القرن الأفريقي... من الموت قتلا الى الموت جوعا

باسم حسين الزيدي

شبكة النبأ: مازالت الأزمة السياسية في الصومال تراوح في مكانها بعد أن أصبح هذا البلد الأفريقي وقفاً بين حركات متطرفة وحكومة فاقدة للسيطرة، وفي ظل انعدام الأمن والقتال المتواصل والإرهاب الذي ألقى بظلاله على الصوماليين، جاءت إلى جانبها أزمة إنسانية غاية في الصعوبة تمثلت في تمكن شبح المجاعة المرعب بالسيطرة على ربوع الصومال الجافة والتي خلفت ملايين الجياع إلى جانب ملايين المشردين، حتى أعلنت الأمم المتحدة النفير العام واعتبرت الصومال دولة منكوبة تعاني المجاعة وتحتاج إلى مساعدات عاجلة لسد رمق جوع الملايين من البشر فيها لا سيما النساء والأطفال.

في براثن المجاعة

فعندما جمعت الام الصومالية عبلة شيخ ادن أولادها السبعة وبدأت تمشي باتجاه اثيوبيا بحثا عن الطعام لم تتخيل قط أنها ستضطر في نهاية المطاف الى اعادة بعض أبنائها الى قلب المجاعة في الصومال، لكن هذا هو ما حدث بالفعل عندما أعادت عبلة (35 عاما) أربعة من أبنائها بعد أن أدركت أنهم لن يحصلوا على الطعام في أحد المخيمات المكدسة باللاجئين في منطقة القرن الافريقي والتي تواجه مزيجا مهلكا من الجفاف والحرب ومانحين بدأت المهمة الشاقة تنهكهم، وقالت عبلة من مخيم كوبي في اثيوبيا "كانوا مرضى للغاية ولم يكن هناك طعام، لم أستطع أن أراهم وهم يموتون لذا كان لابد أن أتخذ قرارا"، وقضت عبلة يومين في السير الى المخيم ثم تسعة أيام أخرى حتى تم تسجيلها للبقاء فيه وذلك ضمن الاعداد الكبيرة للمرضى والجياع الذين يفدون عليه، وبعد أن تمكنت من تسجيل عائلتها تقول عبلة انها تأمل أن يجلب زوجها الاطفال الاربعة الى المخيم قريب، وتقول الامم المتحدة ان نحو 3.6 مليون شخص يواجهون حاليا خطر الموت جوعا في الصومال وان العدد يصل الى 12 مليونا في منطقة القرن الافريقي التي تضم أيضا اثيوبيا وكيني، وتخلف الشاحنات المحملة بالطعام في مجمع كوبي المترامي الاطراف وراءها سحابة من التراب ويندفع اليها العشرات من اللاجئين للحصول على حصة اليوم من الغذاء، وبعد أن فرق رجال الشرطة وعاملون في مجال المساعدات حشدا من اللاجئين للحفاظ على النظام كان حسنو عبد الرحمن البالغ من العمر 68 عاما وقد بدت ملامح الوحدة والحيرة على وجه يتجاوز صفوف الناس والخيام محاولا ايجاد مكان لدفن رضيعه ادو، وقال حسنو الذي فر من جنوب الصومال مع زوجته ورضيعه المولود منذ شهر فقط "نقلنا ادو الى العيادة لكنه لم يتماثل للشفاء قط"، وأضاف بعد قرابة ساعة من وفاة ادو بسبب سوء التغذية الشديد "أبحث الان عن مكان لدفنه". بحسب رويترز.

