نقترب، كل دقيقة تمر علينا، من الساعة الثامنة والنصف من صباح
الحادي عشر من أيلول والتي تعرضت فيها الولايات المتحدة الأمريكية قبل
عشر سنوات من يومنا هذا إلى ضربة صميمية لم تشهد لها مثيل منذ تأسيس
دولتها، لدرجة إن الرئيس الأمريكي الحالي بارك اوباما وصفها "بأنها
اللحظة التي تمزق بها العالم"، كما جاء في مذكراته " أحلام من أبي..
قصة عرق وارث" والتي ترجتمها للعربية هبه نجيب السيد مغربي وإيمان عبد
الغني نجم، وصدر عن دار كلمة في أبو ظبي عام 2009.
وفي هذا السياق كتبت أستاذة علم النفس في جامعة نوتردام في الولايات
المتحدة الأمريكية كول اوزين سعدي مقالا عن الضحايا الصامتين لمأساة 11
سبتمبر ممن لم يتعرض لهم الإعلام حينما يتحدث عن هذه المأساة، أذ يأتي
فورا للأذهان ضحايا الحادث الإرهابي المباشر من الشعب الأمريكي من غير
إن نتعرض بالذكر الى تلك الفئة التي ذاقت ويلات هذا الحادث وأصبحت ضحية
غير مباشرة له مازالت لحد ألان تدفع ضريبته القاسية ونتائجه الوخيمة.
تشير اوزين في بداية مقالها الى إن تراجيديا 9 أيلول قد أدت الى
نتائج لعدد غير محسوب الإفراد من عوائل الضحايا وعلى مستوى الأمة
الأمريكية عموما، لكن كان هنالك عددا من الناس ممن عانوا بعمق من هذه
الحادث الإرهابي... ولكن على الرغم من هذا فشل الكثير في ذكرهم والتعرض
لهم... وهم العرب والمسلمون الأمريكيون.
وتؤكد اوزين إنه يوجد في أمريكا حوالي 4 ونص مليون مسلم متكونين من
الأفارقة الأمريكان ومن جنوب أسيا والعرب بالإضافة الى ذلك يوجد حوالي
2 ونص مليون عربي غير مسلم مقيم في أميركا، ولهذا فالإحداث التي أعقبت
11 سبتمبر شكلت نقطة تحول كبرى بالنسبة للمجاميع التي تعتبر أقلية في
أميركا، فجرائم التمييز والكراهية ارتفعت على نحو كبير. وفي الأسبوع
التاسع بعد الحادث اكدت لجنة محاربة التمييز ضد العرب حدوث اكثر من 700
حالة اعتداء ضد العرب ومن يعتقد المعتدي أو يظن انه عربي، وقد ذكر
تقرير إل FBI إن جرائم الكراهية ضد العرب والمسلمون زادت بنسبة 1600 %
في السنة التي تلت إحداث 11 سبتمبر.
ولم تنس اوزين أيضا ماحدث في الدول الأوربية، اذ تقول بأنه في
العديد من هذه الدول نجد إن جرائم التمييز ترتكب غالبا ضد ممن يبدون
ظاهريا أنهم مسلمون مثل الهندوس والسيخ، وحالة الاعتداء العشوائي على
برازيلي بواسطة شرطي بريطاني بعد تفجيرات لندن تؤكد هذه الحقيقة. اذ
يظهر إن الانتساب الديني هو المحدد الأكبر لمثل هكذا أنواع من التمييز
كمقابل لـ الأثنية أو حتى لمحددات ثقافية أخرى؟ وهكذا فالظهور كمسلم
بغض النظر عن الانتساب الديني الحقيقي سيكون من المرجع إن يتعرض صاحبه
لجرائم الكراهية وإشكال التمييز الأخرى.. ومثل هذا الموقف التمييزي
يشكل الأساس في التركيز على الإسلام فوبيا الذي حدثت بعد 11 سبتمبر.
وحينما وصلنا الى مصطلح الإسلام فوبيا نرى اوزين تطرح السؤال
التقليدي.. ماهو الإسلام فوبيا؟ وتجيب على سؤالها بالرجوع الى تاريخ
ظهور اللفظ فتشير الى انه في عام 1922 تم سك مصطلح الإسلام فوبيا على
يد رسام ومستشرق فرنسي توفي 1929 يدعى ايتيني دينات والذي اصبح ومن
خلال مهنته مهتم بالعرب والمسلمين، ومن ناحية أخرى اصبح المصطلح في
التداول العام في 1997 كنتيجة لبحث قامت به لجنة Runnymede البريطانية
حول المسلمين البريطانيين حيث تم تعريف هذا المصطلح على انه " رهبة أو
كراهية من الإسلام ولذلك ينتج عنه خوف وكره كل المسلمين". هذا المصطلح
مشابه لمصطلح الزينوفوبيا وهو الرهبة والخوف غير المنطقي من الأجانب
وهو قد اصبح جزء من استعمالنا الشائع خصوصا بعد إحداث 11 سبتمبر.
