شواهد على تلك القبور

هادي جلو مرعي

في المقابر، وحين كنا صغاراً، كانت الزيارة في صباح العيد، كأنها جولة في ملاه الأطفال ومدن الألعاب، لم نكن نستشعر هذا العالم الصامت إلا من نحيب وبعض همسات، وأضواء شموع تذوي رويداً.

كانت الشواهد تحكي قصص حياة إنتهت (يا قارئ كتابي، إبك على شبابي، بالأمس كنت حياً واليوم تحت التراب). شاهد آخر, كتبت فيه آي من القرآن: يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي الى ربك راضية مرضية، فأدخلي في عبادي، وأدخلي جنتي).. شاهد ثالث (كل نفس ذائقة الموت). و(كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام..

بعضهم كان يكتب عبارات مغموسة بالأدب (النثر والشعر), ومنها ما يصف الميت، بأنه من أهل الصلاح والتقوى، وإنه كان يسارع في الخيرات، ويساعد المحتاجين, ولم يكن يبخل, أو يشح في العطاء. ومنها ما يشير الى الميت بأنه كان شاباً جميلاً إغتالته يد القدر في الحرب, أو في الشارع، أو على سرير المرض.

 كل تلك الشواهد كانت تشير الى حال واحد يجتمع عنده الأحياء والأموات، هو حال الرحيل المحتوم، قضاء الحتم الذي لا يبرمه شيء، وحتى إرادة الله التي تمد في العمر لعبد من العباد فإنها تستل روحه في يوم وتمنع عنه طاقة الحياة ليعود هامداً جامداً بارداً، وحتى الملك المكلف بقبض الأرواح لابد ويجيئه اليوم الذي يهلك فيه.

 ملك الموت لا قبر له، ولا شاهد عليه، ولا من يبكيه فهو من عائلة الملائكة.

ما الشاهد الذي يمكن وضعه على قبر أحد القتلة، أو من إمتهن السرقة، ونهب المال العام ,أو تسلط , وتجبر, وتكبر على العباد، بالتأكيد سيكون الشاهد متضمناَ عبارات الثناء على الروح الطاهرة ,و اليد النظيفة، وبعض آيات من القرآن مع طلب لكل من يقف على ذلك القبر أن يدعو للراقد في ثراه، ويقرأ له سورة الفاتحة و. و. و..بعض الآيات والسور..

والذين حكموا الشعوب منذ أوجد الله الأرض ومن عليها، إشتهروا، بإعتماد سياسة القمع, والتنكيل, والقتل، والتغييب، ودفع الناس الى محارق الحروب، ثم يمضي الواحد منهم الى حتفه (قتلا، أو سحلا، أو موتا), وقد خلف من بعده ملايين الثكالى واليتامى والأرامل.. عدا عن الذين يجهل أهليهم مصيرهم، وقد رأيت إن الشواهد المزيفة التي تثني على المقبور الظالم من هؤلاء لا تغير من الحقيقة شيئاً لأن (مردنا الى الله) , وهو لايعتمد في حكمه على الدسائس والوشايات والنزوات، بل هو الحكم العدل، وحينها لا يكون للحاكم الظالم سوى الرضوخ لسلطة الرب الذي سيريه كتاب أعماله, ويطلعه على المصائب التي عملها في الدنيا حين أذل العباد، وأفسد في الأرض وأهلك الحرث والنسل.. وسيكون مصداقاً لقوله تعالى، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، والعاقبة للمتقين.. ترى كم قتل بعض الحكام الذين أطيح بهم خلال العشر سنين الأخيرة من عمر الأمة العربية، من شعوبهم، وكم أهلكوا في النسل والحرث؟.

 الله وحده يعلم.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 14/أيلول/2011 - 15/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م