
شبكة النبأ: لم يعد ارتكاب الفعل
الفاضح او المخل بالحياء مدعاة للخجل وللتستر عليه واخفائه، بل اصبح
مدعاة للفخر والتبرير والدفاع عنه.. في العموميات تعارفت جميع
المجتمعات المنفتحة منها او المغلقة على مبادئ اخلاقية عامة انتهاكها
يعد فضيحة مهما بلغت قوة الحجج في تبريرها.. لهذا تنتعش صحف التابلويد
ومطاردة الصحفيين للمشاهير لرصد تلك الفضائح ونشرها.
بالمقابل يجد الكثير من اولئك المشاهير انفسهم في موضع من الحراجة،
رغم ما توفره لهم تلك الفضائح من فرصة للانتشار والشهرة نتيجة اعمالهم
الفضائحية.. لكنها تبقى فضيحة في العرف الاجتماعي العام وتبقى تلاحق
صاحبها.
كثير من اصحاب الفضائح لايبالون بفضائحهم ولكنهم بالمقابل يحاولون
انكارها والتهرب منها، التطور في وسائل الاتصال الحديثة ساهم برفع
منسوب الفضائح وانتشارها واصبحت تلك الوسائل وخصوصا التلفزيون منها هي
من تدعو الى الاعتراف بالفعل الفاضح لقاء مبالغ مالية للمفضوحين تقوم
باستردادها عبر الاعلانات المدفوعة.
كثير من تلك البرامج وجدت طريقها الى الفضائيات العربية استنساخا
رخيصا ومبتذلا لبرامج اوربية وامريكية.. ومعظمنا يتذكر قضية الشاب
السعودي وملاحقته من قبل هيئات الامر بالمعروف في السعودية بعد
اعترافاته العاطفية عبر احد تلك البرامج.
الستربتيز نوع من الرقص الفاضح يعتمد على قيام الراقصة بخلع ثيابها
قطعة بعد اخرى وهي على خشبة الرقص مستعينة بعمود في منتصف المسرح تدور
حوله وهي تقوم بحركاتها الراقصة.. يترافق ذلك مع زيادة في حجم الاثارة
المفتعلة لجمهور المشاهدين.
وحتى في رقص كهذا لا تسمح الراقصة بمن يحاول تجريحها او التحرش بها
او مد بده الى اي مكان من جسدها. راقصة الستربتيز تقوم باداء عمل مطلوب
منها اداؤه، على هامش هذا العمل ينشأ عمل اخر تقوم به بعض الراقصات وهو
مرافقة الزبون الذي يدفع تكاليف تعري من نوع اخر وفي مكان اخر..وهو
ايضا هامش يتم التراضي والتوافق عليه بين الراقصة والزبون.
خارج امكنة اللهو والملاهي الليلية ينتشر الستربتيز ليس بمعناه
الفني بل بمعانيه الرمزية التي يستدعيها التعري والذي يتطلب جرأة كبيرة
تكون مرادفة للوقاحة ينتشر عبر الكثير من السلوك السياسي والاعلامي
والاجتماعي والثقافي.
اجتماعيا وثقافيا لا يسلط الضوء كثيرا على ظواهر الستربتيز واكثر ما
تسلط تلك الاضواء على الستربتيز السياسي والاعلامي لاشتغال كل واحد
منهما على الاخر ومعه وقريبا منه.
عراقيا على مستوى السياسة باعتبارها فاعلا نشطا في الشان العام
وتتبدى اثارها سلوكا وممارسة على الواقع العراقي، يكثر ساسة الستربتيز
على مسرح تلك السياسة من خلال تبدل المواقف والاتجاهات تبعا لمتطلبات
اللاعبين الاساسيين على الساحة العراقية وتبعا لحجم الاموال المدفوعة
اثناء اداء الرقصة او بعدها لفعل المرافقة.
والامثلة كثيرة لا يمكن لنا عدها وهي مستمرة طالما ان هذه الرقصة
يؤديها راقصون ذكور ترفع الحرج عن فعل التعري الذي تمارسه المراة سواءا
بالمعنى المادي او المعنوي... اعلاميا وضعت قواعد الستربتيز الفضائي
العربي قناة الجزيرة القطرية وبرنامجها الاشهر الاتجاه المعاكس لمقدمه
فيصل القاسم.
ظاهرة الستربتيز الاعلامي كانت موجودة ولكن على استحياء او لم تكن
بالشكل الذي صارت اليه.. وكلنا يتذكر كوبونات النفط التي اغدقها صدام
حسين على الكثير من الساسة والكتاب والمثقفين العرب طيلة سنوات حكمه
للدفاع عنه وتلميع صورته الكالحة في الداخل امام النظارة خارج العراق.
