القذافي... ثعلب صحراء الذي قاد ليبيا الى جهنم

وقفة مختصرة بين تأمل وتحليل

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: غالبا ما كان معمر القذافي الذي احكم قبضته على ليبيا طوال الاربعين عاما المنصرمة، رئيس غريب الاطوار، تتصف سلوكياته بتصرفات تثير الدهشة تارة والازدراء تارة أخرى، حتى بات مثارا للسخرية انما حل قبل الثورة التي اطاحت بنظامه. كما كان لكلمته المشهورة (زنكه زنكه) مكمن للدعابة والسخرية لدى معظم المجتمعات العربية، بعد ان اطلقها في سياق تهديد ووعيد للشباب الليبي المنتفض على نظامه.

الا ان تلك الشخصية الغريبة استطاعت في معظم الاحيان طوال الحقبة الماضية في تمرير ما تشتهيه على حساب شعبه والمجتمع الدولي على حد سواء، واستطاع القذافي ايضا في فرض نفسه كواقع حال لايمكن تغييره، بالرغم من تورطه في جرائم دولية ومحلية لم ينج من عواقبها اي زعيم سابق ارتكب شيء من ذات القبيل.

الامر الذي اثار موجة من التساؤلات والتحليلات المرادفة لها لدى محاولة معرفة اسرار ذلك الشخص، ونجاحه على مدى العقود الاربعة في الاستمرار والبقاء بهذا الشكل المقبول لدى معظم دول العالم؟

جولة مختصرة في عقل القذافي

حيث يعتقد بعض المحللين السياسيين أنه من السهل تحليل الحالة الذهنية للزعيم الليبي معمر القذافي، لكن من الصعب معرفة ما يفكر فيه أو ينوي القيام به. ويقول علماء نفس وخبراء صحة عقلية إنهم كثيراً ما يطلب منهم تحليل بعض الحالات العقلية «عن بعد»، وهو التحليل الذي من شأنه أن يساعد على معرفة الوضع العقلي الراهن للشخصية المراد تحليلها واتخاذ القرار المناسب بشأنها.

ويقول أستاذ علم النفس في كلية سانت جورج بجامعة لندن، نيجل إيستمان، «عندما يتصرف شخص خارج نطاق مربع تفكير الشخص العادي بشكل قد يهدد أو يؤذي الآخرين، فإننا نجد أنه من الضروري البحث عن وسيلة لفهم ذلك السلوك».

يعتقد كثير من الناس أن سلوك القذافي يتجاوز في بعض الاحيان السلوك العادي، حيث قضى على آلاف الليبيين خلال محاولته سحق الثورة الشعبية، واتهم الثوار بأنهم تناولوا حليبا وقهوة نسكافيه ملوثة بحبوب الهلوسة وضعتها لهم وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه)، أيضاً اختياره حرساً من النساء ونصبه خيمته البدوية أينما ذهب في زيارة لدولة من الدول، وسرعته في إعدام خصومه.

بيد أن بعض المعلقين في مقابلات تلفزيونية وصفوه بأنه رجل تمتع بصفاء الذهن والهدوء، ويرد الخبير في الاضطرابات الشخصية، كينغزلي نورتون، على ان الهدوء الظاهري قد يكون في بعض الاحيان مؤشراً على ان الشخص متأكد من مصيره المحتوم، ويعتقد أن الاشخاص الواقعين تحت ضغوط شديدة يصبحون هادئين ظاهرياً، لانهم يشعرون في داخلهم بأنهم مؤمنون دينياً، أو ان لديهم خطة بديلة أو مخرجاً إلى ملاذ آمن، أو أنهم سيضعون حداً لحياتهم عن طريق الانتحار.

فيما كشفت وثائق قديمة أفرجت عنها الحكومة الألمانية حديثاً أن القذافي طلب من حكومة المستشار السابق هيلموت كول في 27 مايو 1980 طرد المعارضين الليبيين الذين يعيشون في الاراضي الالمانية، وجاء ذلك الطلب عبر السفير الالماني في طرابلس، غونتر هيلد، وأقسم القذافي انه في حالة عدم الاستجابة لرغبته سيتخذ إجراءات ضد 2500 ألماني يعملون في ليبيا، من بينهم مجموعة صغيرة حبيسة في سجونه، وتساءل القذافي في رسالته عما اذا كانت الحكومة الالمانية تريد التعاون مع «من خانوا الشعب الليبي»، وذهب الى أبعد من ذلك عندما عرض أنه مستعد للتخلي عن دعم الجيش الاحمر الايرلندي، شريطة ان يسمح له كول بتصفية «مجموعة صغيرة نسبياً من الاشخاص» الذين يعيشون على التراب الالماني، ويعكس هذا باختصار شديد جدا عقلية القذافي، رجل قلبه مملوء بالضغينة والحقد، لا يتورع أبدا عن إراقة الدماء، ولا يتردد في ارسال التهديدات المميتة، وليس له احساس مطلقاً بوجود خارج عقله المسكون بجنون العظمة. ويتساءل البعض: ماذا يخطط هذا الرجل عديم الرحمة داخل مجمعه العسكري والسكني في طرابلس؟ إنه ليس بالرجل «الانهزامي» سريع الاستسلام، كما يصفه بيتر ماندلسون صديق ابنه سيف الإسلام.

