلفتها المعارك
الطاحنة التي اسقطت نظام القذافي مؤخرا، فيما لا يزال الاقتصاد يشكل
معضلة حقيقة لليبيا على الرغم من اطلاق بعض الدول للاموال المحتجزة في
مصارفها لدعم الثورة.
يزعج جيرانها
فلفترة طويلة عانى جيران ليبيا في افريقيا من الانقلابات وحركات
التمرد وغيرها من المشاكل الداخلية والان يواجهون مجموعة جديدة من
المشاكل المستوردة حديثا من صراع لا يخصهم.
ويمثل وصول 32 من الموالين للزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي ومن
بينهم احد ابنائه بعد فرارهم الى النيجر في الايام القليلة الماضية
مصدر ازعاج دبلوماسيا للحكومة. لكن هذا قد يكون نذيرا للتطورات التي
ستبعد الاستثمارات الاجنبية وتزيد من زعزعة استقرار المنطقة التي هي
بالفعل قاعدة للمتشددين المرتبطين بتنظيم القاعدة.
وتفتقر النيجر الى القوة العسكرية والتكنولوجيا لتأمين حدودها
الشمالية وحذرت هذا الاسبوع من أن الصراع في ليبيا قد يتحول الى الازمة
الامنية والانسانية القادمة التي تؤثر على هذه المستمعرة الفرنسية
سابقا المعرضة للجفاف.
وناشد رئيس الوزراء بريجي رافيني السفراء المجليين بالنيجر خلال
محادثات بالعاصمة نيامي هذا الاسبوع قائلا "نحن بحاجة الى مساعدتكم
ودعمكم." وفر اكثر من 150 الف شخص من ليبيا الى شمال النيجر ومعظمه
صحراء. وسعى ابناء النيجر وغيرهم من مواطني دول افريقيا جنوب الصحراء
على مدى سنوات الحصول على وظائف في ليبيا الغنية بالنفط حيث يساوي
متوسط دخل الفرد 20 ضعف متوسطه في النيجر.
ومن بينهم عصابات من افراد قبائل الطوارق الذين كان يستعان بهم
للقتال في صفوف القذافي ورصدوا في الاسابيع الماضية وهم يعودون الى
ميخيماتهم في شمال النيجر.
وفي حين ان الاعداد قليلة حتى الان فان مبعث قلق نيامي الرئيسي هو
أن الاستسلام الاخير لقوات الزعيم المخلوع سيعيد الافا من مقاتلي
الطوارق عبر الحدود الى دولة قادوا فيها سلسلة من حركات التمرد لسنوات.
وقال احمد حيدرة وهو برلماني من شمال النيجر لرويترز "الشريط
الساحلي الصحراوي غير امن بالفعل في ظل نشاط الارهابيين ومهربي
المخدرات. الان نرى عودة الشبان في ظل غياب مصدر للوظائف لكنهم يعلمون
كيف يستخدمون السلاح."
وأضاف حيدرة الذي يرأس لجنة للطوارق على اتصال بالمجلس الوطني
الانتقالي الذي يدير ليبيا حاليا "لم نرد هذه الحرب لكن علينا الان ان
نبذل اقصى ما في وسعنا في مواجهة العواقب السلبية." بجسب رويترز.
وفضلا عن عودة الاسلحة بصحبة الطوارق تعتقد حكومات المنطقة أن أسلحة
مهربة من ليبيا سقطت في أيدي حلفاء لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب
الاسلامي المسؤول عن سلسلة من حوادث خطف الغربيين وغيرها من الجرائم.
وتوقع رودي باركلي المحلل المتخصص في الشؤون الافريقية بشركة (كونترول
ريسكس) ومقرها لندن أن "الشركات التي تعمل بالمنطقة ستواجه ارتفاعا في
معدلات الجريمة وزيادة في تزعزع الامن في الاشهر القادمة نتيجة لتدفق
الاسلحة والافراد او الجماعات المسلحة."