وقال أحد العاملين في مجال المساعدات ان ما حدث لادو يحدث لكثيرين في مخيمات اللاجئين بالمنطقة وان معظم الاطفال يعانون من سوء التغذية الشديد، وأضاف "نسبة الوفيات من بين أكبر نسب الوفيات في العالم، الوضع مقلق للغاية"، وهذه الارقام هي أكثر اثارة للقلق بين من ينتظرون أياما طويلة لتسجيل أسمائهم، وفر حسنو وعبلة وعائلتيهما من منطقة في الصومال أعلنت الامم المتحدة أنها منطقة مجاعة، وتقول المنظمة الدولية انها تتوقع أن تصبح منطقة جنوب الصومال بالكامل منطقة مجاعة لان المقاتلين يمنعون شحنات الغذاء ويكافحون لسد نقص في التمويل لمواجهة الكارثة رغم المناشدات الدولية المستمرة، ويقول برنامج الاغذية العالمي التابع للامم المتحدة ان جماعات المساعدات لا يمكنها الوصول الا الى أكثر من مليوني صومالي في المناطق الاكثر تضررا لان مقاتلي حركة الشباب الاسلامية منعوا معظم وكالات المساعدات من الدخول، وفي اثيوبيا أقامت وكالة اللاجئين التابعة للامم المتحدة ووكالة حكومية أربعة مخيمات على طول الحدود مع الصومال لايواء لاجئين يتعدى عددهم الان مئة ألف شخص، وبعد أن وصل عدد القادمين من الصومال الى اثيوبيا الى ذروته بوصول ألفي شخص في اليوم، وتراجع العدد خلال الايام القليلة المنصرمة ولم يتعد المئات في بداية هذا الاسبوع.لكن جموع اللاجئين مازالت تتوافد وقالت متحدثة باسم منظمة أطباء بلا حدود ان سكان المخيمات يعانون في الوقت الحالي من أمراض الحصبة والاسهال المائي وعدوى الجهاز التنفسي، ويجد بعض اللاجئين صعوبة شديدة في تحمل الانتظار، ومع اشتداد حرارة شمس الظهيرة افترشت داكات ابراهيم البالغة من العمر 34 عاما الارض الجافة لتنام قليلا ونام بجوارها أولادها الثلاثة الذين أصابهم الهزال، وقالت داكات بعد أن قضت النهار في جمع الغذاء والخشب "نحن جوعى، نشعر بالجوع منذ أن نفقت كل ماشيتنا خلال الشهرين المنصرمين"، ويقول العاملون في مجال الاغاثة الذين يحاولون مساعدة من هم مثل داكات انهم يكافحون للسيطرة على اللاجئين المتدفقين وانه لا توجد نهاية في الافق للصراع في الصومال، وقال جو هيجناور رئيس العمليات الاقليمية في المفوضية العليا للامم المتحدة لشؤون اللاجئين "تراجع عدد اللاجئين الوافدين لكن مازال هناك قرابة 20 ألفا خارج المخيمات وهم بحاجة للايواء والغذاء والرعاية الطبية"، وأضاف "كل الناس هنا من أجل المساعدة لكن عدد الاشخاص الذين وفدوا هائل."