ولم تردعه الضربة الجوية التي وجهها له الرئيس الاميركي الأسبق، رونالد ريغان العام 1986 بقصد اغتياله، فقد عاد القذافي ببساطة الى عمله السابق في دعم الارهاب العالمي، والجمهوريين الايرلنديين، والالمان واليساريين اليابانيين الإرهابيين، وعلى هامش هذه الصورة خلق فوضى عارمة في افريقيا جنوب الصحراء، وعقب «حادثة لوكربي» في 1988 تحدى العقوبات الدولية التي هدفت الى ردعه، وبعد عام من ذلك تمكن أعوانه من نسف طائرة تابعة لشركة «يوتا» فوق النيجر، خلال رحلتها من تشاد الى باريس، ما أدى إلى مقتل 170 راكبا انتقاما منه على الهزائم التي تكبدها مرتزقته في تشاد.

فرق تسد

واستطاع القذافي السيطرة على دولته من خلال نظريته المثيرة للسخرية «النظرية العالمية الثالثة»، المضمنة في «الكتاب الاخضر»، التي تقضي، كما يدعي، بانتقال السلطة الى أصغر وحدة في المجتمع الليبي، لكنها نوع متقدم من نظرية «فرّق تسد». كما ان الشكوك التي تساور القذافي من الجيش النظامي اضطرته الى تشكيل قوات أمن موازية يقودها ابناؤه وأقرباؤه الآخرون. ولكي يرسخ نفسه اكثر في السيطرة على مقاليد القوى في البلاد لقب نفسه بإمام المسلمين، وعميد الحكام العرب، وملك ملوك افريقيا.

التنافس لخلافة القذافي على «عرش ليبيا» أصبح الآن حلما بعيد المنال لأبنائه، وأصبحوا يناورون خلف والدهم المتجهم، لأنه اذا ما ذهب فهم ذاهبون أيضاً. ولكي تنجح الجهود الرامية لقبول القذافي بالخروج من ليبيا ينبغي إقناع من حوله بالتخلي عنه لكي يصبح معزولاً، ويحاول القذافي تحصين نفسه ضد هذه المحاولات بإحاطة نفسه بالأشخاص الاكثر ولاءً، والذين يفقدون كل شيء عند فقده.

ويتفق في هذا الرأي السفير الليبي السابق في الجامعة العربية، عبدالمنعم الهوني، ويقول«هؤلاء الأشخاص مرتبطون به ارتباطاً قوياً، ويعيشون ويموتون معه وبعضهم يداه ملطختان بالدماء وسيصبح على قائمة المطلوبين».

في محاولة منها لإثارة الشكوك والانقسام وسط الدوائر الداخلية تعمدت الحكومات الغربية نشر معلومات تبدو في ظاهرها كأنها تسريبات استخبارية مفادها بأن القذافي وبعض من يوالونه بدأوا في اختيار مجموعة من الدول التي من المحتمل ان تقبلهم لاجئين، على رأسها روسيا البيضاء وفنزويلا وزمبابوي.

ويوافق على ذلك الخبير في علم النفس السياسي، البروفيسور جيرولد بوست، الذي استشارته وكالة الاستخبارات الاميركية في الكيفية التي ينظر بها الرئيسان السابقان، (الروماني) سلوبودان ميلوسوفيتش و(العراقي) صدام حسين إلى العالم وإلى أعدائهما. ويقول بوست انه بالنسبة لهؤلاء «النرجسيين» فإن التقدم في السن قلما يضطرهم للتقاعد والرضوخ، وعلى العكس من ذلك، فكلما تقدموا في السن ساروا قدما في مثل هذه الانشطة التي تعطي حياتهم الفارغة معنى، والشيء نفسه ينطبق على الزعيم النازي أدولف هتلر والزعيم السوفييتي جوزيف ستالين.

