فوضى البناء العشوائي واندثار العمارة الإسلامية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: في أزمنة متعاقبة، أثبتت العمارة العربية والاسلامية حضورها المدهش والراقي، بين فنون العمارة للامم الاخرى، وينبع هذا الادهاش من خصوصية اسلامية مفعمة بالتفرد والجمال، حيث القباب والمنائر، والمقوسات والنقش على السطوح الحجرية وغيرها، بالاضافة الى الفسيفساء وأنواع الزخرفة الجميلة، وغير ذلك من مؤشرات الجمال الرائعة التي غالبا ما تكتسي بها العمارة الاسلامية عموما.

هذا التراث الجمالي في مجال العمارة، ينبغي التعامل معه باخلاص وجدية، ليس من لدن المتدينين حصرا، ولا أصحاب الاختصاصات الهندسية فقط، بل الاهم من هؤلاء جميعهم هم أصحاب القرار السياسي، ثم يأتي بعدهم عموم المواطنين، وهكذا يكون الجميع، مختصين ورجال دين واصحاب قرار ومواطنين، كلهم مسؤولون عن الحفاظ على التراث المعماري المفعم بالخصوصية والجمال.

إلا أن اصحاب القرار، القادة الحكوميين، هم الجهة الاولى التي تقع على عاتقها مسؤولية الحفاظ على التراث المعماري وجمالياته، والسبب الاساس كونهم متحكمين بعمليات الانشاء والتأسيس والتطوير، وقبل هذا كله مسؤولين عن التخطيط العمراني للمدن، سواء فيما يخص الشواراع أو العمارات أو البنايات الضخمة والمدارس والجامعات والساحات والحدائق، والدوائر الرسمية والقصور الثقافية والمسارح، وقصور المؤتمرات، وما الى ذلك مما تحتاجه المدن العصرية، التي لا تتقاطع مع خصوصية المعمار العربي الاسلامي.

لكن واقع الحال لاسيما في العراق ومدنه، ثمة حملة بناء تتسم بالعشوائية في كل شيء، الامر الذي يدل على غياب شبه تام لدور التخطيط العمراني، والحقيقة ان الامر لا يتعلق بطبيعة البناء، تصميما وتشييدا وما شابه، بل الامر يتعلق ايضا بكيفية التخطيط لتصاميم المدن، وشوارعها وساحاتها وقصورها وبناياتها.

اذن هناك فوضى غريبة تشمل التخطيط والتصميم والتشييد معا، وهو امر ينم عن نظرة قاصرة تماما للموروث المعماري، إننا في حقيقة الامر نحتاج الى البناء والى المدن العصرية الكبيرة، لاسيما أننا اصحاب ثروات طائلة، ولكن يبدو ان هذه الاموال الضخمة قد تنقلب علينا وبالا، كون العمليات التي تتعلق بالبناء في مراحله كافة، تعاني من عشوائية متفاقمة ومؤسفة.

حيث يبدأ الخلل من التخطيط الخاطئ اولا، والتخطيط كما هو معروف مرحلة اولى للعمران، ثم تأتي مرحلة التصميم، التي ينبغي أن تراعى فيها روح العمارة الاسلامية وجمالياتها وخصوصيتها التي تدعم الذوق والفن الخاص، لترتقي به الى مصاف العالمية، واخيرا نصل الى مراحل التشييد، حيث يشرف مهندسون اختصاصيون على هذه المرحلة، ونتيجة لتداخل نوايا وإرباكات كثيرة، ربما تعاني عملية التشييد من خلل هنا او خلل هناك.

وهكذا يمكن ان نلاحظ هذه العشوائية في مدننا بوضوح، فالشوارع تنم عن الفوضى، وعمليات البناء كذلك، والتصاميم تنم احيانا عن أشكال غريبة، قد لا تتسق مع خصوصيتنا المعمارية، هنا لا نعني ولا ندعو الى الانغلاق قط، ولا نقصد عدم الاستفادة من تجارب المعمار العالمي للامم الاخرى، بل جل ما نهدف إليه هو الحفاظ على نوع من الخصوصية تدعم التلاقح المعماري، مع التجارب العالمية الاخرى، وهذه مسؤولية المهندسين المعنيين، وقبلهم مسؤولية اصحاب القرار اولا.

إننا يمكن ان نلاحظ ظاهرة عشوائية التخطيط والتصميم والتشييد، فيما لو قمنا بجولة في المدن العراقية، لهذا لابد أن تتنبّه الجهات المعنية الى خطورة ما يحدث في هذا المجال، كما ان الجهات العمرانية هي المسؤول الاول في الحفاظ على جماليات التخطيط والتصميم والتنفيذ، ولن يكون العذر مقبولا في هذا الصدد، حتى اصحاب العمارات الاهلية، ينبغي أن لايتصرفوا في اعمال البناء والتصميم كما يحلو لهم، لأن الامر يتعلق بتراث معماري ومظهر حضاري معاصر في آن.

نريد أن نظهر العمارة الاسلامية بحلة معاصرة، لها جمالياتها الخاصة التي ترقى بها الى العالمية، ويمكن ان نصل الى هذا الهدف، فيما لو تعاون الجميع، وأولهم اصحاب القرار، والدوائر الرسمية المعنية بالتخطيط والتصميم والتنفيذ ايضا.

ولابد أن تكون هناك توعية شاملة بهذا الصدد يشترك فيها الجميع، بضمنهم وسائل الاعلام المختلفة، لاننا كما يبدو نتعامل مع العمارة وكأنها ركن كمالي لا يمت لأولويات الحياة بصلة، وهو سلوك خاطئ ونظرة قاصرة قطعا، اننا بحاجة الى الحفاظ على تراثنا المعماري الجمالي، من خلال عصرنة العمارة مع الحفاظ على الجوهر.

وهذا يمكن أن يتم من خلال الحرص الذي يجب أن يبذله الجميع في هذا الصدد،  وأولهم صناع القرار والمهندسون والدوائر الرسمية المعنية، ولا ننسى دور وسائل الاعلام في هذا الصدد، فيما يبقى دور الفرد المواطن مهم جدا، في الحفاظ على معمارنا ذي الجمالية الواضحة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 11/أيلول/2011 - 12/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م