مصادر العنف في الشخصية العراقية

عبد الكريم العامري

 

شبكة النبأ: العنف باعتباره مجموعة من العوامل، يمكن أن تسهم بدرجة أو بأخرى في دفع الفرد الى ارتكاب العنف أو اللجوء إليه بوصفه الاستجابة الأكثر قابلية للظهور، في أثناء التفاعل اليومي، وفي مجالات الحياة الاجتماعية كافة. ترجع العوامل الى ثلاثة مصادر أساسية ـ كما أعتقد ـ لا تنفصل عن بعضها، تعمل مجتمعة على إنتاج وإعادة إنتاج ما هو سائد في مجال السياسة والدين المتطرف والاقتصاد والأسرة والثقافة من عنف وإكراه.

الأول: العائلة

على الرغم من أهمية الوظائف التي تقدمها العائلة للفرد والمجتمع على حد سواء، ابتداء من عملية إنجاب الأعضاء وإعدادهم فكريا وأخلاقيا واجتماعيا، انتهاء بتنظيم عملية التفاعل، ألا أن جزءا كبيرا من العنف الاجتماعي يتقرر داخل إطارها. تمثل العائلة أولى هذه المصادر بما تنطوي عليه من علاقات عمودية تستند الى بنية التسلط. تعتمد على الفلسفة العقابية في عمليات التنشئة الاجتماعية، وفي تغييبها للعلاقات الدافئة القائمة على المحبة والرعاية وعدم التمييز بين الأبناء. هذه العوامل تجعل من الأسرة بيئة مناسبة لإنتاج العنف. أن العنف الذي يمارس في الأسرة يأخذ أبعادا اجتماعية تتجاوز حدود ما هو قائم أو سائد في الأسرة عينها، فالأسرة لا تلبي احتياجات المحافظة على السلطة، على هذا الأساس تتم عملية إعادة إنتاج القهر والتسلط والعبودية في المجتمع بصورة عامة.

الثاني: ثقافة المجتمع

لا يمكن تفسير ظاهرة اجتماعية من دون تتبع جذورها داخل الأطر الثقافية التي أفرزتها، لما للثقافة من أثر في تشكيل شخصية الفرد وتحديد استجاباته على وفق منظومة من المعايير والقيم والأهداف التي تفرزها الثقافة أيضا. والعنف بوصفه ظاهرة اجتماعية، هو في الوقت نفسه مكتسب ثقافي، إذ إنه لا يظهر إلا لدى الإنسان ابتداء من اللحظة التي تتخطى الطبيعة ذاتها الى ثقافة. فالثقافة التي يعيش في كنفها الأفراد تحمل الكثير من صفات العنف، كما أنها تشجع على ارتكابه لما تنطوي عليه من عناصر يمكن من خلالها تحديد أوليات بناء الشخصية وعناصر تشكلها.

ثقافة المجتمع إذن، تعد المصدر الثاني للعنف. فالقيم ذات الطابع التنافسي والأهداف المادية، وتقاليد الصراع العنيف، والتعرض لعقائد متطرفة. كما تتضمن ثقافة المجتمع الأنظمة التربوية التي تمثل قنوات لتمرير عناصر الثقافة بما فيها تلك العناصر ذات الطابع العدواني.

الثالث: تناقض الأنظمة الاجتماعية

كثيرا ما يوصف العنف بأنه استجابة لمجموعة من التناقضات البنائية، التي تعكس خللا في الأداء الوظيفي للنظام الاجتماعي. تتمثل هذه التناقضات، بمجموعة العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تعمل كضواغط تتعدى استعدادات الفرد للتكيف، ترشحه لأن يسلك بطريقة عدوانية، من هذه العوامل: غياب عدالة التوزيع واضطراب القاعدة المعاشية الناشئ عن البطالة والتضخم الاقتصادي أو انخفاض القوة الشرائية وغيرها من العوامل التي تؤشر وجود خلل وظيفي يجعل من النظام الاجتماعي بمؤسساته المختلفة عاجزا عن إشباع حاجات الأفراد، وهو ما قد يدفعهم الى تهديده وتحديه.

