
شبكة النبأ: يقول الخبير ديفيد
ماكوفسكي إن تجدد القتال على طول الحدود الإسرائيلية مع سيناء المصرية
من شأنها أن تؤدي إلى أسئلة عن مستقبل عملية السلام المتأرجحة في الشرق
الأوسط. وقد تغير المناخ السياسي في مصر لصالح الجماعات الإسلامية
المختلفة في البلاد كما يقول ماكوفسكي في حواره المنشور في معهد واشنطن
لسياسات الشرق الادنى.
ويرى ديفيد ان الجيش المصري يخشى من أن "يكون ضباط الرتب المتوسطة
غير قادرين على إنفاذ الانضباط بين جنود الصف لفرض النظام ووقف الأعمال
الإرهابية والتسلل إلى داخل إسرائيل." كما يقول أيضاً إن دبلوماسية
الشرق الأوسط معطلة بسبب امتناع الاتحاد الأوروبي عن دعم مقترحات
السلام التي عرضها أوباما في أيار/مايو والتي تؤكد العودة إلى حدود عام
1967 مع تبادلات للأراضي، فضلاً عن اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة
يهودية.
كيف ترى الجولة الأخيرة من العنف؟
ماكوفسكي: ليست لدينا كل الأجوبة الآن. ورغم ذلك، يوجد بعض النقاط
للتفكير فيها. فصحراء سيناء التي كانت تقوم فيها مصر بدوريات روتينية
على مدى سنوات يمكن الآن أن تُستخدم كمنصة انطلاق لعناصر لا تمثل دولاً
-سواء كانت فروعاً لـ «حماس» وبموافقتها أو تنظيم «القاعدة» أو عناصر
أخرى ترغب في إحداث تدهور عميق في العلاقات الإسرائيلية المصرية بما
يؤدي إلى إلغاء معاهدة السلام من عام 1979 وربما حتى إلى الحرب. ولعل
هذا كان يبدو خيالياً لو قلته منذ عام مضى.
إن ما يثير القلق هو أن إسرائيل قد وافقت سراً على الإذعان للطلب
المصري (وفقاً لصحيفة "جيروساليم بوست") بالسماح بوجود ألف ومائة جندي
مصري في سيناء إلى جانب ثمانمائة قد تم السماح لهم في كانون الثاني/يناير.
وبموجب معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية من عام 1979 كانت مصر ملزمة
بإبقاء سيناء منزوعة السلاح. ومع ذلك فإن حقيقة نشرهم ألف ومائة جندي
إضافي لم يوقف عمليات التهريب. والمقلق بصورة أكثر هو أنه يبدو أن
الجيش المصري يخشى من أن يكون ضباط الرتب المتوسطة غير قادرين على
إنفاذ الانضباط بين جنود الصف لفرض النظام ووقف الأعمال الإرهابية
والتسلل إلى داخل إسرائيل.
وسط الهجمات الإرهابية قُتل خمسة من حراس الأمن المصريين ربما
بنيران إسرائيلية مما أدى إلى قيام احتجاجات عارمة (وفقاً لرويترز) في
مصر ضد إسرائيل. هل تستكشف تنامي المشاعر المعادية لإسرائيل في مصر؟
ماكوفسكي: كنت قلقاً لعدة أشهر من أن السياق السياسي في مصر -عندما
يتعلق الأمر بالسلام مع إسرائيل -ربما يتغير، بمعنى أن الإحساس
الجماهيري [قد يتغير]. فعندما تجري انتخابات يمكن أن تكون الأحزاب
الإسلامية -بقيادة جماعة «الإخوان المسلمين» ولكن ليس حصرياً عليهم -كتلة
سياسية مهيمنة في مصر. وهذا يعني أنه سيكون هناك جيش كانت له علاقات
ممتازة مع الإسرائيليين لكنه لا يريد أن يدخل في مُصادمة مع الجماهير.
ولذا فإن السياق السياسي للعلاقات العسكرية المصرية الإسرائيلية والتي
كانت جيدة جداً هي عُرضة للتدهور إلى حد كبير. إن الأمر لا يقتصر فقط
على هذه الأحزاب. فوزير الخارجية السابق عمرو موسى هو مرشح للرئاسة،
ولأنه يسعى للفوز فهناك فجأة استثمار سياسي يمكن أن يلجأ إليه بقوله:
إننا سنأخذ موقفاً أكثر تشدداً تجاه إسرائيل. ورغم أنه ليس جزء من تلك
الكتلة من الأحزاب الإسلامية إلا أنه يريد الحصول على أصوات مؤيديها في
الانتخابات الرئاسية. ولكي نكون منصفين معه نقول إنه دافع عن اتفاقية
السلام المصرية الإسرائيلية، إلا أن الاضطراب الذي وقع في نهاية
الأسبوع الماضي قد أظهر أن الأمور على أرض الواقع يمكن أن تكون هشة
للغاية، ولو لم يتمع اتباع الكثير من الدبلوماسية وراء الكواليس خلال
نهاية الأسبوع لكانت الأمور قد تدهورت بشكل أسرع. ويتركز خوفي في أن
هناك عناصر لا تمثل دولاً -سواء كانت «حماس» أو "لجان المقاومة الشعبية"
أو تنظيم «القاعدة» -التي ترى في غياب القانون في سيناء سبيلاً لإشعال
التدهور في العلاقات المصرية الإسرائيلية.