ولن يزيد هذا من صعوبة اعمال الاغاثة الانسانية وحسب بل انه يمثل
اخبارا غير سارة لشركات مثل اريفا التي تمد مناجم اليورانيوم التابعة
لها في بلدة ارليت بالشمال القطاع النووي في فرنسا بهذه المادة.
وتواجه مالي المجاورة حيث يعتقد أن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب
الاسلامي مازال يحتجز مجموعة من أربعة رهائن فرنسيين اختطفوا في حوادث
في ارليت نفس المخاوف التي تواجه النيجر.
وهي تشهد ايضا في الاونة الاخيرة عودة لتمرد شنه الطوارق على
اراضيها وقد ربط مصدر عسكري كبير بينه وبين مؤشرات جديدة على الاتجار
في الاسلحة المهربة من ليبيا. ويخشى اخرون من أن تكون هذه فرصة لتنظيم
القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي.
وقال ميليج تراوري وهو برلماني من بوركينا فاسو خلال محادثات عن
الامن الاقليمي وقضايا أخرى عقدت في نيامي هذا الاسبوع "تدفق الاسلحة
على المنطقة لن يؤدي الا لتقوية تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي...
هذه فرصة ذهبية لهم وانا واثق أن الغرب لم يعتقد أن الوضع سيكون هكذا."
وتشير مصادر أمنية في تشاد الى الجنوب الشرقي من ليبيا الى وصول أسلحة
الى جبال تبستي بشمالها والتي يسكنها متمردو التوبو وتقول المصادر ان
سكان بلدة فايا لارجو وهي البلدة الرئيسية بالمنطقة زادوا بشدة نتيجة
فرار تشاديين من ليبيا.
لكن مصدر قلقهم الرئيسي هو عودة زعيم متمردي دارفور خليل ابراهيم
الى السودان المجاور بعد أن كان لاجئا في ليبيا مما سيهز السلام على
الحدود بين تشاد والسودان.
وقد تحدد الاحداث في ليبيا على مدى الايام القادمة حجم الاثر على
الاستقرار في المنطقة الهشة.
وفي الوقت الحالي فان القلق في نيامي بشأن كيفية التعامل مع
الموالين للقذافي بما فيهم الساعدي ابنه يبرز التحديات التي تواجه
الحكومات التي تعلمت ان تتعايش مع تدخل القذافي المزعج في شؤونها
المصحوب بالسخاء الشديد.
وأكدت النيجر ان الليبيين تحت المراقبة وليسوا محتجزين لانه لم تصدر
اوامر بالقبض عليهم وبالتالي يمنحون حق اللجوء لاسباب انسانية.
وقد يسترضي هذا الموقف الساسة المحليين الذين ذاقوا كرم القذافي
لكنهم سيختبرون اذا ضغط المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا والغرب
لتسليم الهاربين خاصة في ظل اعتماد النيجر على المساعدات الخارجية.
وفي حين اعترفت دول افريقية كثيرة على مضض بالمجلس الوطني وأغلب
اعضائه غير معروفين الى الجنوب من الصحراء فان بعض المحللين يرون أن
أحوالها ستتحسن بعد سقوط القذافي.
وقال باركلي من شركة (كونترول ريسكس) "بعد أن توقف نظام القذافي عن
وضع حكومات المنطقة في مواجهة بعضها البعض فان التعاون في قضايا مثل
مراقبة الحدود ومكافحة المخدرات وانشاء قوة تدخل اقليمية سيواجه تعطيلا
أقل."
الحياة في طرابلس
الى ذلك بعد أقل من شهر على سقوط الزعيم الليبي المخلوع معمر
القذافي تصخب طرابلس بالحركة ويتوافد المتسوقون على الاسواق والبنوك
مفتوحة كما تتوفر المياه والكهرباء لمعظم الوقت بعد أن كانا قد قطعا
وفي الصحراء يتدفق بعض النفط.
