نظام الحكم في العراق نظام برلماني، يكون للبرلمان فيه دور أساسي في
تسيير أمور الدولة وذلك على وفق أحكام المادة (1) من الدستور وذكرت
مهامه في المادة (61) من الدستور ومنها مهام تشريعية ورقابية وانتخاب
رئيس الجمهورية وسائر الاختصاصات ودوره الرقابي ذكرا حصرا في الفقرة
(ثانيا) من المادة (61) ونصها ما يلي (الرقابة على اداء السلطة
التنفيذية) وفي الفترة الاخيرة لوحظ نشاطه الرقابي الذي تنامى ادائه
نحو ما يطمح اليه الشعب بتقديم صورة مثلى للدور الرقابي وكان اداء
اعضائه يرتقي الى مستوى البرلمانات في العالم المتقدم في المجال
الديمقراطي والعمل البرلماني وحقق هذا الاداء جملة من الاهداف منها ما
يلي:-
1. تفعيل جناح الرقابة البرلمانية
2. تنمية ثقافة محاسبة المسؤول التنفيذي
3. خلق شعور لدى المواطن بوجود قناة تفاعلية بين حاجاته والاداء
الحكومي
4. تأصيل عملية الشفافية في الاداء
5. بيان قدرة الاداء الحكومي وتشخيص مواطن الخلل.
وتمارس الرقابة البرلمانية بعدة وسائل وردت على سبيل الحصر في
الفقرة (سابعا) من المادة (61) من الدستور ومنها الاستضافة والاستجواب
والاستفسار واللقاء وسواها ويلاحظ إن البعد التاريخي لعمل الرقابة
البرلمانية يشير الى محاولة الحد من تغول السلطة التنفيذية وكبح جماحها
اذا ما ترك العمل التنفيذي دون الرقابة، ولربما يؤدي الى الابتعاد عن
تطبيق القوانين التي يشرعها مجلس النواب والتي تلبي حاجة المواطن فضلا
عن عدم الانسجام بين الاداء الحكومي والبرنامج الذي بموجبه نالت
الحكومة ثقة البرلمان.
لذلك كان لابد من وجود جهة تراقب الاداء وتمثلت برقابة البرلمان
على السلطة التنفيذية حصرا فضلا عن الرقابة القضائية والتي تأتي لاحقة
لوقوع الفعل بينما الرقابة البرلمانية تكون في الغالب سابقة لوقوع
الفعل مما يجنب البلد خسائر مادية او معنوية.
وهذا يقودنا الى نقطة مهمة تتعلق بنطاق هذه الرقابة فبعض السادة
النواب يظن ان الدور الرقابي للبرلمان يتعدى على السلطات الأخرى (السلطة
القضائية) قياسا على دوره الرقابي على السلطة التنفيذية، وسمعنا بعض
الأصوات التي تنادي الى محاسبة السلطة القضائية من مجلس النواب سواء
باستجواب القائمين على امر السلطة القضائية او محاسبة المؤسسة القضائية
(السلطة القضائية) وهذا خلاف النص الدستوري، ويعد ذلك خرق للمبادئ
الدستورية التي اقرها الشعب العراقي لان نصوص الدستور حددت حصرا مهام
مجلس النواب بالرقابة على السلطة التنفيذية وليس السلطة القضائية، وذلك
لعدم وجود جهاز رقابي يتعامل مع كل مفردات الأداء الحكومي السياسي
والاقتصادي والاجتماعي وسواه.
اذ الاجهزة الرقابية المتمثلة بديوان الرقابة المالية وهيئة
النزاهة يقتصر دورها على التحقق من النشاطات الادارية والمالية ولا
يتعدى الى الجوانب السياسية مما دعا كاتب الدستور الى حصر المهمة
الرقابية بمجلس النواب وتكون الرقابة على السلطة التنفيذية متمثلة
بشقيها (رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء) اما السلطة القضائية فان كاتب
الدستور لم يتركها سدى اذ وضع لها رقابة على أعمالها في محورين الأول
الرقابة على أداء المؤسسة القضائية من الوجهة الادارية والمالية فضلا
عن الجوانب السلوكية لمنتسبي هذه السلطة من قضاة وموظفين ومحققين
وغيرهم وهو ما اشير إليه بهيئة الإشراف القضائي الوارد ذكرها في نص
المادة (89) من الدستور وتعمل هذه الهيئة في الوقت الحاضر بموجب
القانون رقم (124) لسنة (1979) اما المحور الثاني هو الرقابة على
العطاء الفكري للعملية القضائية ممثلا بالأحكام التي تصدرها المحاكم
على مختلف درجاتها اذ وفر القانون لحماية الحقوق طرق الطعن فيها والتي
تربو على سبعة مراحل والمشار اليها في قانون المرافعات وقانون اصول
المحاكمات الجزائية تبدأ من الاعتراض على الحكم الغيابي والاستئناف
والتمييز واعتراض الغير والتصحيح وتصحيح الاخطاء المادية واعادة
المحاكمة والطعن لمصلحة القانون، فضلا عن الدور الذي يؤديه جهاز
الادعاء العام في مراقبة الاحكام القضائية وممارسة حق الطعن فيها بموجب
القانون رقم (159) لسنة (1979) المعدل.
وبذلك فان الدستور كفل الضمانة بوجود جهاز يراقب اداء السلطة
القضائية ولم يتركه على هواه حينما نص عليها في صلب الدستور، وهذا يدل
على ان ليس لمجلس النواب حق الرقابة على السلطة القضائية بالوسائل التي
يمارسها تجاه السلطة التنفيذية.
لكن هذا لا يعني انعدام الصلة بين السلطة القضائية والسلطة
التشريعية بل ان التعاون قائم اذ يمارس مجلس النواب بصفته المؤسساتية
او من خلال اعضائه مهمة تشخيص حالات الخطأ في الاداء ان حصلت، ويشعر
بها السلطة القضائية سواء عن طريق مجلس القضاء الأعلى او هيئة الإشراف
القضائي او رئاسة الادعاء العام التي تبادر بدورها الى متابعة تلك
الحالات ومعالجتها، كما ان التعاون قائم من جهة المساهمة في ورش العمل
المشتركة بين السلطتين التشريعية والقضائية التي يتم فيها تداول
المشاكل التي تعتري عمل الجهتين والعمل على ازالتها.
واغتنم هذه الفرصة لادعوا السادة اعضاء مجلس النواب الافاضل الى
مراعاة الاحكام الدستورية عند التعامل مع المؤسسة القضائية، لان اي خدش
لاعتبارها سيؤدي حتما الى الاضرار بمصلحة المواطن كونه يعد تعديا على
حقه في وجود قضاء مستقل.
وفي الختام لا بد من الاشارة الى ما لمسه الشارع العراقي في اداء
مجلس النواب الرقابي، اذ كان اداء متقدم في الاعراف البرلمانية ينم عن
وعي البرلماني تجاه حاجات الشعب وتمكنه من المعرفة باليات الدستور في
ممارسة الرقابة البرلمانية على الرغم من قصر الحياة البرلمانية والمناخ
الديمقراطي في العراق ونتمنى لهم دوام التوفيق والسداد. |