يقال مراراً إن الفلسطينيين يضرون أنفسهم من غير قصد. فمع استعداد
السلطة الفلسطينية للذهاب إلى الأمم المتحدة في غضون شهر للحصول على
اعتراف بها كدولة فهل سيؤدي ذلك العمل الإرهابي الذي قامت به "لجان
المقاومة الشعبية" إلى إعاقة هذا الجهد؟
ماكوفسكي: الناس يعرفون أن السلطة الفلسطينية لا تسيطر على غزة وأن
الجناح العسكري لحركة «حماس» لم يكن مهتماً كثيراً بالدبلوماسية بأي
شكل كما يرى أنها غير مجدية. وفكرة الدولة الفلسطينية الآن مضللة لأن
ثمة طريقاً إلى الأمام، حيث تحاول "اللجنة الرباعية الدولية حول الشرق
الأوسط" -الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة -التوسط
لاستئناف محادثات السلام بناء على خطابَيْ أوباما أمام الكونغرس في 19
أيار/مايو 2011 وأمام "اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة" في
22 أيار/مايو 2011. لقد عرض الرئيس الأمريكي فكرة لطالما حلم
الفلسطينيون بها وهي حدود مبنية على تلك التي كانت قبل حرب عام 1967 مع
مقايضات متبادلة. والآن وبعد أن حصلوا عليها [من خلال تصريح الرئيس
الأمريكي] يبدو أنهم لا يبالون بها. وهذا هو ما يجعلنا نقول إنهم يضرون
أنفسهم من غير قصد.
أوباما مشغول بالمشاكل الاقتصادية الأمريكية
فهل لديه خطة للمفاوضات؟
ماكوفسكي: في حين أن [خطابَيْ أوباما] لم يمثلا تحولاً جذرياً في
السياسة الأمريكية إلا أنهما مع ذلك كانا شيئاً مختلفاً. إن ما حاولت
الولايات المتحدة عمله هو الذهاب إلى "اللجنة الرباعية" والقول، "لقد
توصلنا الآن إلى توضيح سياسة أمريكية جديدة فهل سنتمكن من التوصل إلى
إجماع حولها؟". وتسعى الولايات المتحدة إلى الحصول على موافقة "اللجنة
الرباعية" على نص يساعد على تسهيل استئناف محادثات السلام. وقد طلبت
الولايات المتحدة الآن من ممثل "اللجنة الرباعية" توني بلير وضع
اللمسات الأخيرة لإنهاء الخلافات بشأن النص. وقد أخبرتني الإدارة أن
ذلك سوف يكتمل في الأسبوع المقبل بطريقة أو بأخرى.
لكنك طرحت سؤالاً مهماً وهو أين تقف الولايات المتحدة الآن؟ ما حدث
هو أن الرئيس أوباما قد دفع ثمناً سياسياً داخلياً لخطابيه حول الشرق
الأوسط. فلم يحصل فعلياً على أي دعم من الديمقراطيين في الكونغرس.
وأعتقد أن رؤيته تتمثل فيما كما لو أنه يقول: لقد تحملنا المسؤولية
ودفعنا ثمناً سياسياً على المستوى الداخلي، ولكن أين الآخرون؟ ولذا
فنحن في هذا الموقف غير المعتاد الذي نجد فيه أن توني بلير هو الشخص
الذي يحاول تضييق الخلافات حول النص. وربما يُظهر ذلك أن الولايات
المتحدة لن تتولى الصدارة في هذه القضية إلى ما بعد الانتخابات
الرئاسية في العام القادم.
لماذا لا يبدي الأوروبيون تحمساً لهذا
الموضوع؟
ماكوفسكي: كان من الصعب على أوباما القول بأنه ينبغي على إسرائيل أن
تتفاوض على أساس حدود ما قبل عام 1967 بالإضافة إلى المقايضات. لكنه
قال أيضاً إنه ينبغي على الفلسطينيين أن يعترفوا بإسرائيل كدولة يهودية
ذات حقوق متساوية لجميع مواطنيها ودولة فلسطينية ذات حقوق متساوية
لجميع مواطنيها. وهناك عناصر ضمن الاتحاد الأوروبي وكذلك الروس الذين
هم منزعجون من استخدام هذه اللغة لأنهم لا يريدون أن يفعلوا أي شيء
يكون على خلاف مع الفلسطينيين [الذين لا يريدون الاعتراف علناً
بإسرائيل كدولة يهودية]. إن هذا غريب جداً لأن "إعلان الاستقلال
الفلسطيني" من عام 1988 استشهد بشكل واضح جداً بقرار التقسيم الذي
اعتمدته الأمم المتحدة عام 1947 حيث تمثلت الخطة بإقامة دولة يهودية
ودولة عربية على حد سواء. ولذا فإن السبب الذي من أجله لا يستطيع
الفلسطينيون تأكيد ما تم إقراره في عام 1988 هو أمر غريب بالنسبة لي.