ولايزال القتال مشتعلا في اجزاء من ليبيا عضو منظمة البلدان المصدرة
للبترول (أوبك) لكن الانتشار السريع لمظاهر عودة الحياة الى طبيعتها
مدهش. وقال مسؤول أمني طلب عدم نشر اسمه لانه غير مفوض بالحديث لوسائل
الاعلام "اعتقدنا أن الوضع سيكون أسوأ كثيرا من هذا عندما كنا نخطط
لطرابلس."
لكن بالنسبة للعاصمة التي يعيش بها ثلث سكان ليبيا البالغ عددهم ستة
ملايين نسمة كان ذلك نوعا جديدا ومتميزا من الحياة الطبيعية. وصاحبت
العودة الى الروتين اليومي بعد ستة اشهر من الاضطرابات علامات على دولة
غير مألوفة لليبيين الذين تربوا في ظل 42 عاما من حكم القذافي الشمولي.
ولا يرجع هذا فحسب الى الاسلحة والذخائر التي خلفتها قوات الزعيم
المخلوع وراءها في أنحاء المدينة قبل فرارها او اطلاق مقاتلي المجلس
الوطني الانتقالي الذين مازالوا يسيطرون على جزء من المدينة النيران
احتفالا من حين لاخر.
ومن الظواهر المستحدثة التي تخبر بالكثير منذ سقوط طرابلس حرية
التعبير المصحوبة بجرعة من المشاحنات السياسية العلنية المبكرة والتي
تسبب انزاعاجا للبعض. وتعبر بعض الشخصيات داخل المعسكر المناهض للقذافي
عن خلافاتها جهرا في ظل تنافسها على السلطة قبل ترشيح حكومة انتقالية
جديدة وهي خطوة متوقعة بعد نحو أسبوع من الان.
وبالنسبة لليبيين الذين منعهم القذافي من تشكيل احزاب سياسية او
اجراء انتخابات فان قدرا من الانفتاح السياسي محل ترحيب.. فهذه علامات
المخاض لاحدث ديمقراطية في العالم اكثر من كونها نذيرا بصراع على غنائم
الثورة.
على مدى معظم الاشهر الستة الماضية تجادل الليبيون على القنوات
الفضائية العربية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت بشأن
خصائص الدولة التي يتمنونها. والان بعد أن سقطت طرابلس في ايدي معارضي
القذافي فان بعضا من سكانها يرون حاجة الى حماية الثورة من الاحاديث
التي قد تثير خصومات شديدة.
ولا يستطيع تحالف القوى التي تجمعت لتشكل المجلس الوطني الانتقالي
للاطاحة بالقذافي أن يتحمل الانقسامات الصريحة خاصة وأن الاسلحة لاتزال
منتشرة بكثافة في معظم أنحاء المدينة علاوة على الخصومات القبلية
والاقليمية التي برزت والمشاعر التي تجتاح المواطنين بعد سقوط عشرات
الالاف من القتلى.
وقال محمد الساعدي وهو طيار سابق كان يسحب اموالا من احدى الات
الصرف الالي بميدان في وسط طرابلس انه شعر بالارتياح حين رأى رئيس
المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل يصل الى طرابلس يوم السبت في
اول زيارة له للمدينة منذ هزيمة القذافي.
وكان بعض الليبيين قالوا ان عبد الجليل بصفته من ابناء شرق ليبيا
سيكون عليه أن يعمل جاهدا ليثبت مصداقيته السياسية مع سكان طرابلس في
الغرب. لكن مواطني طرابلس حريصون على أن يبعثوا برسالة للوحدة الوطنية.
وقال الساعدي "القذافي كان يريد تقسيم البلاد الى ثمانية اجزاء.
ولذلك فان وصول عبد الجليل يساعد في الحفاظ على الترابط." وأضاف "يمكننا
أن نتحدث بحرية الان.. فيما مضى كان يمكن أن تختفي اذا قلت كلمة خاطئة
لكننا بحاجة الى الكثير من المساعدة لبناء دولة جديدة وبصراحة لبناء
شعب جديد." ومضى يقول "نحن بحاجة الى الكثير من التعليم لفهم كيفية
التعامل مع هذه الفترة لنتسم بالامانة والتعاون." بحسب رويترز.