الجنون والمعارضة

ويصف السفير الليبي المستقيل في واشنطن، علي عجالي، احوال القذافي قبيل سقوطه: «إن العقيد فقد كلياً الإحساس بالواقعية، عندما صار يصدق هتافات المتملقين ويعتقدها هتافات شعبية، اذ يتضح من هذا ان القذافي مهووس بجنون العظمة».

ويضيف عجالي «دعونا نأخذ إحدى عباراته: لقد قدت ثورة تاريخية حققت العزة والشرف لليبيين، ان ليبيا ستقود كل العالم إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، لا احد يستطيع ان يوقف هذا الزحف التاريخي»!.

ويتضح جنون العظمة أيضا خلال حديثه المتلفز الشهير الذي عزا فيه السبب في الاحتجاجات إلى «القاعدة»، أو أن الـ«سي آي ايه» وضعت حبوب الهلوسة في قهوة نسكافيه لليبيين، ويبدو من خلال هذا الاعتقاد ان سكان بنغازي خرجوا للشارع محتجين، لانهم «سكارى» لأنه لا يوجد احد «عاقل» يستطيع معارضة القذافي حسب زعمه، ومن يفعل ليس سوى «جرذ» أو«صرصور» يساعد «الشيطان».!

ومهما يكن ما أصابه من جنون العظمة، أو الاوهام، فإن القذافي لن يسلك الطريق نفسه الذي سلكه هتلر للخروج من موقفه الحالي، فالانتحار ليس جزءاً من تكوينه. وفي الوقت الذي يصرّ فيه بجنون على الوقوف أمام القوة الجوية للتحالف، هدد مبدئياً بتحويل عقود النفط الليبي إلى الصين والهند بدلاً عن الغرب، ثم وصف قادة بريطانيا وفرنسا بأنهم «إمبرياليون» و«فاشيون»، بينما أرسل رسالة إلى الرئيس الاميركي باراك أوباما يوبخه فيها، حيث استهل القذافي خطابه لأوباما بعبارة «ابني العزيز». وفي خضم هذه الأحداث يحذر جهاز الاستخبارات البريطاني «إم 15» من احتمال وجود انشطة مريبة للقذافي للقيام بتفجيرات في بريطانيا وفرنسا، إذ إن هذا الفهد فهد حتى ولو غير شكل جلده.

وسعى القذافي منذ ان وصل الى السلطة الى شق صف المجتمع الليبي، اذ تجد عناصر المعارضة صعوبة شديدة في التوحد والتماسك بسبب لا مركزية السلطة في البلاد. وتتكون المعارضة من مجموعات متنافرة من الأطباء والمحامين والأكاديميين ورجال الأعمال الذين سئموا ونفروا من حكم القذافي وأبنائه الجشعين. وتتكون قوات الثوار من الوطنيين المتحمسين والجنود المتمردين على القذافي. ويقول المتشائمون إن الكثير من الشباب المقاتلين في صفوف الثوار كانوا قد ذهبوا من قبل لمحاربة الأميركيين والقوات الغربية في العراق، وبعضهم احتل مناصب كبيرة في تنظيم القاعدة، وقد استفاد القذافي كثيراً من مثل هذه الدعاية. ووفقاً للجهادي الليبي السابق، نورمان بنوتمان (حفيد وزير الدفاع السابق في عهد الملك الليبي ادريس السنوسي)، فإن العديد من هؤلاء الشباب ذهب إلى العراق لصقل خبراته في القتال والعودة لمقارعة القذافي، لكنه يؤكد أن معظم الليبيين هم عبارة عن مسلمين وسطيين وصوفيين، ويعتقد أيضا ان أي عناصر متطرفة ستلعب دوراً هامشياً في أي نظام جديد في ليبيا، وكما هي الحال في مصر.

ثعلب صحراوي قادر على الهرب

من جهته وخلال أربعة عقود ظل الأدميرال الأميركي بوبي راي انمان، يراقب العقيد معمر القذافي على نحو وثيق وهو يقول إن ما ادهشه في هذا الرجل قدرته غير العادية على مواصلة النجاة من كل الملمات. وأضاف «من الواضح انه كان يتراجع عندما تواجهه القوة. ولكنه يفعل ذلك من اجل نجاته وليس لتغيير موقف»، وعلى الرغم من أن القذافي يبدو «معتوهاً رسمياً»، الا ان فترة حكمه اجبرت انمان على الاعتراف بأنه «ذكي كثعلب صحراوي».

