أوباما وحرب ليبيا... القيادة من وراء الكواليس

شبكة النبأ: في أعقاب سقوط طرابلس، سارع البيت الأبيض بوصف مشاركة الولايات المتحدة في تدخل منظمة حلف شمال الأطلسي ("الناتو") في ليبيا بأنها ناجحة، وربما حتى نموذج لتدخلات عسكرية في المستقبل. ولا بأس أن الإدارة منخرطة في جزء من التاريخ التعديلي (وبعيداً عن حشد قرار من قبل مجلس الأمن للتفويض بالتدخل، كانت الولايات المتحدة، لفترة من الزمن، من بين أولئك الذين يعرقلون القرار، وذلك وفقاً لدبلوماسيين بريطانيين وفرنسيين). وناهيك عن الكيفية التي يصف فيها البيت الأبيض بملء فيه، بأن ليبيا هي نموذج للتدخل، من غير المرجح أن يتم تطبيق هذا النموذج في أي مكان آخر، بما في ذلك سوريا. بحسب موقع معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى.

وبوضع هذه الأمور جانباً، نجد أنه ليس مفاجئاً أن يصف البيت الأبيض التدخل في ليبيا بأنه ناجحاً. إن هذا موسم سياسي يتميز بانقسام كبير حول هذا الموضوع. كما أن نجاحات السياسة الخارجية تأتي قليلة ومتقطعة لأي رئيس أمريكي. وتسارع فرق الاتصالات في البيت الأبيض على نحو ثابت بإعلان النصر ولكن بغياب لافت للدقة. وفي الحقيقة، لو تحدثنا من الناحية التكتيكية، كان التدخل الدولي ناجحاً حيث سقطت طرابلس، وبينما ما يزال القذافي هارباً إلا أن نظامه قد انهار. ورغم أنه ما تزال هناك أسئلة مهمة عن المرحلة المقبلة للثورة الليبية وعلى الرغم من وجود الكثير مما يمكن انتقاده بشأن توقيت وتنفيذ العمليات الأمريكية وتلك التي قام بها حلف "الناتو"، إلا أنه قد تم تبرير قرار التدخل.

ومع ذلك، فإن الطريقة التي أدارت بها إدارة أوباما صراع ليبيا ليست نموذجية، حيث لها جوانب إيجابية وأخرى سلبية ستظل تداعيتها الكاملة غير واضحة لبعض الوقت. وحيث أوشك معظم تدخل حلف "الناتو" على الانتهاء، يتعين على صناع السياسة الأمريكيين الانخراط في نظرة تقييمية جديدة وثاقبة حول التدخل في ليبيا، لتحديد ما يجب القيام به وما لا ينبغي فعله في أزمات مستقبلية.

وتبدو مزايا منهج إدارة أوباما حول التدخل الليبي واضحة. فحسبما نعلم، لم يكن هناك فقدان حياة أي أمريكي. بالإضافة إلى ذلك، تمتعت العملية بقبول دولي واسع مما جلب لها فوائد متعددة، حيث جرى تقاسم تكاليف ومسؤوليات القتال بين شركاء التحالف (رغم أن التقاسم لم يكن قط متساوياً)، كما أن العملية حازت على مصداقية على الصعيدين العالمي والإقليمي وفي ليبيا نفسها، بقدر ما يمكن تصوره عن "الناتو" كداعماً لانتفاضة شعبية اندلعت من الداخل. كما أن المعارضة الليبية ليست مرتبطة بصورة قوية بأية قوة دولية معينة لكنها تتمتع بدعم واسع النطاق (دبلوماسي وليس مالي بشكل خاص). وبالإضافة إلى ذلك، لن يقع عبء إعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع على عاتق الأمريكيين وحدهم. وأخيراً فقد أعطى التدخل تعبيراً ملموساً وإن كان متأخراً عن الدعم المعلن الذي تعهد به الرئيس أوباما لـ "الربيع العربي".