وقال ابراهيم محمد وهو استاذ جامعي للادب المسرحي ان طرابلس "عادت
الى طبيعتها بنسبة 50 في المئة." وأضاف "الناس يذهبون الى البنوك
لتحصيل رواتبهم والى المستشفيات للعلاج. الوقود متوفر." وتابع قائلا
"بالنسبة لعبد الجليل نعم هو ينتمي للشرق لكنه من ليبيا اولا. هذا هو
اهم شيء."
وكانت الحاجة الى التسامح والوحدة الفكرة الرئيسية في كلمة ألقاها
عبد الجليل استقبلت بحفاوة في تجمع حاشد بميدان رئيسي مساء الاثنين.
وبعد أن تحدث بنحو ساعة أجرى عالم الدين البارز المناهض للقذافي علي
الصلابي مقابلة مع احدى القنوات الفضائية العربية أشار فيها الى أن
المجلس الوطني ليس بالقوة الكافية ليحكم بفعالية.
وقال الصلابي الذي ينتقد الرجل الثاني بعد عبد الجليل وهو محمود
جبريل رئيس الوزراء الانتقالي انه يعارض أن تشارك في القيادة شخصيات
كبيرة عاشت في المنفى لفترات طويلة ولم تكن بين الجموع حين اندلعت
الثورة وكان الناس يقاتلون. وأضاف في انتقاد مبطن موجه لجبريل أنه يريد
حكومة وطنية قوية تشارك فيها كل الفصائل حيث لا يتم اقصاء أي طرف كما
يريد رئيس وزراء قويا.
وأشار الى أن بعض مساعدي عبد الجليل يتصرفون بنوع من الظلم مع
الفصائل الاسلامية باتهامها بالتطرف. وقال ان ليبيا سترفض اي نوع من
التطرف سواء كان دينيا او طائفيا او حزبيا او علمانيا.
وأشار محللون الى أن القائد العسكري لطرابلس عبد الحكيم بلحاج وهو
حليف للصلابي لم يظهر على المسرح مع عبد الجليل خلال الكلمة التي
ألقاها مساء الاثنين وهو غياب ملحوظ لمسؤول عسكري بهذا الحجم.
ولدى سؤاله عن تصريحات الصلابي قال اسامة ابو راس المسؤول بالمجلس
الوطني ان من حق الجميع توجيه الانتقادات. وقال ثلاثة محللين سياسيين
ليبيين اتصلت رويترز بهم انهم يشعرون أن تصريحات الصلابي متسرعة ولا
تخدم قضية التسامح.
وقال احد المحللين ان من السابق لاوانه الادلاء بهذا النوع من
التصريحات وأضاف "يجب أن يتم تفنيد الانتقاد من خلال العملية السياسية.
من ينتقدهم (الصلابي) يحاولون تكوين هذه العملية. متى تتكون يمكن أن
يبدأ التسييس." وأضاف "أنتم ترون أثر 40 عاما من الدكتاتورية."
مصراتة مدينة الصمود
من جهة أخرى وبعد اربعة اشهر تحت الحصار بدأت تظهر ملامح التعافي
على مدينة مصراتة بغرب ليبيا والتي لعبت دورا رئيسيا في الانتفاضة التي
أطاحت بالزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي. لكن بعض سكان مصراتة
يقولون ان المساعدة التي يحتاجونها لاعادة الاعمار تأتي ببطء بل ببطء
شديد ويتهمون الحكومة المؤقتة بمحاباة مدن أخرى ربما تربطهم بها صلات
أوثق.