مجاعة القرن الأفريقي

الى ذلك من المرجح أن تستمر أزمة الغذاء في منطقة القرن الأفريقي طوال الجزء الأكبر من عام 2011، ومن المتوقع أن تنتشر المجاعة في جميع أرجاء جنوب الصومال، كما قالت الأمم المتحدة يوم 29 يوليو"، ومن المتوقع أن تستمر حالة الطوارئ الحالية في الأمن الغذائي في جميع أنحاء المنطقة طوال الشهور الثلاثة أو الأربعة المقبلة،" كما أفاد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في نظرة عامة إقليمية جديدة، ومن المتوقع أن تتفاقم الأزمة في الصومال "بحيث تنزلق جميع المناطق في الجنوب إلى المجاعة،" وفقاً لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، وذكرت أوتشا أن من بين أسباب هذه التوقعات المستويات العالية من سوء التغذية الحاد، ووفيات الأطفال دون سن الخامسة، وتوقعات أن يكون الحصاد أقل من المتوسط، وتدهور الأوضاع الرعوية والزيادات المستمرة في أسعار الحبوب، وأعادت وكالات الأمم المتحدة النظر في الاحتياجات الإنسانية ورفعتها قائلة نحتاج الآن لجمع 2.48 مليون دولار، تم التبرع ب 1.5 مليار دولار منها حتى الآن، وفي الوقت الحاضر، يتأثر 12.39 مليون شخص بشدة في جميع أنحاء المنطقة من جراء هذه الأزمة، وهم بحاجة ملحة إلى المساعدات المنقذة للحياة، وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن هذا الرقم يمكن أن يرتفع بنسبة 25 بالمائة في الأشهر القادمة، وأعاق الوضع الأمني في الصومال جهود الإغاثة بصورة خطيرة، فقد اندلع القتال في العاصمة الصومالية مقديشو في 28 يوليو، واشتبكت قوات الاتحاد الإفريقي مع متشددين في هجوم استهدف حماية جهود تقديم المعونة، ولا يمكن الوصول إلى حوالي 2.2 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات غذائية جنوب الصومال، وأضاف مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أنه "إذا لم يتحسن وصول المساعدات الإنسانية وعمال الإغاثة إلى المناطق الأكثر تضرراً في الصومال، نتوقع استمرار تدفق اللاجئين إلى الحدود الكينية والإثيوبية"، وهناك الآن أكثر من 350،000 مواطن صومالي في داداب، في شمال شرق كينيا، وحوالي 130،000 في دولو ادو، بإثيوبيا، وفقاً لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، وفي كل يوم، يصل 1،300 صومالي آخرين إلى داداب، و 240 إلى المخيمات الأثيوبية"، ولا يزال سوء التغذية مصدر قلق كبير في دولو ادو، حيث يعاني 30 بالمائة من الوافدين الجدد من سوء التغذية الحاد الشديد،" كما أفادت فاتوماتا ليجيون كابا، المتحدثة باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في تصريحات للصحافيين في جنيف، وأضافت ليجيون كابا "يذكر الوافدون الجدد على نحو متزايد أنهم قرروا الفرار في نهاية المطاف، عندما ماتت أخر حيوانات كانوا يمتلكونها ولم يعد لديهم أي مصدر آخر للدخل أو الغذاء". بحسب إيرين.

عمليات تقديم الإغاثة

من جهة اخرى تعد بلدة مانديرا، الواقعة على الحدود بين كل من كينيا وإثيوبيا والصومال، مركزاً لعمليات الإغاثة فى مقاطعة مانديرا المتضررة من الجفاف في كيني، وكان من الممكن أن تشكل البلدة قاعدة لوجستية لإرسال المساعدات عبر الطرق البرية إلى المناطق المتضررة من المجاعة بجنوب ووسط الصومال، لولا المخاطر الأمنية الكبيرة، فقبل أربعة أشهر، استولت حركة الشباب على بلدة بولو هاو بالصومال، واستمرت في شن هجمات متفرقة في المنطقة حتى بعد أن قامت السلطات باسترجاع المدينة، كما قامت الحركة في 27 يوليو بتنفيذ تفجير في بلدة مانديرا بواسطة هاتف نقال مما أسفر عن مقتل ضابط من الشرطة الكينية على بعد بضع أمتار من مكتب للأمم المتحدة، ولا يستند تقسيم الحدود بين كينيا والصومال على أي أساس جغرافي أو عرقي، فهناك صوماليون على الجانبين، كما تتمركز في مدينة مانديرا، عاصمة مقاطعة مانديرا، معظم المنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة التي تستجيب للجفاف، وفي حديثه قال أحد عمال الإغاثة "نتوقع أن تشتد هجمات الميليشيات"، كما أن الشرطة تتعرض بشكل متزايد لإطلاق النيران على جانبي الحدود، ففي منتصف شهر يوليو، أدى تبادل لإطلاق النار فوق البلدتين المتصلتين إلى مقتل مسؤول كبير في الشرطة تم تعيينه من قبل الحكومة الاتحادية الانتقالية التي تسيطر على بولو هاو حالي، ولا يُسمح لعمال الإغاثة الدوليين بالسفر إلا بمرافقة مسلحة في جميع الأوقات، وقد علق أحد عمال الإغاثة على ذلك بقوله أن "الشرطة أصبحت أكثر عرضة للخطر في الوقت الذي تقوم فيه السلطات الكينية بمساعدة الحكومة الاتحادية الانتقالية على تدريب قوات الشرطة الخاصة به، وبالتالي فان حركة الشباب تسعى إلى زعزعة الاستقرار فى المنطقة وإعادة فرض سيطرتها عليها".