كثيرة هي الوجوه التي رقص معها فيصل القاسم في برنامجه الشهير
وكثيرة هي الوجوه التي تركها ترقص لوحدها في وصلة تعري كاملة لا تبقي
اي قطعة يمكن ان تحجب العورات الاخلاقية للراقصين.
مشعان الجبوري واحد من اولئك الراقصين في البرنامج او(الملهى)
الاشهر وهو قد اتى من مسرح الستربتيز الاكبر وهو السياسة العراقية..
تلك السياسة الناشئة على تراكمات من حروب متواصلة وقمع واستبداد لا
يوجد له شبيه في تجارب المجتمعات الحديثة مع الاستبداد والدكتاتورية.
مسرح تسيده القائد الضرورة ونجله الاكبر عدي، وكان مشعان الجبوري
واحد من تابعي هذا النجل الاكبر طيلة سنوات قبل تبدل الاحوال
والازمان..ليرتفي هذا التابع ويصبح نائبا في البرلمان العراقي مثل
الكثيرين غيره.
لم تقف طموحات التابع السابق عند هذا الحد فاخلاق العبيد دائما ما
تقود الى سلوكيات منحرفة كثيرة بحثا عن اطمئنان زائف او حرية موهومة..
تتيحه لهم ظروف جديدة ناشئة وهم في هذا لا يستطيعون ان يتخلوا عن ارثهم
المتراكم من تلك الاخلاق.
لم يكتف مشعان الجبوري بمنصبه الجديد والامتيازات التي يوفرها له
هذا المنصب في مسرح راقصي الستربتيز السياسي العراقي ليصبح واحدا من
اشهر السارقين المطلوبين للعدالة في العراق الجديد، اذي يعرف كيف يخلق
جلاديه وضحاياه في وقت واحد.
من الستربتيز السياسي الى الاعلامي يجد مشعان الجبوري نفسه تحت
الاضواء من جديد عبر قناته الفضائية الزوراء التي عرفتنا بفنون الرقص
الغجري او ما يعرف في العراق ب (الكاولية) وفي سورية (النور) بفتح
الراء..ترافق ذلك مع بيانات تستعير لغة الخمسينات والستينات وفاموس
الانظمة الاستبدادية والحنين اليها.. وتبدلت المواقف والاراء واصبح
الوضع الجديد في العراق والذي ساهم في صعوده متضمنا جميع الرذائل
والموبقات بعد ان كان واعدا بالحرية من الطغيان والاستبداد... اغلقت
قناة الزوراء المشعانية وافتتح قناة اخرى..
في دوره الجديد تعلم فنون التعري ووصلات الاثارة الفجة في مدرسة
الاتجاه المعاكس واستاذها الاوحد فيصل القاسم.. قناته الجديدة التي
يقول انه مجرد مستشار فيها اتاحت له فرصة الاستمرار في وصلات
الستربتيز.. فبعد ان شارفت اسطورة القائد الضرورة على النسيان توجه هذه
المرة صوب ملك ملوك افريقيا للدفاع عنه وتلميع صورته التي مزقتها طلقات
الناقمين عليه وعلى توريثه السلطة لابنائه.
التاريخ يعيد نفسه فالتابع ينتقل من متبوع الى اخر وهو هنا بمثابة
الزبون لراقصة التعري.. كل ردح له ثمنه والتبرير موجود دائما وابدا
وكما تشي به ادبيات العروبيين والقوميين العرب، فالعرب ضحايا عدوان
دائم، والولايات المتحدة عدو، واسرائيل سرطان، وغير ذلك من تنويعات على
الدلالة نفسها كما بكتب حازم صاعية في احدى مقالاته.
في ظهور له على قناة الراي التي يملكها او يديرها او يساهم فيها أكد
مشعان الجبوري ردا على الاخبار التي تقول انه يتلقى اموالا من العقيد
القذافي أن مواقف قناته "لا تباع ولا تشترى بل هي فقط ترجمة لمواقف
ثورية منددة بالاحتلال ومساندة لحركات المقاومة حيثما كانت". وقال "إن
قناته تلقت عروضا مالية خيالية من "الناتو" مقابل تغيير مواقفها، مبالغ
تسيل لعاب أي قناة أخرى "إلا أنهم رفضوها لأن "مواقف القناة ليست
للبيع".
ليس غريبا على مشعان الجبوري مثل تلك التبريرات وهو الذي حذف من
ذاكرته حكايات قتل وتعذيب السجناء العراقيين واستعمالهم كأهداف حية
لإطلاق الرصاص من قبله هو وسيده الصغير سابقا عدي صدام في سجن
الرضوانية، وهذا كلامه هو، الذي اعترف به لصحيفة الغارديان البريطانية
اضافة الى ان الحادثة معروفة لدى الكثير من العراقيين.
اذا بليتم فاستتروا لا يعرفها راقصوا الستربتيز الاعلامي العربي في
زمن انتاج الفضائح واستهلاكها. |