الانتحار... نهايات غير سعيدة

الحياة حينما تكون سيناريو مأساوي بيد صاحبها

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: للموت شروطه المتعددة.. لكنه حين يحضر يكون مباغتا صادما لانملك امامه غير الاستسلام.. وتكاد لا تختلف تلك الشروط من مجتمع لاخر او من لجنس لاخر.. ولا تختلف تلك الشروط ايضا باختلاف الاعمار او غيرها من صور الاختلاف في الحياة.

الجميع مرشحون للموت وسائرون اليه.. قد يلاقونه في بداية اعمارهم او في منتصفها او في اخرها لكنه ملاقيهم حتما في لحظة يغفلون فيها عنه.

تعيش حياتك بالصورة التي تعتقدها صحيحة، وانك خلقت لها بهذا الشكل.. تواجه المشكلات وتتجاوزها.. تتغلب على الصعاب.. تعمل، وتتزوج، وتنجب الاطقال، وتؤسس عائلة.. تلك هي سنة الحياة.. فجاة يدهمك الموت، او يدهم احد افراد عائلتك.. تحزن لفترة وتبقى الذكريات مجالك الارحب للعزاء، ان كان ثمة عزاء.

ما الذي يحدث عند الانتحار؟

انت تضع حدا لحياتك.. وانت تهرب من دورك في هذه الحياة.. انت تشعر بالخوف من الاستمرار في مواجهة مشاكلك ومخاوفك..

انت ضعيف ويائس.. قوتك الوحيدة في لحظات الضعف تلك انك قررت ان تضع حدا لحياتك، وانك سائر في تنفيذ ذلك... احيانا تفشل ليضاف فشل اخر الى فشلك في التحدي، واحيانا تنجح، وكثيرا ما تنجح في ذلك... هذا الموضوع يحاول الاقتراب من ظاهرة الانتحار وما يتعلق بها في اليوم العالمي لمكافحة الانتحار.

تنبيه العالم لأخطار الانتحار

يمثّل الاحتفال ب"اليوم العالمي لمكافحة الانتحار" تعاوناً وثيقاً بين "الجمعية الدولية لمكافحة الانتحار" و"منظمة الصحة العالمية" لجذب انتباه العالم لأخطار الانتحار، وصياغة رؤية دولية بين سكان العالم لتخفيف حالات الإحباط والميول الانتحارية.

ويؤكد الخبراء أن أعلى معدلات حوادث الانتحار وقعت في مناطق أوروبا الشرقية، بينما كانت الأقل في أمريكا اللاتينية والدول الإسلامية. ولفت هؤلاء إلى أن الرجال أكثر ميلاً للانتحار من النساء في جميع المناطق، عدا الريف الصيني الذي تكثر أعداد النساء المنتحرات فيه.

ولفت الخبراء إلى أن الانتحار هو أحد أكبر مشكلات الصحة العامة التي تودي بحياة الكثير من الناس في العالم، بصورة أكبر من حوادث الحروب والقتل العمد، مشيرين إلى أن حوادث الانتحار التي تظهر كل عام أكثر بثلاث مرات من ضحايا كارثة تسونامي التي ضربت جنوب شرق آسيا العام الماضي، وأكثر أيضاً من الأرواح التي حصدتها هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م بمئات المرات.

وأشار التقرير الدولي إلى أن ملايين الأشخاص يلجؤون لمحاولات انتحار شديدة قد تتطلب في الكثير من الأحيان العلاج الطبي والنفسي، موضحاً أن هناك الكثير من الطرق والوسائل التي تساعد في منع مثل هذه الحوادث. ولكن الأمر يحتاج إلى اتفاقيات عالمية شاملة ومناسبة لتقليل الأعداد الضخمة من حوادث الانتحار الكاملة أو محاولاته أو المشكلات المرتبطة به أو السلوكيات المؤذية الأخرى.

أشارت آخر الإحصاءات إلى أن أكثر من (مليون شخص) يقدمون على قتل أنفسهم كل عام، وهي نسبة تفوق معدلات الوفاة الناجمة عن جرائم القتل العمد والحروب، فالانتحار هو السبب الرئيس للموت في أوساط المراهقين والبالغين دون سن ال35، كما أن الرجال يقدمون على الانتحار بمعدل يزيد عن ثلاثة أضعاف مما هو عليه عند النساء على عكس المعتقد خطأ ومع ذلك فإن معدلات الانتحار عند النساء أخذت في الارتفاع بشكل خطير في العقد الأخير!