إلا أن بنسون ليبارموريجو "مفوض مقاطعة مانديرا الشرقية حيث تقع مدينة مانديرا" يفضل وصف تلك الهجمات "بالحوادث المعزولة"، ففي حين تتباين الآراء حول إمكانية ازدياد الوضع الأمني المتوتر في مدينة مانديرا والمناطق المجاورة لها تدهوراً، يرى ليبارموريجو أن الهجمات لن تؤثر على تقديم الإغاثة، معلقاً على ذلك بقوله، "أنا أتحدث بصورة منتظمة مع المسؤولين في الحكومة الاتحادية الانتقالية في الصومال فيما يتعلق بالتدابير الأمنية"، وتتولى القوات الإثيوبية التي تدعم الحكومة الاتحادية الانتقالية في الصومال تسيير دوريات على الحدود في بولو هاو تقوم بالتدخل عند الضرورة، وترى المنظمات غير الحكومية المحلية أن حركة الشباب لا تستهدفها وإنما تستهدف السلطات، وهو ما لن يؤثر على عمليات الإغاثة، وعلق أحد عمال الإغاثة على ذلك بقوله، "لا أعتقد أن الميليشيات تريد إغضاب السكان المحليين، لأن ذلك سيفقدها فرصة كسب التأييد الشعبي".وكان معظم موظفي الإغاثة الدوليين قد تلقوا تعليمات بعدم السفر إلى مانديرا، مما جعل منظمات الإغاثة تعتمد بشكل كبير على موظفيها وشركائها المحليين، وفي هذا السياق، أشار أحد عمال الإغاثة إلى أن خطر الوقوع وسط تبادل لإطلاق النار أمر دائم الحدوث، مضيفاً "أنا لم أعد مستعدَاً للخروج إلى الميدان بسبب الهجمات التي وقعت مؤخراً، كما أنني أعتقد أن ما يحصل سيؤثر سلباً على معنويات عمال الإغاثة المحليين والدوليين". بحسب ايرين.

ولكن محمد سياد، وهو مسؤول بارز في الحكومة الانتقالية بإقليم جيدو بالصومال، نفى المخاوف الأمنية قائل، "يمكننا توصيل كل المساعدات القادمة إلى الصومال عبر مانديرا، فالحالة الأمنية ليست سيئة"، وتحرص كل من الحكومة الصومالية الانتقالية والسلطات الكينية على مساعدة الصوماليين في بلدهم، حيث قال سياد "نحن نريد أن يبقى أفراد شعبنا هنا، حيث يمكننا مساعدتهم، فساعدونا من أجل أن نساعدهم، نحن لا نريد أن نزيد من مشاكل جيراننا. يمكننا أن ننقل المساعدات من هنا إلى دولو (في الصومال) على بعد 40 كيلومتراً"، كما أشار إلى أن مالا يقل عن خمسة أو ستة أشخاص يموتون جوعا فى دولو يومي، من جهته، نال ليبارموريجو استحسان الجميع في الجانبين لقيامة بفتح الحدود في مانديرا بين الصومال وكينيا بصفة غير رسمية، وهو ما ساعد على إمداد الصومال بالأغذية الأساسية، وفي هذا السياق، قال تاجر صومالي "يقوم التجار مثلنا بالدخول والخروج لشراء إمدادات الذرة ثم بيعها داخل الصومال حيث الوضع سيئ للغاية، كما تأتى نساؤنا إلى مانديرا لبيع الحليب كل يوم والعودة في المساء، ويمكننا على الأقل كسب بعض الرزق لكن الوضع سيء إلى حد ما على هذا الجانب من الحدود"، فطرق بولو هاو سيئة للغاية مثلما هي حالة السيارات القليلة التي تعبره، وبالرغم من تحويل بناية كانت تستخدم كمقر لحركة الشباب إلى مستشفى خاص، إلا أن ليبارموريجو، المسؤول بالحكومة الصومالية الانتقالية، أوضح أن "المستشفى غير متطور، مما يدعو إلى نقل الأشخاص المصابين بأمراض خطيرة إلى مانديرا للعلاج، أو إلى نيروبي جوَاً بالنسبة للحالات المستعصية، نحن نفعل ما بوسعنا لتقديم المساعدة".ويثير الهدوء الذي يسود بلدة مانديرا شعوراً عامَاً بعدم الارتياح، حيث تتناقل وسائل الإعلام المحلية توقعات عن هجوم عسكري، غير أن انعدام الطرق داخل المقاطعة، وليس الوضع الأمني، هو ما يشكل التهديد الأكبر  لتوصيل المساعدات في الوقت المناسب.

