المعايير الديمقراطية وحق التظاهر السلمي

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: حضور الصوت المعارض، هو المعيار الأهم لإثبات النهج التحرري للأنظمة السياسية، وغيابه يعني حضورا للاستبداد بأقصى درجاته، والنظام الذي يخشى الصوت المعارض لا يمت بصلة للديمقراطية، وغالبا ما يذهب الى المبالغة بوضع الكوابح للمعارضين بحجة حماية الامن الوطني وما شابه.

التظاهر السلمي هو التعبير الاوضح للصوت المعارض، وهو حق فردي وجماعي  يكفله الاعلان العالمي لحقوق الانسان، لهذا لايجوز مطلقا للحكومة أن تمنع التظاهر، واذا تحججت بالشغب وحاولت اجهاض التظاهرات بكل الوسائل والسبل، فهي حكومة غير مرغوب بها، كونها ذات نزعة تسلطية تخشى المعارضة، وتتهيّب التظاهرات، لأنها عامل هام من عوامل اسقاطها وافشال سعها للاستئثار بالسلطة والمناصب والثروات على حساب الاكثرية من الشعب.

في العراق هناك عملية سياسية تحاول أن تقف على قدميها، بيد أن العوائق كثيرة جدا، وبعد أن اصبح خطر الارهاب يحتل الدرجة الثانية، قفز الفساد المالي والاداري والصراع السياسي الى المرتبة الاولى من التهديد الذي يواجه العملية السياسية.

السلاح الأمضى الموجود بيد الشعب والمعارضة هو التظاهر السلمي والعصيان المدني، فقد كثر الفاسدون والمفسدون، وتضاعفت عمليات الاختلاس والتلاعب بالمال العام، كما حدث قبل اشهر حين قامت وزارة الكهرباء بالتوقيع على عقود ضخمة مع شركات وهمية بمبالغ تفوق المليار.

تحدث مثل هذه التجاوزات الخطيرة بعد تسع سنوات مرت على بدء العملية السياسية!!، بل تحدث في المدة الزمنية الحرجة (100 يوم) التي حددها رئيس الوزراء، كي تنهض الوزارات بالاعمال المناطة بها بصورة افضل.

إن الشعب عندما يتظاهر ضد هذا التلكؤ الحكومي الواضح، إنما يريد أن يقول لحكومته بصوت واضح وصريح، بأنها مقصرة أو قاصرة في اداء واجباتها حيال الشعب، وحتى لو حاول القادة والمسؤولون تبرير الاخطاء الجسيمة، فإن الزمن ليس مفتوحا أمامهم لتصحيح الاخطاء، بل هناك سقف زمني، وما مضى منه كان طويلا وثقيلا ومريرا بالنسبة للشعب، فبعد مرور تسع سنوات على تأسيس الحكم الديمقراطي الجديد، صارت ساعات تجهيز الكهرباء للمواطن اقل مما كانت عليه قبل 2003، بل تراجعت بصورة طردية مع رصد المبالغ الضخمة لها، حيث اعلنت الجهات المسؤولة ان المبلغ المصروف لتأهيل شبكة الكهرباء بلغ (27) مليارا من الدولارات، وهو مبلغ ضخم يعادل ميزانيات دول مجتمعة، فيما يتم تجهيز المواطن بساعة كهرباء مقابل قطع ثلاث ساعات أو اكثر احيانا.

الحال نفسه يحدث مع سرقة البطاقة التموينية، وترك الفقراء يستجدون لقمتهم على قارعة الطريق، أما الجانب الصحي فهو اكثر من سيّئ لدرجة أن المريض لايجد ابسط العلاجات في الصيدليات الحكومية، ومعظم الادوية الاصلية يتم تبديلها بأدوية مزيفة لا تعالج المرض قط، في حين اصبح قطاع الخدمات البلدية من أسوأ الدوائر الخدمية وأكثرها تعثرا وترويجا لعمليات الاختلاس، واذا تحدثنا عن التعليم بشقيه العالي والتربوي سنلاحظ تراجعا مخيفا فيه، كذلك الحال مع الزراعة والصناعة والموارد المائية، ومجمل الحال أن الحكومة تبدو عاجزة عن المضي في تحسين أحوال الشعب، والأسباب معروفة من لدن السياسيين والشارع العراقي ايضا، وقد تم الاشارة لها في هذه الكلمة.

يحدث كل هذا في ظل ضعف قاتل اوغياب عجيب لدور القانون، حيث القضاء لا يرقى لخطورة المرحلة، والحاجة لسن قوانين رادعة بات واضحا جدا، والاهم من هذا هو غياب عملية التنفيذ الرادع للقوانين المُسَنَّة او التي ستُسَن مستقبلا، هذه الظواهر والوقائع القائمة تؤشر ضعف الحكومة بسبب صراعات الكتل والاحزاب، وبسبب العمليات المتبادلة لغض الطرف عن العيوب ومنها عمليات الاحتيال والاختلاس وما شابه.

اذن ليس أمام الشعب خيار آخر سوى الاعلان بقوة ووضوح عن رفضه لما يحدث، خاصة ان الشعب بدأ فعلا يعاني من هذه التجاوزات والاخطاء حتى تجاوز السيل الزبى، وصوته هو التظاهر السلمي الذي يكفله الدستور، ولا ينبغي التعرض للتظاهرات بأي حال، إلا اذا تجاوز البعض سلمية التظاهرات، وهو امر مرفوض جملة وتفصيلا، فالخروج عن النهج السلمي للتظاهرات هو اعلان العدوان المباشر على الشعب وليس على الحكومة.

ولكن ينبغي حصر مجاميع الشغب اذا وجدت ومعرفة الجهة التي تدسها بين المتظاهرين، وقد تلجأ بعض الحكومات الى هذا الاسلوب، لتشويه اهداف التظاهر السلمي، لذا على من يهمه الامر من المتظاهرين ان يطوّقوا حالات الشغب فورا وتتم بعذ ذلك معرفة الدوافع، لهذا لا يحقق للحكومة منع التظاهرت حتى لو طالبت بإسقاطها، كونها غير قادرة حتى الآن على حمل أعباء المرحلة كما يتضح مما يدور في الواقع الراهن.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 10/ايلول/2011 - 11/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م