بناء على ذلك فهل أن القضية هي فعلاً ما إذا كان الفلسطينيون
سيوافقون على اعتبار إسرائيل دولة يهودية أم لا؟
ماكوفسكي: يقول بعض الفلسطينيون إن قبول إسرائيل كدولة يهودية سوف
يمس بمسألة حق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم السابقة في إسرائيل.
لقد قطعت إسرائيل شوطاً هذا الصيف بقولها إنه لو خرجت "اللجنة الرباعية"
ببيان، فإنها ستعتبره أساساً للمفاوضات. ورغم أنه لم يكن هناك اهتمام
إعلامي بذلك إلا أنه يعتبر طريقاً لإسرائيل للمساعدة بشكل أساسي على
إعادة صياغة الحوار.
ويبدو أن هناك ثماني دول أوروبية تقول إنها ستدعمه وثمانية تقول
إنها ستعارضه وأخرى هي بين بين. والكثير من هذه الدول منزعجة من إعلان
قيام الدولة الفلسطينية لأن لديها حركات انفصالية في أوروبا. ثم ما هي
السابقة لو تخطت الأمم المتحدة أية مفاوضات؟ وتتطلع الكثير من هذه
الدول إلى مخرج. فهي تريد مخرجاً ينبثق من مقرات الأمم المتحدة في
أيلول/سبتمبر. وربما يكون ذلك عن طريق اتخاذ الأوروبيين موقفاً لا يروق
تماماً لهوى الفلسطينيين مثلما اتخذت الولايات المتحدة موقفاً لم يكن
بالضبط على هوى [رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين] نتنياهو في أيار/مايو.
لقد شهدت [إسرائيل] مسيرات حاشدة لم يسبق لها مثيل من جانب
إسرائيليين ساخطين فهل نجا نتنياهو منها؟
ماكوفسكي: إن الكثير من الاستطلاعات هي في مراحلها الأولية ومن
الصعب معرفة ذلك. بيد هذه أكبر حركة احتجاجية شهدتها إسرائيل والتي لم
توجَّه من قبل قوى سياسية من الأعلى، بل إنها تدفق تلقائي من قبل
الطبقة المتوسطة في إسرائيل، حيث تؤمن تلك الطبقة بأنها تتعر ض
لضغوط -خاصة وأنها تتحمل عبء الغالبية من الخدمة العسكرية الاحتياطية
والضرائب. كما أنها قلقة من الضرائب المفرطة، كما تراها، ومن تركز
السلطة في يد من هم في القمة وفي أيدي كبار رجال الأعمال الإسرائيليين
أوبأيدي أقلية في ظل نظام ضعيف لمكافحة الاحتكار حيث يحتاج هذا النظام
إلى قدر كبير جداً من التحسين.
إن هذه حركة احتجاجية حاشدة للطبقة المتوسطة التي تؤمن بأن النظام
منحاز ضدها. وإنها ليست مصادفة أن تظهر أكبر الأعداد في منطقة تل أبيب.
وقد كان المشاركون حذرين بعدم جعل هذه المظاهرات كاحتجاج ضد المتدينين
المتطرفين أو المستوطنات. لكن من الصعب إنكار أن قيامها يتعلق بمحاولة
إعادة ترتيب الأولويات الوطنية للبلاد. وعند النظر إلى الكيفية التي
فاز فيها رئيس الوزراء إسحاق رابين في الانتخابات في عام 1992 نجد أن
الأمر كان متعلقاً بإعادة ترتيب الأولويات الوطنية. وفي حين لم تكن
حركة المعارضة قادرة تماماً على الاستفادة من ذلك، إلا أنه أمراً يجب
على نتنياهو أن يأخذه على محمل الجد. إن حقيقة قيامه بطرح اقتراح
لإنشاء لجنة [غير رسمية] [كما أفادت وكالة "فرانس بريس"] برئاسة
الأكاديمي مانويل تراختنبرغ -الذي يتمتع بمصداقية عالية جداً ويُعتبر
أنه ليس مجرد مُردِّدٍ لأقوال نتنياهو -هي مؤشر على أن نتنياهو يدرك
أنه يجب أن تكون هناك استجابة ذات مصداقية.
نبذة عن معهد واشنطن
الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه
الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية
في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل
توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه
المنطقة الحيوية من العالم.
وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم
المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة
العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم
للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق
باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف
الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف
به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة. |