أطفالنا ووسائل الاتصال الحديثة

شبكة النبأ: العراق تأخّر عشرين عاما او اكثر عن دول المنطقة، في التعامل الشعبي مع وسائل الاتصال الحديثة، فحتى اللحظة المحورية الفاصلة بين مرحلتين في تأريخ العراق الحديث، أي في نيسان 2003، كان العراق يقبع في دهاليز الاحادية السياسية التي كانت تحرّم التعامل مع الستلايت والموبايل، وغيرهما من وسائل الاتصال التي خبرتها شعوب المنطقة، وتفاعلت معها وجنت منها ما هو ايجابي، فيما ظل العراقيون بمختلف فئاتهم العمرية، أميين في المجال الالكتروني، لا يفقهون التعامل معه، بسبب المنع الحكومي الذي حرم الملايين من فوائد هذه الوسائل، التي – منذ أن ظهرت- باتت تشكل عصب العالم المعلوماتي بجدارة.

اليوم تغيّر الحال، وصار بمقدور جميع العراقيين من دون تحديد، أن يتعاملوا مع اجهزة الاتصال لاسيما الموبايل او الجهاز النقال، ومع أسباب التأخر التي نوهنا عنها والتي امتد أثرها لأكثر من عقدين، أقبل العراقيون على هذه الاجهزة وكأنهم في حالة ظمأ شديدة، وهنا مكمن الخطورة، إذ لم يتدرج العراقيون في اكتساب المعرفة الالكترونية والتعامل مع هذه الوسائل الحديثة كغيرهم من الشعوب، وجل الخطورة يتمثل بالاطفال والمراهقين، وكيفية تعاطيهم وتعاملهم مع هذه الاجهزة التي يمكن تمثيلها بالسيف ذي الحدين، فإما تكون الفائدة جيدة للطفل والمراهق وعموم الناس اذا احسنوا التعامل معها، واما يحدث العكس.

بمعنى اوضح أن اجهزة الستلايت، والهاتف النقال الموبايل يقدمان خدمة عظيمة للناس عموما ومن بينهم الاطفال والمراهقين، ولكن اذا تم استخدام هذه الاجهزة بصورة سيئة ستكون العواقب وخيمة على هذه الفئة، وعلى الشعب برمته، فبدلا من ان تقدم خدمات اتصالية او تلفازية، قد يستخدمها المراهقون لمشاهدة الافلام المفسدة والاباحية وما شابه، وهنا تتحول هذه الاجهزة من مصدر للمعلومة والاتصال المتطور والمتقدم، الى مصدر خطير للانحراف والضياع.

الطفل والمراهق لا يعي هذه الخطورة، لان رغبته الطائشة تدفعه باتجاه الانحراف، والمطلوب في هذه الحالة وجود رقابة عائلية صارمة على مثل هؤلاء، لاسيما الاب والام، فاذا غض الابوان الطرف عن هذه الحالة الخطيرة، فإن النتائج ستكون صعبة ومدمرة لشخصية الطفل والمراهق، خاصة انه في مرحلة بناء جسدي وفكري في آن واحد، لهذا لابد أن تكون الرقابة فعالة من دون ضغط او قسوة او اجبار وما شابه، اي يجب أن تتخذ الرقابة طابع النصيحة والتوجيه بالاقناع اولا، واذا لم تجد هذه الطريقة نفعا يلجأ الابوان الى السبل الاكثر صرامة، ولا يجوز التهاون في هذا الجانب مع الاطفال والمراهقين قط.

كذلك لابد أن يكون هناك دور تنويري واضح للمحيط المدرسي الذي يدرس فيه الاطفال والمراهقون، إذ لابد من وضع الظوابط الصحيحة لكيفية استخدام اجهزة الاتصال ولابد أن يكون نشر الوعي والمعرفة باسلوب الاقناع اولا، هو السبيل الذي يتقدم كل السبل الاخرى، فلا منع قاطع، ولا ميوعة وغياب تام للمراقبة والتوجيه، ولابد أن يكون النصح وبث الوعي من لدن المعلم والمدرس، هو السبيل الاول لمعالجة هذه المشكلة التي ظهرت بوادرها مع دخولنا الى عالم الألكترونيات، من دون منع او رفض قاطع لا يمت للاسلوب العصري بصلة.

كذلك الحال لابد أن تكون هناك خطوات اجرائية واضحة تتخذ من لدن الجهات الحكومية المعنية بهذا الشأن، بمعنى يجب الموازنة الدقية في هذا المجال، حتى في جانب الاستيراد والتسويق وما شابه وتفضيل الاجهزة التي تؤدي الغرض، مع انطوائها على معايير الحداثة والمتانة وما شابه.

ولوسائل الاعلام ومنظمات المجتمع المدني المعنية، دور في درء خطر وسائل الاتصال الحديثة على المراهقين في جانبها السلبي، إذن هي مسؤولية تكافلية ينبغي أن ينهض بها الجميع، ولا يجوز التهاون معها او القاء تبعاتها على جهة دون غيرها، فليس العائلة هي المسؤول الوحيد عن ذلك، وليس المدرسة وحدها، ولا رجال الدين وحدهم، ولا المنظمات المعنية، بل الجميع يشتركون في حماية اطفالنا ومراهقينا من الخطر الداهم، لهذه الاجهزة فيما لو تم استخدمها بصورة سيئة، وبعيدة عن أعين الاهل والمحيط الذي يتحرك في المراهقون.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 7/أيلول/2011 - 8/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م