ومع ذلك، كانت المساوئ على نفس الدرجة من القوة. وأولها عقلية "القيادة من وراء الكواليس" التي بدا أنها تُوجه إدارة أوباما ليس فقط خلال الصراع الليبي ولكن أيضاً فيما يتعلق بـ "الربيع العربي" بوجه عام. وقد صوّرت الإدارة الأمريكية هذا النهج بأنه العمل بصبر على تجميع تحالف، والسماح لشركاء محليين مثل المعارضة الليبية بأخذ الصدارة. ومع ذلك يُنظر إلى النهج الأمريكي في الشرق الأوسط على نحو أقل خيرية إذ تُرى واشنطن على أنها تتخلف عن الآخرين بانتظارها أن تُسفر الأحداث عن محصلة واضحة أو يتم فرض قرار تخلقه الأحداث. ولم يكن ضرورياً أن تتولى الولايات المتحدة المسؤولية ضد القذافي -- حيث كان ذلك على نحو مناسب هو دور المعارضة الليبية. لكن واشنطن حتى لم تشرف على قيادة التحالف الدولي لدعم المعارضة، بل ظهرت كشريك متردد.

ومن التردد الأمريكي حول المشاركة الكاملة في التدخل تدلى عدد من المشاكل التي سيكون لها آثار عالقة. أولاَ: فشلت الإدارة الأمريكية في إعطاء أسباب وجيهة بصورة متماسكة أو مقنعة إلى الشعب الأمريكي والقوات الأمريكية حول سبب التدخل في ليبيا. وقد أوضح المسؤولون الأمريكيون أنهم أرادوا رؤية سقوط القذافي ونظامه، ومن المرجح أنهم كانوا متلهفين من وراء الكواليس لإظهار الدعم لـ "الربيع العربي"، وانتهاج الحزم في وجه حدوث أي تقدم محتمل في المنطقة من جانب إيران والمتطرفين. ومع ذلك، فإنهم لم يبذلوا أي جهد لتأمين المهمة أو القيام بعمليات عسكرية نحو هذه الغاية. وبدلاً من ذلك، تم تبرير التدخل الدولي من الناحية الخطابية بأنه لأسباب إنسانية، وقد كان من الصعب نيله في ظل التقاعس الأمريكي والدولي في أماكن أخرى في العالم. وكما هو الحال مع العراق وأفغانستان وغيرها من الصراعات الماضية والمستقبلية، يدين رئيس الولايات المتحدة للشعب الأمريكي بتفسير واضح ومتماسك عن سبب وضع الجنود الأمريكيين في موضع الخطر وإنفاق الموارد الأمريكية، ونحو أي أهداف يتم توجيههم لتحقيقها.

كما أن التأرجح الأمريكي تجاه التدخل في ليبيا كانت له أيضاً أصداؤه في الخارج. فأولاً وقبل كل شيء، إن عدم وجود قيادة واضحة في عملية بناء التحالف أدى ليس فقط إلى قيام تحالف ممزق -- ألمانيا وتركيا على سبيل المثال استثنتا نفسيهما في البداية -- ولكن أيضاً إلى تنسيق ضعيف ومستمر بين المعارضة الليبية وحلف "الناتو" والذي أُعيق أيضاً بسبب تفويضه المتعارض. ولعدة أشهر بدت أنشطة "الناتو" مصممة لفرض جمود عن طريق منع قوات النظام من التقدم مع تقديم القليل لقوات المعارضة للقيام بذلك. وبالإضافة إلى ذلك، فإن تردد واشنطن في المشاركة في ليبيا -- رغم قوة الدعم الدولي وضعف قوات القذافي والتبرير المقنع الذي وفرته أنشطة نظامه -- يرسل إشارة سلبية للنظام الإيراني وغيره فيما يخص رغبة واشنطن في الدخول في مواجهة. وبدلاً من ذلك، ينقل انطباعاً بأن أمريكا غير راغبة أو غير قادرة على نحو متزايد على ممارسة نفوذ في الشرق الأوسط، وهو التطور الذي يحمل دلالات مزعجة للغاية.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 7/أيلول/2011 - 8/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م