كما أشار تقرير المنظمة إلى أن شخصاً في مكان ما من العالم ينتحر كل 40 ثانية، مما يتفق مع الحقائق التي سجلت سابقاً بأن شخصاً علي الأقل يحاول التخلص من حياته كل ثلاث ثوان.

انتحار شخص كل 40 ثانية.

وأوضح التقرير أن عملية انتحار تتم كل 40 ثانية، وهو ما يمثل حوالي مليون وفاة تحدث سنوياً في العالم، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلي 1.5 مليون بحلول عام 2020م وأن شخصاً يحاول الانتحار كل ثلاث ثوان.

وأشار الخبراء إلي أن الانتحار يشكل ما يقرب من نصف الوفيات العنيفة في العالم، إذ ظهرت حوالي 6003 حادثة انتحار ووفيات غامضة في بريطانيا وأيرلندا عام 2003م وهو ما يفوق عدد حوادث الطرق بأكثر من ثلاث مرات.

أسباب الانتحار

أوضح العلماء أن الانتحار ينتج عن تفاعل معقد لعوامل سببية معينة منها: الأمراض النفسية والعقلية، والفقر، والإدمان، والعزلة الاجتماعية، وفقدان عزيز، وصعوبات التواصل مع الآخرين، ومشكلات العمل، مما يستدعي توافر خبراء واختصاصيين في المجالات الطبية والصحة النفسية للتغلب على مشاعر الإحباط التي تدفع إلى الانتحار وقتل النفس وتقويم الأخطار وتوفير الخدمات الطارئة وسبل العلاج.

ويقول خبير الصحة النفسية بمنظمة الصحة العالمية "د.خوسيه مانويل برتولوني": إن ما بين 20 مليونا و60 مليون شخص يحاولون الانتحار سنويا، ينتحر منهم نحو نصف مليون حسب تقرير بثته وكالة "رويترز" مؤخراً، كما أن احتمال انتحار الأشخاص الذين يفقدون وظائفهم فجأة أكثر من احتمال انتحار الأشخاص الذين يعيشون في ظروف اجتماعية بائسة لفترات طويلة.

الدول الشيوعية الأكثر انتحاراً

وطبقاً لآخر المعلومات التي أعلنتها "منظمة الصحة العالمية" مؤخراً، تتصدر ليتوانيا قائمة الدول بالنسبة لحالات الانتحار في مجتمعها، حيث يقدم على الانتحار 75 رجلاً وإحدى عشر امرأة من كل 100 ألف من السكان، تليها روسيا في المرتبة الثانية 70 رجلاً و12 امرأة، تتبعهما بيلاروسيا 63 رجلاً و10 نساء.

ويرجع رئيس المنظمة العالمية لمكافحة الانتحار "د.براين ميشارا" أسباب ارتفاع نسب الانتحار في دول الاتحاد السوفيتي السابق لافتقار تلك الدول لبرامج وسياسات لمكافحة الانتحار..

من جانبه يشير "د.براين ميشارا" إلى إمكانية خفض معدلات الانتحار إذا حدَّت الدول من إمكانية الوصول إلى المبيدات الحشرية والأسلحة النارية والأدوية المخدرة والسامة، وحَسَنَت أسلوب التعامل مع الأشخاص المصابين بالاكتئاب وإدمان الكحوليات وفصام الشخصية، نظراً لأن ثلث حالات الانتحار في شتى أنحاء العالم تنجم عن تعاطي مبيدات حشرية.

وحول الوسائل القانونية الرادعة أوضح "د.براين" إلى أن احتمال سعي الناس الذين يعيشون في دول تحظر الانتحار قانونياً؛ مثل سنغافورة ولبنان والهند، إلى طلب المساعدة يقل إذا تملكتهم أفكار انتحارية، خشية احتمال أن تعاقبهم الحكومة.

دراسات أخرى أجريت في السنوات الأخيرة أظهرت أيضاً أن هناك علاقة بين الإصابة بمرض نقص المناعة المكتسب المعروف بالأيدز وارتفاع معدلات الانتحار، إذ بينت إحدى تلك الدراسات ان المصابين بهذا المرض يقدمون على الانتحار بمعدل يفوق ثمانية أضعاف الناس العاديين.