وقال عبد الباسط الحداد رئيس لجنة الاغاثة بالمجلس المحلي الذي يدير
مصراتة ان المدينة مازالت تحتاج المال وانوعا اخرى من الدعم للمساعدة
في رعاية الاف الجرحى وأسر القتلى ورعاية الاطفال الذين تضررت حالتهم
النفسية.
كما تضررت مرافق المياه والكهرباء ويحتاج الكثير من المباني
والمدارس الحكومية لاعادة بناء. وقال حداد "المكتب التنفيذي والمجلس
الوطني لفظيا وكلاميا يقولون ان مصراتة لها اولوية واحنا واقفين معاها
ومهتمين بها لكن هذا واقع عملي مصراتة لم يصلها شيء حتى الان بما يقول
انهم فعلا عندهم اولوية وانهم ينظرون لمصراتة بشكل اولوية فعلية."
ويظهر الوضع في مصراتة حجم التحديات التي تواجه المجلس الوطني
الانتقالي فيما يحاول اعادة اعمار البلاد وتفادي التحزب الاقليمي
وتوحيد الدولة التي قسمها الصراع الذي امتد نحو سبعة اشهر. وقال
المتحدث باسم المجلس جلال الجلال ان المجلس يقدر أن مصراتة ضحت بالكثير
من "الشهداء" وعانت بشدة. وعبر عن اعتقاده بأن مصراتة ستحظى بالاهتمام
الكافي لكن الوضع في الوقت الراهن لم يحسم بعد. وأضاف أن مصراتة كانت
بالطبع مثالا لمقاومة القذافي لكنها ليست المدينة الوحيدة التي دفعت
ثمنا غاليا.
وستكون قدرة المجلس الوطني على اعادة اعمار المدن التي تضررت
ومعاييره لتوزيع الاموال والخدمات عاملا مهما في كسب المصداقية بين
الاطراف المختلفة التي تتنافس على السلطة في ليبيا ما بعد القذافي.
وبدأت علامات التحزب تظهر.
ويكتب افراد الكتائب المسلحة في طرابلس اسماء البلدات التي ينتمون
لها على الحوائط والسيارات ويرتدون قمصانا قطنية تشير الى اصولهم. واذا
لم يستطع الحكام المؤقتون الموازنة بين المطالب المتناحرة للجماعات
المختلفة التي تشعر بأن دورها في الانتفاضة يعطيها الحق في الحصول على
نصيب من السلطة والمال فقد يؤدي هذا الى تزعزع الاستقرار لفترة طويلة
والمزيد من التغييرات في الحكومة.
وسيصعب الارتباك على الحكومات والشركات الغربية معرفة الجهات التي
يتعاملون معها ويعقد اعادة تشغيل الاقتصاد القائم على النفط والغاز
ويعرقل اقامة الدولة الفعالة التي يصبوا اليها الجميع.
كما يمكن أن يصعب هذا من اقناع الكتائب الكثيرة المسلحة والتي تعمل
بشكل مستقل في انحاء البلاد بالتخلي عن سلاحها او دمجها في قوة جيش او
شرطة متماسكة. ويعي قادة ليبيا المخاطر تماما. وفي اول تصريحات علنية
يدلون بها في العاصمة طرابلس ليل الاثنين أشاد زعماء المجلس الوطني
الانتقالي ومقره بنغازي بالمقاتلين الذين لا ينتمون الى العاصمة وذكروا
اسماء جميع المدن اسما اسما.
وتضررت مدن ليبية اخرى منها الزنتان في الجبل الغربي والزاوية الى
الغرب من طرابلس واجدابيا في الشرق خلال القتال وتم اخلاؤها كليا او
جزئيا لكن من المتفق عليه على نطاق واسع أن مدينة مصراتة البالغ عدد
سكانها 300 الف نسمة هي اكثر من عانى من دبابات ومدفعية وقذائف المورتر
لقوات القذافي.
والبوابة الغربية مغلقة بأكوام من الرمل والشاحنات الضخمة. وتنتشر
في الشوارع اكوام القرميد المكسر وتهدمت المباني الحكومية والمدارس.
