دعوة لوقف التعريض بالإسلام

علاء بيومي

الثورات العربية فتحت أمام مجتمعاتنا الفرصة لبداية جديدة، بداية نتخلص فيها من تبعات الماضي من أفكار وممارسات تشكلت في ظروف صعبة فخرجت مشوهة لا تعبر عن أفضل ما فينا أو أفضل ما نسعى إليه.

من هذا المنطلق، أدعو كل إنسان موضوعي – متدين أو علماني – في بلادنا وخارجها – إلى التوقف فورا عن استخدام كلمة "الإسلامي" واستبدالها بكلمة "مسلم متدين" عند وصفه الجماعات المسلمة المتدينة في بلادنا أو في أي بلد من بلاد العالم، لأن كلمة "إسلامي" بمعناها الدارج، وترجمتها Islamist، تلحق ضررا بالغا بصورة الإسلام عن قصد ونية مبيته للإساءة – كما سأشرح في هذا المقال - أو بغير قصد.

الإسلام مقدس، وأتباعه مسلمون لا "إسلاميون"، المسلم يخطئ ويصيب، والإسلامي نسبة إلى الإسلام مقدس كالدين نفسه، وهو ليس من صفات البشر.

المقدسات الإسلامية معروفة ومحددة، وهي إسلامية، أما أفعال المسلمين وأفكارهم ومنظماتهم وأحزابهم وكل ما ينسب إلى منتجاتهم البشرية الناقصة فهي مسلمة أنتجها المسلمون أملا في أن تتطابق مع المنهج الإسلامي المثالي المقدس الذي يسعى المسلمون بكل طاقاتهم إلى الوصول إليه، وقد ينجحون أو يفشلون في ذلك قدر استطاعتهم، وينزهونه عن أفكارهم وتصرفاتهم البشرية الناقصة بحكم طبيعتهم كبشر.

استخدام كلمة إسلامي من قبل الجماعات المسلمة المتدينة يلحق ضررا بالغا بصورة الإسلام، لأنه يصبح لدينا – كما يقول البعض حاليا في مصر على سبيل المثال – حزب إسلامي واحد، ومرشح إسلامي واحد، وحركة إسلامية واحدة، وهو أمر يمثل استخداما خاطئا للدين الإسلامي الحنيف كشعار لجماعات بشرية ناقصة بطبيعة البشر، وتعريضا بالإسلام، وتحديدا له بقصره على جماعة بعينها من المسلمين قد تكون على صواب غير كامل في أحسن الظنون.

فلماذا نلصق الإسلام بأفكار وتصرفات أتباعه الحريصين عليه، آلا يعد ذلك تعريضا به!؟ أليس من الأفضل أن نترك لله الحكم على مدى إسلامية تصرفاتنا وجماعتنا، ونكتفي نحن بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن أحسنا فهو من الله وإن أخطئنا فمن أنفسنا!؟

أما خصوم الإسلام من الجاهلين أو المتشددين فيجدون في كلمة إسلامي أو Islamist ملاذا ومبررا أحيانا لتشويه صورة الإسلام وإلحاق ضررا بالغا بها، عن قصد وعن غير قصد، إذا برر لهم هذه المصطلح استخدام مصطلحات مثل "الإسلامي المتشدد" و"الإسلامي المتطرف" أو "الإسلامي الإرهابي" في بعض الأحيان، وإذا طالبتهم أن ينتهوا قالوا لك: أن جماعاتكم هي التي تصف أنفسها بالإسلامية أولا، فنحن لا نصفها ولكننا نسميها بالأسماء التي تسمى بها أنفسها، وأضافوا قائلين: أن في كل جماعة دينية متشددين ومتطرفين وإرهابيين فلماذا لا تكونوا عادلين وتسمحوا لنا باستخدام تلك المصطلحات!؟

وتوقع تلك المصطلحات ضررين بالغين بصورة الدين الحنيف، أولهما ربط الإسلام من خلال كلمة إسلامي أو Islamist بصفات من صفات البشر كالتطرف والتشدد والإرهاب، وثانيا خلط الأمر على غير المتعلمين - وهم كثر، إذا يصعب على بعضهم التفريق بين كلمة الإسلامي التي تصف المسلمين (Islamist) وكلمة الإسلامي التي تصف الإسلام نفسه (Islamic)، فيصبح الإسلام مرادفا للإسلامي، والإسلامي المتشدد مرادفا للإسلام المتشدد في عقول هؤلاء.