دعم المساعدات الإنسانية

على صعيد اخر وفي الوقت الذي تقدم فيه صور الأطفال الذين يتضورون جوعاً شهادة قاتمة على الحد الذي وصلت إليه الأزمة التي تؤثر على الملايين من الأشخاص في منطقة القرن الإفريقي، ولكنها ترمز أيضاً الفشل في التدخل في الوقت المناسب، كما يقول خبراء الإغاثة"، إنها مدعاة لغضب هائل أن التحذيرات ذهبت أدراج الرياح، وأنه قد تم تجاهل الدروس المستقاة من المجاعات السابقة،" كما تقول باربرا ستوكينغ، المديرة التنفيذية لمنظمة أوكسفام، وتؤثر الأزمة في منطقة القرن الإفريقي، الناجمة عن الصراع والجفاف وارتفاع أسعار المواد الغذائية، على 11.6 مليون شخص على الأقل، كما تعاني منطقتان في جنوب الصومال من المجاعة ومن المرجح أن يتدهور الوضع أكثر من ذلك، لكن الخبراء يرون أنه كان بالإمكان تخفيف الأزمة من خلال تعبئة الموارد اللأزمة قبل الموعد المحدد، فهناك أدلة متزايدة على أن مساعدة الناس على أن يصبحوا أكثر قدرة على مواجهة الدورات المتكررة من الجفاف أكثر فعالية من الاستجابة لهذه الكوارث بعد وقوعه، كما أوضحوا أن ذلك يعتبر استخداماً جيداً لأموال الجهات المانحة. فمساعدة المزارعين على إيجاد خيارات بديلة لكسب العيش، أو تعليمهم زراعة محاصيل مقاومة للجفاف، يعتبر أكثر فعالية بكثير من تقديم المعونة الغذائية بعد فشل الحصاد، وقال محمد مخير، الذي يرأس وحدة الحد من مخاطر الكوارث في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، "لدينا أدلة دامغة، من بينها أدلة من إفريقيا، على أننا لا نحتاج سوى لخمسة فرنكات سويسرية [6.2 دولار] للفرد سنوياً من أجل بناء القدرة على المجابهة، فإذا نظرت إلى الاستجابة للطوارئ وعمليات الطوارئ، ستجد أنك قد تحتاج إلى 200 فرنك [250 دولاراً] لكل فرد من أجل تقديم مساعدات الإغاثة لفترات تتراوح بين ثلاثة أو أربعة أشهر فقط"، وقد اتفقت المنظمات الإنسانية والجهات المانحة في اجتماع طارئ في روما يوم 25 يوليو على أن الاستجابة للأزمة يجب أن تعالج الاحتياجات الفورية للسكان اليائسين وتساعد في بناء القدرة على تفادي حدوث أزمات مماثلة في المستقبل.