وربما اكثر دراسة شاملة عن الإسلام فوبيا بعد إحداث 11 سبتمبر كانت
بواسطة المركز الأوربي لمراقبة التعصب والزينو فوبيا الذي قام بفحص
التمييز والعاطفة التي يمتاز بها أصحاب الإسلام فوبيا في 15 دولة
أوربية، وقد وجد المركز انه على الرغم من إن الإساءة العنيفة الجسدية
كانت منخفضة نسبيا (مع إننا لانقول أنها غير موجودة) إلا انه كان هنالك
عدة تقارير تتحدث عن الإساءات والاعتداءات والاهانات اللفظية.
وبالرجوع الى الطبيعة الشاملة المنتشرة للإسلام فوبيا فيما بعد 11
سبتمبر يمكننا إن نفترض، كما تعتقد اوزين، الى استيقاظ عاطفة الإسلام
فوبيا من جديد بعد حادث 11 سبتمبر، وهذا الشكل من التمييز كان موجودا
في العديد من الدول في وقت سبق إحداث 11 سبتمبر. وعندما نفحص الموقف
التمييزي قبل وبعد إحداث 11 سبتمبر فإننا نجد إن التمييز غير المباشر
قد ارتفع بنسبة 82.6% والتمييز المباشر العلني ارتفع بنسبة 76.3% بينما
نجد ان 35.6% ممن شاركوا بالدراسة قد عانوا من مشكلات صحية عقلية
كنتيجة لهذا.
ولم يغب عن بال اوزين التغطية الإعلامية ودورها في الموقف الذي
يُتخذ من المسلمين حيث تتحدث عن موضوع المسلمون والإسلام فوبيا في
الإعلام، وتوضح بانه بينما اصبح الإسلام فوبيا مشكلة في الحياة الخاصة
للكثير من المسلمين فان طبيعته السامة قد انتشرت للمجال العام وأيضا
خلال الإعلام، ومن المؤكد جدا بان الإعلام الغربي صوّر ومازال مستمر
بتصوير المسلمين والعرب على نحو سلبي في كل من الإخبار والأفلام، وطبقا
لـ El-Farra فان العديد من الصحف استعملت المصطلح بصورة ليبرالية مثل
وصف متعصب ومتطرف، بالإضافة الى وصف إرهابي لتصف الإفراد المنحدرون من
الشرق الأوسط. وعندما حدث تفجير مدينة أوكلاهوما عام 1995 فانه تم
الاعتقاد فورا من قبل العديد من التقارير الصحفية بان الانفجار من عمل
الإرهابيين المسلمين لهذا تعززت فكرة المسلمين كمجرمين معادين
للأمريكان.
ولم يقتصر هذا التمييز ضد المسلمين في الحياة العامة ومن خلال وسائل
الاعلام فحسب بل ظهر تمييز اخر في الافلام السينمائية وهذا ما اشارت له
اوزين اذ اكدت انه بالإضافة الى الموقف الصريح التمييزي ضد المسلمين
الذي اصبح يُعبر عنه بحرية في وسائل الإعلام كان هنالك اهتمام وقلق
موسع يتعلق بنفس الظاهرة في الافلام، وقد درس شاهين عام 2003 بصورة
شاملة النمط العائد للعرب في فلم، وفي احد تحليلات الفلم وجد بان اكثر
من 50 فلما قد ذم العرب ونظر لهم كأعداء. لقد تم وصف العرب، في عدة
أفلام،كـ" قتلة متوحشين مغتصبين، متعصبين، أغنياء بنفطهم لكنهم أغبياء
ويسيئون للمرأة".
وقد تتبع، كما تقول اوزين، شاهين ظهور هذا النمط الذي كان يتعزز
ويتكرر لمدة اكثر من 40 عام من خلال الأفلام، ومن بين استنتاجاته التي
تتعلق باستمرارية هذا النمط من الافلام نجد حقيقة أن " هذا النوع من
الأفلام تحقق إرباحا مالية ".