وكان انمان ضابطاً في المخابرات البحرية، وبدأ التركيز على القذافي في بداية سبتمبر عام 1969 عندما اطاح بالملك ادريس السنوسي بانقلاب ابيض. وخلال عمل انمان مديرا لوكالة الامن القومي في الفترة ما بين 1977 و1981 كشفت عمليات التنصت التي قامت بها الوكالة على اتصالات ليبيا أن القذافي قدم قرضا بقيمة 220 الف دولار للسيد بيلي كارتر شقيق الرئيس الاميركي السابق جيمي كارتر، جزءاً من جهود ليبيا للحصول على نفوذ في البيت الابيض. ويقول انمان «كان ذلك عبارة عن تصرف اخرق، ولكني صنفته كما فعلت بالنسبة لرسالة القذافي للرئيس الاميركي باراك اوباما»، مشيراً الى الرسالة التي بعث بها القذافي الى اوباما يحثه فيها على وقف الضربات الجوية، وقال «تبدو حركة شيطانية منه، ولكن للمرة الثانية فإنها تظهر انه سيستخدم اي وسيلة من اجل بقائه في السلطة». ويشير انمان الى أن القذافي لا يمكن العثور عليه كما حدث مع الرئيس العراقي السابق صدام.

ويقول انمان «اذا كان القذافي يفكر في التوصل الى طريقة للرجوع الى ليبيا، فإنه سيلجأ الى احد البلاد الافريقية، ولكنه اذا لم يفكر في العودة الى السلطة فإنني لن أفاجأ اذا رأيته في فنزويلا».

أنفق الملايين لتلميع صورته في الغرب

في السياق ذاته أفادت وثائق نشرتها المعارضة الليبية أن العقيد معمر القذافي أنفق ملايين الدولارات خلال السنوات الماضية على حملة علاقات عامة تهدف إلى تلميع صورته في الغرب وإظهاره كرجل دولة وإصلاحي .

وتظهر الوثائق التي نشرها موقع المؤتمر الوطني للمعارضة الليبية أن القذافي استخدم مجموعة “مونيتور” التي تتخذ من مدينة بوسطن الأمريكية مركزاً لها لإطلاق إستراتيجية علاقات عامة تشمل دفع المال لمحللين في مراكز أبحاث ومسؤولين سابقين للقيام برحلات مجانية إلى ليبيا للمشاركة في محاضرات ومناقشات وندوات واجتماعات خاصة مع القذافي منذ عام 2006 .

وتكشف وثيقة سرية تعود إلى عام 2007 موجهة من شركة “مونيتور” إلى مسؤول استخباراتي في نظام القذافي أن الحملة تهدف إلى “تحسين الفهم الدولي وتقدير ليبيا، والتركيز على نشوء ليبيا جديدة وإظهار العقيد القذافي كمفكر” . ودفع النظام 3 ملايين دولار سنوياً، إضافة إلى مصاريف أخرى للشركة مقابل استشارات وتحاليل واستمرار وصول الزوار رفيعي المستوى إلى ليبيا .

إلى ذلك، نقلت شبكة “سي .إن .إن” عن إيمون كيلي، الشريك الكبير في شركة “مونيتور غروب” إنه تم فتح تحقيق داخلي في الشركة، مشيراً إلى أن البرنامج كان جزءاً صغيراً من حملة أوسع تهدف إلى المساهمة في بناء مجتمع مدني . وأضاف “لم نكن نعمل لمصلحة القذافي بل الشعب الليبي” .

وأشارت الوثيقة إلى أن بعض الزوار رفيعي المستوى كانوا يبلغون المسؤولين الأمريكيين بنتائج زياراتهم، وذكرت أن مساعد وزير الدفاع السابق ريتشارد بيرلي أبلغ نائب الرئيس السابق ديك تشيني عن نتيجة زيارته، غير أن بيرلي نفى ذلك أو أن يكون مارس أي ضغط لمصلحة ليبيا .

وتفيد رسالة موجهة إلى مسؤول استخباراتي ليبي بأن شركة “مونيتور” اقترحت وضع كتاب عن القذافي بكلفة 9 .2 مليون دولار تشمل أفكاره عن الديمقراطية “ليحصل الغرب على فهم أكثر دقة”. غير أن الكتاب لم ينجز، وقد اعتبرته الشركة في وقت لاحق اقتراحاً سيئاً .