وقد أصبح استخدام أموال المانحين بحكمة أمراً ملحاً بشكل خاص في ضوء التهديدات التي تشكلها الكوارث الطبيعية على مستوى العالم، بما في ذلك العواصف والجفاف والفيضانات المتكررة، وأفاد المناصرون لاستراتيجية الحد من المخاطر أن المانحين لم يعودوا قادرين على توفير التمويل اللازم لمواجهة الكوارث بعد وقوعها، فالتكاليف تتزايد وتهدد الاستثمار التنموي المعتاد.مع ذلك، ذهبت التحذيرات من كارثة وشيكة في القرن الإفريقي أدراج الرياح إلى حد كبير، حيث أفاد سيمون ليفين، الباحث بمعهد التنمية ما وراء البحار أن "التدابير التي كان بإمكانها إبقاء الحيوانات على قيد الحياة "لتوفير الحليب والدخل لشراء المواد الغذائية" كانت ستصبح أرخص بكثير من إطعام الأطفال المصابين بسوء التغذية، ولكن الوقت المناسب لذلك قد مر والاستثمارات في هذا المجال كانت ضئيلة للغاية، والآن قد فات أوان معالجة أي شيء سوى أسوأ الأعراض،" كما كتب ليفين على موقع معهد الأبحاث البريطاني المستقل، وفي حين يذهب التمويل الضخم في الكثير من الأحيان إلى الاستجابة في المرحلة التالية لوقوع الكوارث، تكون الأموال المخصصة للتأهب والتخطيط للطوارئ شحيحة نسبي، وغالباً ما يكون من الصعب تمويل الوقاية من المخاطر لأنها لا تولد نفس النوع من الاهتمام الإعلامي المخصص للاستجابة لحالات الطوارئ البارزة، كما على الجهات المانحة الحكومية أن تبرر أعمالها أمام دافعي الضرائب وهي بحاجة إلى إثبات تأثير استجابتها، وهو أمر يصعب القيام به بعد تفادي الكارثة.وبعد تعبئة الجهات المانحة "على الرغم من أن الأموال التي تم التعهد بها ما زالت أقل بكثير من مبلغ الـ 2 مليار دولار المطلوب" سيكون التركيز في القرن الإفريقي الآن على حالة الطوارئ والمساعدة على المدى الطويل. بحسب ايرين.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن "الإغاثة القصيرة الأجل يجب أن تكون مرتبطة ببناء الاستدامة على المدى الطويل، وهذا يعني تحولاً زراعياً يحسن مرونة سبل المعيشة في المناطق الريفية، ويقلل من حجم أي أزمة في المستقبل إلى حدها الأدنى، كما يعني إنتاج المحاصيل بطرق ذكية تتناسب مع ظروف المناخ وتربية الماشية والأسماك والحفاظ على الغابات التي تمكن جميع الأشخاص من الحصول على التغذية التي يحتاجون إليها على مدار العام"، من جهته، شدد كانايو ف. نوانزي، رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد)، على أن بناء القدرة على المجابهة في المجتمعات الزراعية والرعوية يتطلب التزاماً طويل الأجل، "ولكن الوقت "كما نرى من هذا الوضع المدمر في منطقة القرن الإفريقي" قد بدأ ينفذ،" كما أخبر المشاركين في الاجتماع الذي عُقد في روم، ويعتبر التحدي المتمثل في السعي إلى تجنب أزمات انعدام الأمن الغذائي في منطقة القرن الإفريقي في المستقبل شاق للغاية، فقد أعاق الصراع بشدة جهود الإغاثة والتنمية في الصومال، كما يؤثر على حركة الرعاة ومواشيهم، التي تعتبر شرطاً أساسياً لتحقيق الأمن الغذائي في المنطقة.ويُنظر الآن إلى الحد من مخاطر الكوارث بشكل متزايد كضرورة إنسانية لا غنى عنها لمحاربة الفقر وتحقيق التنمية المستدامة، وقال كيفن كليفر، نائب الرئيس المساعد لإيفاد أن "بناء القدرة على المجابهة في المجتمعات الزراعية والرعوية المحلية في شرق إفريقيا يتطلب التزاماً مستمراً على المدى الطويل من جانب حكومات المنطقة ومجتمع المانحين الدوليين، فالأمطار ستفشل، ولكن دعونا لا نفشل نحن أيضاً".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 12/أيلول/2011 - 13/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م