وتحث لافتات السكان على الاحتراس من الالغام.
على امتداد شارع طرابلس الرئيسي تحولت المتاجر والمستوصفات والمكاتب
الحكومية والمباني السكنية الى أنقاض. النوافذ محطمة واطباق استقبال بث
القنوات الفضائية المتفحمة تتدلى من شرفات المنازل.
وقال الحداد "شبكة الكهرباء وشبكة الماء وشبكة الصرف الصحي كلها
تعرضت للتدمير. تدمير جزئي. مدينة مصراتة تعرضت للقصف العشوائي لمدة
طويلة. استشهد من ابنائها اكثر من الف شخص." وقاومت مصراتة بعضا من
افضل قوات القذافي تسلحا بمساعدة القصف الجوي الذي قاده حلف شمال
الاطلسي وأسلحة أرسلت لها من بنغازي في الشرق مما وفر لمقاتلي المجلس
معقلا في غرب ليبيا وساعدهم في تقليل المخاوف من انزلاق البلاد الى حرب
اقليمية.
ونتيجة لهذا الانتصار انتشرت سمعة المدينة على مستوى ليبيا وشعر
ابناؤها بالفخر. وتصف الاغاني الثورية التي تبثها الاذاعة واللافتات
والكتابة على الجدران مصراتة بأنها "مدينة الصمود."
وبدأ بعض الليبيين يطلقون على مصراتة "ستالينجراد ليبيا" في اشارة
الى المدينة السوفيتية السابقة التي صمدت امام الالمان في الحرب
العالمية الثانية. وقال حسام الزين (22 عاما) وهو احد السكان "مصراتة
المدينة التي تحملت اغلب الضرر من الصواريخ والدبابات وكل شيء" وهو ما
يردده كثيرون بالمدينة. وأضاف "قوات القذافي داهمت منازلنا. نهبت
ومارست انتهاكات بحق النساء. قتلت الناس الكثير من الابرياء بلا سبب.
لهذا قاتلنا بكل قوتنا."
وحين اقتحم مقاتلو المجلس مجمع باب العزيزية مقر اقامة القذافي في
طرابلس نقلت احدى الكتائب نصبا مذهبا لقبضة يد تسحق طائرة حربية
امريكية الى قاعدتها خارج مصراتة.
والان يوجد هذا النصب الذي نفذ في عهد القذافي ليظهر تحديه بعد حملة
القصف الامريكية على ليبيا عام 1986 وسط مواسير خرسانية في قاعدة
الكتيبة المطلة على البحر وقد غطته الكتابة وعلم استقلال ليبيا المكون
من ثلاثة الوان.
وقال علي مفتاح (31 عاما) وهو من افراد الكتيبة عن النصب وهو يجلس
في شاحنته الصغيرة التي تحمل منصة اطلاق الصواريخ ويدخن سيجارة "نحن
فخورون لهذا عدنا بشيء اضافي."
وبدأت بعض ملامح عودة الحياة الى طبيعتها تظهر على المدينة. على
ناصية شارع طرابلس كان الاطفال يتأرجحون في متنزه ويستمتعون بالساعات
المتأخرة من ليالي الصيف. وأخذ رجال يقطفون التمر من النخل في الشوارع.
وبعد تردد انباء عن أن بعض الدول ستفرج عن اصول ليبية في الخارج
بمليارات الدولارات قال الحداد انه يأمل أن تحصل المدينة على مزيد من
المساعدة من الزعماء المؤقتين قريبا.
وقال "لننتظر ايش بيقدموا ايش بيقدموا لمصراتة الان. مصراتة مدينة
الصمود التي تعرضت لدمار حقيقي. نتمنى رجوعها من جديد الى الحياة
الطبيعية." وكان الحداد متفائلا ايضا بعد أن سمع كلمة لرئيس الوزراء
المؤقت محمود جبريل في طرابلس. وقال انه لو طبق جزء مما قاله جبريل
ستسير الامور على نحو جيد جدا. |