وعام 2008 بدأ نظام القذافي يتعامل مع شركة “ليفينغستون غروب” التي يرأسها النائب الجمهوري السابق بوب ليفينغستون، وقامت بالضغط على الإدارة الأمريكية لمصلحة ليبيا . غير أن الشركة قالت إنها أوقفت تعاملها مع القذافي بعد الاستقبال الضخم الذي أقيم للمدان بتفجير طائرة “بان أم” فوق لوكربي عبد الباسط المقرحي.

شيخ المبدعين

من جهته روبرت فيسك، بمقال نقدي مطوَّل وطريف جاء بعنوان: حذارِ أيها الرجال من السلطة التي تتحول إلى تأليف الكتب! .

ويحدِّثنا فيسك في مقاله عن بعض الزعماء والشخصيات السياسية والعسكرية البارزة التي رأت في غفلة من الزمن أن لديها من الإبداع والكفاءة ما يخوِّلها من اقتحام عالم الكتابة الأدبية الخلاَّقة .

يأخذنا الكاتب في مستهل مقاله في جولة مختصرة إلى دوحة أولئك القادة الأفذاذ وإبداعاتهم الأدبية النادرة ، من أمثال الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، الذي تفتق ذهنه عن روايته زبيبة والملك .

ويضرب لنا أيضا مثالا آخر هو وزير الدفاع السوري السابق، العماد مصطفى طلاس، الذي قيل إن قريحته الأدبية تفتقت عن 40 كتابا، كاد بعضها أن يقترب من كونه معاديا للسامية ، وحفل بعضها الآخر بمجموعة من القصائد المحرجة التي قالها طلاس بفاتنته، أسطورة السينما الإيطالية جينا لولو بريجيدا.

أمَّا شيخ المبدعين والكتاب المعاصرين، ممن جمعوا بين عالمي السياسة الثورجية وفن الإبداع الأدبي، فليس إلاَّ مالئ دنيا هذه الأيام وشاغل ناسها: العقيد معمَّر القذافي!

يعود بنا فيسك بالذاكرة إلى تسعينيات القرن المنصرم، لا ليحدثنا عن الكتاب الأخضر الذي طالما اعتبره القذافي أحد أهم إنجازاته الفكرية وحامل أهم نظريات العصر في فنون الحكم والسياسة والاقتصاد ، بل ليجول معنا في إبداعات القذافي الأخرى: أي مجموعته القصصية التي نُشرت تحت عنوان القرية القرية .. الأرض الأرض .. وانتحار رجل الفضاء ، وتُرجمت لاحقا إلى اللغة الفرنسية.

ويورد فيسك مثالا آخر على إبداعات القذافي، هو قصته التي جاءت بعنوان الفرار إلى جهنم ، والمقصود من جهنَّم هنا هو المدينة التي وُلد فيها القذافي.

في روايته تلك يقدِّم الكاتب الزعيم ما يعتبره رؤية نقدية خاصة لحياة المدينة التي يصفها بأنها قاتلة للإبداع، وللعلاقات الإنسانية الدافئة ، ليعود ويشجَّع على العودة إلى الصحراء والطبيعة.

كما يورد لنا فيسك أيضا كتابا آخر للقذافي بعنوان تحيا دولة الحقراء، وكتبا أخرى حشد لها أسماء لامعة في عالم الفن والأدب في مؤتمر عُقد في مدينة سرت الليبية في عام 2003، حيث أكالوا له ولإبداعاته المديح، حتى أن أحد المشاركين في المؤتمر قال في حينها: إن كل فكرة طرحها القذافي تستحق مؤتمراً خاصا بها.

وليربط عالم الأمس باليوم، يقتبس لنا فيسك من أحد كتب القذافي مقطعين يقول إنهما يلقيان بظلالهما القاتمة على ما ينزله القذافي من تهديد وقتل بمن يعارضه من شعبه.

ينقل فيسك عن الكاتب معمَّر القذافي في المقطع الأول: ارفض أن تحيل أبناءك إلى جرذان يتنقلون من مستشفى للمجانين إلى آخر، ومن ترعة إلى أخرى.

ومن صورة القذافي الكاتب الذي يتحفنا قلمه بمثل تلك الكلمات إلى القذافي الزعيم الذي يخاطب أبناء شعبه المنتفضين في وجهه في شهر فبراير/شباط الماضي متوعِّدا إياهم بأن يطاردهم بيت... بيت... شبر...شبر...دار...دار...زنقة...زنقة ، وذلك إن هم تجرَّأوا على عصيان أمره والثورة ضده.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 13/أيلول/2011 - 14/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م