ثم تصل اوزين الى الحالة التي يُدرك فيها المسلمون على أنهم خطر،
فتقول بان تصوير المسلمين على أنهم خطر قد اثر على عقلية الأمة، فنموذج
" الضارب المنحاز " معروف ومشهور في بحوث التمييز وهي تؤشر على انه
حينما يُطلب من شخص ما أن يستجيب بسرعة لتهديد معين، فانه يظهر إن
الإفراد يبدون عدائية ضد الأقلية اكثر من مرتكبي العنف من القوقازيين؟
وهذا ما اشارت له الكثير من هذه البحوث من خلال مشاهدة الانحياز
المتمثل في أطلاق النار على الأشخاص السود وليس البيض في فيديو العاب
مماثل.
ومؤخرا جدا اشارت البحوث الى اثر القبعة أو العمامة في هذا الأمر،
فهنا نلاحظ إن الإفراد الذين يرتدون زى ديني أو حضاري مثل القلنسوة أو
الحجاب يتم إطلاق النار عليهم، كنماذج في لعبة مثلا، اكثر من غيرهم ممن
لايرتدون هذا الشيء، وهذا يعني بان هذا هذا الانحياز في الإطلاق يكون
نتيجة دمج هذه النمطية السلبية في تلك المجاميع التي هي أقلية.
ولا يقتصر هذا التمييز على الرجال وسلوكهم وردائهم بل يمتد نحو
المرأة وحجابها إذا انه بالإضافة الى ما قلناه أعلاه، نرى إن الخطاب
السلبي الضمني تجاه المسلمين، كما تقول اوزين، لا يقتصر على فكرة خطر
إرهاب الرجال، حيث هنالك سلسلة من الدراسات التي تركز على الحجاب والتي
زودتنا بفهم عميق ومفاجئ حول غطاء الرأس الإسلامي الذي ترتديه بعض
النساء. وإحدى هذه الدراسات استعملت صورة امرأة قوقازية وأخرى من جنوب
أسيا، واحده بحجاب والأخرى بدونها، ووجدت الدراسة بأنه حينما تلبس
المرأة الحجاب فانه تقيم وتعتبر اقل جاذبية جسديا وذكاء ممن لايرتدون
هذا الرداء... وهو جزء من الانحياز والتقييم غير الموضوعي.
والأمر لايقف عند هكذا سلوك تمييزي ضد المرأة المسلمة المحجبة بل
يصل إلى حد آخر يتعلق بالعمل أيضا حيث وجدت دراسة أخرى، كما تذكر اوزين،
إن النساء اللواتي يرتدين حجابا غالبا ما تمتلك خيارات قليلة للحصول
على عمل، مع وجود تمييز ضد المسلمين في أماكن العمل، اذ أزادت بنسبة
153% بعد إحداث 11 سبتمبر.
وتصل اوزين الى النقطة الجوهرية لمقالها فتقول بأنه كان لحادث 11
سبتمبر خسارة كبيرة للأمة الأمريكية عموما وها نحن نجد عدة أسباب للحزن
لأنه وبينما الأمة كانت تسعى جاهدة لكي تفهم هذا الهراء واللانسانية،
فان هنالك،وفي نفس الوقت، مجموعة أخرى وجدت نفسها خسرت وحزنت بصفتها
جزءاً من الشعب الأمريكي أولاً وكمسلمين ثانياً،فالحزن والصدمة والذهول
خيم على المسلمين الامريكيين بعد الحادث لكونهم يرون اخوانهم وبلدهم
يحترق بفعل الارهاب هذا من جهة، ومن جهة ثانية تعرض ايضا هؤلاء
المسلمين والعرب الى خسارة اخرى تمثلت فيما تعرضوا له بعد الحادث من
مضايقات واعتدات ونظرة دونية لهم.
وتمتد نظرة اوزين في مقالها إلى أوسع فتؤكد على إن أجيال الشباب
المسلم الذين نشئوا خلال إحداث 11 سبتمبر كان لديهم سوء طالع لانهم
عاشوا وتربوا في وقت الحرب على الإرهاب، فقد سمعوا الكثير من السخرية
حينما يتم وصفهم ب" أسامة " و " أصحاب القلنسوات والعمائم".
وفي نهاية الجزء الأول من المقال تسأل اوزين:
كيف سيكون هؤلاء الشباب في المستقبل؟
هل يمتلكون الجرأة لكي يُظهروا وجوههم للآخرين كمسلمين؟
وهي توعد القارئ بأنها في الجزء الثاني من مقالها سوف تشاركه
النتائج المترتبة على هذا الأمر الذي يمثل محور رسالتها في
الدكتوراه...
alsemawee@gmail.com |