في كلّ دقيقتين يحاول مواطن صيني الانتحار، وهي وتيرة تجعل هذا البلد يسجل نسبة انتحار هي من الأعلى في العالم، حسب ما كشفت وسائل الإعلام الحكومية. وفي الحقيقة، وصلت نسبة الانتحار في الصين إلى 22,23 شخصا من كل مئة ألف شخص، على ما أظهرت النتائج التي نشرها مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها على موقعه الإلكتروني. وأشار المركز إلى أن الانتحار يشكل السبب الأساسي للوفيات في أوساط الصينيين ما بين 15 و34 سنة. ويعود سَبب هذه النسبة العالية، وفق صحيفة "بيجين يوث ديلي"، إلى الضغوطات الكبيرة الناجمة عن ضرورة التفوّق في المدرسة وإيجاد وظيفة بصورة رئيسية.

وفي العام 2009، كانت المجلة الطبية البريطانية المتخصصة "ذا لانست" ذكرت أن ليتوانيا وفنلندا ولاتفيا والمجر والصين واليابان وكازاخستان هي بلدان تشهد نسب انتحار جِد مرتفعة، بمعدل قد يتخطى 20 انتحارا بين كل مئة ألف شخص.

وأظهرت التقارير أنه في السنوات الـ45 الماضية ارتفعت معدلات الانتحار بنسبة 60 في المئة في جميع أنحاء العالم. وقالت منظمة الصحة العالمية إن الانتحار هو من بين الأسباب الثلاثة الرئيسية للوفاة بين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و44 سنة في بعض البلدان، والسبب الرئيسي الثاني للوفاة في الفئة العمرية من 10 إلى 24 سنة، وهذه الأرقام لا تشمل محاولات الانتحار.

وذكر تقرير للمنظمة أن معدلات الانتحار كانت أعلى بين كبار السن من الذكور، إلا أن المعدلات في صفوف الشباب آخذة في التزايد إلى درجة أنهم الآن المجموعة الأكثر تعرضاً للخطر.

وأشار التقرير إلى أن الاضطرابات النفسية، وخصوصاً الاكتئاب واضطرابات تعاطي الكحول، هي عامل خطر رئيسي للانتحار في أوروبا وأميركا الشمالية، ولكن في البلدان الآسيوية فإن الانتحار له أسباب معقدة نفسية واجتماعية وبيولوجية.

وأكدت مجموعة من الخبراء المتخصصين في دراسة عمليات الانتحار «وجود علاقة قوية تربط بين معدلات الانتحار والاكتئاب الناتج عن الأزمات المالية».

وأشاروا إلى أن نتائج الأزمة الحالية قد تكون أسوأ من فترات الركود السابقة، وتوضح الإحصاءات أنه يوجد أكثر من 32 ألف حالة انتحار في أميركا سنوياً، وأكثر من 800 ألف محاولة انتحار فاشلة، ما يضع أكثر من ثلث هؤلاء في خطر محاولة الانتحار للمرة الثانية.

وأوضحوا أنه لا شك أن أكثر نتائج الأزمة الاقتصادية تأثيراً على الناس هو فقدان منازلهم، حيث قال مسئولو رابطة مكافحة الانتحار: إن «دراساتنا أثبتت أن فقدان الناس لمنازلهم يعد أكثر نتائج الأزمة تأثيراً على الناس»، وارتفعت نسبة الاتصالات الموجهة إلى مركز مكافحة الانتحار إلى 65 في المئة خلال النصف الثاني من العام 2008.

في مصر أعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن أرقام مفزعة ومقلقة، حيث تشير الإحصاءات إلى أن هناك 104 آلاف محاولة انتحار بين بنات وشباب مصر خلال العام 2009، وأغلبهم من الشباب في المرحلة العمرية من 15 إلى 25 عاماً بنسبة تقدر بـ66.6 في المئة، وأن هناك 11 ألف حالة في مركز السموم انقسموا ما بين 8500 أنثى (بنات وسيدات) و2500 شاب من سكان القاهرة والجيزة نقلوا إلى مركز السموم بمستشفى الدمرداش مصابين بحالات التسمم الحاد إثر محاولتهم الانتحار بالمبيدات الحشرية أو المواد المخدرة خلال 12 شهراً.

وتثير قضية مكافحة الانتحار العديد من الخلافات الاجتماعية، فالسياسيون وخبراء الصحة يتساءلون ما إذا كان ينبغي على الحكومات أن تتدخل في القرار الشخصي الذي يتخذه المرء لوضع حد لحياته، لكن بيرتولوتي لا يعتقد ذلك، منوهاً إلى أن الدراسات تظهر أن 96% من الذين حاولوا الانتحار كانوا يعانون من قدرات عقلية منخفضة أو مشوشة إلى حد كبير.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 10/ايلول/2011 - 11/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م