أما جماعات الإسلاموفوبيا فتبالغ في الإساءة من خلال استخدام كلمتي Islamist  و Islamic بشكل تبادلي وبنفس المعني، والمعروف أن كلمة Islamic تعني باللغة الإنجليزية صفة للدين نفسه أو المقدسات الإسلامية، وكلمة Islamist هي صفة للحركات السياسية الدينية الحديثة، والتي تعرف أحيانا "بالجماعات الإسلامية" في بلادنا وتعرف في الغرب باسم "جماعات الإسلام السياسي".

وحقيقة أن التوقف عن استخدام مصطلح الإسلامي في بلادنا وIslamist في اللغات الأجنبية هو ضرورة حتى يتوقف هذا التعريض المستمر بالإسلام، وليكتفي الجميع بوصف أتباع الإسلام بأنهم مسلمون، كما وصفهم الإسلام نفسه.

وإذا كان هؤلاء المسلمون ممن يسعون لبناء منظمات وحركات تركز على الدين والتدين، فلنسمها حركات مسلمة متدينة كما تفعل بقية دول العالم والتي تعرف الحركات الدينية فتنسبها إلى التدين إلى الدين نفسه، أما نحن فنلصق جماعاتنا المتدينة بالإسلام نفسه فنعرضه لكثير من القيل والقال.

وحري بنا آلا نطلق كلمة إسلامي إلا على ما هو مقدس فقط حفاظا على الإسلام وصورته وقدسيته ووقفا للتعريض به.

وأعتقد أن البداية يجب أن تكون في بلادنا ومن خلال إقناع الجماعات الدينية قبل غيرها بوقف إطلاق صفة الإسلامية على أفكارها وحركاتها والاكتفاء، فهي التي دأبت على استخدام ذلك المفهوم في حركاتها وأفكارها ومنظماتها، كما استخدمت غيره من المفاهيم التي تعتبر جزءا من تعاليم الإسلام وتراثه الأهم كالسلفية والجهاد، وكان الأولى عدم التعريض بتلك المفاهيم وتركها بعيدة عن تصرفات البشر والأجيال المسلمة الجديدة المحدودة.

والحقيقة لغتنا لا تفتقر للبدائل الدقيقة والمعبرة عما المعاني نفسها التي نريد إيصالها للناس، فإذا كان هناك مسلم متدين، فليسمي نفسه كذلك، ولتسمي الجماعات المتدينة نفسها بالمسلمة المتدينة لا بالإسلامية، فهي مسلمة متدينة تخطئ وتصيب، ولكنها ليست إسلامية فأفعالها وأفكارها ليست مقدسة، وهي تقول ذلك، ومع ذلك تصر على إلصاق صفة "الإسلامي" و"السلفي" و"الجهادي" بأفكارها ومناهجها وجماعاتها.

وكان الأولى تقديس الإسلام وتنزيهه، فهذه الجماعات وإن أحسنت وأجادت وأبدعت، فقد يأتي بعدها من هو أفضل منها، أو من يثبت أنها كانت على خطأ ولو جزئي، ونحن لا نريد أن يكون "الإسلام" محلا للخطأ أو التحسين، فهو دين الله المقدس الذي نجتهد جميعا لفهمه وحمايته والنأي به عن أي شائبة أو نقصان بما في ذلك سلوك أبناءه المخلصين.

وليكن أسلوبنا هو إعلاء الإسلام وتطبقه كل لحظة من حياتنا من خلال تصرفاتنا وأفكارنا وجماعاتنا وأحزابنا كمسلمين متدينين نحافظ على تعاليم الإسلام، فإن أحسنا فهو من الله وإن أسئنا فهو من أنفسنها.

ونحن بالضبط لا نعرف متى بدأ الناس في بلادنا استخدام مصطلحات كالإسلام والجهاد والسلفية في وصف أنفسهم، وفي تمييز بعضهم عن بقية أبناء مجتمعاتهم المسلمة في أغلبيتها، وهي أمر يستحق الدراسة وفقا لعلوم تاريخ المصطلحات والمفاهيم، لنعرف بالضبط متى بدأ هذا الاستخدام ولماذا، وما هي تبعاته؟

ويبدو لي – ووفقا لبعض المصادر - أن الاستخدام حديث، وأنه ارتبط بفترة شعر فيها البعض بضغوط هائلة يتعرضون لها، وتتعرض لها هوياتهم، لذا وجدوا أن لا حل أمامهم سوى العودة إلى خطوط الدفاع الأخيرة كالإسلام والجهاد والسلفية، والاحتماء بها ورفعها في وجه خصومهم من نظم متشددة أو أيدلوجيات متطرفة.

وقد نتفهم بعض هذه الدوافع، ولكن الفكر الإنساني في حاجة دائمة إلى المراجعة، وقد شرحت في مقالي هذا أسباب كثيرة لتلك المراجعة لعلها تكون بداية، والله أعلم.

www.alaabayoumi.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 13/أيلول/2011 - 14/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م