هذه الفئة من العوامل تقع في إطار المجتمع الذي يعد مصدرا ثالثا للعنف والتوتر، بما ينطوي عليه من اختلالات بنائية تتبدى في عدم قدرة المجتمع على تحقيق توزيع عادل للفرص والمكافآت، وغياب الأمن والضمان الاجتماعي الذي يكفل للمواطن إشباع حاجاته الأساسية.

من الإحاطة بهذه العوامل ـ أعتقد ـ نستطيع التعرف على مصادر العنف الكامنة في البناءات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والأسرية. لعل من الجدير بالذكر إن هذه العوامل تشكل المصادر الأساسية للعنف في المجتمع ويأتي عنف الأفراد استجابة لها. الشخصية الفردية العراقية، تقريبا، تقع بين طرفي نقيض؛ العنف والسلم، الاعتدال والتطرف، الطيبة والمطالبة، الأمن والتهديد.. هكذا في علاقاتها بين الذات والآخر! هي ظاهرة طويلة الأمد، تضرب جذورها في القدم، تختفي، لكنها لا تزول، تظهر بين فترة وأخرى كلما ظهرت لها مشجعات ومحفزات.

فيما يتعلق بهذه الصفة اللصيقة، العنف، فإن الشخصية العراقية المعتلة تتغذى من:

1ـ الماضي وما يحمله من أساطير، قصص وروايات، فنون تثيرها المنحوتات والمسلات الرافدينية وشعر الحماسة والتفاخر بالأنساب والبطولات الملحمية القبلية..موجودة في المناهج المدرسية ومسلسلات رمضان..الخ.

2ـ قيم البداوة والريف والمناطق الشعبية في المدن المتسربة الى الشخصية عبر حركة الزمن الذي يشجع القوة لأغراض الحماية ومواجهة الأخطار الخارجية والمحيطة الداخلية من القبائل والنخوات العشائرية، أما التصرفات المدينية فانها تعتبر العنف من قيم التغالب و(السباعية) وموجودة في التمثيليات المحلية والقصص والشعر الشعبي والمثل الشعبي.

3ـ صراع مناطق الوفرة والفقرة من الناحية الاقتصادية، تلك التي تنتج أيدي عاملة معطلة أو منحرفة أو شيوع قيم الحروب والانقلابات والاحتلال المدمر التي أفرزت نموذجا من المواطنين يدعى (الحواسم) و أفرادا ومجاميع من الإداريين نفعية وسيلتها المتاجرة بالأرواح والسلاح وعطلت الأدوار الرقابية في المجتمع.

4ـ هجرات الإنسان العراقي المتعددة في الداخل و الخارج، لمختلف الأسباب، ومغادرة الكثير من النشاطات التجارية القديمة والاتجاه الى الحديثة كالسيارت، حتى لعب الأطفال العنيفة بمختلف الطرق، جعل الشخصية تحتك بالأخرى، تمتص منها وتغذيها.

5ـ وسائل الإعلام خاصة الفضائيات التلفزيون وشاشات السينما والموبايل والأنترنت والصحافة وغيرها، التي تنقل الحدث العنفي، تعرضه وتزيده انتشارا واستسهالا في حال التطبيق.

ناتج هذه العوامل، أفرادا وجماعات اكتسبت شخصية عنيفة، اتبعت طرق معقدة وبسيطة للحصول على المال لإشباع الغرائز والنقص في نفوسهم. تسرق، تنهب، تقتل وكلما اشتدت، تقابلها المؤسسات الرقابية بالضعف مثل: انفلات الأمن وغياب القانون وضعف الضمير وانحلال قيم العشيرة والعقيدة والعادات والتقاليد.

هكذا، تبدأ هذه المقومات والعوازل تنهار عن الشخصية، برغبتها أو بدافعية المحيط، وكأنها تخلع لباسها بدون أدنى استحياء!.. على الرغم من وجود فئات عقلانية تدفع الثمن ولا تشترك في هذا الصراع المرير والمدمر وليس باستطاعتها جمع وسائل العنف ورميها في البحر، طبقة مثقفة تقف بالكلمة والالتزام لمواجهة عصف هذه الظاهرة، تتحدث وتكتب لكن لا يكفي!.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 14/أيلول/2011 - 15/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م